الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفّصْلُ الثَّالِثُ
المروءة على قسمين:
- ما هو شرط في العدالة.
- وما ليس مشروطًا فيها.
وأمّا القسم الأوّل:
فهو تخلق المرء بخلق أمثاله في زمانه ومكانه، فمن اختلَّت فيه هذه المروءة لم تقبل شهادته؛ لأنّ طرح هذا القذر من المروءة إمّا لنقصٍ في العقل، وإما لقلة المبالاة والحياء.
أمّا الأوّل فظاهر.
وأمّا الثّاني فلأنَّ من لا حياء له يصنع ما يشاء، كما في الحديث:
"إِذا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ ما شِئْتَ"(1).
وقيل: [من الوافر]
(1) تقدّم تخريجه.
وَرُبَّ قَبِيحَةٍ ما حالَ بَيْنِي
…
وَبَيْنَ رُكُوبِها إِلَّا الْحَياءُ
إِذا لَمْ تَخْشَ عاقِبَةَ اللَّيالِي
…
وَلَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنع ما تَشاءُ
وروى الدينوري عن المدائني قال: قال عمر رضي الله تعالى عنه: ما وجدت لئيمًا قط إِلَّا وجدته رقيق المروءة (1).
وقال الإمام عبد الله بن المبارك في كتاب "البرّ والصلة": بلغنا أن وفدًا وفدوا على معاوية رضي الله تعالى عنه فقال: ما تعدُّون المروءة فيكم؟
قالوا: العفاف في الدِّين، والإصلاح في المعيشة.
فقال معاوية رضي الله تعالى عنه: اسمع يا يزيد (2).
وروى أبو نعيم عن أبي الوليد الجارودي قال: سمعت الشّافعيَّ رضي الله تعالى عنه يقول: لو علمت أن الماء البارد ينقص من مروءتي ما شربته (3).
وروى الخطيب عن أبي الحسن بن سمعون رحمه الله تعالى قال: رأيت المعاصي نَذَالة فتركتها مروءةً، فاستحالت ديانةً (4).
(1) رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 448).
(2)
ورواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(8/ 170) من طريق ابن المبارك.
(3)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(9/ 124).
(4)
رواه الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"(1/ 275).
ويروى نحو هذا عن أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه.
وقال الخرائطي: وكان يقال: آفة المروءة خُلْفُ الوعد (1).
ويعجبني هنا ما ذكره الحاكم في "تاريخ نيسابور" عن أبي الحسن علي بن أحمد البُوشَنْجي العالم الزاهد الصوفي رحمه الله تعالى: أنّه سئل عن المروءة فقال: ترك ما يكرهه الكرام الكاتبون.
ونقل عنه أبو عبد الرّحمن السلمي في "طبقاته": أنّه سئل عن المروءة فقال: ترك استعمال ما هو محرم عليكم مع الكرام الكاتبين.
قال: وسئل مرّة أخرى: ما المروءة؟
فقال: حسن السر (2).
وروى أبو نعيم عن عبد الواحد بن زيد رحمه الله تعالى قال: جالسوا أهل الدِّين، فإن لم تجدوهم فجالسوا أهل المروءات؛ فإنهم لا يَرْفُثُون في مجالسهم (3).
وأراد بذلك بعض أنواع المروءة؛ فإن كمالها يرجع إلى استكمال الدِّين.
ونقل الطرطوشي في "سراج الملوك" عن بزرجمهر قال: لم أر ظهيرًا على ثقل الدولة كالصبر، ولا مُذِلًا للحسَّاد كالتجمُّل،
(1) انظر: "مكارم الأخلاق" للخرائطي (ص: 55).
(2)
رواه السلمي في "طبقات الصوفية"(ص: 343).
(3)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(6/ 160).
ولا مكسبة للإجلال كتوقي المزاح، ولا مَجْلبة للمَقْت كالعُجْب، ولا مَتلفة للمروءة كاستعمال الهَزَل في موضع الجد (1).
