الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنه قال:
ثلاث خصال منكن فيه فهو يكنى أبا الجهل وإن كان عالمًا؛ الكبر، والحرص، والشح.
وثلاث خصال من كن فيه فهو يكنى أبا العلم وإن كان أمياً؛ التواضع، والزهد، والسخاء.
*
تَتِمَّةٌ:
روى ابن أبي شيبة عن جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه قال: كنا نأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيجلس أحدنا حيث ينتهي، وكانوا يتذاكرون الشعر وحديث الجاهلية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينهاهم، وربما تبسم (1).
وعن عتبة بن عبد الرحمن، عن أبيه رضي الله تعالى عنه قال: كنت أجالس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي في المسجد، فيتناشدون الأشعار، ويذكرون حديث الجاهلية (2).
وعن أبي سلمة -يعني: ابن عبد الرحمن- قال: لم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متحزِّقين ولا متماوتين، وكانوا يتناشدون الشعر في مجالسهم، ويذكرون أمر جاهليتهم، فإذا أريد أحدهم على شيء من دينه دارت حماليق عينيه كأنه مجنون (3).
فعلم من ذلك أن ذكر حديث الجاهلية ليظهر فضل العلم والمعرفة والدين، ولتحذر أخلاقهم المناقضة للعلم من جملة ما كان
(1) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(26062).
(2)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(26061).
(3)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(26061).
عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم.
وإنما المذموم من ذكر حديث الجاهلية ما كان على سبيل الاهتمام به، والاستحسان له والترغيب فيه، وهو مما يغلب على شرار الناس في آخر الزمان عند قيام الساعة، وقد بدت أوائله الآن، وصنعت منه يد الحدثان.
روى ابن أبي حاتم عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: أكثروا الطواف بالبيت قبل أن يرفع وينسى الناس مكانه، وأكثروا تلاوة القرآن قبل أن يرفع.
قيل: وكيف يرفع ما في صدور الرجال؟
قال: يسرى عليه ليلاً فيصبحون منه قَواء ينسون قول: لا إله إلا الله، ويقعون في قول الجاهلية وأشعارهم، فذلك حين يقع القول عليهم؛ أي: المشار إليه بقوله تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ} [النمل: 82](1).
وروى الطبراني عنه قال: يسرى على القرآن ليلاً، فيذهب به من أجواف الرجال، فلا يبقى في الأرض منه شيء (2).
وروى هو وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، والمفسرون، وصححه الحاكم، عنه قال: إن هذا القرآن سيرفع.
(1) رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(9/ 2922).
(2)
رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(8700).
قيل: كيف يرفع وقد أثبته الله في قلوبنا، وأثبتناه في المصاحف؟ قال: يسرى عليه في ليلة واحدة فلا يترك منه آية في قلب ولا مصحف إلا رفعت، فتصبحون وليس فيكم منه شيء، ثم قرأ:{وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [الإسراء: 86](1).
وروى البيهقي في "الشعب" عنه قال: اقرؤوا القرآن قبل أن يرفع؛ فإنه لا تقوم الساعة حتى يرفع.
قالوا: هذه المصاحف ترفع، فكيف بما في الصدور؟
قال: يعدى عليه ليلاً فيرفع من صدورهم، فيصبحون يقولون: لكأنما كنا نعلم شيئًا، ثم يقعون في الشعر (2).
وروى الحاكم وصححه، والبيهقي عن حذيفة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَدْرُسُ الإِسْلامُ كَما يَدْرُسُ وَشْيُ الثَّوْبِ حَتَّى لا يُدْرَى ما صِيامٌ وَلا صَدَقةٌ وَلا نُسُكٌ، وَيُسْرَى عَلى كِتابِ اللهِ تَعالَى في لَيْلَةٍ فَلا يَبْقَى مِنْهُ في الأَرْضِ آيَة، وَيَبْقَى الشَّيْخُ الْكَبِيْرُ وَالْعَجُوزُ يَقُولُونَ: أَدْرَكْنا آباَءَنا عَلى هَذهِ الْكَلَمِة: لا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ، فَنَحْنُ نَقُولُها"(3).
(1) رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(8698)، وسعيد بن منصور في "السنن"(2/ 335)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(30193)، والطبري في "التفسير"(15/ 158)، والحاكم في "المستدرك"(8538).
(2)
رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(2026).
(3)
رواه الحاكم في "المستدرك"(8636)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(2028)، وكذا ابن ماجه (4049).
يقال: درس الرسم دروسًا: عفا وانمحى، ودرسَتْه الريح، يكون لازمًا ومتعديًا.
وحقيقة الدروس الذهاب قليلاً قليلاً، وشيئًا بعد شي.
والمعنى: إن الإِسلام تنقص أموره وتذهب واحدًا بعد واحد حتى يؤول الأمر إلى الجاهلية، وأول الإمارات غرابة الإِسلام كما في الحديث:"بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا، وَسَيُعُودُ غَرِيبًا كَما بَدَأَ"(1).
ثم ذهابه -والعياذ بالله تعالى- بالكلية حتى لا يبقى من يقول: لا إله إلا الله، وهي آخر ما يبقى منه، فعليهم تقوم الساعة.
وروى محمَّد بن نصر عن الليث بن سعد رضي الله تعالى عنه: إنما يرفع القرآن حين يقبل الناس على الكتب -أي: المخالفة له، أو المكتوبة برأيهم، وبما يستحسنونه -ويكُبُّون عليها، ويتركون القرآن (2).
• • •
(1) رواه مسلم (146) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(2)
رواه محمَّد بن نصر كما في "مختصر قيام الليل"(ص: 277)، وانظر:"الدر المنثور" للسيوطي (5/ 335).