المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

التجاهر بالظلم، والتنزه عن الاستمرار بالخيانة، والنزاهة عن المطامع الذميمة، - حسن التنبه لما ورد في التشبه - جـ ٩

[نجم الدين الغزي]

فهرس الكتاب

- ‌37 - ومن أعمال الجاهلية: قول الشعر المشتمل على هجاء من لا يجوز هجاؤه

- ‌ تنبِيْهٌ:

- ‌38 - ومن قبائح الجاهلية: الخوض في الباطل

- ‌39 - ومن أخلاق أهل الجاهلية: ترك الصلاة بما لا يعني، ومنع المصلي من الصلاة، ونهيه عنها، وإيذاء المصلين باللفظ وغيره

- ‌40 - ومن عادات أهل الجاهلية: التحلق في المساجد والمعابد لأجل السَّمر وحديث الدنيا، لا لأجل الصلاة والعبادة، واللغو عند سماع القرآن، واللغط في مجالس الذكر

- ‌41 - ومن أخلاقهم: منع الحقوق الواجبة كالزكاة، وصلة الأرحام، والديون، والنهي عن فعل ذلك، والحيلولة بين المتصدق والصدقة

- ‌42 - ومن أخلاقهم: التعبد والتقرب إلى الله تعالى بما لم يرد به الشرع، بل لمجرد الرأي والهوى

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

- ‌ تَنْبِيهٌ آخَرُ:

- ‌43 - ومن أخلاق الجاهلية: التقرب إلى الله تعالى بالسكوت؛ وإن كان هذا شرعاً سابقاً

- ‌44 - ومن أخلاقهم: الغزو لأجل المعصية والتجبر، وطلب الدنيا كما هو معلوم من أعمالهم، والأعراب الآن على دعواهم الإسلام يفعلون ذلك، وإن اعتقد بعضهم حرمته

- ‌45 - ومنها: حمل الرؤوس المقطوعة من بلد إلى بلد

- ‌46 - ومن أعمال أهل الجاهلية:

- ‌47 - وكان من عادة الجاهلية:

- ‌48 - ومن أفعال أهل الجاهلية: الفسوق، والرفث، والجدال في الحج

- ‌49 - ومنها: الحكم بغير ما أنزل الله تعالى

- ‌50 - ومنها: ترك العدل في عطية أولاده؛ فإن السنة أن يساوي بينهم

- ‌51 - ومنها: التبنِّي بحيث يعتقد أنه يؤثر في إرثه أو محرمية

- ‌52 - ومنها: الحلف بغير الله تعالى كالآباء، ورأس الأمير بحياته وحياة غيره، وهو مكروه

- ‌53 - ومنها: الإيلاء أكثر من أربعة أشهر إضراراً بالنساء

- ‌54 - ومنها: الظِّهار

- ‌55 - ومنها: أنهم كانوا لا يرون على المطلقة عدة

- ‌56 - ومنها: أكل الأولياء مهورَ مولِّياتِهنَّ

- ‌57 - ومنها: ما ذكره القاضي أبو بكر بن العربي في "القبس" قال: وكانت أهل الجاهلية تحلق رأس المولود وتلطِّخه بالدم، فشرع النبي صلى الله عليه وسلم التصدق بِزِنتَه - يعني: الشعر

- ‌58 - ومنها: ما ذكره الجوهري في "صحاحه"، وغيره من أنهم كانوا في الجاهلية إذا قتل لهم قتيل عقوا بسهم

- ‌59 - ومن عوائدهم وأحكامهم - وهو من تهاونهم بما كان عليه صالحوا آبائهم من التمسك بملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام من تعظيم الحرم، والإحرام بالنسك

- ‌60 - ومنها: التشديد على من يقتل الصيد بالمجاوزة في الحكم عليه عن الكفارة إلى العقوبة

- ‌ تنبِيهٌ:

- ‌61 - ومن أخلاق الجاهلية: تحريم الحلال، وتحليل الحرام

- ‌ تنبِيهٌ:

- ‌ تَتِمَّةٌ:

- ‌62 - ومن عوائد أهل الجاهلية: أنهم كانوا لا يورثون النساء ولا الصغار، ويأكلون أموال اليتامى والأرامل والضعفاء

- ‌63 - ومنها: تناول الأثمان المحرمة والأعواض المؤثمة؛ كثمن الكلب، والخمر، ومهر البغي، وحُلْوان الكاهن، والعقود الفاسدة؛ كبيع الخمر، والكلب، والميتة، وبيع الغرر، وبيع حَبَل الحَبلَة، وعَسْب الفَحْل

- ‌64 - ومنها: الربا وأكل ما يحصل منه، وتناوله، والتصرف فيه

- ‌65 - ومنها: القمار، وهو المراهنة على ما يأخذه الغالب؛ إلا المسابقة والمناضلة الشرعيتين، والنَّرد

- ‌66 - ومنها: الْجَلَب والْجَنَب - وهما بفتحتين

- ‌67 - ومنها: المُكس

- ‌68 - ومنها: المغالقة على الخيل

- ‌69 - ومنها: غلق الرهن

- ‌70 - ومنها: التعزي بعزاء الجاهلية

- ‌71 - ومن أعمال أهل الجاهلية: الاستقسام بالأزلام

- ‌72 - ومنها: تعليق التمائم والحروز، وتقليد الدابة الوَثَر والجرس، ونحو ذلك

- ‌73 - ومنها: السحر والكهانة - وهما معروفان من فعل الجاهلية - والخط، والتنجيم

- ‌74 - ومن أخلاقهم: الطيرة

- ‌ تَنْبِيهٌ:

- ‌ تَنْبِيهٌ:

- ‌75 - ومن أخلاق أهل الجاهلية: اعتقاد أن غير الله يضر أو ينفع حقيقة، والاستعانة بغير الله تعالى

- ‌76 - ومن أخلاق أهل الجاهلية: الاستمطار بالأنواء، واعتقاد أنها ممطرة حقيقة، وقولهم: مُطرنا بنَوء كذا

- ‌77 - ومن أعمال الجاهلية: الاستسقاء بالنيران، أو بنار شجر مخصوص، أو بغير ذلك ما سوى الدعاء والطلب من الله تعالى، والتوبة، والأعمال الصالحة، وكان التسليع في الجاهلية كما ذكره صاحب "الصحاح

- ‌78 - ومن أعمال أهل الجاهلية: سب الدهر، والتشكي منه، ونسبة التقلبات إليه

- ‌79 - ومن أخلاقهم: أنهم كانوا يعتقدون أن الشمس والقمر لا تكسفان إلا لموت عظيم

- ‌80 - ومنها: دخول الإنسان على غيره، أو منزله بغير سلام ولا استئذان، واستبدال غيره به كقولهم: أنعم صباحًا، وأنعم مساء، وحييتم صباحًا، ومثل قول الناس الآن بعضهم لبعض: صباح الخير، مساء الخير من غير سلام، وكل ذلك مخالف للسنة

- ‌81 - ومنها: التحرج عن الأكل مع الضيف بخلًا

- ‌82 - ومنها: الفخر بالآباء والأنساب والأحساب

- ‌83 - ومنها: الطعن في الأنساب

- ‌84 - ومنها: التنابز بالألقاب المشعرة بالذم

- ‌85 - ومنها: التمادح لا على وجه التقرب إلى الله تعالى بالإنصاف، وإنزال الناس منازلهم، بل على وجه المداهنة والمراءاة، والتقرب إلى قلوب الناس تحصيلًا للأغراض الفاسدة

- ‌86 - ومنها: التمدح وتزكية النفس

- ‌87 - ومنها: المشي في القميص من غير رداء، ونحوه مما يتم به التستر؛ لأن ذلك يؤدي إلى كشف العورة أو بدوها، وروح هذه الخصلة يرجع إلى قلة الحياء والتستر، وهما من الإيمان، وضدهما من الجهل

- ‌88 - ومنها: تبرج النساء

- ‌89 - ومنها: اعتزال الحائض في المسكن والمؤاكلة، وتقدم أن اليهود كذلك

- ‌90 - ومنها: اعتقاد العدوى

- ‌91 - ومنها: النياحة على الميت، والنعي، ولطم الخدود، وخمش الوجوه، وحلق الشعور ونشرها، وشق الجيوب في المصائب، والإسعاد في ذلك

- ‌92 - ومن أعمال أهل الجاهلية: الوصية بالنوح، والتعديد، واللطم، وما ذكر معه

- ‌93 - ومنها: الإحداد على الميت أكثر من ثلاث لغير الزوجة، وإحداد الزوجة أكثر من أربعة أشهر وعشر، أو من مدة الحمل

- ‌94 - ومنها - وهو من جنس الإحداد -: أن يغير هيئته لموت أبيه، أو ابنه، أو قريبه، ويخرج بهيئة مزرية خلاف عادته إظهارًا للحزن

- ‌95 - ومنها: أن يدفن مع الميت شيء من مال صامت، أو حيوان، أو يجعل عند قبره ليستأنس به، أو ليقيه من الأرض، أو لغير ذلك من الاعتقادات الفاسدة

- ‌96 - ومن أخلاق أهل الجاهلية: معاداة أولياء الله تعالى، وإيذاؤهم، وإخراجهم من أوطانهم

- ‌97 - ومنها: الغل، والحقد، والحسد، والعداوة، والبغضاء، والحمية

- ‌98 - ومنها: الأمن من مكر الله تعالى، واليأس من رحمته، وكفران نعمه وشدة الفرح بالنعمة مع نسيان المنعم بها، والفخر بما لا يملك، والبطر والاغترار بالله تعالى، والجزع من الضراء والمصاب

- ‌99 - ومنها: الإصرار والتمادي في الضلال، وعدم الاتعاظ بالآيات، وعدم الاستكانة والتضرع عند نزول البليات تجلُّداً على الله تعالى، ومكابرة في المعاندة لأمر الله تعالى

- ‌ تَتِمَّةٌ:

- ‌(14) باب النهي عن التشبه بالمنافقين

- ‌1 - فمن أخلاق المنافقين -وهو أقبحها

- ‌2 - ومنها: الاستهزاء بالدين وأهله

- ‌3 - ومنها: إظهار الإيمان، والصلاح، والزهد والورع مع إبطان أضدادها

- ‌4 - ومنها: الإفساد في الأرض

- ‌5 - ومنها: الظلم في الولاية، أو مطلقًا، ولا سيما في الولاية والعدوان

- ‌6 - ومنها: أن المنافق يدعي أن إفساده إصلاح، وأن ظلمه عدل

- ‌ تنبِيهٌ:

- ‌7 - ومنها: أن المنافق يُسفِّه المؤمن، ويرى أنه على ضلال وباطل

- ‌8 - ومنها: التلدُّد في الخصومة، وكثرة الخصومات -فإن كانت في غير الحق كانت أقبح

- ‌9 - ومنها: الفجور في الخصومة أو مطلقًا

- ‌10 - ومنها: التكبر عن امتثال الأمر بالتقوى، والأنفة من قبول الحق إذا دعي إليه

- ‌ تنبِيهٌ:

- ‌11 - ومن أخلاق المنافقين: اتباع الهوى

- ‌ تنبِيهٌ:

- ‌12 - ومن أخلاق المنافقين:

- ‌13 - ومنها: الخوض في الباطل واللعب

- ‌14 - ومنها: الوقيعة في أهل العلم، وحملة القرآن

- ‌15 - ومنها: السرور بمصيبة المؤمن، والشماتة له، والحزن والمَساءة بنعمته وحسنته

- ‌ تَنْبِيهٌ:

