المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

مؤمن ضال، فأتينا الشعبى فقلنا له: يا أبا عمرو إني - الآثار المروية عن أئمة السلف في العقيدة من خلال كتب ابن أبي الدنيا - جـ ٢

[حميد بن أحمد نعيجات]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الرابع: الآثار الواردة في القدر

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في حتمية القدر ووجوب وقوعه

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في القبضتين من أهل الجنة والنار

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في النهي عن الخصومة في القدر

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في مراتب القضاء والقدر

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في مرتبة العلم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث [*]: الآثار الواردة في مرتبة الكتابة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في مرتبة المشيئة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في مرتبة الخلق

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الخامس: الآثار الواردة في الهداية والضلال

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث السادس: الآثار الواردة في نفي الجور عن اللَّه (العدل الإلهي)

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث السابع: الآثار الواردة في الرضا بالقضاء والقدر

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في تعريفه

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في فضله

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في أنواع التسليم والرضا بالقدر وعلاقته بالأسباب

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في معنى موافقة المشيئة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الخامس: الآثار الواردة في علاقة الرضا بالمعرفة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السادس: الآثار الواردة في الفرق بين الرضا بالقدر والصبر عليه، وبين العزم على ذلك

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثامن: الآثار الواردة في ذم القدرية والتحذير منهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث التاسع: الآثار الواردة في براءة الحسن البصري من القدر

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الباب الثالث: الآثار الواردة في مباحث الإيمان

- ‌الفصل الأول: الآثار الواردة في تعريف الإيمان

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الفصل الثاني: الآثار الواردة في الزيادة والنقصان

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الفصل الثالث: الآثار الواردة في الاستثناء

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الفصل الرابع: الآثار الواردة في الإسلام والإيمان

- ‌التحليل والتعليق

- ‌القول الأول: من قال بالترادف بينهما

- ‌القول الثاني: قول من قال بالتغاير

- ‌القول الثالث: قول من قال بالتلازم بينهما

- ‌الفصل الخامس: الآثار الواردة في الأسماء والأحكام

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في الأسماء

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في أنواع الكفر

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في الحجاج بن يوسف

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في الولاء والبراء

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في الأحكام

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في حكم عصاة الموحدين

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في أطفال المشركين

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في توبة القاتل

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الباب الرابع: الآثار الواردة في الصحابة والإمامة

- ‌الفصل الأول: الآثار الواردة في الصحابة عموما، والخلفاء الراشدين خاصة

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في فضائل الصحابة عموما

- ‌أولا: الآثار الواردة في أفضليتهم وخيريتهم وأسبقيتهم

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في جهادهم ودفاعهم عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وحبهم له

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في الألفة والتحاب فيما بينهم

- ‌رابعا: الآثار الواردة في كريم أفعالهم، ومحاسن أخلاقهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في النهي عن سبهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في فضائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌أولا: الآثار الواردة في زهده وورعه

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في عدله وخوفه في خلافته

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في ثناء الناس عليه

- ‌رابعا: الآثار الواردة في بعض كراماته

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الخامس: الآثار الواردة في في فضائل عثمان بن عفان رضي الله عنه

- ‌أولا: الآثار الواردة في بعض مناقبه

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في صبره في محنته

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في ثناء الناس عليه

- ‌رابعا: بعض كراماته

- ‌خامسا: براءة الصحابة من دمه

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث السادس: الآثار الواردة في فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌أولا: الآثار الواردة في تقدم إسلامه

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في ثناء الناس عليه

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في بعض كراماته

- ‌رابعا: الآثار الواردة في زهده وورعه وعبادته

- ‌خامسا: الآثار الواردة في جهاده وشجاعته

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الفصل الثاني: الآثار الواردة في فضائل بقية العشرة رضي الله عنهم

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في فضائل سعيد بن العاص رضي الله عنه

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في فضائل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في فضائل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في فضائل طلحة رضي الله عنه

- ‌المبحث الخامس: الآثار الواردة في فضائل أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه

