الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
70 - ومنها: التعزي بعزاء الجاهلية
.
والعزاء - بالفتح، والمد - مشترك بين النسب كما هنا والصبر.
والتعزي الانتساب كالاعتزاز.
والعزي اسم لدعوى المستغيث، وهو أن [يقول] (1): يا لفلان (2).
وروى الإمام أحمد، والنسائي، وابن حبان في "صحيحه"، والدارقطني عن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَعَزَّى بِعَزاءِ الْجاهِلِيَّةِ فَأَعِضُّوهُ بِهَنِ أَبِيهِ، وَلا تَكْنُوا"(3)؛ بفتح أوله، وإسكان ثانيه، وتخفيف ثالثه من الكناية ضد الصراحة.
أي قولوا له: اعضض بأير أبيك، ولا تكنوا عن الأير بالهن تنكيلاً له وتأديباً (4).
وروى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه عن ابن مسعود، وابن باكويه الشيرازي في "الألقاب" عن أبي هريرة قالا رضي الله تعالى عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ
(1) بياض في "أ" و"ت".
(2)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (3/ 233).
(3)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(5/ 136)، والنسائي في "السنن الكبرى"(8864)، وابن حبان في "صحيحه"(3153).
(4)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (3/ 252).
لَطَمَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ أنْ جُيُوبَ، وَدَعا بِدَعْوى الْجاهِلِيَّةِ" (1).
وهي كما في "النهاية" قوله: يا لفلان (2)؛ كانوا يدعو بعضهم بعضاً بذلك عند الأمر الحادث الشديد.
والدعوى - بالفتح -، والدِّعوة - بالكسر - في النسب.
والدعوة - بالفتح - في الطعام.
قال في "الصحاح": هذا أكثر كلام العرب إلا عَدِيِّ الرَّبابَ؛ فإنهم يفتتحون الدال في النسب، ويكسرونها في الطعام (3).
وروى ابن إسحاق، والمفسرون عن زيد بن أسلم رحمهما الله تعالى قال: شاس بن قيس - وكان شيخاً قد عتا في الجاهلية عظيم الكفر، شديد الضغن على المسلمين، شديد الحسد لهم - على نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه، فغاظه ما رأى من أُلفتهم وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية، فقال: قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد، والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(1/ 456)، والبخاري (1232)، ومسلم (103)، والنسائي (1860)، وابن ماجه (1584)، وكذا الترمذي (999) عن ابن مسعود رضي الله عنه.
ورواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(3967) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (5/ 193).
(3)
انظر: "الصحاح" للجوهري (2/ 2336)(مادة: دعا).
من قرار، فأمر فتى شاباً معه من يهود، فقال: اعمَد إليهم فاجلس معهم، ثم ذَكِّرْهم يوم بعاث، وما كان قبلهم، وأنشِدْهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار، وكان يوم بعاث يوماً اقتتلت فيه الأوس والخزرج، وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج.
ففعل، وتكلم القوم عند ذلك، وتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلين من الحيين على الركب؛ أوس بن قيظي أحد بني حارثة من الأوس، وجبار بن صخر أحد بني سلمة من الخزرج، فتقاولا، ثم قال أحدهما لصاحبه: إن شئتم رددنا الآن جدعة، وغضب الفريقان جميعاً، وقالوا: قد فعلنا؛ السلاحَ السلاحَ، موعدكم الظاهرة - والظاهرة: الحرة - فخرجوا إليها، وانضمت الأوس بعضها إلى بعض، والخزرج بعضها إلى بعض على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم، فقال:"يا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ! ! اللهَ اللهَ! أَبِدَعْوى الْجاهِلِيَّةِ وَأَنا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ بَعْدَ أَنْ هَداكُمُ اللهُ إِلَى الإِسْلامِ، وَأَكْرَمَكُمْ بهِ، وَقَطَعَ بِهِ عَنْكُمْ أمرَ الْجاهِلِيَّةِ، وَاسْتَنْقَذَكُمْ بِهِ مِنَ الْكُفْرِ، وَألَّفَ بِهِ بَيْنَكُمْ، تَرْجِعُونَ إِلَى ما كُنتمْ عَلَيْهِ كُفَّاراً؟ ".
فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان، وكيدهم من عدوهم لهم، فألقوا السلاح من أيديهم، وبكوا، وعانق الرجال بعضهم بعضاً، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين، قد أطفأ الله عنهم كيد عدوهم شاس بن قيس، وأنزل الله تعالى في شأن شاس بن قيس