فمن الأمور المخلة بالمروءة:
- الأكل في السوق، لنفس السوق، ومَن عادته أن يأكل حيث يجد لترك التكلف، وكذلك الشرب إذا اشتد عطشه.
- والمشي مكشوف الرّأس إذا كان ممّن لا يليق به مثل ذلك.
- والتعري من الثِّياب في بلد يلبس فيه أهل الصيانة ثيابهم كالشام دون الحجاز ونحوه.
- ولبس الفقيه القباء والقَلَنْسُوة حيث لا يعتاده الفقهاء.
- وتقبيل الزوجة، أو الأُمَّة بحضرة النَّاس؛ ولو نسوة محارم.
- ونزع السراويل حيث يلبس أهل الصيانة سراويلهم.
- وإكثار الحكايات المضحكة ما لم تشتمل على كذب أو سُخْرية بمسلم، أو غيبة فتحرُم.
- والتجاوز في الدعابة عن حُسن العشرة مع الأهل والجيران إلى حد السُّخْف والمُجون.
- ومد الرِّجل بين النَّاس إِلَّا لمرض ونحوه.
- ولبس التاجر ثوب الحمَّال ونحوه.
(1) انظر: "سراج الملوك" للطرطوشي (ص: 79).
- وتعمُّم الحمَّال والقصاب ونحوهما بعمامة الفقهاء والقضاة.
- ولبسه الطَّيلُسان وطوافه في الأسواق راكبًا على بغلة ثمينة ونحوها، فيصير ضحكة للناس، فإن قصد بلباس زي السخرية منهم حَرُم، وقيل: كفر.
- ولباس الفقيه ونحوه لباس الأجناد، أو لباس الذعار.
- وتبذُّل الرَّجل المعتبر بنقل الماء والأطعمة إلى بيته شُحًّا وبخلًا، لا إذا فعله استكانة، وتواضعًا، واقتداءً بالسلف في ترك التكلف.
- واتخاذ الرَّجل للدبوقة (1)، وإرسالها بين الكتفين كالمرأة، أو على الناصية ومقدم الرّأس في الحمام ونحوه كما نصّ عليه الأذرعي، وهو ظاهر.
- ونتف اللحية.
- والحرفة الدَّنِيَّة كالحجامة، وكنس الأخلية ما لم يكن معتادًا لها، فقيل: ما لم تكن حرفة أبيه.
ومدار هذا الباب على العرف؛ فيختلف باختلاف الحال، والمقام، والزمان، والمكان.
- وأمّا المروءة الّتي لا تشترط في العدالة، بل هي أعم من العدالة، وهي أخلاق شريفة، وكمالات مرضية كالإحسان والإفضال، والعفو، والاحتمال، فقد اختلفت أقوال النَّاس فيها، وذكر النّبيّ صلى الله عليه وسلم
(1) الدبوقة: الشعر المفتول المنسوج أو المضفور.
بعض أفرادها فيما رواه ابن عساكر عن ابن عمرو رضي الله تعالى عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لَيْسَ مِنَ الْمُرُوءَةِ الرِّبْحُ عَلى الإِخْوانِ"(1).
وروى أبو نعيم عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من ثقيف: "ما الْمُرُوءَةُ فِيْكُمْ يا أَخا ثَقِيفٍ؟ "
قال: الإنصاف والإصلاح.
قال: "وَكَذَلِكَ فِينا"(2).
وقال الخرائطي: سمعت أبا موسى عمران بن موسى يقول: بلغني أن سفيان الثّوريّ رحمه الله تعالى سئل عن المروءة ما هي؟
قال: الإنصاف من نفسك والفضل؛ ألم تسمع الله عز وجل يقول: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النحل: 90]؟ وهو التفضل (3).
ولا يتم الأمر إِلَّا بهما؛ ألَّا تراه لو أعطى جميع ما يملك، ولم يُنصف من نفسه، لم يكن له مروءة لأنّه لا يريد أن يعطيَ شيئًا إِلَّا يأخذ من صاحبه مثله؟ وليس هذا مروءة.
