الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خَاتمَة في ذِكْرِ فَوَائد مُتَمَّمَة لِهَذَا البَاب
روى الفريابي عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه: إنه ليأتي على الرجل أحانين وما في جلده موضع إبرة من النفاق، وإنه ليأتي عليه أحانين وما في جلده موضع إبرة من إيمان (1).
وعن خالد بن معدان رحمه الله تعالى قال: إياكم والخطرات؛ فإن الرجل قد تنافق يده دون سائر جسده (2).
وروى الإمام أحمد في "الزهد" عن حذيفة رضي الله تعالى عنه قال: إنكم لتتكلمون كلامًا كنا نعده على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم النفاق (3).
وروى الطبراني في "الكبير"، و"الأوسط" عنه قال: إن كان الرجل ليتكلم بالكلمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصير بها منافقاً، وإني
(1) رواه الفريابي في "صفة المنافق"(ص: 70).
(2)
رواه الفريابي في "صفة المنافق"(ص: 81).
(3)
ورواه الإمام أحمد في "المسند"(5/ 384). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(10/ 297): رجاله ثقات، إلا أن ليث بن أبي سليم مدلس.
لأسمعها من أحدكم في اليوم في المجلس عشر مرات (1).
وروى ابن أبي شيبة عن أبي الزناد قال: خرجت مع مولاي وأنا غلام فسمعتُ حذيفة رضي الله عنه وهو يقول: إن كان الرجل ليتكلم بالكلمة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فيصير منافقاً، وإني لأسمعها من أحدكم في المقعد الواحد أربع مرات، لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر، ولتَحاضُّنَّ على الخير، أو ليُسْحِتَنَّكم الله بعذاب جميعاً، أو ليؤمرن عليكم شراركم، ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم (2).
وروى الفريابي عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: المؤمن في الدنيا بين كافر يقتله ومنافق يبغضه، ومؤمن يحسده، وشيطان قد وكل به (3).
روى ابن لال في "مكارم الأخلاق" عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: "الْمُؤْمِنُ بَيْنَ خَمْسِ شَدائِدَ: مُؤْمِنٍ يَحْسُدُهُ، وَمُنافِقٍ يُبْغِضُهُ، وَكافِرٍ يَقْتُلُهُ، وَنَفْسٍ تُنازِعُهُ، وَشَيْطانٍ يُضِلُّهُ"(4).
(1) ورواه الإمام أحمد في "المسند"(5/ 386). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(10/ 297): رواه أحمد، وفيه أبو الرقاد الجهني، ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات.
(2)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(37221)، والإمام أحمد في "المسند"(5/ 390).
(3)
رواه الفريابي في "صفة المنافق"(ص: 67).
(4)
ورواه الديلمي في "مسند الفردوس"(6548). قال العراقي في "تخريج =
وروى الفريابي، وأبو نعيم عن خيثمة قال: والله ما أَحَبَّ مؤمناً منافقٌ قط (1).
وروى أبو نعيم عن مالك بن دينار رحمه الله تعالى قال: لا يصطلح المؤمن والمنافق حتى يصطلح الذئب والحمل (2).
وهو بالحاء المهملة: ولد الضأن.
وروى ابن جرير عن الحسن رحمه الله تعالى: أنه تلا هذه الآية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105)} [المائدة: 105]، فقال: الحمد لله بها، والحمد لله عليها، ما كان مؤمن فيما مضى ولا مؤمن فيما بقي إلا وإلى جانبه منافق يكره عمله (3).
ومعناه: أن كراهية المؤمن لعمل المنافق تكفيه.
ومحل هذا فيما إذا لم يمكنه أمره بالمعروف ولا نهيه عن المنكر مخافة الضرر؛ إذ علم الله أنه لا يقبل قوله.
= أحاديث الإحياء" (2/ 741): رواه أبو بكر بن لال في "مكارم الأخلاق" من حديث أنس بسند ضعيف.
(1)
رواه الفريابي في "صفة المنافق"(ص: 76)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء"(4/ 116).
(2)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(2/ 376).
(3)
رواه الطبري في "التفسير"(7/ 98).
كما روى عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وابن جرير، والطبراني، وغيرهم عن الحسن: أن ابن مسعود رضي الله عنه سأله رجل عن قوله تعالى: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [المائدة: 105]، فقال: أيها الناس! إنه ليس بزمانها؛ فإنها اليوم مقبولة، ولكنه قد أوشك أن يأتي زمان تأمرون بالمعروف، فيصنع بكم كذا وكذا، أوقال: فلا يقبل منكم، فحينئذ {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ (105)} [المائدة: 105] (1).
وفيه دليل على سقوط الأمر والنهي عمن علم أنه لا ينفع أو لا يقبل منه.
وهو أحد قولين للعلماء، وعليه أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه، وغيرُه.
والثاني: أنه لا يسقط بخلاف ما لو خاف الضرر، وهو الراجح في مذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه (2).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي عن بريدة رضي الله
(1) رواه عبد الرزاق في "التفسير"(1/ 199)، وسعيد بن منصور في "السنن"(4/ 1650) بمعناه، والطبري في "التفسير"(7/ 94)، والطبراني في "المعجم الكبير" (9072) بمعناه. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/ 19): رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، إلا أن الحسن البصري لم يسمع من ابن مسعود، والله أعلم.
(2)
انظر: "إحياء علوم الدين" للغزالي (2/ 307 - 312)، و"روضة الطالبين" للإمام النووي (10/ 221).
تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تَقُولُوا لِلْمُنافِقِ: سَيَّدُنا؛ فَإِنَّهُ إِنْ يَكُنْ سَيَّدَكُمْ فَقَدْ أَسْخَطْتُمْ رَبَّكُمْ"(1).
وروى الطبراني في "الأوسط" عن أبي بكرة رضي الله تعالى عنه، وأبو عمرو الداني في "الفتن" عن عبدالله بن مسعود رضي الله تعالى عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَسُودَ كُلَّ قَبِيلَةٍ مُنافِقُوها"(2).
وروى الداني عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما قال: إن من أشراط [الساعة] أن توضع الأخيار، وترفع الأشرار، ويسود كل قبيلة منافقوها (3).
