الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث والثلاثون: الآثار الواردة في فضائل أسماء رضي الله عنها
.
891 -
حدثنا أبو جعفر التميمي، نا إسماعيل بن عياش، عن عمرو بن المهاجر، عن أبيه، عن أسماء بنت يزيد الأنصارية
(1)
: "شهدت اليرموك مع الناس، فقتلت سبعة من الروم بعمود فسطاطاها"
(2)
.
التحليل والتعليق
تضمنت الآثار السابقة، الموزعة على المباحث المختلفة، فضائل كثير من الصحابة، ممن لم يسبق ذكرهم في العشرة المبشرين بالجنة، ولا فيمن ذكر من أهل البيت، وهم كمن سبق من إخوانهم من الصحابة، أهل الفضل والمكارم، كما قال ابن حزم:"لكل واحد من الصحابة رضي الله عنهم، فضائل ومشاهد تعفو عن كل تقصير، وليس ذلك لغيرهم"
(3)
.
فقد تضمنت الآثار بيان الصفات العظيمة التي امتازوا بها، كالجود والعطاء، والتضحية بالمال والنفس في سبيل نصرة اللَّه ورسوله، وضرب
(1)
هي أسماء بنت يزيد بن السكن بن رافع بن امرئ القيس الأنصارية الأوسية ثم الأشهلية، بنت عم معاذ بن جبل، الإصابة (7/ 498).
(2)
إسناده ضعيف، مداره على المهاجر مولى أسماء وهو مقبول التقريب (6974)، ذكره ابن حبان في الثقات (5/ 427)، مكارم الأخلاق (39) رقم (173)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (6/ 128) رقم (3349)، والطبراني في المعجم الكبير (24/ 157) رقم (403)، وذكرها ابن حجر في الإصابة (4/ 235).
(3)
المحلى (8/ 17).
أروع البطولات في الجهاد في سبيل اللَّه، وبعض الكرامات التي ثبتت لبعضهم، وإقراء الضيف، وما سمع لبعضهم من هواتف تثني عليهم، والتواضع في الزي، والاخشوشان فيه، يأكلون دون الشبع، وحبهم للقرآن، واكتفاء بعض شعرائهم به عن قرض الشعر، حيث لم يقل بعد إسلامه شعرا، يضاعف أحدهم اجتهاده وعبادته، إذا قرب أجله، يصومون من الأيام أحرها، ويختارون من البر لأمهاتهم ما تقر به عينها، ولو أنفقوا من أموالهم أطايبها، يقدمون ذلك على كثير من العبادات كالحج وغيره، يعرف بعضهم حق بعض، ولا ينكر منزلته، ولو كان بينهم ما يكون بين الآدميين، من الخلاف والوحشة، لم يمنعه من ذكر فضل أخيه والاعتراف به، يعدون عدم الإنفاق، وخلوّ فنائهم من طالب حاجة من المصائب، حفظوا سنة نبيهم فلم يبدلوا، ولم يغيّروا، بل أدّوا كما سمعوا، امتحنهم غير واحد في حفظهم فكانوا يؤدون الحرف بعد زمن طويل كما أدوه قبل، يؤدون عن الناس ديونهم، بل ويزيدونهم مثلها عطاء، يشترون الدار بالثمن الغالي، ثم ترق قلوبهم لبكاء أهلها وحاجتهم لها وللمال، فيتنازلون عن البيت والمال، ترق قلوبهم للموعظة فتدمع عيونهم، ولا تمنعهم هيبة الخلافة ورونق العرش والكرسي من إظهار التخشع والخوف من اللَّه، والانكسار بين يديه، لا يخدعون عن القليل، ولا يتعاظمهم الكثير، منهم القضاة، ومنهم الدهاة، اختص بعضهم بالأناة، والآخر بالمعضلات، والآخر بالمبادهة، في حين كان الآخر للصغير والكبير، وكانت بعض بيوتهم بيوت جود، به يعرفون وعنه ينافحون، لا يقبلون في ذلك العذل واللوم، يحسنون لأصحاب الذمة، ويوصون بهم خيرا، ولا ينسونهم من برهم، ويبدأون بهم في الأعطية، اشتهر بعضهم بالمنافسة في أبواب العبادات حتى نسبت إليه عبادات لم تعرف عن غيره كالطواف سباحة، وقد أحسن من عوتب في عدم ذكر
بعضهم لما ذكرت الفضائل، فتعلل بأن السؤال كان عن الإنس، ومن ترك ذكرهم ليسوا من الإنس، لكثرة ما تميزوا به، يصومون طول النهار فإذا جاء الإفطار وجهز الطعام تبرعوا به ليتامى أهلهم وحيِّهم، ويشبعون لشبعهم، بل لا يجد أحدهم ما يأكله عند إفطاره لإنفاقه كل ما عنده، يحرصون من الطعام على أبسطه، عفيفة ألسنتهم عن السب والشتم، ويتصدق أحدهم بعرضه في سبيل اللَّه، تهيج أنفسهم لفعل الخير إذا رأوا من يفعله، فيتمنى أحدهم لو كانت أمه حية ليحملها كما رأى من يحمل أمه، يخافون على نبيهم من أي أذى يصيبه، فيدع دعوته والاستشفاء بدعائه خوفا عليه من لدغ عقرب أو نهش حية، أحيوا الوئيدة، ويقسم أحدهم على اللَّه بأن يقتل في سبيله فيدخل الجنة، فيبر اللَّه قسمه، بل إن نساءهم كن مجاهدات، حصر من قتلته أسماء يوم اليرموك بعمود فسطاطها فبلغ سبعة رجال، قال الغزالي -بعد إيرداه لجملة من أوصافهم-:"فهذه أحوال السلف، ونعتهم، وفيهم من الفضل أكثر مما وصفنا"
(1)
.
وقد كانت هذه سنة السلف ذكر محاسن أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ومن أقوالهم في ذلك: "اذكروا محاسن أصحاب محمد عليه السلام تأتلف عليه القلوب"
(2)
، قال الإمام أحمد:"ومن السنة ذكر محاسن أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كلهم أجمعين"
(3)
.
قال شيخ الإسلام: "الأحاديث مستفيضة، بل متواترة في فضائل الصحابة، والثناء عليهم، وتفضيل قرنهم على من بعدهم من القرون،
(1)
وقد جمع كثيرا من صفاتهم الغزالي في إحياء علوم الدين فراجعه (3/ 267).
(2)
السنة للخلال (3/ 513).
(3)
السنة (80) رواية مسدد.
فالقدح فيهم قدح في القرآن والسنة"
(1)
، ومن جميل ما قاله الهيتمي رحمه الله في ذلك -بعد نقله لجملة من الآيات والأحاديث في فضلهم-:"على أنه لو لم يرد من اللَّه ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه، لأوجبت الحال التي كانوا عليها؛ من الهجرة، والجهاد، ونصرة الإسلام، ببذل المهج، والأموال، وقتل الآباء، والأولاد، والمناصحة في الدين، وقوة الإيمان واليقين، القطع بتعديلهم، والاعتقاد بتراهتهم"
(2)
.
(1)
الفتاوى الكبرى (1/ 481).
(2)
الصواعق المحرقة (2/ 607).