- ‌16 - ومنها: التكذيب بالخارق الذي يظهر على يد الصادق كمعجزة النبي، وكرامة الولي

- ‌17 - ومنها: التهاون بالصلوات الخمس، أو بواحدة منها، والتشاغل عند القيام إليها، وتأخيرها إلى وقت لا يسعها، وترك الطمأنينة فيها

- ‌ تنبيهٌ:

- ‌ تنبِيهٌ ثانٍ:

- ‌18 - ومن أخلاق المنافقين: القعود عن الجماعة، وعن شهود الجماعة في المسجد

- ‌ تنبِيهٌ:

- ‌19 - ومن أخلاق المنافقين:

- ‌20 - ومنها: ترك الصف الأول رغبة عنه إلا لعذر

- ‌21 - ومنها: أن يعتاد أن لا يهتم بتكبيرة الإحرام

- ‌22 - ومنها: ترك صلاة الجمعة ثلاثًا وَلَاء لغير عذر، وإن صلاها ظهراً

- ‌23 - ومنها: ثقل قراءة القرآن أو سماعه على القلب، والثاني أقبح

- ‌ تنبِيهٌ:

- ‌24 - ومن أخلاق المنافقين: الإقلال من ذكر الله تعالى

- ‌25 - ومن أعمال المنافقين، وأخلاقهم:

- ‌26 - ومنها: كثرة الخصومات والمحاربات

- ‌27 - ومنها: التلاعن والتساب

- ‌28 - ومنها: التربص بالمؤمنين ولو بواحد منهم

- ‌29 - ومنها: التمرد -وهو الأقدام- والعتو، والأَشَر، والبغي

- ‌30 - ومنها: إرادة الفتنة بالمسلمين، وتخذيلهم، وولاية أعدائهم عليهم

- ‌31 - ومنها: أن المنافق يرى أنه في فتنته على الحق، وأن خصمه المحق هو المفتتن

- ‌32 - ومنها: الخديعة، والمكر، واللؤم

- ‌33 - ومنها- ويدخل في ابتغاء الفتنة-: تتبع زلات العلماء

- ‌34 - ومنها: الخيانة والكذب -ولا سيما مع اليمين والحلف- وعصيان أولي الأمر، والخروج عليهم

- ‌ تنبِيهاتٌ:

- ‌ تَتِمَّةٌ:

- ‌35 - ومن أعمال المنافقين، وأخلاقهم: دعوى الدين ومقاماته لغير غرض صحيح، وخصوصاً التقصير في العمل الموافق للدعوى

- ‌36 - ومنها: ترك العمل بالعلم، والإرشاد إلى البر مع رفض التلبس به

- ‌37 - ومنها: المبادرة إلى التكلم بالشيء قبل تدبر عواقبه

- ‌38 - ومنها: الحرص على طلب الدنيا، والانهماك فيها، والاهتمام بتحصيلها

- ‌39 - ومنها: طلب رضي الناس بما يسخط الله تعالى، والحلف الكاذب لذلك

- ‌40 - ومنها: أن يظهر للناس أنه على خوف من الله تعالى وخشية، أو تقوى فوق ما عنده

- ‌41 - ومنها: سوء الظن بالله تعالى، وسوء الاعتقاد

- ‌42 - ومنها: إساءة الظن بالمسلمين فيما أحسنوا فيه، وحمل ذلك منهم على الرياء والغرض الفاسد

- ‌43 - ومنها: الرضا عند حصول الدنيا، والسخط بتحولها

- ‌44 - ومنها: شهود العطاء والمنع من غير الله تعالى

- ‌45 - ومنها: غلبة الفرح واللهو واللعب على العبد

- ‌46 - ومنها: الأمن من مكر الله تعالى، ومن سوء الخاتمة، والتحول من الإيمان إلى النفاق؛ والعياذ بالله

- ‌47 - ومن أخلاق المنافقين: قلة المروءة، وعدم الغيرة، والقيادة، والدياثة

- ‌48 - ومنها: التبتل

- ‌49 - ومنها: تبرج المرأة بالزينة

- ‌50 - ومنها: اختلاع المرأة نفسها من زوجها لغير ضرورة، وسؤالها إياه الطلاق من غير بأس

- ‌51 - ومنها: النثار، وانتهاب النثر في الولائم

- ‌52 - ومنها: سوء الخلق، والمل من الزوج، أو الصاحب، أو الثوب، أو غير ذلك مما يلائم أشرًا وبطراً، وهو داخل في سوء الخلق

- ‌54 - ومنها: الفرح بالدنيا، والترح بإدبارها، والغضب لها، والغرام بها

- ‌55 - ومن أخلاق المنافقين: طلب الدنيا بعمل الآخرة وذكرِ الله، والقلبُ مصر على المعصية، وذكرُه تعالى وهو يريد بذكره غرضاً فاسدًا

- ‌ تَنْبِيهٌ:

- ‌56 - ومن أعمال المنافقين: ركوب الأمور التي يعتذر منها، وارتكاب ما يستحى به، وعدم تذكر العواقب، والغش

- ‌ تَنْبِيهٌ:

- ‌57 - ومن قبائح المنافقين: سوء الاعتقاد، والشك في موعود الله تعالى، والاستخفاف بأمره

- ‌58 - ومنها: الفرار من الزحف، والتولي، ونقض المعاهدة على الثبات، بل وغيره من الأمور كما تقدم

- ‌59 - ومنها: التعويق عن الخير، والتثبيط عنه؛ جهادًا وغيره

- ‌60 - ومنها: العجب، والتكبر، والتجبر، والفساد اعتماداً على ما أوتيه من قوة الجسد، ودوام الصحة، وكثرة الأموال والأولاد، والتكبر وسيلة الاستكبار، وتكلف الكبر، ودعواه للنفس

- ‌61 - ومنها: استصغار الذنب، والاستخفاف به، والأمن من عقوبته، وعدم مراقبة الله تعالى في كل الأحوال

- ‌62 - ومنها: تمني المغفرة مع الإصرار على المعاصي

- ‌63 - ومنها: الاعتذار عن المعاصي والظلم بما ليس بعذر

- ‌64 - ومنها: التسويف بالتوبة حتى يدركه الموت

- ‌65 - ومنها: إظهار التوبة، وطلب الدعاء من الصالحين باللسان، والقلبُ على خلاف ذلك

- ‌66 - ومنها -وهي أقبح أعمال المنافقين وأجمعها للشر-: تشبههم بمن سلف قبلهم من اليهود والنصارى، والمشركين، والمنافقين، والفجار

- ‌ تَتِمَّةٌ:

- ‌فَصْلُ

- ‌ تَنْبِيهٌ:

- ‌خَاتمَة في ذِكْرِ فَوَائد مُتَمَّمَة لِهَذَا البَاب

- ‌ تَنْبِيهٌ:

- ‌النَّوْعُ الثَّالِث مِن القِسْمِ الثَّاني مِن الكِتَابِ في النَّهْيِ عَنِ التَّشَبُّهِ بالفَسَقَةِ

- ‌المَقَامُ الأوَّلُ في النَّهي عَنِ التَّشَبُّهِ بِالمُبتَدعَة

- ‌ القدرية

- ‌أحدها: الواصلية:

- ‌الفرقة الثانية: الهذيلية

- ‌الفرقة الثالثة: النظامية

- ‌ منهم: الأسواري:

- ‌ ومنهم: الفضل الحدثي، وأحمد بن خابط

- ‌الفرقة الرابعة: البِشرية

- ‌الفرقة الخامسة: المعمرية

- ‌الفرقة السادسة: المردارية

- ‌الفرقة السابعة: الثمامية

- ‌الفرقة الثامنة: الهشامية

- ‌الفرقة التاسعة: الجاحظية

- ‌الفرقة العاشرة: الخياطية

- ‌الفرقة الحادية عشرة: الجُبَّائية

- ‌إحداها: الجهمية

- ‌الفرقة الثانية من الجَبَرية: النَّجَّارية

- ‌الفرقة الثالثة: الضرارية، والحفصية

- ‌ المشبهة:

- ‌إحداهما: الحشوية:

- ‌الفرقة الثانية: الكَرَّامية

- ‌ المرجئة:

- ‌إحداها: اليونسية

- ‌الثانية: العبدية

- ‌ الثالثة: الغسَّانية

- ‌ الرابعة: الثوبانية

- ‌ الخامسة: الغيلانية

- ‌ السادسة: التومنية

- ‌ السابعة: الصالحية

- ‌ الثامنة: الشمرية

- ‌ الخوارج:

- ‌الْمُحَكِّمة الأولى: وهم الحرورية

- ‌الفرقة الثّانية من الخوارج: الأزارقة

- ‌ ومن قبائح الأزارقة:

- ‌الفرقة الثّالثة من الخوارج: النجدية

- ‌الفرقة الرّابعة: البيهسية

- ‌الفرقة الخامسة: العجاردية

- ‌الفرقة السّادسة من الخوارج: الإباضية

- ‌الفرقة السابعة من الخوارج: الأصفرية الزيادية

- ‌ تَنْبِيهٌ:

- ‌ الشيعة:

- ‌ الكيسانية:

- ‌ المختارية

- ‌ الهاشمية

- ‌ الجعفرية

- ‌ الحلولية:

- ‌ البيانية

- ‌ الرِّزامية

- ‌ السليمانية

- ‌ الإمامية:

- ‌إحداها الناروسية

- ‌الفرقة الثّانية: الواقفية

- ‌الفرقة الثّالثة: الموسوية

- ‌ الغلاة:

- ‌ فرقة يقال لهم بأصبهان: خرمية، وكودية، وبالري: مزدكية، وسادنية، وبأذربيجان: دقولية، وبما وراء النهر: مبيضة، وبموضع آخر: محمرة

- ‌الفرقة الثّانية من الغلاة: الكاملية

- ‌الفرقة الثّالثة: العلبائية

- ‌الفرقة الرّابعة من الغلاة: المغيرية

- ‌الفرقة الخامسة من الغلاة: المنصورية

- ‌الفرقة السّادسة من الغلاة: الخطابية

- ‌الفرقة السابعة من الغلاة: الكيالية

- ‌الفرقة الثامنة من الغلاة: الهشامية

- ‌الفرقة التّاسعة من الغلاة: الزرارية

- ‌الفرقه العاشرة: النعمانية، ويقال لهم: الشيطانية

- ‌الفرقة الحادية عشرة: اليوسفية

- ‌الفرقة الثّانية عشرة: النصيرية، ويقال لهم: الإسحاقية

- ‌ تَتِمَّةٌ:

- ‌ الإسماعيلية:

- ‌ ومن عقائدهم الفاسدة:

- ‌ تَنْبِيهٌ:

- ‌المَقَامُ الثَّانِي فِي النَّهْي عَنِ التَّشَبُّهِ بغَيْرِ المُبْتَدِعَةِ مِن الفَسَقَةِ

- ‌الفَصْلُ الأوَّلُ

- ‌ تَنْبِيهٌ:

- ‌الفَصْلُ الثَّاني

- ‌ تَنْبِيهٌ:

- ‌الفّصْلُ الثَّالِثُ

- ‌ تَتِمَّةٌ:

الفصل: التجاهر بالظلم، والتنزه عن الاستمرار بالخيانة، والنزاهة عن المطامع الذميمة،

التجاهر بالظلم، والتنزه عن الاستمرار بالخيانة، والنزاهة عن المطامع الذميمة، ومواقف الرِّيبة، وصيانة النفس عن حمل المِنَن، والاسترسال، والاستعانة بالتماس الكفاية، وتقدير المادة.