وعن الحسن قال: كان يقال: يوشك أن يسود كل قبيلة منافقوها (4).
وروى ابن السني عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: قال
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(5/ 346)، وأبو داود (4977)، والنسائي في "السنن الكبرى"(10073).
(2)
رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(7715) عن أبي بكرة رضي الله عنه. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(7/ 328): فيه مبارك بن فضالة وهو مدلس، وحبيب بن فروخ لم أعرفه.
وأبو عمرو الداني في "السنن الواردة في الفتن"(4/ 800) عن ابن مسعود رضي الله عنه.
(3)
رواه أبو عمرو الداني في "السنن الواردة في الفتن"(4/ 799).
(4)
رواه أبو عمرو الداني في "السنن الواردة في الفتن"(4/ 801).
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَأْتِي عَلى الزَّمانِ زَمانٌ يَسْتَخْفِي الْمُؤْمِنُ فِيهِمْ كَما يَسْتَخْفِي الْمُنافِقُ فِيْكُمُ الْيَوْمَ"(1).
وروى ابن المبارك عن محمد بن حمزة بن عبد الله بن سلام مرسلاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خَصْلَتان لا تَكُونانِ"، والترمذي -وقال: غريب- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خَصْلَتانِ لا تَجْتَمِعانِ فِي مُنافِقٍ: حُسْنُ سَمْتٍ وَلا فِقْهٌ فِي الدِّينِ"(2).
وروى الإمام أحمد، والطبراني في "الكبير" عن ابن عمرو، وعن عقبة بن عامر، والطبراني، وابن عدي عن عصمة بن مالك رضي الله تعالى عنهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أَكْثَرُ مُنافِقِي أُمَّتِي قُرَّاؤُها"(3)؛ أي: الذين يقرؤون القرآن والعلم، ولا يكون لهم فقه ولا حسن سمت، أو الذين لا يعملون بما يقرؤون.
وهذا الحديث من أخوف الأحاديث على القراء والعلماء، وكم من منافق عليم اللسان حسن الصوت بالقرآن.
(1) تقدم تخريجه.
(2)
رواه ابن المبارك في "الزهد"(1/ 156) عن محمد بن حمزة بن عبد الله ابن سلام.
والترمذي (2684) وقال غريب، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
قال العقيلي في "الضعفاء"(2/ 24): ليس له أصل من حديث عوف، وإنما يروى هذا عن أنس بإسناد لا يثبت.
(3)
تقدم تخريجه.
وروى الديلمي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لِلْمُنافِقِ ثَلاثُ عَلاماتٍ: مَعَ الْعُلَماءِ بِالاسْمِ، وَمَعَ الزُّهَّادِ بِالْفَضائِلِ، وَمَعَ الأَغْنِياءِ بِالتكلُّفِ"(1).
وروى ابن أبي الدنيا في "ذم الملاهي" عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الْغِناءُ يُنْبِتُ النِّفاقَ فِي الْقَلْبِ كَما يُنْبِتُ الْماءُ الْبَقْلَ"(2).
وروى البيهقي في "الشعب" عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الْغِناءُ يُنْبِتُ النِّفاقَ فِي الْقَلْبِ كَما يُنْبِتُ الْمَاءُ الزَّرْعَ"(3).
قال بعض الصوفية: المراد بالغناء: ضد الفقر.
وفيه نظر؛ لأن الغناء بالمد (4).
(1) رواه الديلمي في "مسند الفردوس"(4983).
(2)
وروى أبو داود (4927) بدون التشبيه، ورواه بتمامه البيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 223).
قال ابن حجر في "التلخيص الحبير"(4/ 199): رواه أبو داود والبيهقي مرفوعاً وفيه راو لم يسم، ورواه البيهقي موقوفاً، وقال ابن طاهر: أصح الأسانيد في ذلك أنه من قول إبراهيم.
(3)
رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(5100).
(4)
قال ابن حجر في "التلخيص الحبير"(4/ 200): قال بعض الصوفية: إنما المراد بالغناء هنا غنى المال، ورده بعض الأئمة أن الرواية إنما في الغناء بالمد، وأما غنى المال، فهو مقصور، قلت: ويدل عليه حديث ابن مسعود الموقوف فإن فيه: "والذكر ينبت الإيمان في القلب، كما ينبت الماء البقل" ألا تراه جعل ذكر الله مقابلا للغناء، لكونه ذكر الشيطان، كما قابل الإيمان بالنفاق.
لكن ذكر في "الإحياء" أنه صلى الله عليه وسلم قال: "حُبُّ الْمالِ وَالشَّرَفِ يُنْبِتانِ النِّفاقَ فِي الْقَلْبِ كَما يُنْبِتُ الْماءُ الْبَقْلَ"(1).
وروى الديلمي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الْغِناءُ وَاللَّهْوُ يُنْبِتانِ النِّفاقَ فِي الْقَلْبِ كَما يُنْبِتُ الْماءُ الْعُشْبَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الْقُرْآنَ وَالذِّكْرَ لَيُنْبِتانِ الإِيْمانَ فِي الْقَلْبِ كَما يُنْبِتُ الْماءُ الْعُشْبَ"(2).
عن يحيى بن معاذ الرازي رحمه الله تعالى قال: ليس على وجه الأرض أحد إلا وفيه فقر وحرص، ولكن من أخلاق المؤمنين أن يكونوا حُرَّاصاً على طلب الجنة، فقراء إلى ربهم، والمنافق حريص على الدنيا، فقير إلى الخلق (3).
قلت: ومن ثم قال موسى عليه السلام: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: 24]، ولم يقل: لما تنزل لأنه لا يناله إلا ما قسم له سابقاً، ولا يحدث له ما ليس في السابقة، وما كان سؤاله إلا إظهاراً
(1) انظر: "إحياء علوم الدين" للغزالي (3/ 232). قال العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء"(2/ 831): رواه أبو منصور الديلمي في "مسند الفردوس" من حديث أبي هريرة بسندٍ ضعيف، إلا أنه قال:"حب الغناء"، وقال:"العشب" مكان "البقل".
قلت: وبلفظ الديلمي لا شاهد فيه على أن المراد بالغناء غنى المال.
