المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الضيف أنهما يأكلان، وأصبح فصلى مع رسول اللَّه صلى الله - الآثار المروية عن أئمة السلف في العقيدة من خلال كتب ابن أبي الدنيا - جـ ٢

[حميد بن أحمد نعيجات]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الرابع: الآثار الواردة في القدر

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في حتمية القدر ووجوب وقوعه

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في القبضتين من أهل الجنة والنار

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في النهي عن الخصومة في القدر

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في مراتب القضاء والقدر

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في مرتبة العلم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث [*]: الآثار الواردة في مرتبة الكتابة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في مرتبة المشيئة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في مرتبة الخلق

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الخامس: الآثار الواردة في الهداية والضلال

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث السادس: الآثار الواردة في نفي الجور عن اللَّه (العدل الإلهي)

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث السابع: الآثار الواردة في الرضا بالقضاء والقدر

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في تعريفه

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في فضله

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في أنواع التسليم والرضا بالقدر وعلاقته بالأسباب

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في معنى موافقة المشيئة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الخامس: الآثار الواردة في علاقة الرضا بالمعرفة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السادس: الآثار الواردة في الفرق بين الرضا بالقدر والصبر عليه، وبين العزم على ذلك

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثامن: الآثار الواردة في ذم القدرية والتحذير منهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث التاسع: الآثار الواردة في براءة الحسن البصري من القدر

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الباب الثالث: الآثار الواردة في مباحث الإيمان

- ‌الفصل الأول: الآثار الواردة في تعريف الإيمان

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الفصل الثاني: الآثار الواردة في الزيادة والنقصان

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الفصل الثالث: الآثار الواردة في الاستثناء

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الفصل الرابع: الآثار الواردة في الإسلام والإيمان

- ‌التحليل والتعليق

- ‌القول الأول: من قال بالترادف بينهما

- ‌القول الثاني: قول من قال بالتغاير

- ‌القول الثالث: قول من قال بالتلازم بينهما

- ‌الفصل الخامس: الآثار الواردة في الأسماء والأحكام

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في الأسماء

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في أنواع الكفر

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في الحجاج بن يوسف

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في الولاء والبراء

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في الأحكام

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في حكم عصاة الموحدين

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في أطفال المشركين

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في توبة القاتل

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الباب الرابع: الآثار الواردة في الصحابة والإمامة

- ‌الفصل الأول: الآثار الواردة في الصحابة عموما، والخلفاء الراشدين خاصة

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في فضائل الصحابة عموما

- ‌أولا: الآثار الواردة في أفضليتهم وخيريتهم وأسبقيتهم

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في جهادهم ودفاعهم عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وحبهم له

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في الألفة والتحاب فيما بينهم

- ‌رابعا: الآثار الواردة في كريم أفعالهم، ومحاسن أخلاقهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في النهي عن سبهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في فضائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌أولا: الآثار الواردة في زهده وورعه

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في عدله وخوفه في خلافته

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في ثناء الناس عليه

- ‌رابعا: الآثار الواردة في بعض كراماته

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الخامس: الآثار الواردة في في فضائل عثمان بن عفان رضي الله عنه

- ‌أولا: الآثار الواردة في بعض مناقبه

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في صبره في محنته

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في ثناء الناس عليه

- ‌رابعا: بعض كراماته

- ‌خامسا: براءة الصحابة من دمه

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث السادس: الآثار الواردة في فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌أولا: الآثار الواردة في تقدم إسلامه

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في ثناء الناس عليه

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في بعض كراماته

- ‌رابعا: الآثار الواردة في زهده وورعه وعبادته

- ‌خامسا: الآثار الواردة في جهاده وشجاعته

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الفصل الثاني: الآثار الواردة في فضائل بقية العشرة رضي الله عنهم

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في فضائل سعيد بن العاص رضي الله عنه

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في فضائل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في فضائل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في فضائل طلحة رضي الله عنه

- ‌المبحث الخامس: الآثار الواردة في فضائل أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه

- ‌المبحث السادس: الآثار الواردة في فضائل الزبير رضي الله عنه

- ‌الفصل الثالث: الآثار الواردة في فضائل بعض أهل البيت رضي الله عنهم

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في فضائل العباس رضي الله عنه

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في فضائل الحسن بن علي رضي الله عنه

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في فضائل الحسين بن علي رضي الله عنه

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في فضائل عبد اللَّه بن جعفر رضي الله عنه

