الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأهل السنة وسط بين الفريقين لا تفريط ولا إفراط، ويعتقدون أن الله تعالى خالق العبد وما يعمل، ويثبتون للعبد قدرة، ويثبتون لقدرته أثراً ما في الفعل، وسموا ذلك الفعل شيئاً، ومنهم من يسميه اختياراً.
وقد أخطأ المعتزلة في تسميتهم أهل السنة: مجبرة.
ثم الجبرية منهم خالصة لا يثبتون للعبد فعلاً ولا قدرة على الفعل أصلاً.
ومتوسطون يثبتون للعبد قوة مؤثرة أصلاً.
وقالوا كلهم: إن ما ورد من الوعيد إنما هو ترهيب؛ لأن الله تعالى لا يعذب العبد على فعل نفسه (1).
ثم هم فرق:
إحداها: الجهمية
.
أصحاب جهم بن صفوان، وهو أول من قال بخلق [القرآن]، أو ثانيه (2).
كان كوفي الأصل فصيح اللسان، ولم يكن له علم، ولا جالس
(1) انظر: "الملل والنحل" للشهرستاني (1/ 85).
(2)
قال اللالكائي في "اعتقاد أهل السنة"(2/ 312): ولا خلاف بين الأمة أن أول من قال: القرآن مخلوق، جعد بن درهم في سني نيف وعشرين -ومئة-، ثم جهم بن صفوان.
أهل العلم، بل كان يكلم المتكلمين، ويجالس الدهرية، حتى شك في الإسلام، ومكث أربعين يوماً لا يصلي (1).
وقيل له: صف لنا ربك، فدخل البيت، ومكث أياماً، ثم خرج إليهم فقال: هو هذا الهواء مع كل شيء، وفي كل شيء، ولا يخلو من شيء، فقتل على بدعته بأصبهان، فلما ضربت عنقه اسود وجهه (2).
قال الإمام أبو زرعة الرازي رحمه الله تعالى: حدثت عن العلاء بن سويد قال: ذكر جهم عند عبد الله بن المبارك فقال: عجبت لشيطان إلى الناس داعياً إلى النار، واشتق اسمه من جهنم! ذكره اللالكائي (3).
وروى أبو نعيم عن ابن المبارك رحمه الله تعالى قال: سمعت سفيان الثوري رحمه الله تعالى يقول: الجهمية كفار.
فقيل لعبد الله بن المبارك: ما رأيك؟
قال: رأيي رأي سفيان (4).
وعن علي بن الحسين بن شفيق قال: قال عبد الله بن المبارك: [من مجزوء الرمل]
أَيُّها الطَّالِبُ عِلْماً
…
ائْتِ حَمَّادَ بْنَ زَيْدِ
(1) انظر: "اعتقاد أهل السنة" للالكائي (2/ 379).
(2)
انظر: "اعتقاد أهل السنة" للالكائي (2/ 381).
(3)
رواه اللالكائي في "اعتقاد أهل السنة"(2/ 382).
(4)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(7/ 28).
فَاطْلُبِ الْعِلْمَ بِحِلْمٍ
…
ثُمَّ قَيِّدْهُ بِقَيْدِ
لا كَثَوْرٍ وَكَجَهْمٍ
…
وَكَعَمْرِو بْنِ عُبَيْدِ (1)
يريد: ثور بن يزيد، وكان هو وعمرو بن عبيد قدريين.
وروى الدارمي عن ابن المبارك قال: لأن أحكي كلام اليهود والنصارى أحب إلي من أن أحكي كلام الجهمية (2).
وعن عيسى بن يونس رحمه الله تعالى قال: لا تجالسوا الجهمية، وبينوا للناس أمرهم يعرفوه فيحذرهم (3).
وعن ابن المبارك: أنه كان يُخرج الجهميَّ من عِداد المسلمين (4).
وعن وكيع رحمه الله تعالى: أنه كان يكفر الجهمية (5).
قال الدارمي: وسمعت يحيى بن يحيى، وأبا توبة، وعلي بن المديني يكفرون الجهمية، ومن يدعي أن القرآن مخلوق (6).
وروى اللالكائي عن مقاتل بن حيان قال: دخلت على عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه فقال لي: من أين أنت؟
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(6/ 258).
(2)
رواه الدارمي في "الرد على الجهمية"(ص: 26).
(3)
رواه الدارمي في "الرد على المريسي"(1/ 146).
(4)
رواه الدارمي في "الرد على المريسي"(1/ 150).