(2)
رواه الديلمي في "مسند الفردوس"(4319).
(3)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(10/ 66).
للعبودية والافتقار إلى ما منَّ الله تعالى، لا إلى ما منَّ الناس.
وقد قال ذلك وهو محتاج إلى رغيف أو ما يسد جوعته كما في الأثر: يتضرع المؤمن عند الحاجة افتقاراً إلى الله تعالى، وأما المنافق فتلجئه حاجته إلى التضرع إلى الناس، والافتقار إليهم وإلى ما في أيديهم، ولذلك كان رضاهم بحصول الدنيا، وسخطهم لمنعها.
والمؤمن حاله في الغنى الشكر، وفي الفقر الصبر، يرجع إلى آخِية الإيمان.
روى أبو عبد الرحمن السلمي في "طبقات الصوفية" عن حاتم الأصم رحمه الله تعالى قال: المنافق ما أخذ من الدنيا يأخذ بحرص، ويمنع بشك، وينفق بالرياء، والمؤمن يأخذ بالخوف، ويمسك بالسنة، وينفق لله تعالى خالصاً (1).
وعن أبي العباس بن مسروق رحمه الله تعالى قال: المؤمن يقوى بذكر الله، والمنافق يقوى بالأكل (2).
قلت: ويدل لذلك قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال: 45].
أمر بذكر الله تعالى لأنه يقوي القلب، وإذا قوي القلب قوي الجسد.
(1) رواه السلمي في "طبقات الصوفية"(ص: 88).
(2)
رواه السلمي في "طبقات الصوفية"(ص: 192).
وروى ابن عساكر عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما حَلَفَ بِالطَّلاقِ مُؤْمِنٌ، وَلا اسْتَحْلَفَ بِهِ إِلَاّ مُنافِقٌ"(1).
والمراد: أن المؤمن الكامل الإيمان لا يحلف بالطلاق، ولا استحلفه إلا منافق.
ويقع في هذا الزمان كثيراً أن الرجل يحلف لآخر بكل يمين مغلظة مؤكدة فلا يصدقه حتى يحلف له بالطلاق، وكأن الوجه فيه أن المستحلف بالطلاق حيث لم يثق بالحلف بالله تعالى لم يطمئن قلبه بذكر الله تعالى، والطمأنينة بذكر الله تعالى من أخلاق المؤمنين كما قال الله تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ} [الرعد: 28]: إذا حلف لهم بالله صدقوا، كما رواه أبو الشيخ عن السدي رحمه الله تعالى (2).
وروى الشيخ جمال الدين بن عبد الهادي في كتاب "رائق الأخبار" عن عبد الله بن منازل رحمه الله تعالى قال: المؤمن يطلب عذر إخوانه، والمنافق يطلب عثراتهم (3).
وروى الإمام أحمد في "الزهد" عن شميط بن عجلان رحمه الله
(1) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(57/ 393).
(2)
انظر "الدر المنثور" للسيوطي (4/ 642).
(3)
ورواه السلمي في "آداب الصحبة"(ص: 101)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(11197).
تعالى قال: إن هذه الدراهم والدنانير أَزِمَّةُ المنافقين، يقادون بها إلى السوءات (1).
وروى ابن أبي شيبة عن وهب بن منبه قال: من خصال المنافق: يحب المبرة، ويبغض الذم (2).
قلت: ووجهه أن العبد يتحقق من نفسه أنه مخلوق من تراب ومن ماء مَهين، ثم هو موصوف بالضعف ومخلوق منه، وهو متحقق بالنقص والفاقة، والخطأ، والمرض والموت، فهو أحرى بالذم لا يستوجب مدحاً إلا إن وفقه الله تعالى إلى الإيمان والعمل الصالح حتى يموت على ذلك، والخاتمة مجهولة.
فإن قلت: فما تصنع بقوله صلى الله عليه وسلم.
"إِذا مُدِحَ الْمُؤْمِنُ فِي وَجْهِهِ رَبا الإِيْمانُ فِي قَلْبِهِ".
رواه الطبراني في "الكبير"، والحاكم وصححه، عن أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما (3)؟ قلت: وجه: "رَبا الإِيْمانُ فِي قَلْبِهِ" أنه يرى إطلاق الألسنة عليه بالمدح دليلاً على حسن الخاتمة من قبيل التفاؤل؛ إذ المؤمنون
(1) رواه الإمام أحمد في "الزهد"(ص: 36).
(2)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(35177)، وعنده:"الحمد" بدل "المبرة".
(3)
رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(424)، والحاكم في "المستدرك"(6535). وضعف العراقي إسناده في "تخريج أحاديث الإحياء"(1/ 177).
شهداء الله في الأرض.
فإن فرح بالمدح من هذه الحيثية لم يكن فرحه من أدلة النفاق، إلا أنه متى مدح بشيء وهو يعلم من نفسه أنه متصف بضده، وكلامُ وَهْبٍ محمولٌ على غير الفرح بالحيثية المذكورة.
وعلامة زيادة إيمانه بالمدح أنه إذا مدح زادت صفته عند نفسه، وانكساره وافتقاره، فإن عظمت بالمدح نفسه، ونسي به عيبها ونقصها، وتمرد، فقد صار فرحه إلى النفاق.
وروى الإمام أحمد، والترمذي -وأصله في "الصحيحين"- عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الزَّرْعِ؛ لا تَزالُ الرِّيحُ تفِيئُهُ، وَلا يَزالُ الْمُؤْمِنُ يُصِيبُهُ بَلاءٌ، وَمَثَلُ الْمُنافِقِ كَمَثَلَ شَجَرَةِ الأَرُزِّ؛ لا تَهْتَزُّ حَتَّى تُسْتَحْصَدَ"(1).
وروى الإمام أحمد في "الزهد" عن الحسن رحمه الله تعالى قال: يعرف الناس ما كانوا في عافية، فإذا نزل البلاء صاروا إلى حقائق أعمالهم؛ يرجع المؤمن إلى إيمانه، ويرجع المنافق إلى نفاقه (2).
وروى الإمام ابن أبي الدنيا في "المرض والكفارات" عن قيس بن
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 234)، والترمذي (2866) وصححه، وأصله في "الصحيحين" وقد تقدم.
