الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَقُودُهُمْ إِلَى النَّارِ" (1)
38 - ومن قبائح الجاهلية: الخوض في الباطل
.
قال قتادة في قوله: {عَنِ التَّذْكِرَةِ} [المدثر: 49]: القرآن. أخرجه ابن المنذر (2).
ويحتمل أن يريد التذكرة بما ذكره لهم في الآية من أن أهل النار يخبرون بما تحققوه من أن السبب في دخولهم سَقر في ترك الصلاة والزكاة، والخوض في الباطل، والتكذيب بيوم الحساب، والإصرار على ذلك حتى أتاهم اليقين؛ أي: الموت.
يقول: فما لهم بعد أن قضينا عليهم جواب أهل النار لأهل الجنة عن سؤالهم إياهم عن السبب في سلكهم في سقر، لا يتذكرون بذلك
(1) رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(18/ 99)، والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"(2/ 374)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(9/ 229).
(2)
انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (8/ 339)، ورواه الطبري في "التفسير"(29/ 167).
فيقبلوا على مخالفة المجرمين في هذه الأمور، بل أعرضوا عن التذكرة الداعية إليها بالكلية زيادة على إعراضهم عنها، ولسؤال أهل الجنة أهل النار عن سبب دخولهم إليها مع علمهم بالحال سابقاً في الدنيا بالإيمان، وحالاً في الجنة بالعيان حكمة؛ وهي أن الله تعالى يلهمهم ذلك تحسيراً لأهل النار على ما فاتهم، وتوبيخاً لهم ليكون ذلك زيادة في عذابهم وإهانتهم، وفائدة حكاية ذلك في القرآن بالتذكير والإنذار.
وقوله: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ} [المدثر: 49] يريد قريشاً؛ فإن السورة مكية، وهي من أول ما نزل، وقد كانوا في جاهليتهم يفجؤهم الإنذار بما أعده الله للمجرمين من عذاب النار، فلم يرفعوا لذلك رأساً، ولم يروا بما هم عليه من الفقر بأساً، بل أعرضوا عن الذكر، وخاضوا مع الخائضين في الباطل، كذبوا بيوم الدين، وطعنوا على سيد المرسلين، فقالوا: شاعر، ساحر، به جِنَّة، أساطير الأولين، لا تسمعوا لهذا القرآن، والغوا فيه، وغير ذلك.
وكذلك فسرت: {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} [المدثر: 45].
وقال قتادة في الآية: يقولون: كنا كما غوى غاوٍ غوينا معه. رواه عبد الرزاق، وابن أبي شيبة (1).
وروى ابن أبي الدنيا في "الصمت"، والطبراني بسند صحيح، عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: أعظم الناس خطايا يوم القيامة
(1) رواه عبد الرزاق في "التفسير"(3/ 330)، وكذا الطبري في "التفسير"(29/ 166).
أكثرُهم خوضاً في الباطل (1).
وأخرجه ابن أبي الدنيا - ورواته ثقات - عن قتادة مرسلاً (2).
قال في "الإحياء": وإليه الإشارة بقوله: {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} [المدثر: 45](3).
روى أبو نعيم عن سلمان رضي الله تعالى عنه قال: أكثر الناس ذنوباً يوم القيامة أكثرهم كلاماً في معصية الله تعالى (4).
وروى ابن عساكر عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إِن أكثَرَ (5) خَطايا ابْن آدَمَ فِي لِسانِه"(6).
وروى ابن أبي شيبة، والإمام أحمد في "الزهد"، والحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" عن عمر بن ذر - مرسلاً - قال: قال
(1) رواه ابن أبي الدنيا في "الصمت وآداب اللسان"(ص: 80)، والطبراني في "المعجم الكبير"(8547).
(2)
رواه ابن أبي الدنيا في "الصمت وآداب اللسان"(ص: 293).
(3)
انظر: "إحياء علوم الدين" للغزالي (3/ 116).
(4)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 202).
(5)
في "أ" و"ت": "إن أكثر الناس".
(6)
رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(54/ 410)، وكذا ابن أبي الدنيا في "الصمت وآداب اللسان" (ص: 54)، والطبراني في "المعجم الكبير"(10446).