وأمّا المروءة الّتي تعود ثمرتها على غير المرء فهي: إسعاف الأهل والإخوان والجيران وغيرهم في النوائب، والعفو عن الزلات، وعن بعض الحقوق المالية -ولو بالتخفيف والإنظار- والحقوق الأحوالية كالرضا بالدون من المجلس، وطرح المنازعة في الرتب، والتقدم في المحافل، والمسامحة في المعاملات، والإفضال جودًا على شكور، أو تآلفًا لنفور، أو استكفافًا ودفاعًا عن العرض.

فمن أتى بذلك كله فهو المرء الكامل المروءة كما يؤخذ من كلام القاضي الماوردي في كتاب "أدب الدِّين والدنيا"(1).

*‌

‌ تَتِمَّةٌ:

روى الدينوري عن المدائني قال: قال عمر رضي الله عنه: ما وجدت لئيمًا قط إِلَّا وجدته رقيق المروءة (2).

ويناسب هذا ما يحرم على الألسنة من المدح بكمال المروءة، والذم بنقصانها.

ونقل ابن عبد ربه في "عقده" عن الأحنف بن قيس أنه قال:

(1) انظر: "أدب الدنيا والدين" للماوردي (ص: 406 - 409).

(2)

تقدّم تخريجه.

ص: 513

لا مروءة لكذوب، ولا سؤدد لبخيل، ولا ورع لسيء الخلق (1).

وعن عمر بن الخطّاب رضي الله تعالى عنه أنّه قال: المروءة مروءتان؛ مروءة ظاهرة، ومروعة باطنة؛ فالمروءة الظاهرة الرياش، والمروعة الباطنة العفاف (2).

وعن العتبي، عن أبيه قال: لا تتم مروءة الرَّجل إِلَّا بخمس: أن يكون عالمًا، عاقلًا، صادقًا، ذا بيان، مستغنيًا عن النَّاس (3).

وذكر حجة الإسلام في "الإحياء" عن لقمان عليه السلام أنّه قال لابنه: يا بني! استغن بالكسب الحلال عن الفقر؛ فإنّه ما افتقر أحد قط إِلَّا أصابه ثلاث خصال: رقة في دينه، وضعف في عقله، وذهاب في مروءته؛ وأعظم من هذا استخفاف النَّاس به (4).

وروى أبو نعيم عن الحارث قال: سأل علي ابنه الحسن رضي الله تعالى عنهما عن أشياء من المروءة، فقال: يا بني! ما السَّداد؟

قال: يا أبه! دفع المنكر بالمعروف.

قال: فما الشرف؟

قال: اصطناع العشيرة، وحمل الجَريرة.

(1) انظر: "العقد الفريد" لابن عبد ربه (2/ 139)، وروى نحوه الإمام أحمد في "الزهد" (ص: 236).

(2)

انظر: "العقد الفريد" لابن عبد ربه (2/ 138).

(3)

انظر: "العقد الفريد" لابن عبد ربه (2/ 139).

(4)

انظر: "إحياء علوم الدِّين" للغزالي (2/ 62).

ص: 514

قال: فما المروءة؟

قال: العفاف، وإصلاح المال.

قال: فما الرقة؟

قال: النظر في اليسير، ومنع الحقير.

قال: فما اللؤم؟

قال: إحراز المرء نفسه، وبذله عرسه.

قال: فما السماحة؟

قال: البذل في اليسر والعسر.

قال: فما الشح؟

قال: أن ترى ما في يديك شرفًا وما أنفقته تَلَفًا.

قال: فما الإخاء؟

قال: المواساة في الشدة والرخاء.

قال: فما الجبن؟

قال: الجرأة على الصديق، والنكول عن العدو.

قال: فما الغنيمة؟

قال: الرغبة في التقوى والزهادة في [الدنيا] هي الغنيمة الباردة.

قال: فما الحكمة؟

قال: كظم الغيظ وملك النفس.

قال: فما الغنى؟

ص: 515

قال: رضى النفس بما قسم الله عز وجل لها وإن قل.

قال: فما الفقر؟

قال: شَرَه النفس في كلّ شيء.

قال: فما المنعة؟

قال: شدة البأس، ومنازعة أعز النَّاس.

قال: فما [الذل؟

قال: الفزع عند [المصدوقة].

قال: فما العي؟

قال: العبث باللحية، وكثرة البزق عند المخاطبة.

قال: فما الجرأة؟

قال: موافقة الأقران.

قال: فما الكُلفة؟

قال: كلامك فيما لا يعنيك.

قال: فما المجد؟

قال: أن تعطي في المغرم، وتعفو في الجرم.

قال: فما العقل؟

قال: حفظ القلب كلّ ما استوعبته.

قال: فما الخرق؟

قال: معاداتك إمامك، ورفعك عليه كلامك.

ص: 516

قال: فما السَّناء؟

قال: إتيان الجميل، وترك القبيح.

قال: فما الحزم؟

قال: طول الأناة، والرفق بالولاة.

قال: فما السَّفَه؟

قال: اتباع الدُّنَاة، ومصاحبة الغُواة.

قال: فما الغفلة؟

قال: تركك المسجد، وطاعتك المفسد.

قال: فما الحرمان؟

قال: تركك حظك وقد عرض عليك.

قال: فما السَّيِّد؟

قال: الأحمق في ماله، والمتهاون في عرضه، يُشتم فلا يجيب، المتحزن بأمر عشيرته هو السَّيِّد.

فقال علي رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا فَقْرَ أَشَدُّ مِنَ الْجَهْلِ وَلا مَالَ أَعْوَدُ مِنَ العَقْلِ"(1).

* * *

(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(2/ 36)، وكذا الطبراني في "المعجم

الكبير" (2688). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/ 282): رواه الطبراني، وفيه أبو رجاء الحنطي، وهو كذاب.

ص: 517

فَصْلٌ

قال النصرأباذي رحمه الله تعالى: المروءة شعبة من الفتوة، والظاهر أن الفتوة تمام المروءة (1).

وقال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى: الفتوة الصفح عن عثرات الإخوان (2).

وقال سهل رحمه الله تعالى: الفتوة اتباع السُّنَّة.

وقال الجنيد رحمه الله تعالى: الفتوة كف الأذى، وبذل الندى (3).

قلت: وفي معناه ما أنشده البيهقي في "شعب الإيمان ": [من الرجز]

ما الْمَرْءُ إِلَاّ مَنْ أَطاعَ رَبَّهُ

وَلا الفَتَى إِلَّا الْمُواسِي صَحْبَهُ

(1) انظر: "الرسالة القشيرية"(ص: 262).

(2)

رواه القشيري في "الرسالة"(ص: 261).

(3)

انظر: "الرسالة القشيرية"(ص: 262).

ص: 518

كُلُّ امْرِئٍ يَومًا سَيَلْقَى حَتْفَهُ

إِنْ كَرِهَ الْمَوْتَ وَإِنْ أَحَبَّهُ (1)

وأنشد ابن عساكر في "تاريخه" عن ابن الدواليبي هكذا: [من الرجز]

كُلُّ امْرِئٍ يَوْمًا سَيَقْضِي نَحْبَهُ

إِنْ كَرِهَ الْمَوْتَ وَإِنْ أَحَبَّهُ

ما الْمَرْءُ إِلَاّ مَنْ يُواسِي صَحْبَهُ

وَلا الفَتَى إِلَّا الْمُطِيعُ رَبَّهُ (2)

وروى الخطيب في "التلخيص" عن إبراهيم بن جناح المحاربي قال: سمعت أبا نواس يقول: سبقني والبة إلى بيتين من الشعر قالهما، وددت أني كنت سبقته إليهما وأن بعض أعضائي اختلج مني، وهو قوله:[من الطويل]

وَلَيْسَ فَتَى الفِتْيانِ مَنْ راحَ وَاغْتَدَى

لِشُرْبِ صَبُوحٍ أَوْ لِشُرْبُ غَبُوقِ

وَلَكِنْ فتى الفِتْيانِ مَنْ راحَ وَاغْتَدَى

لِضُرِّ عَدُوٍّ أَوْ لِنَفْعِ صَدِيقِ (3)

والقول الجامع في الفتوة أنّها أمران:

الأوّل: الإقبال على الطّاعة مع قيام دواعي المعصية.

ولذلك سمي أصحاب الكهف فتية؛ فإنهم أكثروا طاعة الله تعالى مع ما كان يدعوهم إلى المعصية من شرف أنسابهم، وعرض ملكهم

(1) رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(7/ 88).

(2)

رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(54/ 409).

(3)

رواه الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"(13/ 518).

ص: 519

عليهم الدنيا، ورد الأمر إليهم إنَّ اتبعوا دينه، فأقبلوا على الطّاعة وتركوا ذلك كله.

ولقد أحسن الإمام أحمد رحمه الله تعالى حين سئل عن الفتوة فقال: ترك ما تهوى لِمَا تخشى (1).

والأمر الثَّاني: معاملة الخلق بالوفاء والإفضال -وَإِنْ قابلوه بالجفاء والحرمان- تعظيمًا لوجه الله تعالى.

ولذلك أجرى الله تعالى على ألسنة قوم إبراهيم عليه السلام تسميته بالفتى في قولهم {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} [الأنبياء: 60]، كان يعترفوا له بالفتوة في نفس اعتقادهم؛ لأنّ إبراهيم عليه السلام كان يعاملهم بالوفاء بدعوتهم إلى الله تعالى تعظيمًا له، وعطفًا عليهم، وكانوا يعاملونه بالجفاء جهالة بالله تعالى، وتفضيله إبراهيم عليه السلام، ومن ثَمَّ شهد الله تعالى له بالوفاء في قوله تعالى:{وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم: 37]، ليدخل في الفتوة - على ما بيناه - جميعُ العبادات والتطوعات، والإيثار والإحسان، وقضاء حوائج الإخوان، والعفو، واحتمال الأذى، وغير ذلك.

وقد أشارت إلى ذلك الفاضلة الكاملة زينب بنت رضي الدِّين الغزي شقيقة والدي رحمهم الله تعالى - وكانت من العلماء - بقولها: [من السريع]

(1) رواه القشيري في "الرسالة"(ص: 262).

ص: 520

لَيْسَ الفَتَى كُلُّ الفَتَى عِنْدَنا

إِلَّا الَّذِي يَنْهَى عَنِ الفُحْشِ

يَأْتِي إِلَى الْخَيْراتِ مِنْ بابِها

وَيَفْعَلُ الْخَيْرَ بِلا فُحْشِ

وروى ابن الجوزي في "صفة الصفوة" عن رويم بن محمّد رحمه الله تعالى قال: الفتوة أن تعذر إخوانك في زللهم، ولا تعاملهم بما يحوجك إلى الاعتذار إليهم (1).

وروى الشّيخ أبو عبد الرّحمن السلمي في "طبقاته" عن معروف الكرخي رحمه الله تعالى قال: للفتيان ثلاث علامات: وفاء بلا خلاف، ومدح بلا جور، وعطاء بلا سؤال (2).

وعن محمّد بن الفضل البلخي رحمه الله تعالى أنّه سئل: ما الفتوة؟

قال: حفظ السر مع الله تعالى على الموافقة، وحفظ الظّاهر مع الخلق بحسن العشرة، واستعمال الخلق (3)؛ أي الحسن الجميل.

فينبغي التشبه بأهل الفتوة والمروءة في حمل أثقال الفتوات والمروءات، لا في الزي والدعوى مع خلو النفس عن كمالات الفتوة، وخصال المروءة؛ فإن ذلك يلحق العبد بأهل السَّفالة والنذالة،

(1) رواه ابن الجوزي في "صفة الصفوة"(2/ 442)، وكذا أبو نعيم في "حلية الأولياء"(2/ 442)، وعندهما:"رويم بن أحمد" بدل "رويم بن محمّد".