(2)
ورواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 326)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(7/ 219).
أبي حازم رضي الله تعالى عنه قال: طلَّق خالد بن الوليد امرأته، ثم أحسن عليها الثناء، فقيل له: يا أبا سليمان! لأي شيء طلقتها؟ قال: ما طلقتها لأمر رابني منها، ولكن لم يصبها عندي بلاء (1).
يعني: والمؤمن لا يخلو من البلاء.
وروى أحمد عن أبي رزين العقيلي رضي الله تعالى عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! كيف يحيى الله الموتى؟ قال: "أَمَرَرْتَ بِأَرْضٍ مِنْ أرْضِكَ مُجْدِبةً، ثُمَّ مَرَرْتَ بِها مُخْصِبةً؟ " قال: نعم.
قال: "كَذَلِكَ النُّشُورُ".
قال: يا رسول الله! ما الإيمان؟ قال: "أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِمَّا سِواهُما، وَأَنْ تُحْرَقَ بِالنَّارِ أَحَبُّ إِلَيْكَ مِنْ أَنْ تُشْرِكَ بِاللهِ، وَأَنْ تُحِبَّ غَيْرَ ذِي نَسَبٍ لا تُحِبُّهُ إِلَاّ لِلَّهِ؟ فَإِذا كُنْتَ كَذَلِكَ فَقَدْ دَخَلَ حُبُّ الإِيْمانِ فِي قَلْبِكَ كَما دَخَلَ حُبُّ الْماءِ لِلظَّمْآنِ فِي الْيَوْمِ الْقائِظِ".
قال: قلت: يا رسول الله! كيف لي بأن أعلم أني مؤمن؟
قال: "ما مِنْ أُمَّتِي -أو: مِنْ هَذهِ الأُمَّةِ- عَبْدٌ يَعْمَلُ حَسَنةً فَيَعْلَمُ
(1) رواه ابن أبي الدنيا في "المرض والكفارات"(ص: 160)، وكذا ابن أبي شيبة في "المصنف"(19254).
أَنَّها حَسَنةٌ وَأَنَّ اللهَ جازِيهِ بِها خَيْراً، وَلا يَعْمَلُ سَيِّئةً، وَيَسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْها وَيَعْلَمُ أَنْ لا يَغْفِرَ إِلَاّ هُوَ، إِلَاّ وَهُوَ مُؤْمِنٌ" (1).
وروى البيهقي في "شعب الإيمان" عن السَّائب بن ملكان من أهل الشام -وكان قد أدرك الصحابة رضي الله عنهم قال: لما دخل عمر- رضي الله تعالى عنه- الشام حَمِدَ الله تعالى، وأثنى عليه، ووعظ وذكَّر، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وأمر بتقوى الله، وصلة الرحم، وصلاح ذات البين، وقال: عليكم بالجماعة؛ فإن يد الله على الجماعة، وإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد.
لا يخلون رجل بامرأة؛ فإن الشيطان ثالثهما.
ومن ساءته سيئته وسرته حسنته فهو المؤمن.
وأمارة النفاق: الذي تسوؤه سيئته ولا تسره حسنته، إن عمل خيراً لم يَرْجُ من الله ثواباً، وإن عمل شراً لم يخف من الله في ذلك الشر عقوبة.
وأجمِلوا في طلب الدنيا؛ فإن الله قد تكفل بأرزاقكم، وكل سيتم له عمله الذي كان عاملاً.
استعينوا بالله على أعمالكم؛ فإنه يمحو ما يشاء ويثبت، وعنده أم الكتاب.
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 11). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 53): في إسناده سليمان بن موسى، وقد وثقه ابن معين وأبو حاتم، وضعفه آخرون.
وصلى الله على نبينا وآله وعليه السلام ورحمة الله، السلام عليكم.
قال البيهقي: هذه خطبة عمر بن الخطاب رضي الله عنه على أهل الشام، أَثَرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
ونقل حجة الإسلام في "الإحياء" في رياضة النفس عن حاتم الأصم رحمه الله تعالى أنه قال: المؤمن مشغول بالفكر، والمنافق مشغول بالحرص والأمل.
والمؤمن آيس من كل أحد إلا من الله، والمنافق راجٍ كلَّ أحد إلا الله.
والمؤمن آمن كل أحد إلا من الله، والمنافق خائف من كل أحد إلا من الله.
والمؤمن يقدم ماله دون دينه، والمنافق يقدم دينه دون ماله.
والمؤمن يحسن ويبكي، والمنافق يسيء ويضحك.
والمؤمن يحب الوحدة والخلوة، والمنافق يحب الخلطة والملأ.
والمؤمن يزرع ويخشى الفساد، والمنافق يقلع ويرجو الحصاد.
والمؤمن يأمر وينهى للسياسة فيصلح، والمنافق يأمر وينهى للرياسة فيفسد (2).
(1) رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(11085).
(2)
انظر: "إحياء علوم الدين" للغزالي (3/ 70).
وروى الإمام في "الزهد" عن طلحة بن مُصرِّف رحمه الله تعالى أنه قيل له: من الذي يسمن في الخصب والجدب؟ ومن الذي يهزل في الخصب والجدب؟ وما الذي هو أحلى من العسل ولا ينقطع؟
قال: أما الذي يسمن في الخصب والجدب فالمؤمن؛ إن أعطي شكر، وإن ابتلي صبر.
وأما الذي يهزل فالفاجر؛ يعني: المنافق؛ إذا أعطي لم يشكر، وإن ابتُلي لم يصبر.
وأما الذي هو أحلى من العسل ولا ينقطع فهي أُلفة الله التي ألَّف بين عباده (1).
وروى البخاري في "التاريخ"، وابن ماجه، والحاكم وصححه، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آيَةُ ما بَيْنَنا وَبَيْنَ الْمُنافِقِينَ أَنَّهُم لا يَتَضَلَّعُونَ مِنْ ماءِ زَمْزَمَ"(2).
وروى الأزرقي عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التَّضَلُّعُ مِنْ ماءِ زَمْزَمَ بَراءَةٌ مِنَ النِّفاقِ"(3).