- ‌المبحث السادس: الآثار الواردة في فضائل الزبير رضي الله عنه

- ‌الفصل الثالث: الآثار الواردة في فضائل بعض أهل البيت رضي الله عنهم

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في فضائل العباس رضي الله عنه

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في فضائل الحسن بن علي رضي الله عنه

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في فضائل الحسين بن علي رضي الله عنه

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في فضائل عبد اللَّه بن جعفر رضي الله عنه

- ‌المبحث الخامس: الآثار الواردة في فضائل عبد اللَّه بن عباس رضي الله عنه

- ‌المبحث السادس: الآثار الواردة في فضائل عبيد اللَّه بن العباس رضي الله عنه

- ‌المبحث السابع: الآثار الواردة في فضائل عائشة رضي الله عنها

- ‌المبحث الثامن: الآثار الواردة في فضائل زينب بنت جحش رضي الله عنها

- ‌الفصل الرابع: الآثار الواردة في فضائل بقية الصحابة رضي الله عنهم

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في فضائل عبد اللَّه بن سعيد بن العاص رضي الله عنه

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في فضائل مصعب بن عمير رضي الله عنه

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في فضائل ذي البجادين رضي الله عنه

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في فضائل عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه

- ‌المبحث الخامس: الآثار الواردة في فضائل بلال بن رباح رضي الله عنه

- ‌المبحث السادس: الآثار الواردة في فضائل أبي بن كعب رضي الله عنه

- ‌المبحث السابع: الآثار الواردة في فضائل البراء رضي الله عنه

- ‌المبحث الثامن: الآثار الواردة في فضائل خالد بن الوليد رضي الله عنه

- ‌المبحث التاسع: الآثار الواردة في فضائل سعد بن عبادة رضي الله عنه

- ‌المبحث العاشر: الآثار الواردة في فضائل أبي الدرداء رضي الله عنه

- ‌المبحث الحادي عشر: الآثار الواردة في فضائل سلمان رضي الله عنه

- ‌المبحث الثاني عشر: الواردة في فضائل الأشعث بن قيس رضي الله عنه

- ‌المبحث الثالث عشر: الآثار الواردة في فضائل لبيد بن ربيعة رضي الله عنه

- ‌المبحث الرابع عشر: الآثار الواردة في فضائل أبي موسى رضي الله عنه

- ‌المبحث الخامس عشر: الآثار الواردة في فضائل حجر بن عدي رضي الله عنه

- ‌المبحث السادس عشر: الآثار الواردة في فضائل أسامة بن زيد رضي الله عنه

- ‌المبحث السابع عشر: الآثار الواردة في فضائل حسان بن ثابت رضي الله عنه

- ‌المبحث الثامن عشر: الآثار الواردة في فضائل حكيم بن حزام رضي الله عنه

- ‌المبحث التاسع عشر: الآثار الواردة في فضائل أبي هريرة رضي الله عنه

- ‌المبحث العشرون: الآثار الواردة في فضائل عبد اللَّه بن عامر ابن كريز رضي الله عنه

- ‌المبحث الحادي والعشرون: الآثار الواردة في فضائل معاوية رضي الله عنه

- ‌المبحث الثاني والعشرون: الآثار الواردة في فضائل قيس بن سعد رضي الله عنه

- ‌المبحث الثالث والعشرون: الآثار الواردة في فضائل عبد اللَّه ابن عمرو رضي الله عنه

- ‌المبحث الرابع والعشرون: الآثار الواردة في فضائل عبد اللَّه ابن الزبير رضي الله عنه

- ‌المبحث الخامس والعشرون: الآثار الواردة في فضائل عبد اللَّه ابن عمر رضي الله عنه

- ‌المبحث السادس والعشرون: الآثار الواردة في فضائل طلحة ابن البراء رضي الله عنه

- ‌المبحث السابع والعشرون: الآثار الواردة في فضائل سهل بن سعد رضي الله عنه

- ‌المبحث الثامن والعشرون: الآثار الواردة في فضائل زيد بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌المبحث التاسع والعشرون: الآثار الواردة في فضائل صعصعة رضي الله عنه