(2)

رواه السلمي في "طبقات الصوفية"(ص: 85).

(3)

رواه السلمي في "طبقات الصوفية"(ص: 175).

ص: 521

وليس لعاقل أن يلحق نفسه بهؤلاء لا في هذا الخلق، ولا في غيره من أخلاق الأنذال والأوباش.

وفي "الحلية" لأبي نعيم: قيل لأبي عبد الله - يعني: السجزي - رحمه الله تعالى: ما يدفعك عن لبس المرقعة؟

فقال: من النفاق أن تلبس لباس الفتيان، ولا تدخل في حَمَلة أثقال الفتوة، فما يلبس لباس الفتيان من يقدر على حمل أثقال الفتوة.

فقيل له: وما الفتوة؟

قال: رؤية أعذار الخلق وتقصيرك، وتمامهم ونقصانك، والشفقة على الخلق برهم وفاجرهم، وكمال الفتوة هو أن لا يشغلك الخلق عن الله تعالى (1).

وروى السلمي عن شاه الكرماني رحمه الله تعالى قال: الفتوة من طباع الأحرار، واللؤم من شِيَم الأنذال (2).

وقال الأستاذ أبو القاسم القشيري في "رسالته": أصل الفتوة أن يكون العبد أبدًا ساعيًا في أمر غيره (3)؛ أي: موافقًا في ذلك للشرع.

ثمّ أسند حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَزالُ اللهُ تَعالَى فِي حاجَةِ

(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(10/ 351).

(2)

رواه السلمي في "طبقات الصوفية"(ص: 157).

(3)

انظر: "الرسالة القشيرية"(ص: 260).

ص: 522

العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ فِي حاجَةِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ" (1).

وقال: سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول: سمعت النصرأباذي يقول: سمي أصحابُ الكهف فتية لأنّهم آمنوا بربهم من غير واسطة.

قال: وقال: الفتى من كسر الصنم؛ قال الله تعالى: {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} [الأنبياء: 60].

وقال عز وجل: {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ} [الأنبياء: 58].

قال: وصنم كلّ إنسان نفسه؛ فمن خالف هواه فهو فتى على الحقيقة (2).

ولنا في معنى كلام النصرأباذي رحمه الله تعالى: [من الرجز]

إِنَّ الفَتَى لَمَنْ يُخالِفُ الْهَوى

ما ضَلَّ عَنْ طَرِيقِهِ وَلا غَوى

لاحَ لَهُ يَوْمُ الْمآبِ فَارْعَوى

ثُمَّ اسْتَقامَ فِي الطَّرِيقِ وَاسْتَوى

قال القشيري رحمه الله تعالى: وقال الحارث المحاسبي رحمه الله تعالى: الفتوة أن تنصف ولا تنتصف.

قال: وقال عمرو بن عثمان المكي رحمه الله تعالى: الفتوة حسن الخلق.

(1) ورواه النسائي في "السنن الكبرى"(7287)، والطبراني في "المعجم الكبير"(4852).

(2)

انظر: "الرسالة القشيرية"(ص: 261).

ص: 523

وسئل الجنيد رحمه الله تعالى عن الفتوة، فقال: لا تنافي فقيرًا، ولا تعارض غنيًا.

قال: وقال محمّد بن علي التّرمذيّ يرحمه الله تعالى: الفتوة أن يستوي عندك المقيم والطارئ (1)؛ يعني: في المعاشرة، والإكرام، ونحوهما، وفي عدم الالتفات إلى أحد منهما في فعل أو ترك، فيكون إشارة إلى الإخلاص والصدق

(2).

في معنى ما نقله أيضًا عن النصرأباذي: لمروءة شعبة من الفتوة، وهو الإعراض عن الكونين، والأَنفَة منهم؛ يعني: شغلًا بالله تعالى، وفناءً في حبه، وارتباطًا بأوامره.

وقيل: الفتوة إظهار النعمة، وإسرار المحنة. نقله التستري (3).

وقال رحمه الله تعالى: واعلم أن من الفتوة الستر على عيوب الأصدقاء؛ لاسيما إذا كان لهم فيه شماتة الأعداء (4). [من المتقارب]

رَأَيْتُ الفَتَى مَنْ يُغَطِّي الزَّلَلْ

وَيَرْفُو مِنَ الأَصْدِقاءِ الْخَلَلْ

(1) انظر: "الرسالة القشيرية"(ص: 262)، وعندها "لا تنافر".

(2)

بياض في "أ" بمقدار كلمة.

(3)

انظر: "الرسالة القشيرية"(ص: 262)، و"مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 342).

(4)

انظر: "الرسالة القشيرية"(ص: 265).

ص: 524

وَيُظْهِرُ أَحْسَنَ أَعْمالِهِمْ

وَيُثْنِي عَلَيْهِمْ بِحُسْنِ العَمَلْ

أخبرنا والدي رحمه الله تعالى، أنا شيخنا زكريا الأنصاري عن العز ابن الفرات الحنفي، عن قاضي القضاة تاج الدِّين السبكي، أنا قاضي القضاة أبو عبد الله محمّد بن إبراهيم الشّافعيّ كتابةً عن أبي الفضل بن أبي العباس بن الحسين بن محمّد بن أحمد الدمشقي، عن الإمام أبي الخطّاب عمر بن محمّد بن عبد الله الكرماني، أنا أبو بكر محمّد بن إسماعيل بن محمّد القرشي النقيسي قال: سمعت أبا عبد الرّحمن السلمي يقول: سمعت يحيى بن منصور يقول: سمعت الفربري، سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشّافعيّ رضي الله تعالى عنه يقول - وقصده رجل فطلب منه شيئا، فأعطاه ما أمكنه - ثمّ أنشأ يقول:[من البسيط]

يا لَهْفَ نَفْسِي عَلى مال أُفَرِّقُهُ

عَلى الْمُقِلِّينَ مِنْ أَهْلِ الْمُرُوءاتِ

إِنَّ اعْتِذارِي إِلَى مَنْ جاءَ يَسْأَلُنِي

ما لَيْسَ عِنْدِي لَمِنْ إِحْدى الْمُصِيباتِ (1)

* * *

(1) ورواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(51/ 404).

ص: 525

فَصْلٌ

كثيرًا ما يقع في عبارات الفقهاء التعبير بالسَّفَه عما يُسقط المروءة كقول الماوردي: نتف اللحية سفه تُرَدُّ به الشّهادة (1).

وقول القاضي حسين: في اعتياد الرَّجل البول قائمًا: تُرَدُّ به الشّهادة لأنّه يعد سفهًا.

ويفهم من ذلك أن السفه يقابل المروءة، والمشهور أنّه يقابل الحلم، وفسروا السفه في باب الْحَجْر بسوء التصرف في المال.

وقال القاضي البيضاوي: والسفه خِفَّة وسخافة دائمة يقتضيهما نقصان العقل، انتهى (2).

وقال صاحب "القاموس": السفه -محركة، وكسحاب، وسحابة- خفة الحلم، أو نقيضه، أو الجهل (3).

قلت: والذي تحرَّر لي أن السفه إمّا أن يكون في الدِّين، وإما أن

(1) انظر: "الحاوي الكبير"(17/ 151).

(2)

انظر: "تفسير البيضاوي"(1/ 175).

(3)

انظر: "القاموس المحيط " للفيروزأبادي (ص: 1609)(مادة: سغه).

ص: 526

يكون في الدنيا؛ وكلاهما مذموم.

فمن الأوّل: قوله تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة: 130]، أي: اِسْتَمْهَنَهَا وأذَلَّها، واستخف بها.

والمعنى: لا يرغب عن ملة إبراهيم عليه السلام إِلَّا من حملته الخفة والسخف على امتهان نفسه وإذلالها بتعريضها لعذاب الآخرة، أو لحرمان الثّواب يوم المآب.

ومن الثّاني: قوله تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: 5].

والمعنى: إنَّ إيتاء المال السفيه يؤدِّي إلى ضياعه، وقد كره الله تعالى لنا إضاعة المال؛ فإن السفيه تحمله الخفة والطيش على التبذير، وصرف الأموال في غير مصارفها، فتذهب باطلة.

فحقيقة السفه: أن تحمل المرء الخفة والسخافة وضعف الرأي على معصية الله تعالى، ومخالفة سنن الصالحين، والاشتطاط على النَّاس، وسوء التصرف في الأموال وغيرها من نعم الله تعالى كصرف نعمة الفراغ والصحة في اللهو واللعب، وصرف نعمة الفطانة والذكاء والصنعة في العلوم أو الأعمال الّتي لا يعود نفعها عليه في العاقبة كالسحر، والأوفاق، والتنجيم، والموسيقا، وكعمل آلات اللهو، والملاعب، والتصاوير، فمن فعل ذلك أو شيئًا منه كان سفيهًا، ومن تشبَّه بالسفهاء فهو منهم، ومن عاشر السفهاء يوشك أن يتشبه بهم،

ص: 527

وَيسْري إلى طبعه شيء من طباعهم.

روى الإمام أحمد في "الزهد" عن عمير بن حبيب بن حماسة - وكانت له صحبة - رضي الله تعالى عنه: أنّه أوصى بنيه فقال: يا بني! إياكم ومجالسةَ السفهاء؛ فإن مجالستهم داء، إنَّ من حلم على السفيه يسره بحلمه، ومن لا يقر بقليل ما يأتي به السفيه يقر بالكثير، ومن يصبر على ما يكره يدرك ما يحب، وإذا أراد أحدكم أن يأمر النَّاس بالمعروف وينهاهم عن المنكر فليوطّن نفسه على الصبر على الأذى، وليوقِنْ بالثواب من الله عز وجل؛ فإن من يثق بالثواب من الله تعالى لا يجد مسِّ الأذى (1).

ثمّ اعلم أن السفه شجرة مددها الحمق، ولذلك حجر على السفيه.

ويرى السفيه الحق باطلًا، والقبيح حسنًا، والإحسان والنصيحة إساءة وغشًا، والصديق عدوًا، والنافع ضارًا، والضار نافعًا، والخير شرًا. وقال مالك بن دينار رحمه الله تعالى: يا هؤلاء! إنَّ الكلب إذا طرح إليه الذهب والفضة لم يعرفهما، وإذا طرح عليه العظم أكب عليه، كذلك سفهاؤكم لا يعرفون الحق. رواه الإمام أحمد في "الزهد"، ومن طريقه أبو نعيم (2).

(1) رواه الإمام أحمد في "الزهد"(ص: 186).

(2)

رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(2/ 360).

ص: 528

قال مالك بن دينار أيضًا: لولا سفهاؤكم للبست لباسًا لا يراني محزون إِلَّا بكى. رواه أبو نعيم (1).

وفيه تأييد لالتزام العالم زي العلماء، وكل واحد من أهل صناعة زيهم لئلا يجترئ السفهاء على ذوي المروءات؛ وهو نفيس.

وإذا كان زي السفهاء قبيحًا بالعلّماء، فتخلُّق العلماء بأخلاق السفهاء أقبح.

وقال سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى: إذا كان نهاري نهار سفيه، وليلي ليل جاهل، فما أصنع بالعلم الّذي كتبت؟ رواه ابن الجوزي في "صفة الصفوة"(2).