وذكر أبو الليث السمرقندي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خَمْسٌ لا تَكُونُ فِي الْمُنافِقِ: الْعِفَّةُ فِي الدِّينِ، وَالْوَرَعُ فِي اللِّسانِ، وَالسَّمْتُ فِي الْوَجْهِ،
(1) ورواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(35511).
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
تقدم تخريجه.
وَالنُّورُ فِي الْقَلْبِ، وَالْمَوَدَّةُ للمُسْلِمِينَ" وروى الخطيب عن الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى قال: المؤمن يحاسب نفسه ويعلم أن له موقفاً بين يدي الله تعالى، والمنافق يَغْفَل عن نفسه؛ فرحم الله تعالى عبداً نظر لنفسه قبل نزول ملك الموت به (1).
وروى عبد الله ابن الإمام أحمد في "زوائد الزهد" عن الحسن رحمه الله تعالى قال: ما صَدَّقَ عبد بالنار إلا ضاقت عليه الأرض بما رحبت، وإن المنافق لو كانت النار خلف هذا الحائط لم يصدق بها حتى يتجهَّم عليها (2).
قلت: قد يستدل لذلك بقوله تعالى: {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا} [الشورى: 18].
وروى ابن أبي شيبة عن الحسن قال: إن المؤمنين عجلوا الخوف في الدنيا فآمنهم الله يوم القيامة، وإن المنافقين أخروا الخوف في الدنيا فأخافهم الله يوم القيامة (3).
وفي الحديث: "يَقُولُ اللهُ تَعالَى: لا أَجْمَعُ عَلى عَبْدِيَ خَوْفَيْنِ، وَلا أَجْمَعُ لَهُ أَمْنَيْنِ؛ فَمَنْ خافَنِي فِي الدُّنْيا أَمَّنْتُهُ يَومَ الْقِيامَةِ، وَمَنْ أَمِنَنِي فِي الدُّنْيا أَخَفْتُهُ يَومَ الْقِيامَةِ"(4).
(1) رواه الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"(4/ 184).
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
رواه ابن حبان في "صحيحه"(640)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(777) عن أبي هريرة صلى الله عليه وسلم.
والمراد: أن لا يخاف الله اغتراراً، أو جرأة عليه، أو عدم تصديق بوعوده، أو شكاً في قدرته سبحانه وتعالى، وهذا حال المنافقين، بخلاف ما لو كان الحامل له على ترك الخوف حسن ظنه بربه، ولا يصح هذا إلا مع الأعمال الصالحة، والأقوال السديدة، والأخلاق الجميلة.
وروى عبد الله ابن الإمام أحمد في "زوائد الزهد" عن الضحاك رحمه الله تعالى قال: لا يضحك في الصلاة إلا منافق (1).
وروى الديلمي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الْمُؤْمِنُ كَالثَّوْبِ الأَبْيَضِ؛ يُصِيْبُهُ الْقَطْرَةُ مِنَ الدَّرَنِ فَتَسْتَبِيْنُ فِيهِ، وَالْمُنافِقُ كَالثَّوْبِ الدَّنِسِ فَلا تَسْتَبِينُ فِيهِ"(2).
وتقدم قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لو شققتم عن قلب المؤمن لوجدتموه أبيض، ولو شققتم عن قلب المنافق لوجدتموه أسود (3).
وهو استعارة لصفاء قلب المؤمن وخلوه من أمراض القلب، ولِدَرَنِ قلب المنافق وامتلائه من الأمراض؛ عافانا الله تعالى منها.
وروى الفريابي عن عمر رضي الله تعالى عنه قال: إن أخوف ما أخاف عليكم ثلاثة: منافق يقرأ القرآن لا يخطئ فيه واواً ولا ألفاً، يجادل الناس أنه أعلم منهم ليضلهم عن الهدى، وزلة عالم، وأئمة مضلون (4).
(1) لم أقف عليه.
(2)
رواه الديلمي في "مسند الفردوس"(6564).
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
رواه الفريابي في "صفة المنافق"(ص: 54).
وتقدم في الحديث الصحيح تمثيل المؤمن الذي يقرأ القرآن بالأَتْرُجة، والذي لا يقرأ القرآن بالتمر، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن بالريحانة، والذي لا يقرأ القرآن بالحنظلة (1).
وأنشد في "التذكرة الحمدونية" لابن الرومي: [من البسيط]
كُلُّ الْخِلالِ الَّتِي فِيكُمْ مَحاسِنُكُمْ
…
تَشابَهَتْ فِيكُمُ الأَخْلاقُ
وَالْخُلُقُ كَأَنَّكُمْ شَجَرُ الأُتْرُنْجِ طابَ مَعاً
…
حِملاً وَنُوراً وَطابَ الْعُودُ وَالْوَرَقُ (2)
وقلت في عقد الحديث المتقدم: [من البسيط]
إِنَّ الْمُنافِقَ كَالرَّيْحانِ إِنْ قَرَأَ الْـ
…
ـقُرْآنَ أَوْ لا فَمِثْلُ الْحَنْظَلِ الْكَرِهِ
وَالتَّمْرُ أَوْ شَجَرُ الأُتْرُنْجِ طابَ
…
كَما رَوَيْنا مِثالَ الْمُؤْمِنِ النَّزِهِ
وروى الطبراني في "الأوسط" عن علي رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الْمُنافِقُ لا يَحْفَظُ سُورَةَ هُودٍ، وَبَراءة، وَيس، وَالدُّخانِ، وَعَمَّ يَتَساءَلُونَ"(3).
لا يحفظها متدبراً لها حافظاً لحدودها، فربما وجد في حفاظ القرآن من جمع كثيراً من خصال المنافقين، اللهم إلا أن يقال: إن من حفظ تلك السور فلا يتركهن أن يختم له بالإيمان.
(1) تقدم تخريجه.
(2)
انظر: "التذكرة الحمدونية" لابن حمدون (2/ 227).
(3)
رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(7570). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(7/ 157): فيه نهشل بن سعيد، وهو متروك.
وروى الديلمي عن عبد الله بن جراد رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الْمُنافِقُ لا يُصَلِّي الضُّحَى وَلا يَقْرَأُ: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} (1).
