الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
96 - ومن أخلاق أهل الجاهلية: معاداة أولياء الله تعالى، وإيذاؤهم، وإخراجهم من أوطانهم
.
وقد فعلوا ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم وبأصحابه حتى هاجروا إلى الحبشة، ثم إلى المدينة.
وروى أبو يعلى بسند حسن، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة قال: "أَما وَاللهِ إِنِّي لأَخْرُجُ مِنْكِ وَإِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّكِ أَحَبُّ بِلادِ اللهِ إِلَيَّ وَأَكْرَمُها عَلَيَّ، وَلَوْلا أَنَّ أَهْلَكِ أَخْرَجُونِي ما خَرَجْتُ"(1).
وروى البزار بسند صحيح، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على الحزورة فقال: "لَقَدْ عَلِمْتِ أَنَّكِ أَحَبُّ أَرْضِ اللهِ إِلَيَّ، وَلَوْلا أَنَّ قَوْمَكِ أَخْرَجُونِيَ مِنْكِ لَما خَرَجْتُ"(2).
97 - ومنها: الغل، والحقد، والحسد، والعداوة، والبغضاء، والحمية
.
ما لم تكن العداوة لنصرة الله وأمره، ومن ثم امتنَّ الله تعالى على أوليائه بقوله:{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} [الحجر: 47].
(1) رواه أبو يعلى في "المسند"(2662)، وكذا الترمذي (3926) وحسنه بلفظ قريب.
(2)
ورواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 305).
ومن ثم أيضًا أُمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول في تعوذه: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق: 5].
وروى ابن أبي حاتم عن علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما: أن هذه الآية: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} [الحجر: 47] نزلت في أبي بكر رضي الله تعالى عنه.
قيل: وأي غل؟
قال: غل الجاهلية؛ إن بني تميم، وبني عدي، وبني هاشم كان بينهم في الجاهلية غل، فلما أسلم هؤلاء تحابوا، فأخذت أبا بكر الخاصرة، فجعل علي يسخِّن يده، فيكمِّد بها خاصرة أبي بكر رضي الله تعالى عنهما، فنزلت هذه الآية (1).
وروى ابن إسحاق، وأبو الشيخ عن زيد بن أسلم رحمهما الله تعالى قال: مر شاس بن قيس - وكان يهوديًا - على نفر من الأوس والخزرج يتحدثون، فغاظه ما رأى من تألُّفهم بعد العداوة، فأمر شابًا معه من يهود أن يجلس بينهم، فيذكرهم يوم بعاث، ففعل، فتنازعوا وتفاخروا حتى وثب رجلان؛ أوس بن قيظي من الأوس، وجبار بن صخر من الخزرج، فتقاولا، وغضب الفريقان، وتواثبوا للقتال، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء حتى وعظهم، وأصلح بينهم، فسمعوا وأطاعوا، فأنزل الله تعالى في أوس وجبار: {يَا أَيُّهَا
(1) ورواه عبد الله ابن الإمام أحمد في "فضائل الصحابة"(1/ 145)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(30/ 338).
الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100)
وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ} [آل عمران: 100 - 103] الآية (1).
وقال أهل الأخبار: كان الأوس والخزرج أخوين لأب وأم، فوقعت بين القبيلتين عداوة بسبب قتيل، فتطاولت تلك العداوة والحرب بينهم عشرين ومئة سنة إلى أن أطفأ الله ذلك بالإسلام، وألَّف بينهم برسوله صلى الله عليه وسلم، فذكرهم الله تعالى بقوله:{وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103](2).
قال [
…
] (3): والآية شاملة للأنصار وغيرهم ممن كانوا متعادين في الجاهلية متدابرين حتى امتن الله عليهم بالإسلام، فتحابوا وتواصلوا في ذات الله، وتعاونوا على البر والتقوى.
وروى الإمام مالك، والشيخان، وأبو داود، والترمذي، والنسائي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَقاطَعُوا،
(1) تقدم تخريجه.
(2)
انظر: "تفسير الطبري"(1/ 398)، و"تفسير الثعلبي"(3/ 164).
(3)
بياض في "أ" و"ت".