الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي "مراسيل أبي داود" عن أبي نضرة العبدي قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم العدو، فقال:"مَنْ جاءَ بِرَأْسٍ فَلَهُ عَلى اللهِ ما تَمَنَّى"، فجاءه رجلان برأس. الحديث.
قال أبو داود: في هذا أحاديث، ولا يصح منها شيء (1).
قال البيهقي: وهذا إن ثبت فإن فيه تحريضاً على قتل العدو، وليس فيه حمل الرأس من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام (2).
وروى أبو حفص بن شاهين في "أفراده" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: إن أول رأس علق في الإسلام رأسُ أبي عزَّة الجمحي؛ ضرب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رأسَه بأُحد (3).
كما أخرجه البيهقي عن سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى (4).
46 - ومن أعمال أهل الجاهلية:
ما كانت العرب تفعله في الحج من الأمور المخالفة لمناسك إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
وذلك أن العرب كانوا على دينين: حلة، وحميس.
فالحميس: قريش وكل من ولدت من العرب، وكانت قريش إذا أنكحوا غريباً امرأة منهم اشترطوا عليه أن كل من ولدت له فهو
(1) انظر: "المراسيل" لأبي داود (ص: 230).
(2)
انظر: "السنن الكبرى" للبيهقي (9/ 133)
(3)
وانظر: "التلخيص الحبير" لابن حجر (4/ 107).
(4)
رواه البيهقي في "السنن الكبرى"(9/ 65).
أحمسي على دينهم.
وكانت نساء الحميس لا ينسجن ولا يغزلن الشعر إذا أحرمن، وكانوا إذا أحرموا لا يأقطون الأقط، ولا يأكلون الزبد، ولا السمن، ولا يسلونه، ولا يمخضون اللبن، ولا يلبسون الوبر ولا الشعر، ولا يستظلون به ما داموا حُرُماً، وإنما يستظلون بالأدم، ولا يأكلون شيئاً من نبات الحرم، وكانوا يعظمون الأشهر الحرم، ولا يخفرون فيها الذمة، ولا يظلمون فيها.
وكانوا إذا أحرم الرجل منهم فإن كان من أهل المَدَر نقب نقباً في ظهر بيته، فمنه يدخل ومنه يخرج، ولا يدخل من بابه ولا يخرج، ولا يجوز تحت أسكفة بابه ولا عارضته، فإن أرادوا بعض أطعمتهم ومتاعهم تسوَّروا من ظهور بيوتهم وأدبارها، فنزلوا إلى حجرهم (1).
وكانوا على ذلك حتى بعث الله تعالى محمداً صلى الله عليه وسلم، فأحرم عام الحديبية، فدخل بيته وكان معه رجل من الأنصار، فوقف الأنصاري على الباب، فقال له:"أَلا تَدْخُلُ"؟
فقال: إني أحمسي يا رسول الله.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَأَنا أَحْمَسِيّ، ديني وَدِيْنُكَ سَواءٌ".
فدخل الأنصاري، فأنزل الله تعالى: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ
(1) انظر: "أخبار مكة" للأزرقي (1/ 181).
مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} [البقرة: 189](1).
وكانت الحمس يقولون: لا تعظِّموا شيئاً من الحل، ولا تجاوزوا الحرم في الحج، وقصروا عن مناسك الحج والموقف من عرفة وهو من الحل، فلم يكونوا يقفون ولا يفيضون منه، وجعلوا موقفهم في طرف الحرم، من نَمِرة بمفضى المَأْزمين، يقفون به عشية عرفة، ويظلون به يوم عرفة في الأراك من نمرة، ويفيضون منه إلى المزدلفة (2).
وقد أمر الله تعالى بمخالفتهم في ذلك، فأمر بالوقوف بعرفة والإفاضة منها، فقال تعالى:{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 198، 199].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الْحَجُّ عَرَفةُ". رواه الإمام أحمد، وأصحاب السنن (3).
وكانت الحلة يدفعون من عرفة والخمس من أطراف الحرم إذا
(1) رواه الحاكم في "المستدرك"(1777) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
(2)
انظر: "أخبار مكة" للأزرقي (1/ 180).
(3)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 309)، وأبو داود (1949)، والترمذي (889)، والنسائي (3016)، وابن ماجه (3015) عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي رضي الله عنه.
طفلت الشمس للغروب، وكانت على رؤوس الرجال كأنها عمائم الرجال في وجوههم، فيبيتون جميعاً بمزدلفة حتى إذا كان في الغلس وقفت الحلة والحمس جميعاً على قزح، فلا يزالون عليه حتى إذا طلعت الشمس وصارت على رؤوس الجبال كأنها عمائم الرجال في وجوههم دفعوا من مزدلفة، وكانوا يقولون: أشرق ثبير كي ما نغير (1).
فلما حج رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم عرفة كما روى الطبراني بسند صحيح، عن المِسْور بن مَخْرمة رضي الله تعالى عنهما قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:"أَمَّا بَعْدُ! فَإِنَّ أَهْلَ الشِّرْكِ وَالأَوْثانِ كانُوا يَدْفَعُونَ مِنْ هَذا الْمَوْقف إِذا كانَتِ الشَّمْسُ عَلى رُؤُوسِ الْجِبالِ كَأَنَّها عَمائِمُ الرِّجالِ فِي وُجُوهِهِمْ، وَإِنَّا لا نَدْفَعُ إِلَاّ بَعْدَ أَنْ تَغِيْبَ الشَّمْسُ، وَكانُوا يَدْفَعُونَ مِنَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ إِذا كانَتِ الشَّمْسُ مُنْبَسِطَةً"(2).
وفي رواية غيره: "وإِنَّاَ لا نَدْفَعُ مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَيَحِلَّ فِطْرُ الصَّائِمِ، وَنَدْفَعُ مِنْ مُزْدلِفَةَ غَداً إِنْ شاءَ اللهُ تَعالَى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ؛ هَدْيُنا مُخالِفٌ لِهَدْيِ أَهْلِ الشِّرْكِ وَالأَوْثانِ"(3).
وروى الأئمة الستة رحمهم الله تعالى عن عمرو بن ميمون قال:
(1) انظر: "أخبار مكة" للأزرقي (1/ 189).
(2)
رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(20/ 24). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(3/ 255): رجاله رجال الصحيح.
(3)
رواه البيهقي في "السنن الكبرى"(5/ 125).