وروى الطبراني في "الكبير" عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نِيَّةُ الْمُؤْمِنُ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ، وَعَمَلُ الْمُنافِقِ خَيْرٌ مِنْ نِيَّتِهِ، وَكُلٌّ يَعْمَلُ عَلى نِيَّتِهِ، فَإِذا عَمِلَ الْمُؤْمِنُ عَمَلاً نارَ فِي قَلْبِهِ نُوراً"(2).
وروى ابن أبي الدنيا عن الحسن رحمه الله تعالى قال: المؤمن يبلغ بنيته وتضعف قوته، والمنافق تضعف نيته وتبلغ قوته (3).
وروى ابن أبي شيبة عن سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه: أنه قال -وكان في غزوة-: هؤلاء المشركون -يعني: العدو- وهؤلاء المؤمنون، وهؤلاء المنافقون، فيؤيد الله المؤمنين بقوة المنافقين، وينصر الله المنافقين بدعوة المؤمنين (4).
وهذا يؤيده قولُ النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ لَيُؤَيِّدُ هَذا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ".
(1) رواه الديلمي في "مسند الفردوس"(6621).
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
وانظر: "قوت القلوب" لأبي طالب المكي (2/ 263).
(4)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(30418).
وقوله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ يُؤَيِّدُ هَذا الدّينَ بِأَقْوامٍ لا خَلاقَ لَهُم".
وقوله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ يُؤَيِّدُ هَذا الدِّينَ بِأَقْوامٍ ما هُمْ مِنْ أَهْلِهِ". رواها الطبراني في "الكبير".
وأصل الأول في "الصحيح".
وروى الثالث الإمام أحمد، والنسائي، وابن حبان في "صحيحه"(1).
وروى الدينوري في "المجالسة" عن عثمان بن يزيد بن حوشب قال: بعث إلي المنصور بن جعفر قال: حدِّثني بوصية الحجاج بن يوسف فقلت: اعفني يا أمير المؤمنين.
قال: حدثني بها.
فقلت: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به الحجاج بن يوسف: أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن لا يعرف إلا طاعة الوليد بن عبد الملك، عليها يحيا وعليها يموت وعليها يبعث، وأوصى بتسعمئة درع حديد؛ ستمئة منها لمنافقي أهل العراق يغزون بها، وثلاثمئة للترك.
قال: فرفع أبو جعفر رأسه إلى أبي العباس الطوسي فقال: هذه والله الشيعة، لا شيعتكم (2).
قلت: وفي وصيته لمنافقي أهل العراق جرأة عظيمة لأن الوصية دليل الميل.
(1) وتقدم تخريج هذه الأحاديث.
(2)
انظر: "المجالسة وجواهر العلم" للدينوري (ص: 344).
ومثل هذه الوصية لا تصح لأن النفاق معصية، ولأن النفاق أمر قلبي، ولا يسع أحد الاعتراف به، ولا يكاد المنافقون يعرفون بالتوسم، ولو عرفوا لم يعترفوا، وكأن الحجاج تأول ما في الحديث من تأييد الدين بالرجل الفاجر، ورأى أن تأييد دولة الوليد من تأييد الدين، ولذلك قال أبو جعفر: هذه والله الشيعة.
وروى الإمام أحمد في "الزهد" عن طارق بن عبد الرحمن قال: وقع الطاعون بالشام، فاستغرقها، فقال الناس: ما هذا إلا الطوفان، ألا إنه ليس ماء، فبلغ معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه، فقام خطيباً، فقال: إنه قد بلغني ما تقولون، إنما هذه رحمة من ربكم عز وجل، ودعوة نبيكم صلى الله عليه وسلم، وكفت الصالحين قبلكم، ولكن خافوا ما هو أشد من ذلك؛ أن يغدو الرجل منكم لا يدري أمؤمن هو أم منافق، وخافوا إمارة الصبيان (1).
وروى الفريابي عن معاوية الهذلي -وكان من الصحابة رضي الله تعالى عنهم- قال: إن المنافق ليصلي فيكذبه الله عز وجل، ويصوم فيكذبه الله، ويتصدق فيكذبه الله، ويجاهد فيكذبه الله، ويقاتل فيُقْتَلَ، فيجعل في النار (2).
وفيه إشارة إلى أن القتل في الجهاد لا يكفر النفاق لأن المنافق
(1) ورواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 240).
(2)
رواه الفريابي في "صفة المنافق"(ص: 59).
لا يقاتل في سبيل الله تعالى، بل يقاتل حمية، أو لطلب الدنيا.
روى الفريابي، وأبو نعيم عن مالك بن دينار قال: قرأت في التوراة: بكبرياء المنافق يحترق المسكين.
وقرأت في الزبور: انتقم من المنافق بالمنافق، ثم انتقم من المنافقين جميعاً.
قال: ونظير ذلك في كتاب الله: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام: 129](1).
قلت: وفي معناه ما رواه الطبراني في "الأوسط" عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ تَعالَى يَقُولُ: أَنْتَقِمُ مِمَّنْ أُبْغِضُ بِمَنْ أُبْغِضُ، ثُمَّ أُصَيِّرُ كُلاًّ إِلَى النَّارِ"(2).
وروى الطبراني في "الأوسط" أيضا عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عَلِيُّ! مَعَكَ يَومَ القِيامَةِ عَصاً مِنْ عِصِيِّ الْجَنَّةِ تَذُودُ بِها الْمُنافِقِينَ عَنْ حَوْضِي"(3).
(1) رواه الفريابي في "صفة المنافق "(ص: 60)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء"(2/ 376).
(2)
رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(3358). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(7/ 289): فيه أحمد بن بكر البالسي، وهو ضعيف.
(3)
رواه الطبراني في "المعجم الصغير"(1014). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(9/ 135): فيه سلام بن سليمان المدائني وزيد العمي، وهما ضعيفان، وقد وثقا، وبقية رجالهما ثقات.
قلت: لعل النكتة في ذلك أن المنافقين لا يكادون يؤمنون بالحوض ولا بالبعث كما قال الحسن في كلامه المتقدم، وإن المنافق لو كانت النار خلف هذا الحائط لم يصدق بها حتى يقتحم عليها.
