الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن كان فيه بعضهن ففيه بعض النفاق (1).
*
تنبِيهاتٌ:
الأَوَّلُ: الكذب لا يختص باللسان.
قال الله تعالى: {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} [يوسف: 18].
وروى أبو نعيم عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أفلِّي رأس أخي عبد الرحمن، وأنا أُفقِّع أظفاري على غير شيء؛ قال:"مَهْلًا يا عائِشَةُ، أَما عَلِمْتِ أَنَّ هَذا مِنْ كَذِبِ الأَنامِلِ؟ "(2).
التَّنْبِيهُ الثَّانِي: هذه الأحاديث مما عدَّه بعض العلماء مشكلاً من حيث إن هذه الخصال توجد في المصدق الذي ليس له شك، وقد أجمعوا أن من كان مصدقًا بقلبه ولسانه، وفعل هذه الخصال لا يكون كافرًا، ولا هو منافق يخلد في النار، وقد اجتمع في إخوة يوسف عليهم السلام أكثر هذه الخصال.
والذي قال المحققون والأكثرون -قال النووي وهو الصحيح-: إن المعنى: أن هذه الخصال خصال نفاق، وصاحبها شبيه بالمنافق فيها، متخلق بأخلاق المنافقين؛ فإن النفاق هو إظهار ما يبطن خلافه، وإضمار ما يظهر خلافه، وهذا المعنى موجود في صاحب هذه الخصال، ويكون
(1) رواه الفريابي في "صفة المنافق"(ص: 51).
(2)
ورواه الديلمي في "مسند الفردوس"(6474) مختصرًا.
نفاقه في حق من حدَّثه، أو وعده، أو ائتمنه، أو خاصمه، أو عصاه، أو غل منه (1).
وروى أبو يعلى عن زيد بن أرقم رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: "لَيْسَ الْخُلْفُ أَنْ يَعِدَ الرَّجُلَ وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَفِيَ، وَلَكِنَّ الْخُلْفَ أَنْ يَعِدَ وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ لا يَفِيَ"(2).
وروى الطبراني في "الكبير" عن سلمان رضي الله تعالى عنه قال: دخل أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مِنْ خِلالِ الْمُنافِقِ: إِذا حَدَّثَ كَذَبَ، وِإِذا وَعَدَ أَخْلَفَ، وإذا ائتمِنَ خانَ".
فخرجا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما ثقيلان، فلقيتهما فقلت: ما لي أراكما ثقيلين؟
فقالا: حديثاً سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"مِنْ خِلالِ الْمُنافِقِ: إِذا حَدَّثَ كَذَبَ، وإِذا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذا ائتمِنَ خانَ".
قلت: أولًا سألتماه؟
قالا: هِبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قلت: لكني سائله.
قال: فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: لقيني أبو بكر وعمر وهما ثقيلان، وذكرت مما قالا.
(1) انظر: "شرح مسلم" للنووي (2/ 46).
(2)
ورواه بمعناه أبو داود (4995)، والترمذي (2633) وضعفه.
فقال: "حَدَّثتهُما، وَلَمْ أَضَعْهُ عَلى الْمَوْضعِ الَّذِي يَضَعانِهِ، وَلَكِنَّ الْمُنافِقَ إِذا حَدَّثَ بِحَدِيث حَدَّثَ بِهِ، وَهُوَ يُحَدِّثَ نفسَهُ أَنَّهُ يَكْذِبُ، وإذا وَعَدَ وَعَدَ وَهُوَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ أَنه يُخْلِفُ، وَإِذا ائتمِنَ ائتمِنَ وَهُوَ يُحَدِّثُ، نفسَهُ أَنَّهُ يَخُونُ"(1).
ثم رأيت في الحديث تأويلاً آخر: أنه محمول على من صار الكذب والخلف والخيانة عادة متكررةً منه، وخلفاً مستمرًا من أخلاقه.
روى الخطيب في "تلخيص المتشابه" عن الشعبي رحمه الله تعالى قال: لا أدري ما تقولون: من كان كذابًا فهو منافق (2)!
وأنت خبير بما في صفة فَعَّال من المبالغة والتكثير.
وفي الحديث: "وَلا يَزالُ الْعَبْدُ يَكْذِبُ، وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتُبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا"(3).
التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ: روى الإِمام أحمد في "الزهد"، وأبو نعيم عن سعيد بن عبد العزيز رحمه الله تعالى قال: قال عيسى بن مريم عليهما السلام: إن أعظم الذنوب أن يقول الرجل: الله يعلم أني صادق، والله
(1) رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(6186). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 108): فيه أبو النعمان عن أبي وقاص، وكلاهما مجهول؛ قاله الترمذي، وبقية رجاله موثقون.
(2)
ورواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(5/ 236).
(3)
رواه البخاري (5743)، ومسلم (2607) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.