- ‌المبحث الثلاثون: الآثار الواردة في فضائل علبة بن زيد رضي الله عنه

- ‌المبحث الحادي والثلاثون: الآثار الواردة في فضائل النعمان ابن قوقل رضي الله عنه

- ‌المبحث الثاني والثلاثون: الآثار الواردة في فضائل أبي معلق رضي الله عنه

- ‌المبحث الثالث والثلاثون: الآثار الواردة في فضائل أسماء رضي الله عنها

- ‌الفصل الخامس: الآثار الواردة في مسائل الإمامة والفتن

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في الإمامة

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في وجوب طاعة الحكام

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في تحريم طاعة الحكام في المعصية، والإنكار بالقلب عنه العجز

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في النهي عن الطعن في الأمراء

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في النهي عن منازعة الملوك الأمر

- ‌المطلب الخامس: تحريم الخروج على الحكام

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السادس: الآثار الواردة في المنهج العام للسلف في الإنكار على الحكام

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السابع: الآثار الواردة في النهي عن التفرق والتحزب

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في التحذير من الخروج

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في التحذير من الفتن والدماء، والتنازل عن الأمر خشية وقوعها

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في الخوف من فتح باب الخروج على الأمة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في علاقة الغوغاء بالخروج

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في أن مآل الخروج إلى الفرقة والاختلاف

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الخامس: الآثار الواردة في عدم الجدوى من الخروج

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السادس: الآثار الواردة في خوف العواقب السيئة المترتبة على الخروج

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السابع: الآثار الواردة في الخوف من الانتكاس وعدم الصبر على الابتلاء بعد الخروج

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثامن: الآثار الواردة في ظلم الحكام عقوبة لا تستقبل بالسيف، بل بالتوبة والتضرع

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب التاسع: الآثار الواردة في توبة الخارج على الحكام

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في موقف المسلم من الفتنة

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في لزوم البيوت في الفتن

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في ندم من حضر في قتال فتنة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في الارتحال عن بلد الفتنة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في التعوذ من الفتن وتمني الموت قبل وقوعها

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في موقف الخوارج من أهل السنة

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في تكفيرهم لخيار المسلمين

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في تقربهم إلى اللَّه -بزعمهم- بقتل المسلمين

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في أذيتهم لأهل السنة

- ‌التحليل والتعليق

الفصل: مؤمن ضال، فأتينا الشعبى فقلنا له: يا أبا عمرو إني

مؤمن ضال، فأتينا الشعبى فقلنا له: يا أبا عمرو إني قلت: إن الحجاج كافر، وإن هذا قال: الحجاج مؤمن ضال، فقال له الشعبي: يا عمرو شمّرت ثيابك وحللت إزارك، وقلت: الحجاج مؤمن ضال؟ كيف يجتمع في مؤمن إيمان وضلال؟ الحجاج مؤمن بالجبت والطاغوت، كافر باللَّه العظيم"

(1)

.

606 -

نا علي بن الجعد، عن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، عن محمد بن المنكدر قال:"كان عمر بن عبد العزيز يبغض الحجاج، فنفس عليه بكلمة قالها عند الموت: اللهم اغفر لي؛ فإنهم زعموا أنك لا تفعل، قال عبد اللَّه (أي: ابن أبي الدنيا) فحدثني غير علي بن الجعد أن ذلك بلغ الحسن البصري فقال: "أقالها؟ قالوا: نعم، قال: عسى"

(2)

.

‌التحليل والتعليق

تضمنت الآثار السابقة ما كان عليه الحجاج بن يوسف من الأعمال الفظيعة، والقبائح الكبيرة التي جعلت الناس يبغضونه،

= والقرآن وأهله عجيبة أيضا، العبر (1/ 20)، الوافي بالوفيات (1/ 1588).

(1)

إسناده ضعيف والأثر صحيح، فيه الجنبي ضعفه الأزدي انظر ميزان الاعتدال (1/ 167)، الإشراف (137) رقم (66)، وابن أبي شيبة في كتاب الإيمان (39) رقم (94) مختصرا دون القصة، وصححه محققه الشيخ الألباني.