ومن الشواهد لحديث أبي سعيد ما رواه الطبراني في "الأوسط" عن أبي هريرة، وجابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهم قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عَلِيُّ بْنُ أَبِي طالِبٍ صاحِبُ حَوْضِيَ يَومَ القِيامَةِ"(1).
وروى أبو نعيم عن أبي قلابة رحمه الله تعالى قال: ينادي منادٍ يوم القيامة من قبل العرش: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: 62]، قال: فلا يبقى أحد إلا رفع رأسه.
فيقول: {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس: 63]، فلا يبقى منافق إلا نكس [رأسه](2).
قلت: وهذا خزي عظيم للمنافق، وذَوده عن الحوض خزي آخر، بل المنافق يخزى من حين موته على النفاق، أو تخرج روحه قبيحة الهيئة، منتنة الرائحة، ثم تجري الفتنة عليه في القبر، فلا يثبته الله تعالى بالقول الثابت، بخلاف المؤمن، بل ما بعد القبر أشد عليه من القبر وما قبله.
(1) رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(188). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(15/ 367): فيه ضعفاء وثقوا.
(2)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(2/ 286).
روى الحارث بن أبي أسامة، وأبو نعيم عن جابر رضي الله عنه: أنهم غزوا غزوة بين مكة والمدينة، فهاجت ريح شديدة دفنت الرجال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"هَذا لِمَوْتِ مُنافِقٍ".
قال: فقدمنا المدينة، فرأينا منافقاً عظيم النفاق مات يومئذ (1).
وروى الشيخان، وأبو داود، والنسائي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ العَبْدَ إِذا وُضعَ فِي قَبْرِهِ، وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحابُهُ، إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعالِهِمْ، يَأْتِيهِ مَلَكانِ فَيُقْعِدانِهِ، فَيَقُولانِ لَهُ: ما كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذا الرَّجُلِ -يَعْنِي النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم؟ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، فَيُقالُ لَهُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ، قَدْ أَبْدَلَكَ اللهُ بِهِ مَقْعَداً مِنَ الْجَنَّةِ، فَيَراهُما جَمِيعاً.
وَأَمَّا الْمُنافِقُ وَالْكافِرُ فَيُقالُ لَهُ: ما كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ: لا أَدْرِي، كُنْتُ أَقُولُ ما يَقُولُ النَّاسُ، فَيُقالُ: لا دَرَيْتَ وَلا تَلَيْتَ، ويُضْرَبُ بِمَطارِقَ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبةً، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُها مَنْ يَلِيهِ إِلَاّ الثَّقَلانِ" (2).
وروى الإمام أحمد، وابن أبي الدنيا، والطبراني في "الأوسط"، والبيهقي عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(4/ 79)، وكذا مسلم (2782).
(2)
رواه البخاري (1308)، ومسلم (2870)، وأبو داود (4751)، والنسائي (2050).
يقول: "إِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِها، فَإِذا دَخَلَ الْمُؤْمِنُ قَبْرَهُ، وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحابُهُ، جاءَهُ مَلَكٌ شَدِيدُ الانْتِهارِ فَيَقُولُ: ما كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: أَقُولُ: إِنَّهُ رَسُولُ اللهِ وَعَبْدُهُ، فَيَقُولُ لَهُ الْمَلَكُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ الَّذِي كانَ مِنَ النَّارِ، قَدْ أَنْجاكَ اللهُ مِنْهُ وَأَبْدَلَكَ بِمَقْعَدِكَ الَّذِي تَرى مِنَ النَّارِ مَقْعَدَكَ الَّذِي تَرى مِنَ الْجَنَّةِ، فَيَراهُما كِلَيْهِما، فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: دَعُونِي أُبَشِّرْ أَهْلِي، فَيُقالُ: اسْكُنْ.
قالَ: وَأَمَّا الْمُنافِقُ فَيُقْعَدُ إِذا تَوَلَّى عَنْهُ أَهْلُهُ، فَيُقالُ لَهُ: ما كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ: لا أَدْرِي، أقولُ ما يَقُولُ النَّاسُ، فَيُقالُ لَهُ: لا دَرَيْتَ، هَذا مَقْعَدُكَ الَّذِي كانَ لَكَ مِنَ الْجَنَّةِ، قَدْ أَبْدَلَكَ مَكانَهُ مَقْعَدَكَ مِنَ النَّارِ".
قال جابر: فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ فِي القَبْرِ عَلى ما ماتَ عَلَيْهِ؛ الْمُؤْمِنُ عَلى إِيْمانِهِ، وَالْمُنافِقُ عَلى نِفاقِهِ"(1).
وروى اللالكائي في "السنة" عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذا قُبِرَ أَحَدُكُمْ أَتاهُ مَلَكانِ أَزْرَقانِ أَسْوَدانِ يُقالُ لأَحَدِهِما: مُنْكَرٌ، وَالآخَرِ: نَكِيْرٌ، فَيَقُولانِ لَهُ: ما كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذا الرَّجُلِ؟ فَهُوَ قائِلٌ ما كانَ يَقُولُهُ؛ فَإِنْ كانَ مُؤْمِناً قالَ: هُوَ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولانِ:
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 346)، والطبراني في "المعجم الأوسط" (9076). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (3/ 48): رواه أحمد والطبراني، وفيه ابن لهيعة وفيه كلام، وبقية رجاله ثقات.
قَدْ كُنَّا -وفي لفظٍ: إِنَّا كُنَّا- نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ هَذا، فَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعينَ ذِراعاً، وَيُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ، فَيَقُولُ: أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِيَ فَأُخْبِرَهُمْ؟ -مَرَّتَيْنِ- فَيَقُولانِ -وفي لفظٍ: فَيُقالُ-: نَمْ كَنَوْمَةِ العَرُوسِ الَّذِي لا يُوْقِظُهُ إِلَاّ أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ.
وَإِنْ كانَ مُنافِقَاً قالَ: لا أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئاً -زاد في لفظ: فَكُنْتُ أَقُولُهُ- فَيَقُولانِ: إِنَّا كُنَّا نَعْلَمُ -وفي لفظٍ: قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ- تَقُولُ هَذا، فَيُقالُ لِلأَرْضِ: الْتَئِمِي عَلَيْهِ، فَتَلْتَئِمُ عَلَيْهِ، وَتَخْتَلِفُ عَلَيْهِ أَضْلاعُهُ، فَلا يَزالُ مُعَذَّباً حَتَّى يَبْعَثَهُ اللهُ تَعالَى مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ" (1).