- ‌المبحث الخامس: الآثار الواردة في فضائل عبد اللَّه بن عباس رضي الله عنه

- ‌المبحث السادس: الآثار الواردة في فضائل عبيد اللَّه بن العباس رضي الله عنه

- ‌المبحث السابع: الآثار الواردة في فضائل عائشة رضي الله عنها

- ‌المبحث الثامن: الآثار الواردة في فضائل زينب بنت جحش رضي الله عنها

- ‌الفصل الرابع: الآثار الواردة في فضائل بقية الصحابة رضي الله عنهم

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في فضائل عبد اللَّه بن سعيد بن العاص رضي الله عنه

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في فضائل مصعب بن عمير رضي الله عنه

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في فضائل ذي البجادين رضي الله عنه

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في فضائل عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه

- ‌المبحث الخامس: الآثار الواردة في فضائل بلال بن رباح رضي الله عنه

- ‌المبحث السادس: الآثار الواردة في فضائل أبي بن كعب رضي الله عنه

- ‌المبحث السابع: الآثار الواردة في فضائل البراء رضي الله عنه

- ‌المبحث الثامن: الآثار الواردة في فضائل خالد بن الوليد رضي الله عنه

- ‌المبحث التاسع: الآثار الواردة في فضائل سعد بن عبادة رضي الله عنه

- ‌المبحث العاشر: الآثار الواردة في فضائل أبي الدرداء رضي الله عنه

- ‌المبحث الحادي عشر: الآثار الواردة في فضائل سلمان رضي الله عنه

- ‌المبحث الثاني عشر: الواردة في فضائل الأشعث بن قيس رضي الله عنه

- ‌المبحث الثالث عشر: الآثار الواردة في فضائل لبيد بن ربيعة رضي الله عنه

- ‌المبحث الرابع عشر: الآثار الواردة في فضائل أبي موسى رضي الله عنه

- ‌المبحث الخامس عشر: الآثار الواردة في فضائل حجر بن عدي رضي الله عنه

- ‌المبحث السادس عشر: الآثار الواردة في فضائل أسامة بن زيد رضي الله عنه

- ‌المبحث السابع عشر: الآثار الواردة في فضائل حسان بن ثابت رضي الله عنه

- ‌المبحث الثامن عشر: الآثار الواردة في فضائل حكيم بن حزام رضي الله عنه

- ‌المبحث التاسع عشر: الآثار الواردة في فضائل أبي هريرة رضي الله عنه

- ‌المبحث العشرون: الآثار الواردة في فضائل عبد اللَّه بن عامر ابن كريز رضي الله عنه

- ‌المبحث الحادي والعشرون: الآثار الواردة في فضائل معاوية رضي الله عنه

- ‌المبحث الثاني والعشرون: الآثار الواردة في فضائل قيس بن سعد رضي الله عنه

- ‌المبحث الثالث والعشرون: الآثار الواردة في فضائل عبد اللَّه ابن عمرو رضي الله عنه

- ‌المبحث الرابع والعشرون: الآثار الواردة في فضائل عبد اللَّه ابن الزبير رضي الله عنه

- ‌المبحث الخامس والعشرون: الآثار الواردة في فضائل عبد اللَّه ابن عمر رضي الله عنه

- ‌المبحث السادس والعشرون: الآثار الواردة في فضائل طلحة ابن البراء رضي الله عنه

- ‌المبحث السابع والعشرون: الآثار الواردة في فضائل سهل بن سعد رضي الله عنه

- ‌المبحث الثامن والعشرون: الآثار الواردة في فضائل زيد بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌المبحث التاسع والعشرون: الآثار الواردة في فضائل صعصعة رضي الله عنه

- ‌المبحث الثلاثون: الآثار الواردة في فضائل علبة بن زيد رضي الله عنه

- ‌المبحث الحادي والثلاثون: الآثار الواردة في فضائل النعمان ابن قوقل رضي الله عنه

- ‌المبحث الثاني والثلاثون: الآثار الواردة في فضائل أبي معلق رضي الله عنه

- ‌المبحث الثالث والثلاثون: الآثار الواردة في فضائل أسماء رضي الله عنها

- ‌الفصل الخامس: الآثار الواردة في مسائل الإمامة والفتن

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في الإمامة

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في وجوب طاعة الحكام

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في تحريم طاعة الحكام في المعصية، والإنكار بالقلب عنه العجز

