الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التحليل والتعليق
تضمنت الآثار السابقة بيان منهج السلف العام في التعامل مع حكام الجور والظلم، وطريقتهم في الإنكار عليهم، ويمكن إجمال ما تضمنته هذه الآثار في منهجهم في أنهم كانوا يحرصون على إبقاء الإنكار القلبي والحفاظ عليه، وقطع الأسباب التي تضعفه أو تميته، كالاسترسال في النظر إلى مراكبهم الفخمة، ثم الإنكار حسب الإمكان، فإن كان ولا بد ففيما بينك وبين الأمير، وألا يكون له فتنة بقيامه له أمام الناس، ومن صفاتهم التحمل للأئمة، ولا يعني هذا أنهم يداهنون الحكام أو يبررون لهم أفعالهم النكرة، وإنما هم يعرفونها ويقرون لمن ذكرها إنكاره، لكن ينكرون أسلوب معالجتها، ولذلك أجاب قدامة بن عترة الخوارج لما ذكروا ما ينقمونه على السلطان:"أنا مثل الذي أنتم عليه، ما لم تشهروا علينا السلاح، فإذا شهرتم علينا السلاح فأنا منكم بريء"، فهذه هي القاعدة العامة، معرفة المنكر، وإنكاره بالقلب، والتحمل وعدم التسرع بالقيام والتشهير، ثم محاولة الإصلاح بالنصيحة، وذلك سرا فيما بينه وبينه، قال ابن رجب: "دلت هذه الأحاديث كلها على وجوب إنكار المنكر بحسب القدرة عليه، وأما إنكاره بالقلب فلا بد منه، فمن لم ينكر قلبه المنكر دل على ذهاب الإيمان من قلبه. . . وأما الإنكار باللسان واليد فإنما يجب بحسب الطاقة. . . الإنكار بالقلب فرض على كل مسلم، في كل حال، وأما الإنكار باليد واللسان، فبحسب القدرة. . . - ثم تكلم على التغيير باليد
وما ورد في في جوازه وبيّن وجهه وهو أن- التغير باليد ليس بالسيف والسلاح، فحينئذ جهاد الأمراء باليد أن يزيل بيده ما فعلوه من المنكرات، مثل: أن يريق خمورهم، أو يكسر آلات اللهو التي لهم، أو نحو ذلك، أو يبطل بيده ما أمروا به من الظلم، إن كان لي قدرة على ذلك، وكل ذلك جائز وليس هو من باب قتالهم، ولا من الخروج عليهم الذي ورد النهي عنه، فإن هذا أكثر ما يخشى منه أن يقتله الأمراء وحده، وأما الخروج عليهم بالسيف فيخشى منه الفتن، التي تؤدي إلى سفك دماء المسلمين"
(1)
.
قال ابن رجب مبينا طريقة نصيحة الولاة: "النصيحة لأئمة المسلمين معاونتهم على الحق، وطاعتهم فيه، وتذكيرهم به، وتنبيههم في رفق ولين، ومجانبة الوثوب عليهم، والدعاء لهم بالتوفيق، وحث الأغيار على ذلك"
(2)
، وقال الشوكاني: "ينبغى لمن ظهر له غلط الإمام في بعض المسائل، أن يناصحه ولا يظهر الشناعة عليه على رؤوس الأشهاد، بل كما ورد في الحديث أنه يأخذ بيده، ويخلو به، ويبذل له النصيحة، ولا يذل سلطان اللَّه، وقد قدمنا في أول كتاب السير هذا أنه لا يجوز الخروج على الأئمة، وإن بغوا في الظلم أي مبلغ، ما أقاموا الصلاة، ولم يظهر
(1)
جامع العلوم والحكم (1/ 322)، وانظر العلوم من واجب علاقة الحاكم والمحكوم (17).
(2)
جامع العلوم والحكم (1/ 80).
منهم الكفر البواح، والأحاديث الواردة في هذا المعنى متواترة"
(1)
.
وقد قال الشيخ ابن باز رحمه الله لما سئل عمن يعتبر هذه العقيدة انهزامية ومتخاذلة: "يجب أن يسيروا على مذهب أهل السنة والجماعة على مقتضى الأدلة الشرعية، فيقفون مع النصوص كما جاءت، وليس لهم الخروج على السلطان من أجل معصية أو معاص وقعت منه، بل عليهم المناصحة للسلطان من أجل معصية أو معاص وقعت منه، بل عليهم المناصحة بالكتابة والمشافهة، بالطرق الطيبة الحكيمة، بالجدال بالتي هي أحسن، حتى ينجحوا وحتى يقل الشر أو يزول، ويكثر الخير، . . . فالواجب على الغيورين للَّه وعلى دعاة الهدى أن يلتزموا بحدود الشرع، وأن يناصحوا من ولاهم اللَّه الأمور بالكلام الطيب، والحكمة والأسلوب الحسن، حتى يكثر الخير ويقل الشر، وحتى يكثر الدعاة إلى اللَّه وحتى ينشطوا في دعوتهم بالتي هي أحسن لا بالعنف والشدة، ويناصحوا من ولاهم اللَّه بشتى الطرق الطيبة السليمة مع الدعاء لهم في ظهر الغيب، أن اللَّه يهديهم ويوفقهم ويعينهم على الخير. . . ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة وذكر ذلك على المنابر؛ لأن ذلك يفضي إلى الفوضى وعدم السمع والطاعة في المعروف، ويفضي إلى الخوض الذي يضر ولا ينفع، ولكن الطريقة المتبعة عند السلف النصيحة فيما بينهم وبين السلطان والكتابة إليه أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه إلى الخير"
(2)
.
(1)
السيل الجرار (4/ 556)، وانظر الروضة الندية (2/ 776).
(2)
المعلوم من واجب العلاقة بين الحاكم بالمحكوم (12 - 22) بتصرف، وانظر العقيدة الطحاوية شرح وتعليق الألباني (69).