وروى الإمام أحمد، والنسائي، والترمذي، والحاكم وصححاه، عن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنهما قال: لما نزلت: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج: 1] إلى قوله: {وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج: 2] أنزلت هذه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في سفر، فقال:"أَتَدْرُونَ أَيَّ يَوْمِ ذَلِكَ؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: "ذَلِكَ يَومَ يَقُولُ اللهُ تَعالَى لآدَمَ عليه السلام: ابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ.
قالَ: يا رَبِّ! وَما بَعْثُ النَّارِ؟ قالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعُمِئَةٍ وَتسْعَةٌ وَتِسْعونَ إِلَى النَّارِ، وَواحِدٌ إِلَى الْجَنَّةِ".
(1) رواه اللالكائي في "اعتقاد أهل السنة"(6/ 1134).
فأنشأ المسلمون يبكون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قارِبُوا وَسَدِّدُوا؛ فَإِنَّها لَمْ تَكُنْ نُبُوَّةٌ قَطُّ إِلَاّ كانَ بَيْنَ يَدَيْها جاهِلِيَّةٌ، فَتُؤْخَذُ الْعِدةُ مِنَ الْجاهِلِيَّةِ، فَإِنْ تَمَّتْ وَإِلَاّ كَمُلَتْ مِنَ الْمُنافِقِينَ، وَما مَثَلَكُمْ وَالأُمَمَ إِلَاّ كَمَثَلِ الرَّقْمَةِ فِي ذِراعِ الدَّابَّةِ، أَوْ كَالشَّامَةِ فِي جَنْبِ الْبَعِيرِ".
ثم قال: "وَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبْعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ"، فكبَّروا.
ثم قال: "أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ"، فكبَّروا.
ثم قال: "وَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ"، فكبَّروا.
قال: ولا أدري ذكر الثلثين، أم لا (1).
وفي هذا الحديث إشارة إلى أن أكثر أهل الجاهلية أكثر الناس؛ إذ منهم يأجوج ومأجوج، ومن لم تبلغه الدعوة، ثم الذين بلغتهم الدعوة، فمن لم يؤمن بقي على جاهليته، ومن آمن منهم إما أن يدخل الإيمان في قلبه أو لا، ومن لم يدخل الإيمان في قلوبهم أكثر ممن لم يدخل قلوبهم، فالمنافقون أكثر المسلمين، والمؤمنون حقيقةً أقلهم، يظهر بذلك أن أكثر الناس أهل الجاهلية، ثم أكثر الناس بعدهم المنافقون.
قال الله تعالى: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} [ص: 24].
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 432)، والنسائي في "السنن الكبرى"(11340)، والترمذي (3168) وقال: حسن صحيح، والحاكم في "المستدرك"(78).
وقال تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13].
وقال تعالى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سبأ: 20].
وتنكير الفريق للتقليل باتفاق المفسرين.
وروى الحاكم في "تاريخه" عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَيَأْتِيَنَّ عَلى النَّاسِ زَمانٌ لَوْ وَقَعَ حَجَرٌ مِنَ السَّماءِ إِلَى الأَرْضِ ما وَقَعَ إِلَاّ عَلى امْرَأَةٍ فاجِرَةٍ، أَوْ رَجُلِ مُنافِقٍ"(1).
وروى الفريابي عن ابن شودب قال: قيل للحسن: يا أبا سعيد! اليوم نفاق؟ قال: لو خرجوا من أزقة البصرة لاستوحشتم فيها (2).
وروى ابن أبي شيبة عن أبي البختري رحمه الله تعالى قال: قال رجل: اللهم أهلك المنافقين.
قال حذيفة رضي الله تعالى عنه: لو هلكوا ما انتصفتم من عدوكم (3).
(1) ورواه الديلمي في "مسند الفردوس"(5349) عن أبي هريرة رضي الله عنه، ثم ذكر بعده قول أنس رضي الله عنه:"والفاجرة امرأة طلقها زوجها، ثم يقيم معها فلا يزالان يفجران".
(2)
رواه الفريابي في "صفة المنافق"(ص: 82).
(3)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(37393).
وروى الفريابي عن حذيفة رضي الله تعالى عنه قال: المنافقون الذين فيكم اليوم شر من المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قيل: وكيف ذاك؟ قال: إن أولئك كانوا يسرون نفاقهم، وإن هؤلاء يعلنون (1).
وللمتنبي: [من الوافر]
إِذا ما النَّاسُ جَرَّبَهُمْ لَبِيبُ
…
فَإِنِّي قَدْ أَكَلْتُهُمْ وَذاقا
فَلَمْ أَرَ وِدَّهُمْ إِلَاّ خِداعاً
…
وَلَمْ أَرَ دِيْنَهُمْ إِلَاّ نِفاقاً (2)
وقلت: [من الرجز]
وَقائِلٍ ما لَكَ مِنْ رِفاقِ
…
أَنْتَ وِإيَّاهُمْ عَلى وِفاقِ
فَقُلْتُ دَعْنِي مُفردَ الرَّواقِ
…
لا أَصْحَبُ النَّاسَ سِوى فَواقِ
فَالْعِلْمُ أَضْحى كاسِدَ الأَسْواقِ
…
وَسُوقُ أَهْلِ الْجَهْلِ فِي النِّفاقِ
ما راجَ فِي النَّاسِ سِوى النِّفاقِ
…
كَالْكِذْبِ وَالرِّياءِ فِي النِّفاقِ
والنفاق آخر البيت -بالكسر-: جمع نفقة متحركاً؛ يقال: نفِقت -بالكسر- نفاق القوم؛ أي: نفدت نفقاتهم.
قال الدينوري: وأنشد أبو بكر بن أبي الدنيا لإبراهيم بن العباس: [من مجزوء الكامل المرفل]
(1) رواه الفريابي في "صفة المنافق"(ص: 62).
(2)
انظر: "يتيمة الدهر" للثعالبي (1/ 255).