وروى ابن النجار عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه:
(1) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(61/ 325)، قال الذهبي في "مختصر التاريخ": منكر. انظر: "فيض القدير" للمناوي (5/ 382).
(2)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(3/ 155) وقال: غريب.
(3)
وروى نحوه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(7/ 291).
أنّه مر بقومٍ يتحدثون، فقال: فيم أنتم؟
قالوا: نتذكر المروءة.
فقال: أوَ مَا كفاكم الله عز وجل ذلك في كتابه إذ يقول: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النحل: 90]؟ فما بعد هذا (1)؟
وروى أبو نعيم عن المزني قال: سمعت الشّافعيّ رحمه الله تعالى يقول: العلم مروءة من لا مروءة له (2).
وروى الدينوري في "المجالسة" عن إبراهيم النخعي رضي الله تعالى عنه قال: ليس من المروءة كثرة الالتفات في الطريق.
قال: ويقال: سرعة المشي تُذهب ببهاء المؤمّن (3).
وعن محمّد بن عمار قال: ما شيء أشد من حمل المروءة.
قيل له: وأي شيء هي المروءة؟
قال: أن لا تعمل شيئًا في السر تستحيي منه في العلانيّة (4).
وعن الأصمعي رحمه الله تعالى قال: ثلاثة يُحكم لهم بالمروءة
(1) انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (5/ 160).
(2)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(9/ 140).
(3)
رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 141).
(4)
رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 141)، وعنده:"محمّد ابن عمران" بدل "محمّد بن عمار".
حتّى يتكلموا: رجل رأيته راكبًا، أو شممت منه رائحة طيبة، أو سمعته يعرب.
قال: وثلاثة يحكم لهم بالدناءة حتّى يعرفوا: رجل يتكلم بالفارسية في مِصْرٍ عربي - قلت: وفي معنى الفارسية: التركية، ونحوها - قال: أو رجل رأيته على طريق ينازع في القدر، ورجل شممتَ منه رائحة [نبيذ](1).
وأنشد: [من البسيط]
نَوْمُ الغَداةِ وَشُرْبٌ بِالْعَشِيَّاتِ
…
مُوَكَّلانِ بِهَدْمٍ لِلْمُرُوءاتِ (2)
وعن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى قال: قال محمّد بن نصر الحارثي رحمه الله تعالى: أول المروءة طلاقة الوجه.
والثّاني: التودد إلى النَّاس.
والثّالث: قضاء الحوائج.
ومن فاته حَسَبُ نفسه لم ينفعه حسب أبيه؛ يعني: الدِّين (3).
وعن المدائني قال: قال معاوية للحسين بن علي رضي الله تعالى عنهم: ما المروءة يا أبا محمّد؟
فقال: فقه الرَّجل في دينه، وإصلاح معيشته، وحسن مخالقته.
(1) بياض في "أ" و"ت"، وفي مصدر التخريج:"نبيذ".
(2)
رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 563).
(3)
رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 141).
قال: فما النجدة؟
قال: الذب عن الجار، والإقدام على الكريهة، والصبر على النائبة.
قال: فما الجود؟
قال: التبرع بالمعروف، والإعطاء قبل السؤال، والإطعام في المحل (1).
وعن الزِّيادي قال: سئل بعض الحكماء عن المروءة، فقال: إنصاف مَنْ هو دُونك، والسمو إلى من هو فوقك، والجزاء بما أوتي إليك من خير أو شر (2).
قلت: وهذا معنى قول النَّاس: مقابلة الفاسد بالفاسد من المروءة، وهذا مشروط بالسلامة من الإثم كأن تزيد على فاسده، أو تكون ممَّا لا يأذن الشّرع فيه، ثمّ العفو أولى وأحسن.
