الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التحليل والتعليق
تضمنت الآثار السابقة إثبات مشيئة اللَّه، وأنها نافذة على خلقه على ما أراد، وهذه هي الرتبة الثالثة من مراتب القضاء والقدر وهي:"الإيمان بأن ما شاء اللَّه كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه ما في السماوات، وما في الأرض من حركة، ولا يكون، إلا بمشيئه اللَّه سبحانه، لا يكون في ملكه ما لا يريد، وأنه سبحانه على كل شيء قدير من الموجودات والمعلومات"
(1)
، وفي الآثار السابقة بيان أن المشيئة نافذة ففى وصية الرجل لابنه أن اللَّه إذا أراد به خيرا أو شرا أمضاه، أحبّ العباد أم كرهوا، وفي أثر الفضل بن عيسى أن الموت لا مفر منه؛ لأن اللَّه عزم على إمضائه
(2)
، وسبق به قدره
(3)
، وفي أثر طاووس أن اللَّه يخص بمنحه من يشاء ممن يريد به خيرا
(4)
، قال ابن القيم: "هذه المرتبة قد دل عليها إجماع الرسل من أولهم إلى آخرهم، وجميع الكتب المنزلة من عند اللَّه، والفطرة
= كلام ابن حجر في الإصابة (3/ 472) أنه ليس له غيره واللَّه أعلم، والجرح والتعديل (7/ 301)، إصلاح المال (377) رقم (505)، وذكره في المستظرف من كل فن مستطرف (1/ 254) ونسبه لسلم الخاسر.
(1)
العقيدة الواسطية من مجموع الفتاوى (3/ 149).
(2)
وصف إرادة اللَّه بالعزم ذكره شيخ الإسلام عند كلامه على إرادة الشيء لمعين، وذكر فيه قولين وقال:"الثاني: الجواز وهو أصح" مجموع الفتاوى (16/ 304).
(3)
وهذا قد سبق بيانه (415) في حتمية وقوع القدر.
(4)
سيأتي (604) بيان وتوضيح لهذه المسألة في الهداية والضلال.
التي فطر اللَّه عليها خلقه، وأدلة العقول، والعيان، وليس في الوجود موجب ومقتض إلا مشيئة اللَّه وحده، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، هذا عموم التوحيد الذي لا يقوم إلا به، والمسلمون من أولهم إلى آخرهم مجمعون على أنه ما شاء اللَّه كان وما لم يشأ لم يكن"
(1)
.
وفي الأبيات الواردة في آخر المطلب تعلق قضاء الحاجات بإذن اللَّه، فإذا أذن في حاجة قضيت وإن اختلفت أسباب وطرق قضائها، وهذا أمر مهم جدا فإن إذن اللَّه بالشيء على ما فهمه السلف رحمهم الله هو مشيئته وما في معناها، فعن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى:{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}
(2)
قال: "إلا بما سبق في قضاء اللَّه وقدره"
(3)
وقال عطاء: "بمشيئة اللَّه"
(4)
وقال الزجاج: "وما كان لنفس الوصول إلى الإيمان إلا بتوفيق اللَّه وهو إذنه"
(5)
وقال الشيخ عبد الرحمن
(1)
شفاء العليل (80).
(2)
سورة آل عمران، من الآية (145).
(3)
الوسيط للواحدي (2/ 560)، تفسير البغوي (2/ 370)، وروى ابن جرير مثله أيضًا عن سفيان الثوري (6/ 616).
(4)
الوسيط للواحدي (2/ 560)، تفسير البغوي (2/ 370)، وذكر عنه السمعاني قوله:"إلا بتوفيق اللَّه".
(5)
معاني القرآن للزجاج (3/ 36)، ونقله عنه الواحدي في الوسيط (2/ 560).
ابن سعدي رحمه الله فقال: "بإرادته ومشيئته، وإذنه القدري الشرعي"
(1)
، وليس مجرد علمه بالشيء كما زعم المعتزلة
(2)
.
(1)
تيسير الكريم المنان (3/ 393)، وعقد ابن القيم رحمه الله بابا في شفاء العليل عنون له بقوله:"في انقسام القضاء والحكم والإرادة والأمر والإذن والجعل والكلمات والبعث والإرسال والتحريم والإنشاء إلى كوني قدري متعلق بخلقه، وإلى ديني متعلق بأمره، وما يحقّق ذلك من إزالة اللبس والإشكال".
قلت: وبسبب عدم التفريق بين الأمرين خلّط عبد الجبار المعتزلي تخليطا عجيبا لما أراد أن يرد استدلال أهل السنة: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} فقال في متشابه القرآن (2/ 372): "لا يصح التعلق به في أن المؤمن لا يؤمن إلا بمشيئته؛ لأن عندنا أن الإيمان خاصة لابدّ أن يريده اللَّه، وإنما نمنع من أن يريد الكفر، ولو احتججنا نحن به كان أقرب، في أنه تعالى يريد الإيمان من الجميع دون الكفر، فلذلك خصّ الايمان بأنه علقه بإذنه دون غيره"، فهذا واضح في أنه لا يفرّق بين الإذن الشرعي المحبوب للَّه، والإذن الكوني الذي لا يستلزم ذلك ولا يدلّ عليه وإنما يدلّ على كمال الربوبية ونفوذ المشيئة.
(2)
انظر متشابه القرآن لعبد الجبار (1/ 372) وذلك هروبا من إثبات القدر وخلق أفعال العباد، وقد ذكرت مناقشة الإمام القصاب للمعتزلة في تفسيرهم الإذن في رسالة الماجستير وردوده المطولة عليهم، وقد رد عليهم ذلك لغة وعقلا وشرعا.