وأشقى السفهاء من يسمي سفهه عقلًا، وجهله علمًا، ويستكمل رأي نفسه في ذلك، ويرى أن العقلاء والفضلاء والعلماء سفهاء لأنّه قد دلس على نفسه بما يروج سوقه، ولا يستحسن رأيه عند أهل النُّبل والكمال، ولو طمع أنّه يخفى عليهم، فلا ولله لا يخفى على الله تعالى حقيقة أمره، بل الله تعالى يهتك ستره، ويوضح للناس أمره، ألَّا ترى المنافقين حين أطلقوا اسم السفه على الصّحابة رضي الله تعالى عنهم كيف قلب الله لقبهم عليهم، ووسمهم بالاسم الّذي سمُّوهم به، فقال

(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(2/ 375).

(2)

رواه ابن الجوزي في "صفوة الصفوة"(2/ 232)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء"(7/ 271).

ص: 529

تعالى: {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 13]؟

فانظر كيف رد الله عليهم هذا اللقب حين لقبوا به المؤمنين إذ قالوا: {قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ} [البقرة: 13]؟

وقولُه - سبحانه - الحقُّ إشارة إلى أن من أعرض عن الدَّليل، ثمّ نسبه المتمسك به إلى السفاهة، فهو السفيه حقيقة، ومن باع آخرته بدنياه فهو السفيه، ومن عادى محمدًا فقد عادى الله، ومن عادى الله فهو السفيه المستوجب لذمه، المستحق لعقوبته.

ولله در الشّافعيّ رضي الله تعالى عنه حيث يقول: من تزين بباطل فلا بد أن ينهتك ستره (1).

وقال العلّامة الجد رضي الله تعالى عنه: [من السريع]

قُولُوا لِمَنْ بَهْرَجَ فِي عُمْرِهِ

بِالعِلْمِ إِذْ ضاقَ بِهِ الْمَخْرَجُ

يا صاحِبَ التَّمْوِيهِ بَيْنَ الوَرَى

لا بُدَّ أَنْ يَنْكَشِفَ البَهْرَجُ

واعلم أنّه قد جرت عادة الله تعالى في كلّ ذي رأي أن يستحسن رأيه ويفخر كما قال تعالى: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون: 53].

وأنشد الحاكم بإسناده إلى الربيع قال: سمعت الشّافعيّ رضي الله عنه يقول: [من الوافر]

وَمَنْزِلَةُ السَّفِيهِ مِنَ الفَقِيهِ

كَمَنْزِلَةِ الفَقِيهِ مِنَ السَّفِيهِ

(1) انظر: "تهذيب الأسماء واللغات"(1/ 76).

ص: 530

فَهَذا زاهِدٌ فِي عِلْمِ هَذا

وَهَذا فِيهِ أَزْهَدُ مِنْهُ فِيهِ

إِذا غَلَبَ الشَّقاءُ عَلى سَفِيهٍ

تَنَطَّعَ فِي مُخالَفَةِ الفَقِيهِ (1)

وهذه أعظم المُهْلِكات الّتي أشار إليها النّبيّ صلى الله عليه وسلم لأبي ثعلبة الخشنيِّ رضي الله تعالى عنه: "مُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَإِذا رَأَيْتَ شُحًّا مُطاعًا، وَهَوىً مُتَّبَعًا، وَدُنْيا مُؤْثَرةٌ، وإِعْجابَ كُلِّ ذِي رَأْي بِرَأَيْهِ فَعَلَيْكَ بِنَفْسِكَ وَدعَ العَوامَّ" الحديث. رواه أبو داود، وابن ماجه، والترمذي، وحسنه (2).

ونص النّبيّ صلى الله عليه وسلم في حديث آخر رواه الطبراني وغيره: أن هذه الأمور مهلكات (3).

وقال الدينوري في "المجالسة": أنشدنا محمّد بن عبد العزيز لموسى بن سعيد بن عبد الرّحمن المقنع الأنصاري: [من الطويل]

ثَلاثُ خِلالٍ كُلُّها غَيْرُ طائِلِ

يَطُفْنَ بِقَلْبِ الْمَرْءِ دُونَ غَشائِهِ

هَوى النَّفْسِ ما لا خَيْرَ فِيهِ وَشُحُّها

وإِعْجابُ ذِي الرَّأْيِ السَّفِيهِ بِرَأْيِهِ (4)

(1) تقدّم تخريجه.

(2)

رواه أبو داود (4341)، وابن ماجه (4014)، والترمذي (3058) وحسنه.

(3)

روى الطبراني في "المعجم الأوسط"(5452) عن أنس بن مالك عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: "ثلاث مهلكات شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه".

(4)

انظر: "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 417).

ص: 531

ولا يكون الإعجاب بالرأي مهلكًا إِلَّا إذا كان مخالفًا للحق، وهو الرأي السفيه، وإذا وافق الرأي الحق فلا يضره الإعجاب به من حيث إنّه حق، بل من حيث إنّه منسوب إليه.

والإعجاب بالرأي من هذه الحيثية هو الغالب على النَّاس، ولذلك جاء ذم الإعجاب بالرأي في الحديث مطلقًا، فالعالم العامل والفقيه الخاشع مهما أعجبه ما هو عليه من حيث إنّه حق مأمور به مع التبرؤ من الحول والقوة ليستحث نفسه على طلب الزيادة منه عملًا بقوله تعالى:{وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]، وليبعث غيره على الاقتداء به ليفوز بالنجاة والنجاح، فإن ذلك دليل الخير والسعادة.

ومن هذا القبيل: ما رواه ابن جرير عن ابن مسعود رضي الله عنه أنّه قال: والذي لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب الله إِلَّا وأنا أعلم فيمن نزلت وأين نزلت، ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لأتيته (1).

وروي نظير ذلك عن علي، ومعاوية، وسعيد بن المسيَّب، وغيرهم (2).

وأمّا السفيه فإنّه مهما أعجب بنفسه وسفَهِهِ ودعا النَّاس إلى مثل عمله، وصرف فكره وفطنته في تقبيح حال العلماء الكُمَّل، ومخالفتهم

(1) رواه الطّبري في "التفسير"(1/ 36).

(2)

انظر: "الإتقان في علوم القرآن" للسيوطي (4/ 493).

ص: 532

في القول أو الرأي أو العمل، فذلك دليل شقاوته كما أشار إليه الشّافعيّ رحمه الله تعالى (1).

ومن ثمّ لا ينبغي أن يقر السفيه على ما يصنعه مخالفاَّ للسنة، ولا يُحَسَّن له رأي ولا عمل، بل ولا تقبل له هدية؛ فإن قبول هدية المرء دليل المحبة والرضا عنه كما قال حذيفة المرعشي رحمه الله تعالى: إياكم وهدايا الفجار والسفهاء؛ فإنكم إن قبلتموها ظنوا أنكم قد رضيتم فعلهم. رواه ابن جهضم (2).

بل ينبغي نهيه، وزجره، ومنعه.

روى الطبراني في "الكبير"، والبيهقي في "السنن" عن النعمان بن بشير رضي الله عنه: أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "خُذُوا عَلى أَيْدِي سُفَهائِكُمْ قَبْلَ أَنْ تَهْلَكُوا، أَوْ تُهْلِكُوا"(3).

وفي معنى الحديث قول العرب: حكموا سفهاؤكم بالكلف؛ أي: امنعوهم.

قال في "الصحاح": يقال: حكمت السفيه، وأحكمته: إذا أخذت على يده.

(1) في الأبيات المتقدم ذكرها قريبًا.

(2)

ورواه ابن الجوزي في "صفة الصفوة"(4/ 270).

(3)

رواه الطبراني في "مكارم الأخلاق"(ص: 100)، والبيهقي في ""شعب الإيمان" (7577).

ص: 533

قال جرير: [من الكامل]

أَبَنِي حَنِيفَةَ حَكِّمُوا سُفَهاءَكَمْ

إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمُ أَنْ أَغْضَبا

وكأنه مأخذ من حلة اللجام، وهي بالتحريك: ما أحاط بحنك الدابة، فقال منه: حكمت الدابة حكمًا، وأحكمته (1).

ومنهم من ينشد البيت: حلموا - باللام - أي: احملوهم على الحلم؛ كأنّه فر من إيهام معنى التحكيم الّذي هو جعلهم حكامًا؛ فإنّه لا يليق الأمر به.

ولقد جرت عادة الله تعالى في خلقه منذ خلق آدم عليه السلام إلى عصرنا أنّه لم يكن عليم حكيم دخل في ولاية الله تعالى إِلَّا ابتلي بسفيه يُباريه ويُماريه، ويعاديه ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حَيَّ عن بينة كابتلاء آدم بإبليس، وهابيل بقابيل، ونوح وهود وصالح وشعيب بأقوامهم، وإبراهيم بنمرود وقومه، ولوط بأهل سَدُوم، وموسى بفرعون وقومه، وعيسى باليهود، ومحمد صلّى الله عليه وعلى سائر الأنبياء وسلم بأبي جهل وصناديد قريش، ثمّ بكعب بن الأشرف وأحبار يهود، وبالسيد والعاقب، ومن معهما من نصارى نجران، وبعبد الله بن أُبَي ابن سلول والمنافقين.

وكل هؤلاء السفهاء أُعجبوا برأيهم، وسفَّهوا أحلام خيارهم.

فقال إبليس: {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} [الإسراء: 61].

(1) وانظر: "لسان العرب" لابن منظور (12/ 144)(مادة: حكم).

ص: 534

وقال لآدم وحواء عليهما السلام ما تحصيلُه: إنَّ ترككما الشجرةَ سفهٌ لأنّها شجرة الخُلد، والأكل منها يلحقكما بالملائكة، ومن أعرض عن هذا فهو سفيه. وقال قابيل لأخيه:{لَأَقْتُلَنَّكَ} [المائدة: 27]، ثمّ قتله، ولى تمنعه الأخوة من السفه.

وقال قوم نوح عليه السلام: {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (60) قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ} [الأعراف: 60، 61].

وقال قوم هود عليه السلام: {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [الأعراف: 66].

وقال قوم صالح عليه السلام: {يَاصَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا} [هود: 62]. وقال قوم شعيب عليه السلام {قَالُوا يَاشُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} إلى قوله: {قَالُوا يَاشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ} [هود: ][هود: 87 - 91]:

وقال قوم إبراهيم عليه السلام: {قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 59].

وقال قوم لوط عليه السلام: {أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [النمل: 56].

ص: 535

وقال فرعون: {قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} [الشعراء: 27].

وقالت قريش عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: إنّه سَفَّه أحلامهم، وصَبَأ عن دينهم.

وقالوا: ساحر وشاعر ومجنون.

وسمَّوه صابئًا، ومذممًا، وابن أبي كبشة.

وقال أهل الكتابين: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا} [البقرة: 135] وقال المنافقون: {قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ} [البقرة: 13].

{وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة: 14].

ثمّ صارت هذه السُّنَّة في هذه الأُمَّة إلى الآن؛ ما ظهر منها ظاهر بحق يدعو إلى الله على بصيرة بطريق الوراثة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم يأمر بسنة وينهى عن مخالفة شريعته، إِلَّا ابتلي بسفيه يسفِّه رأيه، ويقبِّح طريقه؛ ولا حول ولا قوة إِلَّا بالله.

* تَنْبِيهٌ:

وظيفة العدل الرشيد مع السفيه أمور:

الأوّل: أن لا يتشبه بالسفهاء.

ومتى رغبت عن حال الراشدين التحقت بالسفهاء؛ ألَّا ترى قوله تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة: 130]؟

الثّاني: أن تأخذ على يد السفيه، وتنكر عليه وتنهاه، إِلَّا عند خوف الفتنة أو الضرر؛ فإن التغافل عن السفهاء ربما أدى إلى هلاك العامة.

