الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
روى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ عَنْ حاجَتِهِ فَقَدْ أَشْرَكَ".
قيل: وما كفارة ذلك يا رسول الله؟
قال: "أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمْ: اللَّهُمَّ لا طَيْرَ إِلَاّ طَيْرُكَ، وَلا خَيْرَ إِلَاّ خَيْرُكَ، وَلا إِلَهَ غَيْرُكَ، ثُمَّ يَمْضِي لِحاجَتِهِ"(1).
وروى الأصبهاني في "ترغيبه" من طريق عبد الرزاق، عن زياد ابن أبي مريم قال: حدِّثنا أن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه كان غازيًا، فبينما هو يسير إذ أقبل في وجوههم ظباء يَسْعَين، فلما اقتربن منا وَلَّيْنَ مدبراتٍ، فقال له رجل: انزل أصلحك الله.
- فقال له سعد: مماذا؟ تطيرت من قرونها حين أقبلت، أم من أذنابها حين أدبرت؟ إن هذه الطيرة لَبابٌ من الشرك.
فلم ينزل سعد، ومضى (2).
ومن طريقه قال: أنا معمر عن قتادة قال: قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: إن مضيت فمُتَوكَلٌ، وإن نكصت فمُتَطَيِّرٌ (3).
*
تَنْبِيهٌ:
لما كانت الطيرة مما غلب على طباع أكثر البشر - كما تقدم -
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 220) وفيه ابن لهيعة، وهو ضعيف.
(2)
ورواه ابن أبي شيبة في "الأدب"(ص: 213).
(3)
ورواه عبد الرزاق في "المصنف"(19505).
علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يخلصنا من شر الطيرة فعلًا في حديث حارثة ابن النعمان، وقولًا في حديث عبد الله بن عمرو، وقد ذكرتُهما آنفًا.
وروى ابن السني عن عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنهما قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطيرة، فقال:"أَصْدَقُها الفَأْلُ، وَلا تَرُدُّ مُسْلِمًا، وَإِذا رَأَيْتُمْ مِنَ الطِّيَرَةِ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ فَقُولُوا: اللَّهُمَّ لا يَأْتِي بِالْحَسَناتِ إِلَاّ أَنْتَ، وَلا يَذْهَبُ بِالسَّيِّئاتِ إِلَاّ أَنْتَ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَاّ بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيْمِ"(1).
فإن قلت: فما تصنع بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: "الطِّيَرَةُ فِي الدَّارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ"؟ رواه الإمام أحمد عنه (2).
ورواه الشيخان، وغيرهما من حديث سهل بن سعد، وابن عمر رضي الله تعالى عنهم بلفظ:"إِنْ كانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ فَفِي الدَّارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ"(3).
وكذلك حديث أنس رضي الله تعالى عنه قال: جاء رجل منا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إنا نزلنا دارًا فكثر فيها عددنا، ودَّرت
(1) رواه ابن السني في "عمل اليوم والليلة"(ص: 255)، وكذا ابن أبي شيبة في "المصنف"(29541) كلاهما عن عروة بن عامر رضي الله عنه.
(2)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 289).
(3)
رواه البخاري (4807)، ومسلم (2226) عن سهل بن سعد رضي الله عنه.
ورواه البخاري (4806)، ومسلم (2225) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
فيها أموالنا، ثم تحولنا عنها إلى أخرى فقَلَّتْ فيها أموالنا، وقلَّ فيها عددنا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذَرُوها، وَهِيَ ذَمِيْمَةٌ". رواه ابن قتيبة في "مختلف الحديث"(1).
قلت: أما الحديث الأول فهو مما استدركته عائشة على أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقالا: إن أبا هريرة رضي تعالى عنه يحدث أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "إِنَّ الطِّيَرَةَ فِي الْمَرْأَةِ وَالدَّابَّةِ وَالدَّارِ".
فقالت: والذي أنزل القرآن على أبي القاسم صلى الله عليه وسلم ما هكذا كان يقول، ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"كانَ أَهْلُ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ: الطِّيَرَةُ فِي الْمَرْأَةِ وَالدَّابَّةِ وَالدَّارِ".
ثم قرأت عائشة: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد: 22](2).
وروى الطيالسي عن مكحول رحمه الله تعالى قال: قيل لعائشة رضي الله عنها: إن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشُّؤْمُ فِي ثَلاثَةٍ؛ فِي الدَّارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ".
(1) رواه ابن قتيبة في "تأويل مختلف الحديث"(ص: 105).
(2)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(6/ 240). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 104): رجاله رجال الصحيح.
فقالت عائشة: لم يحفظ أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أنه دخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "قاتَلَ اللهُ الْيَهُودَ يَقُولُونَ: الشُّؤْمُ فِي ثَلاثَةٍ؛ فِي الدَّارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ"، فسمع آخر الحديث ولم يسمع أوله (1)(2).
وقد تقدم أن الطيرة من أخلاق اليهود والنصارى (3).
وأما حديث أنس رضي الله عنه: فأجاب عنه ابن قتيبة: بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمرهم بالتحول من الدار لأنهم كانوا مقيمين فيها على استثقال ظلها
(1) رواه الطيالسي في "المسند"(1537).
(2)
وهناك من العلماء من رجح حديث أبي هريرة رضي الله عنه وقدمه على نفي عائشة رضي الله عنها، لأنه مثبت وهو مقدم على النافي، إضافة لاعتضاده بأحاديث صحيحة أخرى، وفي الحديثين أقوال أخرى وكلام كثير. انظر:"شرح مشكل الآثار" للطحاوي (2/ 249)، وقد بسط الكلام على هذه المسألة ابن القيم في "مفتاح دار السعادة"(2/ 253).
(3)
قال القاضي الماوردي: قال بعض العلماء: الجامع لهذه الفصول السابقة في الأحاديث ثلاثة أقسام:
أحدها: ما لم يقع الضرر به، ولا اطردت عادة خاصة ولا عامة، فهذا لا يلتفت إليه، وأنكر الشرع الالتفات إليه، وهو الطيرة.
والثاني: ما يقع عنده الضرر عمومًا لا يخصه، ونادرًا لا متكررًا كالوباء، فلا يقدم عليه، ولا يخرج منه.
والثالث: ما يخص ولا يعم؛ كالدار والفرس والمرأة، فهذا يباح الفرار منه. والله أعلم. انظر:"شرح مسلم" للنووي (14/ 220).