الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التحليل والتعليق
تضمن أثر ابن عباس رضي الله عنه السابق أن القاتل ليس له توبة، وفي أثري أبي الدرداء وعمرو بن شرحبيل، بيان اقتصاص المقتول من القاتل لا محالة، وجلوسه على الجادة ينتظره، وكأن هذا يؤيّد قول ابن عباس في أنه ليس له توبة، بمعنى تعين القصاص، وأخذ المقتول حقه منه واللَّه أعلم.
وقد ذهب الجمهور من سلف الأمة وخلفها، إلى أن القاتل له توبة فيما بينه وبين اللَّه عز وجل، فإن تاب، وأناب، وخشع، وخضع، وعمل عملا صالحا، بدل اللَّه سيئاته حسنات، وعوّض المقتول من ظلامته وأرضاه
(1)
، قال النووي:"قوله صلى الله عليه وسلم: "إن رجلا قتل تسعا وتسعين نفسا، ثم قتل تمام المائة، ثم أفتاه العالم بأن له توبة"، هذا مذهب أهل العلم وإجماعهم، على صحة توبة القاتل عمدا، ولم يخالف أحد منهم إلا ابن عباس، وأما ما نقل عن بعض السلف من خلاف هذا، فمراد قائله الزجر عن سبب التوبة، لا
= (3814)، الأهوال (198) رقم (189)، وابن أبي شيبة في المصنف (5/ 457) رقم (27949)، والبيهقي في شعب الإيمان (4/ 341) رقم (5327)، جميعهم رواه عن شرحبيل من قوله، وقد روي هذا الأثر عن شرحبيل عن عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه موقوفا، كما روي بنفس الطريق مرفوعا، انظر العلل لابن أبي حاتم (2/ 221)، قال الدارقطني في العلل (5/ 91):"حديث أبي وائل عن عبد اللَّه صحيح، ويشبه أن يكون الأعمش كان يرفعه مرة ويقفه أخرى واللَّه أعلم".
(1)
الفقه على المذاهب الأربعة (5/ 254).
أنه يعتقد بطلان توبته، وهذا الحديث ظاهر فيه، وهو وإن كان شرعا لمن قبلنا، وفي الاحتجاج به خلاف، فليس موضع الخلاف، وإنما موضعه إذا لم يرد شرعنا بموافقته وتقريره، فإن ورد كان شرعا لنا"
(1)
.
وقد أوضح ابن القيم وجه من قال ليس له توبة ومعناه فقال: "التحقيق في المسألة: أن القتل يتعلق به ثلاث حقوق؛ حق للَّه، وحق للمقتول، وحق للولي، فإذا أسلم القاتل نفسه، طوعا واختيارا إلى الولي، ندما على ما فعل، وخوفا من اللَّه، وتوبة نصوحا، سقط حق اللَّه بالتوبة، وحق الأولياء بالاستيفاء، أو الصلح، أو العفو، وبقي حق المقتول يعوضه اللَّه تعالى عنه يوم القيامة عن عبده التائب المحسن، ويصلح بينه وبينه، فلا يذهب حق هذا، ولا تبطل توبة هذا"
(2)
، قال المرداوي:"وهو الصواب"
(3)
، وقد ختم ابن القيم بحث توبة القاتل بعبارة لطفة فقال رحمه الله:"فهذا الذي يمكن أن يصل إليه نظر العالم واجتهاده، والحكم بعد ذلك للَّه، إن ربك يقضي بينهم بحكمه، وهو العزيز العليم"
(4)
.
وهنا مسألة مهمة في توبة القاتل، وهي أنه لا علاقة بين قبول توبته
(1)
شرح مسلم (17/ 82).
(2)
الجواب الكافي (102).
(3)
الإنصاف (10/ 331)، ومثله ابن مفلح في الآداب الشرعية (1/ 59 - 60).
(4)
مدارج السالكين (1/ 392)، وانظر التحرير والتنوير (1/ 1007).
وخلوده في النار؛ فإنه حتى لو مات من غير توبة، أو تاب ولم تقبل توبته، واستوفى المقتول حقه منه، ودخل النار، فإنه لا يخلد فيها كما سبق في حكم عصاة الموحدين
(1)
.
(1)
انظر مجموع الفتاوى (7/ 223).