ص: 536

روى الإمام عبد الله بن المبارك عن الشّعبيّ رحمه الله تعالى قال: سمعت النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما يقول على هذا المنبر: يا أيها النَّاس! خذوا على أيدي سفهائكم؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إِنَّ قَوْمًا رَكِبُوا فِي سَفِينَةٍ، فَاقْتَسَمُوها، فَأَصابَ كُلُّ واحِدٍ مَكانًا، فَأَخَذَ رَجُلٌ مِنْهُ الفَأْسَ فَنَقَرَ مَكانَهُ، قالُوا: ما تَصْنعُ؟ قالَ: مَكانِي أَصْنَعُ بِهِ ما شِئْتُ، فَإِنْ أَخَذُوا عَلى يَدَيْهِ نَجَوْا وَنَجا، وإِنْ تَرَكُوهُ غَرِقَ وَغَرِقُوا؛ خُذوا عَلى أَيْدِي سُفَهائِكُمْ قَبْلَ أَنْ تَهْلَكُوا"(1).

وقد قلت سابقًا: إنّه متى ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان سببًا للهلاك وعموم الفساد.

الثّالث: أن تصرم السفيه وتهجره حيث خِفْتَ الفتنة من أمره ونهيه، أو علمت أن الموعظة لا تؤثر فيه.

قال تعالى: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199].

وروى الطبراني، والبيهقي في "الشعب" بسند صحيح، عن عمر ابن قيس بن بشير بن عمر، عن أبيه، عن جده بشير بن عمر رضي الله تعالى عنه -وكان قد رأى النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: أصرم الأحمق (2).

(1) رواه ابن المبارك في "الزهد"(1/ 475)، وأصل الحديث عند البخاري (2361).

(2)

رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(9468) مرفوعًا، و (9469) موقوفًا، وقال هذا هو الصحيح موقوف، ففي الإسناد الأوّل خطأ من ثلاثة أوجه أو =

ص: 537

الرّابع: أن لا تحسن له حالًا، ولا تؤتيه لك مالًا، ولا تُسْلِمه قِيادك، ولا تُوليه أمرًا لا يقوم به رأيه، ولا يحتمله عقله.

قال الله تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5].

روى ابن أبي شيبة، وغيره عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه - موقوفا - والحاكم وصححه، والبيهقي عنه مرفوعا إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"ثَلاثة يَدْعُونَ اللهَ فَلا يَسْتَجِيبُ لَهُمْ؛ رَجُلٌ كانَتْ تَحْتَهُ امْرَأة سَيِّئَةُ الْخُلُقِ فَلَمْ يُطَلِّقْها، وَرَجُل كانَ لَهُ عَلى رَجُلٍ مالٌ فَلَمْ يُشْهِدْ، وَرَجُلٌ آتَى سَفِيها مالَهُ وَقَدْ قالَ اللهُ تَعالَى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] "(1).وقلت عاقدًا له: [من الرجز]

ثَلاثَة يَدْعُونَ رَبَّهُمْ وَلا

يُجِيبُهُمْ فِي خَبَرٍ مُصَدَّقِ

مُؤتِي السَّفِيهَ مالَهُ وَمَنْ إذا

عَامَلَ لَمْ يُشْهِدْ وَلَمْ يَسْتَوْثِقِ

وَرَجُل زَوْجَتُهُ مُسِيئَةٌ

أَخْلاقَهَا ثَمَّتَ لَمْ يُطَلِّقِ

= من أربعة أوجه؛ أحدها قول: عمر بن قيس، وإنّما هو عمرو بن قيس، والثّاني: قول بشير، وإنَّما هو يسير، والثّالث: في رفعه، وإنَّما هو موقوف، والرّابع: في عده بشيرًا من الصّحابة، بشير ممّن أدرك زمانه، وإنما أسلم بعده.

(1)

رواه ابن أبي شيبة في "المصنِّف"(17144)، والحاكم في "المستدرك"(3181)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(8041).

ص: 538

* تَنْبِيهٌ:

روى ابن أبي حاتم عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ النِّساءَ السُّفَهاءُ إِلَاّ الَّتِي أَطاعَتْ قَيِّمَها"(1).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ (5)} [النساء: 5] قال: هم بَنُوك والنساء (2).

وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: الخدم، وهم شياطين الإنس (3).

ووجه تفسيرهم بما ذكر - وإن كان الحكم عاماً - لوجهين: أحدهما: أن المرء العاقل لا يؤتي ماله لكل من لقيه، وإنما يسمح بماله لمن يكون أعز عليه من ماله، أو لمن يخصه من ولد أو زوجة أو خادم، فوقع النهي عن إيتاء سفهائكم المال لأنه تعريض له لأن يضيع.

وفسرت السفهاء بمطلق الصبيان والنساء؛ لأن الغالب عليهم

(1) رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(3/ 863)، والطبراني في "المعجم الكبير" (7874) بمعناه. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/ 314): فيه علي بن يزيد الألهاني، وهو متروك، وقد قيل فيه: إنه صالح، وبقية رجاله ثقات.

(2)

رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(3/ 863).

(3)

رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(3/ 863).

ص: 539

السفه، وهو حالهم لأنهم لا يتعبون في تحصيله، فلا يُحسنون إمساكه، وإذا صرفوه والتمسوا غيره وجدوه، فإذا منعوا منه تنبهوا لحالهم، فتنصلوا منه، وتحلَّوا بحِلْية الرشد.

وثاني الوجهين: أنه إذا نهي عن إيتاء المال لأقرب الناس إليه إذا كانوا سفهاء، فالسفهاء غيرهم أولى بالنهي والمنع منه.

وفي الآية تفسير آخر: أن المراد بالآية النهي عن دفع مال اليتيم والمحجور عليه إليه ما لم يرشد.

ونسب المال إلى الأولياء تنزيلاً لليتيم ونحوه منزلة نفسه؛ لأن المؤمنين إخوة كما قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ (29)} [النساء: 29]؛ أي: لا يقتل بعضكم بعضًا.

روى ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رحمه الله تعالى {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ} ، قال: هم اليتامى.

{أَمْوَالَكُمُ (5)} [النساء: 5]، قال: أموالهم؛ بمنزلة قوله: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ (29)} [النساء: 29](1).

الخامس من الأمور: أن ترفق بالسفيه الذي هو تحت ولايتك من ولد، أو امرأة، أو خادم، أو يتيم، ونحوه بالإنفاق عليه بقدر الحاجة، وتحريضه على كسوته ونحوها، وأن يتلطف به في الخطاب والنصيحة، وتعرَّفه وجه منعه من مالك أو من ماله لعله يرشد.

(1) رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(3/ 863).

ص: 540

قال الله تعالى: {وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5)} [النساء: 5].

هذا حيثما تُوسِّم له النجاح والفلاح، وظُنَّ منه الاصطلاح، وأما إذا أيس رشده وخيره، وعلم أن الرفق به في الخطاب، واللين معه في الكلام يزيد في فساده، ولا يميله عن سفهه، فليس له إلا الزجر والهجر.

روى أبو نعيم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عَلِّقُوا السَّوْطَ حَيْثُ يَراهُ أَهْلُ البَيْتِ"(1).

وأخرجه الطبراني في "الكبير" من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وزاد:"فَإِنَّهُ أَدَبٌ لَهُمْ"(2).

وقال لقمان عليه السلام: ضرب الوالد لولده كالسماد للزرع (3).

ولا يخفى على العارف الحكيم الأنفع والأصلح في تأديب السفهاء ومعاشرتهم، وفي التأدب مع العلماء ومعاملتهم، كما روى أبو نعيم عن معاوية بن قُرَّة رحمه الله تعالى قال: مكتوب في الحكمة:

(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(7/ 332)، وله شواهد من حديث جابر وابن عباس رضي الله عنه. انظر:"تخريج أحاديث الكشاف" للزيلعي (1/ 316).

(2)

رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(10671). وحسن الهيثمي إسناده في "مجمع الزوائد"(8/ 106).

(3)

رواه الإمام أحمد في "الزهد"(ص: 96).

ص: 541

لا تجالس بحلمك السفهاء، ولا تجالس بسفهك العلماء (1).

ويقال في المثل: سفيهًا لم يجد مسافهًا (2).

وربما قيل: سفيهٌ بالرفع؛ يضرب في الإعراض عن الجاهلين، وترك مسافهتهم، فلا ينبغي أن تقابل السفيه بمثل سفهه، ولا تتفقه في جوابه؛ فإن العي هنا أولى من الفهم والفطنة.

روى الدينوري رحمه الله تعالى عن سعيد بن العاص رضي الله تعالى عنه قال: لا أعتذر من العي في خصلتين: إذا خاطبت سفيهاً، أو طلبت حاجة لنفسي (3).

وقلت في عقد معناه [من المنسرح]:

العِيُّ فِي خَصْلَتَيْنِ خَيْرٌ

مِنْ فِطْنَتِي وَاحْتِكامِ حَدْسِي

مَتَى أُخاطِبْ سَفِيهَ قَوْمٍ

أَوْ أَبْتَغِي حاجَةً لِنَفْسِي

* تَتِمَّةٌ:

روى أبو نعيم عن سعيد بن عبد العزيز قال: قال سليمان لابنه عليهما السلام: يا بني! نظرت في العلم فكثر همي، ونظرت في الحكمة فكبر سني، ونظرت فإذا مع الصحة سقم، وإذا مع الشباب

(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(2/ 301).

(2)

انظر: "جمهرة الأمثال" لأبي هلال العسكري (1/ 511).

(3)

رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 298).

ص: 542

كبر، وإذا مع الحياة موت، وإذا تربتي وتربة السفيه واحدة، إلا أَنْ أفضله يوم القيامة بعملي (1).

(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(6/ 126).

ص: 543

فَصْلٌ

من التشبه بالسفهاء التشبه بالسفلة، والدنيء، والخسيس، والنذل، والوبش، والوغد، والرَّذِل، والطَّغَام، واللئيم، والغوغاء، ومرء السوء.

وهذه الأوصاف كلها مذمة لا ينبغي التشبه بمن اتصف بها.

فأما السفلة - بكسر الفاء - على وزن فرحة، وتنقل كسرة الفاء إلى السين، وهو أفصح: هم أسافل الناس وغوغاؤهم كما في "القاموس"(1).

وقد سفل - ككَرُم، وعلِمَ، ونصَرَ - سفالاً وسُفولاً - بالضم - وتسفل، وسفل في خلقه، وعلمه - ككرم - سفلاً، ويضم، وسفالاً - ككتاب - وفي الشيء: سفلاً - بالضم -: نزل من أعلاه إلى أسفله.

وقال في "الصحاح": السفلة: السقاط من الناس.

يقال: هو من السفلة، ولا تقل: هو سفلة لأنها جمع، والعامة تقول: رجلٌ سفلة من قومٍ سفل.

(1) انظر: "القاموس المحيط" للفيروز آبادي (ص: 1312)(مادة: سفل).

ص: 544

قال ابن السِّكِّيت: وبعض العرب تخفف فتقول: فلان من سفلة الناس، فتنقل كسرة الفاء إلى السين. انتهى.

وربما قيل: فلان من السفلة - بفتحتين - وهو جميع سافل، من السفول.

ويقع في كلام الفقهاء: فلان السفلة على الواحد، وقد حكينا عن "الصحاح" أنه من قول العامة.

