الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
66 - ومنها -وهي أقبح أعمال المنافقين وأجمعها للشر-: تشبههم بمن سلف قبلهم من اليهود والنصارى، والمشركين، والمنافقين، والفجار
.
كما قال تعالى: {فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا (69)} [التوبة: 69].
وقال عز وجل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا (11)} [الحشر: 11] الآيات إلى قوله تعالى: {بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14) كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الحشر: 14 - 15].
قال مجاهد في قوله: {كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ (15)} [الحشر: 15]: هم كفار قريش (1).
وقال قتادة: هم بنو النضير (2).
وقيل: هم بنو قينقاع (3).
ورجحه الوالد في "تفسيره".
وقيل: بنو قريظة (4).
(1) رواه الطبري في "التفسير"(28/ 84).
(2)
رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(10/ 3347).
(3)
رواه الطبري في "التفسير"(28/ 84) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(4)
انظر: "تفسير الثعلبي"(9/ 284).
وكل هؤلاء يهود.
وقيل: هم كل الأمم السالفة من عهد نوح عليه السلام إلى زمان النبي صلى الله عليه وسلم.
وإنما قال: {قَرِيبًا} [الحشر: 15] لأن مسافة الدنيا كلها قريبة لانقضائها، وكما أن كل آتٍ قريب فكل ماض منها قريب لتتابعه.
أو قال: {قَرِيبًا} [الحشر: 15] من حيث إن القرآن قرب أحوالهم منهم مما جمعه من أخبارهم، وقصه من سننهم ووقائعهم.
واعلم أن قبائح المنافقين كثيرة لا تنحصر فيما ذكرناه.
وبالجملة لا يفعل المنافق طاعة إلا معلولة، ولا يبتعد عن معصية إلا تقية، أو في ظاهر الحال، ولذلك قال الله تعالى:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67)} [التوبة: 67]؛ أي: المتلبسون بالفسق حقيقة لأنهم خارجون عن الأمر حقيقة بخلاف المؤمن؛ فإنه إذا وقعت منه معصية فعلى سبيل الزلة والخطأ، ولو التمس قلبه لوجده مصدقاً، ولذلك يخاف من ذنبه ويندم على فعله، ويكره ذلك من نفسه، فالفسق على ظاهره، والإيمان في قلبه، وإنما سمي إذا فعل كبيرة أو أصر على صغيرة فاسقاً احتياطاً للشهادة، وزجراً له عن المعصية، وتبكيتاً به ليرجع ويتوب، ومن ثم سمى أهل السنة الفاسق غير المنافق مؤمناً خلافاً للخوارج والمعتزلة؛ فإن الخوارج يسمونه كافرًا، والمعتزلة يقولون: هو بين المنزلتين لا مؤمن ولا كافر.
وروى الإمام أحمد، والنسائي، وابن حبان في "صحيحه" عن عمر رضي الله تعالى عنه، والإمام أحمد، وابن حبان، والحاكم عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه، والطبراني عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنتُهُ وَساءَتْهُ سَيَّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ"(1).
وأنشد الحافظ أبو الفضل ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى لنفسه عقب إملاء هذا الحديث كما أخبرنا شيخ الإسلام والدي عن مشايخه، عنه:[من الكامل]
الْمَرْءُ يَذْهَلُ حِينَ يَفْعَلُ سَيَّئًا
…
وَيَعُودُ بِالإِيْمانِ وَالإِحْسانِ
فَإِذا نَدِمْتَ عَلى الْخَطَأ وَفَرِحْتَ بِالْـ
…
ـحُسْنَى فَذَاكَ عَلامَةُ الإِيْمانِ
وروى الأصبهاني في "الترغيب" عن عمران العَمَّي قال: جاء رجل إلى حذيفة رضي الله تعالى عنه فقال: يا أبا عبد الله! إني أخشى أن أكون منافقاً.
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(1/ 18)، والنسائي في "السنن الكبرى"(9222)، وابن حبان في "صحيحه"(6728)، وكذا الترمذي (2165) وصححه عن عمر رضي الله تعالى عنه.
والإمام أحمد في "المسند"(5/ 251)، وابن حبان في "صحيحه"(176)، والحاكم في "المستدرك"(35) عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه.
والإمام أحمد في "المسند"(4/ 398) عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه.