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في النهي عن الطعن في الأمراء

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في النهي عن منازعة الملوك الأمر

- ‌المطلب الخامس: تحريم الخروج على الحكام

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السادس: الآثار الواردة في المنهج العام للسلف في الإنكار على الحكام

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السابع: الآثار الواردة في النهي عن التفرق والتحزب

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في التحذير من الخروج

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في التحذير من الفتن والدماء، والتنازل عن الأمر خشية وقوعها

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في الخوف من فتح باب الخروج على الأمة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في علاقة الغوغاء بالخروج

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في أن مآل الخروج إلى الفرقة والاختلاف

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الخامس: الآثار الواردة في عدم الجدوى من الخروج

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السادس: الآثار الواردة في خوف العواقب السيئة المترتبة على الخروج

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السابع: الآثار الواردة في الخوف من الانتكاس وعدم الصبر على الابتلاء بعد الخروج

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثامن: الآثار الواردة في ظلم الحكام عقوبة لا تستقبل بالسيف، بل بالتوبة والتضرع

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب التاسع: الآثار الواردة في توبة الخارج على الحكام

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في موقف المسلم من الفتنة

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في لزوم البيوت في الفتن

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في ندم من حضر في قتال فتنة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في الارتحال عن بلد الفتنة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في التعوذ من الفتن وتمني الموت قبل وقوعها

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في موقف الخوارج من أهل السنة

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في تكفيرهم لخيار المسلمين

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في تقربهم إلى اللَّه -بزعمهم- بقتل المسلمين

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في أذيتهم لأهل السنة

- ‌التحليل والتعليق

الفصل: الضيف أنهما يأكلان، وأصبح فصلى مع رسول اللَّه صلى الله

الضيف أنهما يأكلان، وأصبح فصلى مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فانصرف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال:"أين صاحب الضيف؟ " ثلاث مرات، والرجل ساكت، قال: أنا صاحب الضيف، قال:"حدثني جبريل أن اللَّه تعالى عز وجل ضحك حين قلت لخادمك أطفئ السراج" ونزلت {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} إلى قوله: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} "

(1)

.

‌التحليل والتعليق

تضمنت الآثار السابقة فضل الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، وبيان بعض محاسنهم، ومكارم أخلاقهم، وقد جعلتها في العناصر الأربعة، وهي: أفضليتهم وخيريتهم وأسبقيتهم، جهادهم ودفاعهم عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وحبّهم له، الألفة والتحاب فيما بينهم، كريم أفعالهم ومحاسن أخلاقهم.

فأما أفضليتهم: فقد تضمنت الآثار بيان ذلك من عدة أوجه، حيث تضمن أثر علي بن أبي طالب رضي الله عنه أسفه وحزنه على أنه لم يعد يرى في وقته شيئا يشبه ما كان عليه صحابة رسول اللَّه، ثم فسّر ذلك بطول قيامهم الليل، ثم إذا أصبحوا بكوا بكاء المقصِّر المذنب، وهذا ما أكده

(1)

إسناده ضعيف، فيه عبد الوارث مولى أنس ضعفه الدارقطني، وانظر باقي الكلام فيه في لسان الميزان (4/ 85)، قرى الضيف (19 - 20) رقم (10)، وانظر الذي بعده حيث سمى الصحابي ثابت بن قيس، لكن قصة الأنصاري صحيحة في البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، على اختلاف في تحديد صاحبها انظر فتح الباري (7/ 119 - 120).