(5)
رواه الدارمي في "الرد على المريسي"(1/ 150).
(6)
انظر: "الرد على الجهمية" للدارمي (ص: 206).
فقلت: من أهل بلخ.
فقال: كم بينك وبين النهر؟
قلت: كذا وكذا فرسخاً.
قال: هل ظهر من وراء النهر رجل يقال له: جهم؟
قلت: لا.
قال: سيظهر من وراء النهر رجل يقال له: جهم؛ يُهلك خلقاً من هذه الأمة، يدخلهم الله وإياه النار (1).
قلت: مثل هذا لا يقال رأياً، فهو في مقام المرفوع.
وذكر ابن أبي حاتم عن أبيه: أن أول من أتى بخلق القرآن جعد ابن درهم في نيف وعشرين ومئة (2).
وروى ابن أبي حاتم أيضاً عن سعيد بن أحمد صاحب أبي إسحاق الفزاري قال: إنما خرج جهم سنة ثلاثين ومئة، فقال: القرآن مخلوق، فأكفره العلماء (3).
قال ابن أبي حاتم: ظهر من بعدها بشر بن غياث المريسي، وكان والده صباغاً يهودياً (4).
(1) رواه اللالكائي في "اعتقاد أهل السنة"(3/ 382).
(2)
رواه اللالكائي في "اعتقاد أهل السنة"(3/ 382).
(3)
رواه اللالكائي في "اعتقاد أهل السنة"(3/ 380).
(4)
رواه اللالكائي في "اعتقاد أهل السنة"(3/ 382).
وروى اللالكائي عن يحيى بن يوسف الرازي: أنه رأى إبليس في المنام يقول: ما من مدينة إلا ولي فيها خليفة.
قال: قلت: من خليفتك بالعراق؟
قال: بشر المريسي؛ دعا الناس إلى ما عجزت عنه، قال: القرآن مخلوق (1).
ثم افترقت الجهمية على فرق:
- فمنهم: من يجزم بخلق القرآن.
- ومنهم: من وقف، وقال: لا أدري أمخلوق أم غير مخلوق؟
- ومنهم من قال بـ: لفظي مخلوق.
وقال أهل السنة: القرآن كلام الله غير مخلوق، وهو محفوظ في صدورنا، مقروء بألسنتنا، مكتوب في مصاحفنا.
وقالت الجهمية: لا يوصف الباري بوصف خلقه فيكون حياً عالماً، بل يكون قادراً فاعلاً، وأثبتوا له علوماً لا في محل.
وقالوا: الإيمان لا يزيد ولا ينقص.
وقالوا: من أتى بالمعرفة ثم جحد بلسانه: لم يكفر.
قالوا: إن الإنسان لا يقدر على شيء، ولا يوصف بالاستطاعة، بل هو مجبور في أفعاله، والتكليف خير، والثواب والعقاب خير.
(1) رواه اللالكائي في "اعتقاد أهل السنة"(3/ 385).
وقالوا: حركات الخلدين تنقطع، والجنة والنار تفنيان.
ووافقوا المعتزلة في نفي الصفات، وإثبات خلق الكلام، وإيجاب المعارف بالعقل قبل ورود الشرع، ونفي الرؤية (1).
وروى ابن أبي حاتم عن الأوزاعي رحمه الله تعالى قال: إني لأرجو أن يحجب الله تعالى جهماً وأصحابه أفضل ثوابه الذي وعده أولياءه حين يقول: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22 - 23]، فجحد جهم وأصحابه أفضل ثوابه الذي وعد أولياءه (2).
وذكر ابن الجوزي: أن من الجهمية من أنكر الرسل، وقال: إنما هم حكماء.
ومنهم من أنكر عذاب القبر والشفاعة.
ومنهم من قال: لا يدخل النار من عرف ربه، ومن دخلها لا يخرج منها أبداً (3).
وروى أبو نعيم من طريق عبد الله ابن الإمام أحمد عن سليمان بن حرب قال: سمعت حماد بن زيد رحمه الله تعالى يقول -وذكر هؤلاء الجهمية- قال: إنما يجادلون أن يقولوا: ليس في السماء شيء (4).
(1) انظر: "الملل والنحل" للشهرستاني (1/ 78 - 88).
(2)
رواه اللالكائي في "اعتقاد أهل السنة"(3/ 503).
(3)
انظر: "تلبيس إبليس" لابن الجوزي (ص: 30 - 31).
(4)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(6/ 258)، وكذا الإمام أحمد في "المسند"(6/ 457).