(2)

إسناده صحيح، حسن الظن باللَّه (90) رقم (115)، المحتضرين مختصرا برقم (119 - 120)، والرافعي في التدوين في أخبار قزوين (1/ 189)، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (92/ 194)، وابن كثير في البداية والنهاية (9/ 138)، والذهبي في تاريخ الإسلام (1/ 743) ويراجع كذلك فقد ذكر ألفاظا أخرى.

ص: 723

والعلماء يحكمون عليه بما يناسبه، كلٌّ حسب اجتهاده، وما بلغة عنه من أفعاله المنكرة، فمن ذلك همّه بقتل الصحابي الجليل عبد اللَّه بن مسعود، وإنكاره قراءته رضي الله عنه، ووصفها بأنها رجز من رجز الأعراب، واختلاف الأجلح والشعبي مع عامر الملائي في تكفيره، وبغض الخليفة العادل عمر ابن عبد العزيز له، رغم أنهما كانا من حكام الدولة الأموية، وقبيلة واحدة، لكنه رجا له هو والحسن البصري بعدما بلغهما عنه من الاستغفار عند الموت.

والحجاج بن يوسف كما قال الذهبي: "أهلكه اللَّه في رمضان سنة خمس وتسعين كهلا، وكان ظلوما، جبارا، ناصبيا، خبيثا، سافكا للدماء، وكان ذا شجاعة وإقدام، ومكر ودهاء، وفصاحة وبلاغة، وتعظيم للقرآن، قد سقت من سوء سيرته في تاريخى الكبير، وحصاره لابن الزبير بالكعبة، ورميه إياها بالمنجنيق، وإذلاله لأهل الحرمين، ثم ولايته على العراق والمشرق كله عشرين سنة، وحروب ابن الأشعث له، وتأخيره للصلوات، إلى أن استأصله اللَّه، فنسبه ولا نحبه، بل نبغضه في اللَّه؛ فإن ذلك من أوثق عرى الإيمان، وله حسنات مغمورة في بحر ذنوبه، وأمره إلى اللَّه وله توحيدٌ في الجملة، ونظراء من ظلمة الجبابرة والأمراء"

(1)

، بل إن فسقه أمر مسفيض معلوم لا يمتري فيه أحد، قال شيخ الإسلام: "العدالة والفسق تثبت بالاستفاضة، ويُشهَد بها بذلك، كما يشهد المسلمون كلهم

(1)

سير أعلام النبلاء (4/ 343).

ص: 724

أن: عمر بن عبد العزيز كان عادلا، وأن الحجاج كان ظالما"

(1)

.

ومن أفعاله ما جعل بعض علماء عصره يكفره، قال ابن عبد البر:"كان الحجاج عند جمهور العلماء أهلا أن لا يروى عنه، ولا يؤثر حديثه، ولا يذكر بخير؛ لسوء سره، وإفراطه في الظلم، ومن أهل العلم طائفة تكفره"

(2)

، وقد عقد ابن كثير فصلا في كتابه البداية والنهاية في ما وقع منه مما يوجب كفره

(3)

، ووجه كلامه في ابن مسعود رضي الله عنه بقوله:"وإنما نقم على قراءة ابن مسعود رضي الله عنه، لكونه خالف القراءة على المصحف الإمام، الذي جمع الناس عليه عثمان، والظاهر أن ابن مسعود رجع إلى قول عثمان وموافقيه واللَّه أعلم"

(4)

.

وخلاصة القول فيه كما حققه ابن كثير أنه: "كان ناصبيا يبغض عليا وشيعته في هوى آل مروان بني أمية، وكان جبارا، عنيدا، مقداما على سفك الدماء بأدنى شبهة، وقد روي عنه ألفاظ بشعة شنيعة، ظاهرها الكفر كما قدمنا؛ فإن كان قد تاب منها، وأقلع عنها، وإلا فهو باق في عهدتها، ولكن قد يخشى أنها رويت عنه بنوع من زيادة عليه؛ فإن الشيعة كانوا يبغضونه جدا لوجوه

(5)

، وربما حرفوا عليه بعض الكلم،

(1)

درء التعارض (8/ 44).