ص: 773

الحسن البصري في الأثر بعده، وذكر أيضا بصرهم بدينهم أكثر من بصر من بعدهم بدنياهم، وزهدهم في الحلال أكثر من زهد من بعدهم في الحرام، ثم بيّن أثر أبي سلمة أنهم كانوا على سماحة الإسلام بلا رهبانية ولا تنطع، من تناشد الأشعار، والجلوس في المجالس العامة، وذكر جاهليتهم، لكن كل هذا في حدود المباح، ولذلك بيّن أنهم إذا أُريدوا على دينهم لم يقاوم غضبهم، وقد بيّن عبد اللَّه بن مسعود سبب هذه الأفضلية والخيرية ولو كان من بعدهم أكثر صلاة وصياما، بأنه زهدهم في الدنيا ورغبتهم في الآخرة، وسمى الحسن البصري هذا منهم كيسا، حيث بيّن أنهم في أمر الدنيا أخذوا صفوها، وتركوا كدرها، وفي أمر الآخرة فلا تتعاظم عندهم حسنة عملوها، ولا يتصاغر ذنب اقترفوه، ثم تضمنت الآثار بعد هذا بعض تفاصيل هذه الأفضلية، فقد كانوا إذا أسلموا أقبلوا على الآخرة، وتركوا الدنيا لأهل الشرك، ولم يكن لهم ما يأكلون إلا ورق الأشجار والحبلة والسمر، حتى كان أحدهم يضع كما تضع العترة، وتقرح أشداقهم من ذلك، ويطول بهم زمن الجوع إلى ثلاثة أيام، فيشوي أحدهم الجلدة فيأكلها، وقد لا يجدها فيحزم بطنه بالحجر، بل يلتقط بعضهم البردة ثم يقسمها مع أخ له اثنين، ولم يكن أحدهم أحق بديناره من أخيه المسلم، ولذلك كان بعض من تأخر به الموت فعاش إلى أن أدرك زمن التابعين، يتحسّر على تلك الأيام، وأولئك الأقوام، فأجاب أنس من سأل عن الزاهدين في الدنيا والراغبين في الآخرة بأنهم أهل بدر.

ص: 774

ومن أوجه تلك الأفضلية النصوص الثابتة في حقهم كما تضمن أثر يحيى بن أبي كثير فضل بني عجل لما قاله فيهم صلى الله عليه وسلم يوم ذي قار، وبعض رؤى الصالحين كرؤية مالك بن دينار بأنه لم ير مثل الصحابة الصالحين.

قال العلائي: "لا خير إلا وقد سبقوا إليه من بعدهم، ولا فضل إلا وقد استفرغوا فيه جهدهم"

(1)

، وقال ابن كثير:"لهم الفضل، والسبق، والكمال، الذي لا يلحقهم فيه أحد من هذه الأمة رضي الله عنهم، وأرضاهم، وجعل جنات الفردوس مأواهم، وقد فعل"

(2)

، وأما نصوص الشرع في فضلهم فقد ذكر غير واحد أنها أكثر من أن تحصر قال الإسفراييني:"الأخبار في فضل الصحابة رضي الله عنهم أكثر من أن يحتمله هذا المختصر"

(3)

، وقال الذهبي:"مناقب الصحابة وفضائلهم فأكثر من أن تذكر"

(4)

، وقال شيخ الإسلام -لما ذكر ما يروى عن بعضهم الصحابة من المساوئ-: "قليل نزر مغمور في جنب فضائل القوم، ومحاسنهم؛ من الإيمان باللَّه، ورسوله، والجهاد في سبيله، والهجرة، والنصرة، والعلم النافع، والعمل الصالح، ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة، وما من اللَّه به عليهم من الفضائل، علم يقينا أنهم خير الخلق بعد الأنبياء، لا كان ولا يكون مثلهم، وأنهم هم الصفوة من قرون هذه الأمة

(1)

منيف الرتبة (31 - 32).

(2)

تفسير ابن كثير (4/ 260).

(3)

التبصير في الدين (180)، وانظر الصواعق المحرقة (2/ 607).

(4)

الكبائر (236).

ص: 775

التي هي خير الأمم وأكرمها على اللَّه تعالى"

(1)

، ومن لطيف ما ذكره ابن كثير في أفضليتهم قوله:"الصحابة رضي الله عنهم خلصت نياتهم، وحسنت أعمالهم، فكل من نظر إليهم أعجبوه في سمتهم وهديهم، وقال مالك رضي الله عنه: بلغني أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة رضي الله عنهم، الذين فتحوا الشام، يقولون: واللَّه لهؤلاء خير من الحواريين فيما بلغنا، وصدقوا في ذلك؛ فإن هذه الأمة معظمة في الكتب المتقدمة، وأعظمها وأفضلها أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقد نوَّه اللَّه تبارك وتعالى بذكرهم في الكتب المنزلة والأخبار المتداولة"

(2)

.

وأما جهادهم ودفاعهم عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وحبهم له: فقد تضمنت الآثار من ذلك العجب؛ فالأنصاري الذي كان يتشحط في دمه لم يرعه خبر مقتل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، بل أمر مخبره بأن يستمر في جهاده الواجب عليه، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم ولو قتل فقد بلغ، وكيف هان ذهاب بصر أحدهم، وأجاب المُعَزِّين له بأنه لا حاجة له بالنظر إلى شيء بعد موت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وفداهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بأموالهم وأنفسهم وأعراضهم، وقد عرف أهل السنة قدر هذه المناقب التي امتازوا بها، وأنزلوهم المنزلة الرفيعة التي يستحقونها، فكان من جملة الاستدلال على تعديل الصحابة وتفضيلهم ما قاله الهيتمي: "لو لم يرد من اللَّه ورسوله

(1)

مجموع الفتاوى (3/ 155 - 156).