قال: تصلي إذا خلوت؟ وتستغفر إذا أذنبت؟
قال: نعم.
قال: اذهب، فما جعلك الله منافقًا (1).
وروى الإمام أحمد -وحسنه ابن حجر- عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِ وَالإِيمانِ مَثَلُ فَرَسٍ فِي آخِيَتِهِ (2)، يَجُولُ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى آخِيَتِهِ، وَكَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ يَسْهُو ثُمَّ يَرْجِعُ؛ فَأَطْعِمُوا طَعامَكُمُ الأَتْقِياءَ، وَأَوْلُوا مَعْرُوفَكُمْ"(3).
وروى البزار، والطبراني بإسناد حسن، عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: المؤمن واهٍ راقعٌ، وسعيدٌ من مات على رقعة (4).
وقوله: واهٍ راقعٌ؛ أي: مذنب مستغفر، مِنْ وَهَى السِّقاء: إذا انفتق خرزه.
وروى عبد بن حميد، والبيهقي عن ابن عباس رضي الله تعالى
(1) ورواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(61/ 251).
(2)
الآخية: العروة التي تشد بها الدابة.
(3)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 55)، وكذا ابن حبان في "صحيحه"(616).
(4)
رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(1867). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(10/ 201): رواه البزار والطبراني وفيه سعيد بن خالد الخزاعي، وهو ضعيف.
عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ ذَنْباً يَعْتادُهُ الْفَيْنَةَ بَعْدَ الْفَيْنَةِ، أَوْ ذَنْباً لا يَتْرُكُهُ حَتَّى يَمُوتَ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ خُلِقَ خَطَّاءً نَسَّاءً، فَإِذا ذُكِّرَ ذَكَرَ"(1).
والفينة -بفتح الفاء، وسكون الياء التحتانية، وبعدها نون-: الحالة، والساعة.
والحاصل: أن المؤمن -وإن جرى عليه الحكم بالفسق والذنب- فإنه يرجع إلى تصديق قلبي، وإيمان سري، فكأنه بصدد التوبة في كل وقت وحين.
على أن المنافق -وإن توغل في النفاق، وتمحض قلبه به- فباب التوبة له مفتوح أيضًا كسائر المشركين، فهو -وإن تمادى في أنواع النفاق وأخلاق المنافقين- فالتوبة غير محجوبة عنه.
حتى إن من الناس من تجري عليه أحوال المنافقين والمارقين سائر عمره، فيتداركه الله تعالى بإيمان مقبول، وتوبة صحيحة، ولو قبل الغرغرة بالموت.
وقد يتخلق بأخلاق المؤمنين ويعمل أعمال المسلمين سائر عمره، ثم يختم له بالنفاق؛ والعياذ بالله تعالى.
(1) رواه عبد بن حميد في "المسند"(674)(1/ 225)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(7124).
ومصداق ذلك في الحديث الصحيح (1).
وتأمل أمر إخوة يوسف عليه وعليهم السلام كيف جرى منهم أخبارهم لقتل يوسف وتغريبه، ثم طرحهم إياه في الجب، ثم كذبهم لأبيه على الذئب أنه أكله، وتزويرهم على قميصه بالدم، ثم إغلاظهم عليه، ثم بيع أخيهم بالثمن البخس، و [
…
] (2) ثم قولهم: إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل، ثم تلافاهم الله بالتوبة، وجعلهم أنبياء، وختم لهم بالحسنى، ولم يَجْرِ عليهم نفاقُ الكفرة وإنما جرى منهم مثل أفعال المنافقين.
وقصتهم أدل دليل على أنه ليس كل من جرى عليه مثل أعمال المنافقين يكون منافقًا خالصًا، بل هو متعرض له، وجائز عليه أن يتوب ويقلع، فيعود إلى آخية الإيمان وعقدة التصديق، ويستمر حتى يطهره الله تعالى من تلك الأدناس.
نعم، توبة المنافق ينبغي أن تكون أبلغ من توبة غيره.
ومن ثم اشترط الله تعالى على التائبين من المذنبين شرطين،
(1) روى البخاري (6221)، ومسلم (2643) عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:"إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يكون بينها وبينه إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينها وبينه إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل عمل أهل الجنة فيدخلها".
(2)
بياض في "أ" و"ت" بمقدار كلمة.