وروى الدينوري عن مسلم بن قتيبة قال: قال بعض حكماء العرب: ما أعان على نظم مروءات الرجال كالنساء الصوالح (3).
قال مسلم: الدنيا: العافية، والشباب: الصِّحَّة، والمروءة: الصبر على الرجال، ولا خير في المعروف إذا أحصي.
(1) رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 295).
(2)
رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 295).
(3)
رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 298).
قال: ومن المروءة أيضًا: أن تصون ثوبي جمعتك، وتكثر تعاهد صبيتك، وتعرف المسجد بمحلتك (1).
وروى الحاكم في "مناقب الشّافعيّ" عن البويطي عنه رحمهما الله تعالى أنّه قال: ليس من المروءة أن يخبر الرَّجل بسنه (2).
وروى أبو نعيم عن الزّهريُّ رحمه الله تعالى قال: ما أحدث النَّاس مروءة أعجب إليَّ من الفصاحة (3).
وروى ابن باكويه الشيرازي، ومن طريقه ابن الجوزي عن أحمد ابن الصلت قال: سمعت بشر بن الحارث يقول رحمه الله تعالى: ليس من المروءة أن تحب ما يبغض حبيبك (4).
قلت: أشار إلى أن من كان الله حبيبه، فمروءته أن يحب ما أحبه الله، ويبغض ما أبغضه الله، ولا يبغض ما أحب الله، ولا يحب ما أبغضه الله.
وفيه معنى آخر: وهو أن من له صديق يعلم منه الصداقة والديانة والمحبة والصيانة، فليس من المروءة أن يصادق عدو صديقه.
(1) رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 298)، وعنده:"ضيفك" بدل "صبيتك"، و "مجلسك" بدل "محلتك".
(2)
انظر: "صفة الصفوة" لابن الجوزي (2/ 254).
(3)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(3/ 364).
(4)
وروى أبو نعيم في "حلية الأولياء"(8/ 300) عن بشر بن السري بمعناه.
وروى الدينوري عن الأحنف بن قيس رحمه الله تعالى: أنّه سئل عن المروءة، فقال: العفة والحرفة (1).
قال المغيرة: المروءة العفة عما حرم الله، والحرفة فيما أحله (2).
وعليه يحمل كلام الأحنف.
ويروى عن الأحنف أيضًا أنّه قال: المروءة صدق اللسان، ومواساة الإخوان، وذكر الله في كلّ مكان (3).
وروى السلمي في "طبقاته" عن عمرو بن عثمان المكي رحمه الله تعالى قال: المروءة: التغافل عن زلل الإخوان (4).
وروى الخطيب عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مِنَ الْمُرُوءَةِ أَنْ يُنْصِتَ الرَّجُلُ لأَخِيهِ إِذا حَدَّثَهُ، وَمِنْ حُسْنِ الْمُواساةِ أَنْ يَقِفَ الرَّجُلُ لأَخِيهِ إِذا انْقَطَعَ شِسْعُ نَعْلِهِ"(5).
قلت: وكذلك إذا كان معه في سفر أو طريق، ووقعت دابته، أو عرض له أمر يقف معه ويساعده.
(1) رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 549).
(2)
انظر: "أدب الدنيا والدين" للماوردي (ص: 406).
(3)
انظر: "أدب الدنيا والدين" للماوردي (ص: 425).
(4)
رواه السلمي في "طبقات الصوفية"(ص: 164).
(5)
رواه الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"(6/ 394)، وعنده:"المماشاة" بدل "المواساة".
وروى الدينوري عن الأصمعي، عن أبيه قال: قال الأحنف بن قيس رحمه الله تعالى: جنِّبوا مجالسنا ذكر النِّساء والطعام؛ فإني أبغض الرَّجل أن يكون وصَّافا لفرجه وبطنه، وإن من المروءة والديانة أن يترك الرَّجل الطّعام وهو يشتهيه (1).