قال الفقهاء: السفلة: من تعاطى الأفعال الدنئة ويعتادها، ولا يقع على من يتفق منه نادرًا كَالكريم والسيد في نقيضه، فلا ينبغي التشبه بمن يرضى لنفسه بسفساف الأخلاق والأعمال، لا في أقواله، ولا في أعماله، ولا في سائر أحواله.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ كَرِيْمٌ يُحِبُّ الكَرَمَ، وَيُحِبُّ مَعالِيَ الأُمُورَ، وَيَكْرَهُ سَفْسافَها". رواه الطبراني، والحاكم وصححه، وأبو نعيم، والبيهقي من حديث سهل بن سعد رضي الله تعالى عنهما (1).

والسَّفْساف: الرديء من كل شيء، والأمر الحقير، ومنه قيل للئيم العطية: مسفسف.

وروى أبو نعيم عن ذي النون المصري رحمه الله تعالى: أنه سئل عن السفلة من هو؟

(1) تقدم تخريجه.

ص: 545

قال: من لا يعرف الطريق إلى الله، ولم يتعرفه (1).

وعنه قال: سئل جعفر بن محمد رحمه الله تعالى عن السفلة؟ قال: من لا يبالي ما قال، ولا ما قيل له (2).

وروى الدينوري عن الحسن بن عيسى قال: سئل ابن المبارك رحمه الله تعالى فقيل له: من الناس؟

قال: العلماء.

قيل: فمن الملوك؟

قال: الزهاد.

قيل له: فمن السفلة؟

قال: الذي يأكل الدنية.

قيل له: فمن الغوغاء؟

قال: خزيمة بن حازم وأصحابه.

قيل له: فمن الدني؟

قال: الذي يذكر غلاء السعر عند الضيف (3).

وروى أبو نعيم عن نصر بن سيار قال: قال سفيان رحمه الله

(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(9/ 372).

(2)

رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(9/ 356).

(3)

رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 54).

ص: 546

تعالى: لو لم ينبغ للأشراف أن يزهدوا في الدنيا إلا لأنها تضعهم وترفع السفلة عليهم، كان يحق لهم أن يزهدوا فيها (1).

وعن سلمة بن عفان قال: إن أردت أن تعرف قدر الدنيا فانظر عند من هي (2).

وأما الدنيء فهو - كما في "القاموس" -: الخسيس، الخبيث البطن والفرج، الماجن كالدانئ، والدقيق الحقير، والجمع: أدناء ودنآء.

وقد دنأ - كمنع، وكرم - دنوءة ودناءة.

والدنيئة: النقيصة (3).

وقد سبق قريبًا في كلام ابن المبارك: أن الدنيء الذي يذكر غلاء السعر عند الضيف.

وأما الخسيس: فعلة من باب: خس خسة وخساسة، إذا كان في نفسه خسيساً.

وخس نصيبه: جعله خسيسًا دنيئاً حقيرًا.

قال الفقهاء: الخسيس من باع دينه بدنياه، وأخس الأخساء من باع آخرته بدنيا غيره (4).

(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(7/ 14).

(2)

رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(7/ 21)، وعنده:"سلمة بن غفار".

(3)

انظر: "القاموس المحيط" للفيروز آبادي (ص: 50)(مادة: دنئ).

(4)

انظر: "روضة الطالبين" للنووي (8/ 185).

ص: 547

ويصف هذا في الحديث بأنه شر الناس، فروى الخِلَعي في "فوائده" عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شَرُّ البَرِيَّةِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلةً يَومَ القِيامَةِ مَنْ أَذْهَبَ آخِرَتَهُ بِدُنْيا غَيْرِهِ"(1).

وروى ابن ماجه عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"شَرُّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللهِ يَومَ القِيامَةِ عَبْدٌ أَذْهَبَ آخِرَتَهُ بِدُنْيا غَيْرِهِ"(2).

وأخرجه أبو يعلى في "مسنده"، ولفظه:"إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ نَدامَةً يَومَ القِيامَةِ رَجُلٌ باعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيا غَيْرِهِ"(3).

وأما النذل: فهو - كما في "القاموس" -: الخسيس من الناس، والمحتقر في جميع أحواله، وجمعه: أنذال، ونذول، ونُذُلاً، ونُذَّال.

وقد نذل - ككرم - نذالة، ونذولة؛ ذاله معجمة (4).

روى أبو نعيم عن سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى قال: الدنيا نذلة، وهي إلى كل نذل أميل (5).

(1) ورواه الخرائطي في "مساوئ الأخلاق"(1/ 244)، وروى نحوه البخاري في "التاريخ الكبير"(6/ 128)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء"(6/ 65).

(2)

رواه ابن ماجه (3966).

(3)

ورواه الطبراني في "المعجم الكبير"(7559).

(4)

انظر: "القاموس المحيط" للفيروز آبادي (ص: 1372)(مادة: نذل).

(5)

رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(2/ 170).

ص: 548

وروى الدينوري في "المجالسة" عن محمد بن سلام الجمحي قال: قال بعض الحكماء: ثلاثة أشياء تميت القلوب: مجالسة الأنذال، ومجالسة الأغنياء، ومجالسة النساء (1).

وأما الوبش - بالتحريك - فهو كما في "القاموس": أحد الأوباش الأخلاط والسفلة (2)؛ ولعله أبلغ من النذل.

وأما الوغد فهو الأحمق الضعيف، الرذل الدنيء، ويقال للضعيف جسمًا وخادم القوم، وللصبي (3)؛ وليست الثلاثة مرادة هنا.

وأما الرذل، والرذال، والرذيل، والأرذل؛ فالكل بمعنى الدُّون، والخسيس، أو الرديء من كل شيء (4).

والناس مختلفون بعضهم في استرذال بعض، و [

] (5).

- فمنهم من يرى الرذالة بالصنعة والحرفة.

- ومنهم من يراها بالجهل و [

] (6) العلم، والثاني صواب، والأول إن كان مع الاتحاد في العلم والدين، أو الفضل فيه

(1) رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 195).

(2)

انظر: "القاموس المحيط" للفيروز آبادي (ص: 785)(مادة: وبش).

(3)

انظر: "القاموس المحيط" للفيروز آبادي (ص: 416)(مادة: وغد).

(4)

انظر: "القاموس المحيط" للفيروز آبادي (ص: 1299)(مادة: رذل).

(5)

بياض في " أ" بمقدار كلمتين.

(6)

بياض في "أ" بمقدار كلمة.

ص: 549

فهو خطأ؛ لأن الكرم إنما هو بالتقوى والعمل الصالح، ولذلك أخطأ قوم نوح في قولهم:{قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111)} [الشعراء: 111].

{مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ (27)} [هود: 27].

وأرادوا بالأرذلين: الحواكين، كما رواه ابن المنذر عن قتادة، وابن أبي حاتم عن مجاهد (1).

نعم، يكون المتصف بذلك ونحوه دوناً ورذالاً إذا رضي به بدلاً عن العلم والدين، والكمالات والفضائل، وهذا منهي عن التشبه به وعن صحبته كما قيل: ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي (2) وفي "رسالة الحسن البصري" رحمه الله تعالى: كل عام ترذلون (3)؛ أي: تتخلقون بأخلاق الأرذل، وتفشوا الرذالة فيكم، فتغلب على أخلاقكم.

(1) رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(8/ 2788)، وانظر:" الدر المنثور" للسيوطي (6/ 311).

(2)

عجز بيت لعدي بن زيد، كما في "أدب الدنيا والدين" للماوردي (ص: 206).

وصدره:

إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم

(3)

انظر: "المقاصد الحسنة" للسخاوي (ص: 516).

ص: 550

وأما الطغام - بفتح الطاء المهملة، بعدها معجمة - فهم كما في "الصحاح": أوغاد الناس.

وأنشد أبو العباس المبرد [من الوافر]:

إِذا كانَ اللَّبِيبُ كَذا جَهُولاً

فَما فَضْلُ اللَّبِيبِ عَلى الطَّغامِ (1)

وهذا المعنى كاف في التنفير عن التشبه عن الطغام، وهو جمع إن كان بمعنى الأوغاد، ومفرد إن كان بمعنى الأحمق كما يفهم من "القاموس".

قال: والطغومية - بضمهما -: الحمق والبذاءة (2).

وتطغَّم: إذا تجاهل (3).

وأما الغوغاء فقال في "القاموس": الجراد بعد أن ثبت جناحه، وإذا انسلخ من الألوان وصار إلى الحمرة، وشيء شبه البعوض، ولا يعض لضعفه، وبه سمي الغوغاء من الناس.

قال الفقهاء: والغوغاء من يخالط المفسدين، ويخاصم الناس بلا حاجة (4).

(1) انظر: "الصحاح" للجوهري (5/ 1975)، (مادة: طغم).

(2)

في "القاموس": "الدناءة" بدل "البذائة".

(3)

انظر: "القاموس المحيط" للفيروز آبادي (ص: 1463)(مادة: طغم).

(4)

انظر: "أسنى المطالب شرح روض الطالب" للشيخ زكريا الأنصاري (3/ 327).

ص: 551

وأشار ابن عبد ربه في "العقد" إلى أن الغوغاء سواد الناس؛ أي: معظمهم من أصحاب التجارات، والحرف، والصنائع، والبطَّالين.

قال: وذكر عند ابن عباس الغوغاء فقال: ما اجتمعوا قط إلا ضروا، ولا افترقوا إلا نفعوا.

قيل له: قد علمنا ضرر اجتماعهم، فما نفع افتراقهم؟

قال: يذهب الحجام إلى دكانه، والحداد إلى كياره، وكل صانع إلى صناعته.

قال: ونظر عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه إلى قوم يتبعون رجلاً أخذ في ريبة، فقال: لا مرحبًا بهذه الوجوه التي لا ترى إلا في شر.

قال: وقال حبيب بن أوس الطائي [من الكامل]:

إِنْ شِئْتَ أَنْ يَسوَدَّ ظَنُّكَ كُلُّهُ

فَأَجِلْهِ فِي هَذا السَّوادِ الأَعْظَمِ

وقال دعبل [من البسيط]:

ما أَكْثَرَ النَّاسَ لا بَلْ ما أَقَلَّهَمُ

وَاللهُ يَعْلَمُ أَنَّي لَمْ أَقُلْ فَنَدا

إِنَّي لأُطْبِقُ عَيْنِي ثُمَّ أَفْتَحُها

عَلى كثِيرٍ وَلَكِنْ لا أَرَى أَحَدا (1)

وسيأتي في التشبه بالبهائم والحيوانات لذلك مزيد بيان.

(1) انظر: "العقد الفريد" لابن عبد ربه (2/ 141).

ص: 552

وأما اللئيم: فالدنيء الأصل، الشحيح النفس؛ قاله في "الصحاح"(1).

وقال صاحب "القاموس": اللؤم - بالضم -: ضد الكرم.

لؤم - ككرم - لؤماً - بالضم - فهو لئيم (2).

وذكر له الجوهري ثلاثة مصادر: اللؤم، واللأمة؛ بضم الهمزة، ولآمة؛ على وزن سحابة.

ويقال: يا ملأمان، خلاف قولك: يا مكرمان (3).

والملأم، والملآم - كمفتح، ومفتاح - الذي يقوم بعذر اللئام (4).

واللئيم في الحقيقة هو المتخلق بقبائح الأخلاق، وسفساف الأعمال ولو كان له حسب ونسب.

وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن بالكرم والغرة، والمنافق بضد ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم:"الْمُؤْمِنُ غِرٌّ كَرِيْمٌ، وَالْمُنافِقُ خَبٌّ لَئِيمٌ".