(2)

التمهيد (10/ 6).

(3)

البداية والنهاية (9/ 128).

(4)

المصدر السابق.

(5)

وانظر كلاما لابن تيمية مؤيدا لهذا في منهاج السنة النبوية (4/ 113).

ص: 725

وزادوا فيما يحكونه عنه بشاعات وشناعات، وقد روينا عنه أنه كان يتدين بترك المسكر، وكان يكثر تلاوة القرآن، ويتجنب المحارم، ولم يشتهر عنه شيء من التلطخ بالفروج، وإن كان متسرعا في سفك الدماء، فاللَّه تعالى أعلم بالصواب، وحقائق الأمور وسرائرها، وخفيات الصدور وضمائرها، قلت -أي ابن كثير-: الحجاج أعظم ما نقم عليه، وصح من أفعاله، سفك الدماء، وكفى به عقوبة عند اللَّه عز وجل، وقد كان حريصا على الجهاد، وفتح البلاد، وكان فيه سماحة بإعطاء المال لأهل القرآن، فكان يعطي على القرآن كثيرا ولما مات لم يترك فيما قيل إلا ثلثمائة درهم واللَّه أعلم"

(1)

.

وهذا الذي حققه ابن كثير هو مذهب جماهير أهل السنة، وهو موافق لعقيدتهم في الفاسق الملي، ومرتكب الكبيرة، وعصاة الموحدين، من أنهم لا يسلبون إيمانه مطلقا، ولا يطلقونه عليه مطلقا، وإنما يطلق عليه مقيدا، فيقال: مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، أو مؤمن ناقص الإيمان، ونحو ذلك، ولهذا لم يكفره من أدركه من الصحابة، كعبد اللَّه بن عمر، وأنس ابن مالك، بل صلوا وراءه رغم تأخيره الصلاة عن وقتها

(2)

، ولما ناقش شيخ الإسلام من كفّر معاوية رضي الله عنه قال: "ولو قال قائل هذا فيمن هو دون معاوية، من ملوك بني أمية، وبنى العباس، كعبد الملك بن مروان وأولاده،

(1)

البداية والنهاية (9/ 133).

(2)

انظر مجموع الفتاوى (3/ 281).

ص: 726

وأبي جعفر المنصور وولديه الملقبين بالمهدي والهادي والرشيد وأمثالهم، من الذين تولوا الحلافة وأمر المؤمنين، فمن نسب واحدا من هؤلاء إلى الردة، وإلى أنه مات على دين النصارى، لعلم كل عاقل أنه من أعظم الناس فرية، فكيف يقال مثل هذا في معاوية وأمثاله من الصحابة، بل يزيد ابنه مع ما أحدث من الإحداث، من قال فيه: إنه كافر مرتد، فقد افترى عليه، بل كان ملكا من ملوك المسلمين، كسائر ملوك المسلمين، وأكثر الملوك لهم حسنات، ولهم سيئات، وحسناتهم عظيمة، وسيئاتهم عظيمة، فالطاعن في واحد منهم دون نظرائه إما جاهل وإما ظالم، وهؤلاء لهم ما لسائر المسلمين، منهم من تكون حسناته أكثر من سيئاته، ومنهم من قد تاب من سيئاته، ومنهم من كفَّر اللَّه عنه، ومنهم من قد يدخله الجنة، ومنهم من قد يعاقبه لسيئاته، ومنهم من قد يتقبل اللَّه فيه شفاعة نبي أو غيره من الشفعاء، فالشهادة لواحد من هؤلاء بالنار هو من أقوال أهل البدع والضلال، وكذلك قصد لعنة أحد منهم بعينه، ليس هو من أعمال الصالحين والأبرار"

(1)

، بل "في الجملة الملوك حسناتهم كبار، وسيئاتهم كبار، والواحد من هؤلاء وإن كان له ذنوب ومعاص لا تكون لآحاد المؤمنين، فلهم من الحسنات ما ليس لآحاد المسلمين: من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود، وجهاد العدو،

(1)

مجموع الفتاوى (4/ 473).

