الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التحليل والتعليق
تضمن الأثران السابقان بيان خوف السلف من العواقب السيئة المترتبة على إظهار الإنكار على السلطان ونحوه، قال ابن رجب:"متى خاف على نفسه السيف، أو السوط، أو الحبس، أو القيد، أو النفي، أو أخذ المال، أو نحو ذلك من الأذى، سقط أمرهم وفيهم، وقد نص الأئمة على ذلك، منهم: مالك وأحمد وإسحاق وغيرهم. . . فإن خاف السب، أو سماع الكلام السيِّء، لم يسقط عنه الإنكار بذلك"
(1)
، قال الطبري:"اختلف السلف في الأمر بالمعروف، فقالت طائفة: يجب مطلقا. . .، وقال بعضهم: يجب إنكار المنكر، لكن شرطه أن لا يلحق المنكر بلاء لا قبل له به، من قتل ونحوه، وقال آخرون: ينكر بقلبه. . . والصواب اعتبار الشرط المذكور"
(2)
، هذا في خاصة نفسه، وفي اعتبار شرط عدم أذية غيره قال ابن رجب:"إن خشي في الإقدام على الإنكار على الملوك أن يؤذي أهله، أو جيرانه، لم ينبغ له التعرض لهم حينئذ، لما فيه من تعدي الأذى إلى غيره، كذلك قال الفضيل بن عياض وغيره"
(3)
، وقال شيخ الإسلام: "يفرَّق بين
= المنكر (94) رقم (50)، وذكر السيوطي في الدر (2/ 592) قولا لعبد اللَّه بن عبد العزيز العمري أنه يقول ذلك معذرة إلى اللَّه ولو لم يقبل منه.
(1)
جامع العلوم والحكم (1/ 323).
(2)
فتح الباري (13/ 53).
(3)
جامع العلوم والحكم (1/ 323)، وانظر تفسير القرطبي (4/ 49).
ما يفعل في الإنسان ويأمر به ويبيحه، وبين ما يسكت عن نهي غيره عنه وتحريمه عليه، فإذا كان من المحرمات ما لو في عنه حصل ما هو أشد تحريما لم ينه عنه، ولم يبحه أيضا، ولهذا لا يجوز إنكار المنكر بما هو أنكر منه، ولهذا حرم الخروج على ولاة الأمر بالسيف؛ لأجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن ما يحصل بذلك من فعل المحرمات، وترك واجب أعظم مما يحصل بفعلهم المنكر والذنوب"
(1)
، وقال:"قتال اللصوص ليس قتال فتنة؛ إذ الناس كلهم أعوان على ذلك، فليس فيه ضرر عام على غير الظالم، بخلاف قتال ولاة الأمور؛ فإن فيه فتنة وشرا عاما أعظم من ظلمهم، فالمشروع فيه الصبر"
(2)
، وبيّن وجه ذلك فقال:"فإذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مستلزما من الفساد أكثر مما فيه من الصلاح، لم يكن مشروعا، وقد كره أئمة السنة القتال في الفتنة التي يسميها كثير من أهل الأهواء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإن ذلك إذا كان يوجب فتنة هي أعظم فسادا مما في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لم يدفع أدنى الفسادين بأعلاهما بل يدفع أعلاهما باحتمال أدناهما"
(3)
.
(1)
مجموع الفتاوى (14/ 472).
(2)
الاستقامة (1/ 36).
(3)
الاستقامة (1/ 330).