ومن أجمع ما قيل في المروءة ما حكي عن العتَّابي أنّه قيل له: ما المروءة؟
قال: ترك اللَّذَّة.
قيل له: فما اللَّذَّة؟
قال: ترك المروءة (2).
وبيانه: أن المرء مهما استرسل فيما يستلذه لقضاء شهوته نقص بقدرها من نخوته، لأنّ الاسترسال في الشهوات يرق رداء الحياء، ويربي القِحة، وبذلك تذهب المروءة.
ومن هنا قيل: "إِذا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ ما شِئْتَ"، وهو "مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلامِ النُّبُوَّةِ الأُولَى" كما في الحديث (3).
وروى ابن عساكر عن الزّهريُّ رحمه الله تعالى قال: ما طلب النَّاس شيئًا خيرًا من المروءة، ومن المروءة: ترك صحبة من لا خير
(1) رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 111).
(2)
انظر: "البصائر والذخائر" لأبي حيان التوحيدي (3/ 58).
(3)
تقدّم تخريجه.
فيه، ولا يستفاد منه عقل؛ فتركُه خير من كلامه (1).
وروى الدينوري عن الحسن بن علي الخلال رحمه الله تعالى قال: قال بعض الحكماء: مجالسة أهل الديانة تجلو عن القلوب صدأ الذنوب، ومجالسة ذوي المروءة تدل على مكارم الأخلاق، ومجالسة العلماء تفتح ذكاء القلوب، ومن عرف تقلُّب الزّمان لم يركن إليه (2).
وروى أبو نعيم عن بشر بن الحارث رحمه الله تعالى قال: قال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى: لا تكمل مروءة الرَّجل حتّى يسلم منه عدوُّه.
قال بشر: كيف والآن لا يسلم منه صديقه (3).
وعن سفيان الثّوريّ رحمه الله تعالى قال: لقد أدركنا أقوامًا شُطَّارهم لمروآتهم أتقى (4) من قُرَّاء هذا الزّمان (5).
قال في "القاموس": الشاطر: الّذي أعيا أهله خُبثًا (6).
(1) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(55/ 381).
(2)
رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 337).
(3)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(8/ 341).
(4)
في "الحلية ": "هم اليوم أبقى" بدل "شطارهم أتقى".
(5)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(8/ 339).
(6)
انظر: "القاموس المحيط" للفيروز آبادي (ص: 533)(مادة: شطر).
وسئل عمرو بن العاص رضي الله عنه عن المروءة فقال: تقوى الله، وصلة الرّحم (1).
نصّ على صلة الرّحم - وإن كانت داخلة في التقوى - لأنّها كالأهل بالنسبة إلى سائر أنواع البر؛ لأنّ من قصَّر في حق أرحامه كان في حق غيرهم أشد تقصيرًا، ولأن القرابة داعية إلى حفظ الحقوق وحسن الصنيعة، فإذا لم تكن القرابة مؤثرة ذلك فغيرها لا يؤثره.
وروى ابن عساكر عن ربيعة بن عبد الرّحمن رحمه الله تعالى أنّه قال: للسفر مروءة، وللحضر مروءة.
فأمّا مروءة السَّفر: فبذل الزَّاد، وقلَّة الخلاف على أصحابك، وكثرة المزح في غير ما يسخط الله تعالى.
وأمّا مروءة الحضر: فإدمان الاختلاف إلى المساجد، وكثرة الإخوان، وقراءة القرآن (2).
واعلم أن المروءة إمّا أن تكون ثمرتها راجعة إلى نفس المرء، وإما إلى غيره.
أمّا المروءة الّتي تعود ثمرتها إلى نفس المرء فهي: العفة عن المحارم، وهي ضبط الفرج، وكف اللسان عن المآثم، والكف عن
(1) انظر: "أدب الدنيا والدين" للماوردي (ص: 406).
(2)
رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(32/ 249)، وكذا ابن أبي الدنيا في
"الإشراف في منازل الأشراف"(ص: 276).