(2)

تفسير ابن كثير (4/ 260)، وانظر الصواعق المحرقة (2/ 607).

ص: 776

فيهم شيء مما ذكرناه -أي من النصوص الشرعية-، لأوجبت الحال التي كانوا عليها؛ من الهجرة، والجهاد، ونصرة الإسلام، ببذل المهج، والأموال، وقتل الآباء، والأولاد، والمناصحة في الدين، وقوة الإيمان، واليقين، القطع بتعديلهم والاعتقاد بنزاهتهم"

(1)

.

وأما الألفة والتحاب فيها بينهم: فقد كانوا رضي الله عنهم كقلب رجل واحد، يفضل أحدهم الموت على الحياة لأنه سيلقى الأحبة، وهم النبي صلى الله عليه وسلم ومن سبقه من أصحابه، كما في قول بلال رضي الله عنه عند موته، وتحمل الأنصار في سبيل نصرتهم للمهاجرين، ما لو تحملته أم من أولادها لملّت، كما قال سيد المهاجرين والأنصار أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ويبكي أحدهم لفراقهم وفراق رسول اللَّه ويحزنه ذلك كما في أثر سلمان الفارسي رضي الله عنه.

وأما كريم أفعالهم، ومحاسن أخلاقهم: ففى قصة الأنصاري الذي أقرى ضيف رسول اللَّه، وضحك اللَّه من فعله، هو وزوجته، أكبر دليل على ما كانوا عليه، وسيأتي تفصيل ذلك في المباحث التالية، في صفات ومناقب بعضهم مفردة.

قال ابن تيمية: "لم يتنازع أهل العلم والإيمان، فيما استفاض عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: "خير القرون القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم"، وكل من له لسان صدق من مشهور بعلم أو دين، معترف بأن

(1)

الصواعق المحرقة (2/ 608).

ص: 777

خير هذه الأمة هم الصحابة. . . ولا تجد إماما في العلم والدين، كمالك والأوزاعي والثوري. . . وأمثالهم، إلا وهم مصرحون بأن أفضل علمهم ما كانوا فيه مقتدين بعلم الصحابة، وأفضل عملهم ما كانوا فيه مقتدين بعمل الصحابة، وهم يرون أن الصحابة فوقهم في جميع أبواب الفضائل والمناقب"

(1)

.

وقد عدد ابن القيم رحمه الله أسباب أفضلية الصحابة فقال: "درجات السبق أعني درجة العلم والعدل والجهاد وبها سبق الصحابة، وأدركوا من قبلهم، وفاتوا من بعدهم، واستولوا على الأمد البعيد، وحازوا قصبات العلى، وهم كانوا السبب في وصول الإسلام إلينا، وفي تعليم كل خير وهدى، وسبب تنال به السعادة والنجاة، وهم أعدل الأمة فيما ولوه، وأعظمها جهادا في سبيل اللَّه، فالأمة في آثار علمهم، وعدلهم، وجهادهم إلى يوم القيامة، فلا ينال أحد منهم مسألة علم نافع إلا على أيديهم، ومن طريقهم ينالها، ولا يسكن بقعة من الأرض آمنا، إلا بسبب جهادهم، وفتوحهم، ولا يحكم إمام ولا حاكم بعدل وهدى، إلا كانوا هم السبب في وصولهم إليه، فهم الذين فتحوا البلاد بالسيف، والقلوب بالإيمان، وعمروا البلاد بالعدل، والقلوب بالعلم والهدى، فلهم من الأجر بقدر أجور الأمة إلى يوم القيامة، مضافا إلى أجر أعمالهم التي اختصوا بها، فسبحان من يختص بفضله ورحمته من يشاء، وإنما نالوا هذا بالعلم،

(1)

العقيدة الأصفهانية (165).

ص: 778

والجهاد، والحكم بالعدل، وهذه مراتب السبق التي يهبها اللَّه لمن يشاء من عباده"

(1)

.

(1)

طريق الهجرتين (537).

ص: 779