رواه أبو داود، والترمذي، والحاكم وصححه، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (5).

(1) انظر: "الصحاح" للجوهري (5/ 2025)(مادة: لأم).

(2)

انظر: "القاموس المحيط" للفيروز آبادي (ص: 1492)(مادة: لأم).

(3)

انظر: "الصحاح" للجوهري (5/ 2025)(مادة: لأم).

(4)

انظر: "القاموس المحيط" للفيروز آبادي (ص: 1492)(مادة: لأم).

(5)

تقدم تخريجه.

ص: 553

ولا مناقضة بينه وبين قوله صلى الله عليه وسلم: "الْمُؤْمِنُ كَيِّسٌ فَطِنٌ".

أخرجه القضاعي عن أنس رضي الله عنه (1)؛ لأن فطنته في أمر آخرته، وغرته في أمر دنياه، وإنما خلق المؤمن الكرم، وقد يكون بعض الأخلاق كرماً من وجه ولؤما من وجه، كما أن صرف المال في وجوه البر كرم، وفي وجوه الفجور لؤم، والحياء المانع من المعصية والمكروه كرم، والمانع من الطاعة، والحق كالعلم لؤم، وهكذا.

وقد روى البخاري في "تاريخه" عن كعب بن عجرة رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الْمُؤْمِنُ كَيِّسٌ، فَطِنٌ، حَذِرٌ، وَقَّافٌ، مُتَثَبِّتٌ، لا يَعْجَلُ، عالِمٌ، وَرِعٌ، وَالْمُنافِقُ هُمَزَةٌ لُمَزَةٌ، حطَّةٌ، لا يَقِفُ عِنْدَ شُبْهَةٍ وَلا عِنْدَ مُحَرَّمٍ"(2).

ولا يخرج المؤمن من الكرم ما يقع منه مما يخالف الكرم على وجه الزلة، ثم يندم عليه، ولا ما يقع على وجه الضرورة كالانتقام من عدوه الباغي عليه، والانتصار من الظالم خشية تجرِّي غيره، أو حسماً لمادة الظالم.

قال الله تعالى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)} [الشورى: 41].

وقد قيل: [من الطويل]

(1) تقدم تخريجه.

(2)

تقدم تخريجه.

ص: 554

وَمَنْ لَمْ يَذُدْ عَنْ حَوْضِهِ بِسِلاحِهِ

يُهَدَّمْ وَمَنْ لا يَظْلِمِ النَّاسَ يُظْلَمِ (1)

وقال البحتري [من الكامل]:

مَتَى أَحْوَجْتَ ذا كَرَمٍ تَخَطَّى

إِلَيْكَ بِبَعْضِ أَفْعالِ اللِّئامِ (2)

وكما لا ينبغي التشبه باللئيم لا ينبغي مصاحبته، ولا وداده، ولا مجاورته خشية سريان خلقه إليك، فلا ينصفك وإن أنصفته، ولا يكتم لك سرًا، ولا يحمد لك أمرًا، ينم عليك مساوئك، ويتأول محاسنك، إن عاتبته لم يعتبك، بل استطال وأساء المقال، وإن تلطَّفت به تمرد وقسا، وإن احتجت إليه لم يواسك، بل رجعت منه بالخيبة والأسى.

روى أبو نعيم عن سفيان الثوري رحمه الله تعالى قال: وجدنا أصل كل عداوة اصطناع المعروف إلى اللئام (3).

وعن محمد بن علي الباقر رحمه الله تعالى قال: سلاح اللئام قبح الكلام (4).

(1) البيت لزهير بن أبي سلمى من معلقته، كما في "جمهرة أشعار العرب" لأبي زيد القرشي (ص: 94).

(2)

انظر: "أدب الدنيا والدين" للماوردي (ص: 172).

(3)

رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(6/ 390).

(4)

رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(3/ 183).

ص: 555

وروى الدينوري عن علي رضي الله تعالى عنه قال: الكريم يلين إذا استعطف، واللئيم يقسو إذا ألطف (1).

وعن ابن أبي الدنيا قال: أنشدنا محمد بن الحسن لدكين الراجز [من الطويل]:

إذا الْمَرْءُ لَمْ يَدْنس مِنَ اللُّؤْمِ عِرْضُهُ

فَكُلُّ رِداءٍ يَرْتَدِيهِ جَمِيلُ

فَإِنْ هُوَ لَمْ يَنْزِعْ مِنَ اللُّؤْمِ نَفْسَهُ

فَلَيْسَ إِلَى حُسْنِ الثَّناءِ سَبِيلُ (2)

ولبعض القدماء [من الكامل]:

إِنَّ الوَفاءَ عَلى الكَرِيمِ فَرِيضَةٌ

وَاللُّؤْمَ مَقْرُونٌ بِذِي الإِخْلافِ

وَتَرى الكَرِيمَ لِمَنْ يُعاشِرُ مُنْصِفًا

وَتَرى اللَّئِيمَ مُجانِبَ الإِنْصافِ (3)

وله [من مجزوء الرمل]:

(1) رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 287).

(2)

رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 257).

(3)

انظر: "أدب الدنيا والدين" للماوردي (ص: 313).

ص: 556

وَلْيَكُنْ سِرُّكَ فِي الأَسْـ

ـرارِ سِرًّا لا يُرامُ

إِنَّما يَنْطِقُ بِالسُّو

ءِ وَيُفْشِيهِ اللِّئامُ

ولبعض المحدثين [من الخفيف]:

حِينَ يَحْتاجُ اللَّئِيمُ فَقَدْ

مَدَّ نَحْوَ الْمُخْزِياتِ يَدا

وَإِذا احْتاجَ الكَرِيمُ سَما

وَاتَّقَى غبَّ الْحَدِيثِ غَدا

وأما المرء السوء: فهو من ساءه سوءًا إذا فعل به ما يكره، ولعله مخصوص بمكروه يتأذى منه.

ومنه قوله تعالى: {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى (10)} [الروم: 10]، أو السوء، أو النار.

ونقيضه: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ (26)} [يونس: 26].

ومنه قولهم: فلان رَجُلُ سَوْءٍ، ورجل السَّوء؛ بالفتح والإضافة.

قال الله تعالى: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)} [البقرة: 195].

وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)} [النحل: 128].

وقال تعالى: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا (7)} [الإسراء: 7]؛ أي: فعليها.

والأمر بالشيء نهي عن ضده، ومدحه ذم لضده، ولقد مدح الإحسان حتى إلى المسيء، وذمت الإساءة ولا سيما إلى من أحسن.

ص: 557

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَنْ يَنالَ عَبْدٌ صَرِيحَ الإِيْمانِ حَتَّى يَصِلَ مَنْ قَطَعَهُ، وَيَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَهُ، وَيَغْفِرَ لِمَنْ شَتَمَهُ، وَيُحْسِنَ إِلَى مَنْ أَساءَ إِلَيْهِ".

رواه ابن أبي الدنيا في "مكارم الأخلاق" عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (1).

وروى ابن منيع، وغيره عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الْخَبَرُ الصَّالِحُ يَجِيْءُ بِهِ العَبْدُ الصَّالِحُ، وَالْخَبَرُ السُّوءُ يَجِيْءُ بِهِ الرَّجُلُ السُّوءُ"(2).

والعبد السوء مذموم بكل حال.

قال بعض العلماء: السلطان السوء يحيف البريء، ويصنع الرديء، والبلد السوء تجمع السفل وتورث العلل، والولد السوء يشين السلف ويهدم الشرف، والجار السوء يفشي السر ويهتك الستر، ولهذا استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من جار السوء، وكان يقول:"اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ جارِ السُّوءِ فِي دارِ الْمُقامَةِ؛ فَإِنَّ جارَ البادِيَةِ يَتَحَوَّلُ". صححه الحاكم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه (3).

وروى الطبراني في "الكبير" عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثَلاثٌ مِنَ العَواقِرِ: إِمامٌ إِنْ أَحْسَنْتَ لَمْ يَشْكُرْ، وَإِنْ أَسَأْتَ لَمْ

(1) رواه ابن أبي الدنيا في "مكارم الأخلاق"(ص: 23)، وكذا الديلمي في "مسند الفردوس"(7654).

(2)

انظر: "المطالب العالية" لابن حجر (12/ 658).

(3)

رواه الحاكم في "المستدرك"(1951)، وكذا النسائي (5502).

ص: 558

يَغْفِرْ، وَجارٌ إِنْ رَأى خَيْراً دَفَنَهُ، وَإِنْ رَأى شَرًّا أَشاعَهُ، وَامْرَأةً إِنْ حَضَرْتَ آذَتْكَ، وَإِنْ غِبْتَ عَنْها خانَتْكَ" (1).

وكان بعض السلف يقول: اللهم لا تجعل لي أهل سوء فأكون رجل سوء (2).

وروى الإمام أحمد في "الزهد" عن الربيع بن أنس رحمه الله تعالى قال: مكتوب في الحكمة: من يصحب صاحب السوء لا يسلم، ومن يدخل مدخل السوء يتهم، ومن لا يملك لسانه يندم (3).

وروى أبو عبد الله الحسين المروزي في "زوائد الزهد" لابن المبارك عن عبد الله بن عبيدة، وغيره قالوا: قال لقمان لابنه: يا بني! من لا يملك لسانه يندم، ومن يكثر المِراء يشتم، ومن يدخل مداخل السوء يتهم، ومن يصحب صاحب السوء لا يسلم، ومن يصحب الصالح يغنم، ومن طلب عزاً بغير عز يجد الذل جزاء بغير ظلم (4).

واعلم أنك إذا تلبست بالسوء ثم راجعت دينك، وندمت على الإساءة، وتحليت بحلية الإنصاف، ذهبت عنك وَصْمة السوء فضلاً

(1) رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(18/ 318). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(8/ 168): فيه محمد بن عصام بن يزيد، ذكره ابن أبي حاتم، ولم يجرحه ولم يوثقه، وبقية رجاله وثقوا.

(2)

رواه الإمام أحمد في "الزهد"(ص: 71) عن ابن أبي مليكة عن داود النبي عليه السلام.

(3)

ورواه ابن أبي الدنيا في "الصمت وآداب اللسان"(ص: 278).

(4)

رواه المروزي في "زوائد الزهد لابن المبارك"(1/ 373).

ص: 559

من الله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ (114)} [هود: 114].

{وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110)} [النساء: 110].

وقال أحمد بن أبي الحواري: سمعت أحمد بن غانم الأنطاكي رحمه الله تعالى يقول: هذه غنيمة باردة، أصلِحْ فيما بقي يغفر لك ما مضى. رواه ابن الجوزي في "صفة الصفوة"(1).

وروى الإمام أحمد، والشيخان، وابن ماجه عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ أَحْسَنَ فِي الإِسْلامِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِما عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَنْ أَساءَ فِي الإسْلامِ أُخِذَ بِالأَوَّلِ وَالآخِرِ"(2).

وروى ابن ماجه، والبيهقي في "الشعب" عن عائشة الله تعالى عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ الَّذِينَ إِذا أَحْسَنُوا اسْتَبْشَرُوا، وَإِذا أَساؤُوا اسْتَغْفَرُوا"(3).

(1) رواه ابن الجوزي في "صفة الصفوة"(4/ 278)، وكذا السلمي في "طبقات الصوفية" (ص: 120)، وعندهما:"أحمد بن عاصم".

(2)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(1/ 409)، والبخاري (6523)، ومسلم (120).

(3)

رواه ابن ماجه (3820)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(6992)، وكذا الإمام أحمد في "المسند"(6/ 129).

ص: 560