ص: 727

وإيصال كثير من الحقوق إلى مستحقيها، ومنع كثير من الظلم وإقامة كثير من العدل"

(1)

.

والذي يظهر لي واللَّه أعلم بالصواب، أن الحجاج كان عنده خلل فكري وعقدي، وافق طبعه الحادّ، فنتج عنه تلك العظائم في استباحة الدماء، وهو ما أشار إليه شيخ الإسلام من الخلل في مفهوم الطاعة لخليفة المسلمين في العهد الأموي، من بعض أنصارهم وشيعتهم، حيث قال:"كثير من أتباع بني أمية، أو أكثرهم، كانوا يعتقدون أن الإمام لا حساب عليه، ولا عذاب، وأن اللَّه لا يؤاخذهم على ما يطيعون فيه الإمام، بل تجب عليهم طاعة الإمام في كل شيء، واللَّه أمرهم بذلك"

(2)

، ولهذا كان لا يتورع عن أي عقوبة لمن رأى منه ما يعكر صفو هذه الطاعة المطلقة، أو يقلل من قدرها وأهميتها، وهذا واضح في قصته مع أبيه حين قام ليسلم على قاضي مصر التجيي، وكان من كبار التابعين، وكان ممن شهد خطبة عمر بن الخطاب بالجابية، وكان من الزهادة والعبادة على جانب عظيم، وكان يختم القرآن في كل ليلة ثلاث ختمات في الصلاة، وغيره فقال له: "يا أبة أتقوم إلى رجل من تجيب وأنت ثقفي؟ ! فقال له: يا بني واللَّه إني لأحسب أن الناس يرحمون بهذا وأمثاله، فقال: واللَّه ما على أمير المؤمنين أضر من هذا وأمثاله، فقال: ولم يا بني؟ ! قال: لأن هذا وأمثاله يجتمع الناس إليهم، فيحدثونهم عن سيرة أبي بكر وعمر، فيحقر الناس سيرة أمير

(1)

منهاج السنة (1/ 113).

(2)

منهاج السنة (6/ 430)، وانظر (3/ 487)(6/ 200).

ص: 728

المؤمنين، ولا يرونها شيئا عند سيرتها، فيخلعونه ويخرجون عليه، ويبغضونه، ولا يرون طاعته، واللَّه لو خلص لي من الأمر شيء لأضربن عنق هذا وأمثاله، فقال له أبوه: يا بني واللَّه إني لأظن أن اللَّه عز وجل خلقك شقيا"

(1)

، بل إن وصيته عند موته كان فيها:"أنه يشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأنه لا يعرف إلا طاعة الوليد بن عبد الملك؛ عليها يحي، وعليها يموت، وعليها يبعث. . . فرفع أبو جعفر رأسه إلى أبي العباس الطوسي -وكان قائما على رأسه- فقال: هذه واللَّه الشيعة لا شيعتكم"

(2)

، وهذا فساد نظري أوجب هذا الفساد الأخلاقي الخاص، ولهذا لم يعرف عنه فساد أخلاقي في الشرب والفروج ونحو ذلك كما سبق عن ابن كثير، بل روي عنه نوع عبادة واهتمام بالقرآن وأهله.

وعلى كل حال هذا الكلام يقال في حياته، أما بعد موته وثبوت تراجعه، وندمه وسؤال اللَّه المغفرة والتوبة، ورجائه في عفو اللَّه، فينبغي أن لا يختلف في عدم تكفيره، بل يوكل أمره إلى اللَّه، وقد رويت في هذا المعنى آثار كثيرة، لخص محتواها الذهبي بقوله:"له حسنات مغمورة في بحر ذنوبه، وأمره إلى اللَّه، وله توحيد في الجملة، ونظراء من الجبابرة والأمراء"

(3)

.

(1)

البداية والنهاية (9/ 117 - 118).

(2)

البداية والنهاية (9/ 119).

(3)

سير أعلام النبلاء (4/ 343) وانظر الآثار في: مسند ابن الجعد (1/ 283)، تاريخ الإسلام للذهبي (1/ 742)، والبداية والنهاية (9/ 137)، تاريخ دمشق =

ص: 729