الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والرجوع إلى الله تعالى.
روى ابن ماجه عن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنهما، وأبي برزة رضي الله تعالى عنه قالا: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة، فرأى قومًا قد طرحوا أرديتهم يمشون في قميص، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أَبِفِعْلِ الْجاهِلِيَّةِ تَأْخُذُونَ؟ أَوْ بِصُنع الْجاهِلِيَّةِ تتَشَبَّهُونَ؟ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَدْعُوَ عَلَيْكُمْ دَعْوةً تَرْجِعُونَ فِي غَيْرِ صُوَرِكُمْ".
قال: فأخذوا أرديتهم ولم يعودوا لذلك (1).
95 - ومنها: أن يدفن مع الميت شيء من مال صامت، أو حيوان، أو يجعل عند قبره ليستأنس به، أو ليقيه من الأرض، أو لغير ذلك من الاعتقادات الفاسدة
.
فإن دفن ما سوى الكفن والحنوط مع الميت إضاعة مال، وقد نهى عن إضاعة المال، وقد انقطع الميت عن الدنيا فلا يحس بشيء من الدنيا استئناسًا أو استيحاشًا.
نعم، أنسه ووحشته بأعماله؛ أي: بما ترتب عليها من ثواب أو عقاب.
نعم، يستأنس بالذكر والقرآن والدعاء، وينتفع بذلك، وبالصدقات.
ذكر الشهرستاني في "الملل والنحل": أن بعض العرب كان إذا حضره الموت قال لوليه: ادفنوا معي راحلتي حتى أحشر عليها (2).
(1) تقدم تخريجه.
(2)
انظر: "الملل والنحل" للشهرستاني (2/ 244).
وكانوا يربطون الناقة معكوسة إلى مؤخرها مما يلي ظهرها أو بطنها، ويتركونها حتى تموت عنده، ويسمونها: بلية.
وقال جريبة بن الأشيم الأسدي حين حضره الموت يوصي ابنه سعدًا: [من الكامل]
يا سَعْدُ إِمَّا أَهْلِكَنَّ فَإِنَّنِي
…
أُوْصِيكَ إِنَّ أَخا الوُصاةِ الأَقْرَبُ
لا تَتْرُكَنْ أَخاكَ يُحْشَرُ راجِلًا
…
فِي الْحَشْرِ يُصْرعُ لِلْيَدَيْنِ وَيُنْكَبُ
وَلَعَلَّ فِيما قَدْ تَرَكْتُ مَطِيَّةً
…
فِي الْحَشْرِ أَرْكَبُها إِذا قِيلَ ارْكَبُوا
وقال الجوهري في "صحاحه": البلية: الناقة التي كانت تُعقل في الجاهلية عند قبر صاحبها، فلا تعلف ولا تسقى حتى تموت؛ أو يحفر لها حفرة، وتترك فيها إلى أن تموت؛ لأنهم كانوا يزعمون أن الناس يحشرون ركبانًا على البلايا، أو مشاة إذا لم تُعكس مطاياهم على قبورهم، تقول منه: أَبْلَيتُ، وَبلَّيتُ؛ يعني: بالتشديد.
قال الطرمَّاح: [من الوافر]
مَنازِلُ لا تُرى الأَنْصابُ فِيها
…
وَلا حُفَرُ الْمُبَلِّي لِلْمَنُونِ
أي: إنها منازل أهل الإسلام دون الجاهلية.
وقامت مبلِّيات فلان يَنُحْنَ عليه، وذلك أن يقُمن حول راحلته إذا مات (1).
وقال في مادة: (ول ي): الوليَّة: البَرْذعة، ويقال: بل التي
(1) انظر: "الصحاح" للجوهري (6/ 2285)(مادة: بلا).
تكون تحت البرذعة، والجمع الولايا، وقولهم:
كالبلايا رؤوسها في الولايا
يعني: الناقة التي كان تعكس على قبر صاحبها، ثم تطرح الولية على رأسها إلى أن تموت، انتهى (1).
والعكس كما في "القاموس"، وغيره: أن يشد حبلًا في خطم البعير إلى يديه ليذل، وذلك الحبل عكاس - بالكسر - (2)، وهو أحد الوجهين اللذين ذكرهما الشهرستاني (3).
ولقد صادف الحق من اعتقد من العرب أن الناس منهم على مطايا، ولكنهم أخطؤوا فيما اعتقدوه من أن البلية تكون مطية إذا دفنت مع الميت أو عكست عنده حتى تموت صبرًا، وهلا أوصوا بالصدقة بها، أو بلحمها، وأطعموه الفقراء؛ فإن فيه رجاء لذلك.
وفي الحديث: "اسْتَفْرِهُوا ضَحاياكُمْ؛ فَإِنَّها عَلى الصِّراطِ مَطاياكُمْ". رواه الديلمي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (4).
ويحتمل أن يكون التقدير: فإن ثوابها مطاياكم على الصراط.
(1) انظر: انظر: "الصحاح" للجوهري (6/ 2530).
(2)
انظر: "القاموس المحيط" للفيروز آبادي (ص: 720)(مادة: عكس).
(3)
انظر: "الملل والنحل" للشهرستاني (2/ 244).
(4)
رواه الديلمي في "مسند الفردوس"(268).