الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسلما يحدث عن طلق بن حبيب قال: "لما قتل عثمان رحمه الله، وفدنا وفودا من البصرة نسأل فيم قُتل؟ فقدمنا المدينة، فتفرّقنا فمنا من أتى عليا، ومنا من أتى الحصن، ومنا من أتى أمهات المؤمنين، فأتيت عائشة فقلت: يا أم المؤمنين ما تقولين في عثمان؟ قالت: قتل واللَّه مظلوما، لعن اللَّه قتلته، أقاد اللَّه به ابن أبي بكر، وأهرق به دماء بني بديل، وأبدى اللَّه عورة أعين، ورمي الأشتر بسهم من سهامه، فما منهم أحد، إلا أصابته دعوتها"
(1)
.
التحليل والتعليق
تضمنت الآثار السابقة بيان فضل عثمان بن عفان رضي الله عنه، حيث ورد
(1)
مداره على حزم القطعي وهو صدوق يهم التقريب (1200)، مجابو الدعوة (89) رقم (54)، والبخاري في الأوسط (المطبوع باسم التاريخ الصغير) (1/ 121) وفيه زيادة مهمة وهي قول طلق:"لا واللَّه إن بقى من القوم رجل إلا أصابته دعوتها: أخذ ابن أبي بكر فأقيد، ودخل على أعين بني تميم رجل فقتله، وخرج ابنا بديل في بعض تلك الفتن فقتلا، وخرج الأشتر إلى الشام فأتي بشربة فقتلته"، ومختصرا جدا في الكبير (4/ 358)، وابن شبة في أخبار المدينة (2/ 265)، والطبراني في الكبير (1/ 88) رقم (133)، وقال الهيثمي في المجمع (9/ 97):"رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير طلق وهو ثقة"، وابن عساكر في تاريخ دمشق (56/ 381) من طريق المصنف وغيره، وعلق بقوله:"المحفوظ أن عائشة لم تكن وقت قتل عثمان بالمدينة وإنما كانت حاجة، وقوله في إسناده: "زياد بن مخارق" وهم وإنما هو: "زياد ابن مخراق"، وقد روى البخاري بعض هذه الحكاية في تاريخه فقال: "حدثني يحيى بن موسى نا أبو داود نا حزم القطعي نا أبو الأسود سوادة أخبرني طلق بن خشاف فاللَّه أعلم بالصواب".
ذكر بعض مناقبه، وصبره في محنته، وثناء الناس عليه، وبعض كراماته، وبراءة الصحابة من دمه.
فأما مناقبه: فقد كان زاهدا في مأكله يصنع للناس طعام الأمراء، ثم هو يأكل طعام الفقراء، متورعا في أمر رعيته يحمد اللَّه أن لا يهتك ستر مسلم على يديه، يضرب به المثل في الجود بماله على الجهاد في سبيل اللَّه، حيث جهّز جيش العسرة، وكان بارا بامه كما أخبرت عائشة رضي الله عنها، يتنازل بدَيْنِه لأصحاب المروؤات، ويختار لعطاءاته أجود الأعطيات.
وأما صبره في محنته: فقد علم أنه مقتول ولذلك أخبر بذلك ابن عمة علي بن أبي طالب، وفضّل الموت في سبيل اللَّه على مواجهة أولئك الأغمار، خوفا على المسلمين من الفتنة بسببه، فاختار الإفطار مع النبي صلى الله عليه وسلم على الانتصار عليهم.
وأما ثناء الناس عليه: فقد كان مضرب المثل في حب قريش له، حتى كانت المرأة منهم تشبه حبها لابنها بحب قريش له، وحسبك بحب أم لابنها.
وأما كراماته: فقد وردت بعضها في هذه الآثار، حيث ظهرت آيات اللَّه في عامة الذين قتلوه، أو ظاهروا عليه، فمنهم من أصابته الأكلة، ومنهم من أصابه الجنون، ومنهم من يبست يده، وعمي بصره، ومنهم من كشفت عورته، وقطعت يده.
وأما براءة الصحابة من دمه: فمن شدّة استنكارهم لذلك تورعوا حتى من الكلام الذي يكون حجة لمن فعل فعلته المنكرة هذه، كما قال
أبو بكرة، وهكذا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تمنت أن تكون نسيا منسيا، وأنها ما أحبت أن ينتهك منه شيء إلا انتهك منها، حتى الموت لو أحبته له لقتلت، ودعت رضي الله عنها على قتلته فأصابتهم جميعا دعوتها، وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يتغير وجهه إذا تكلم فيه، وذكر أنه على الأثر الذي كان عليه، قال شيخ الإسلام:"خيار المسلمين لم يدخل واحد منهم في دم عثمان، لا قتل، ولا أمر بقتله، وإنما قتله طائفة من المفسدين في الأرض، من أوباش القبائل، وأهل الفتن، وكان علي رضي الله عنه يحلف دائما، إني ما قتلت عثمان، ولا مالأت على قتله، ويقول: اللهم العن قتلة عثمان، في البر، والبحر، والسهل، والجبل، وغاية ما يقال: إنهم لم ينصروه حق النصرة، وأنه حصل نوع من الفتور والخذلان، حتى تمكن أولئك المفسدون، ولهم في ذلك تأويلات، وما كانوا يظنون أن الأمر يبلع إلى ما بلغ، ولو علموا ذلك لسدوا الذريعة، وحسموا مادة الفتنة"
(1)
.
وفضائل عثمان رضي الله عنه كثيرة جدا، ولهذا أجمع الصحابة على تقديمه في الخلافة بعد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولم يخالف في تفضيل عثمان إلا بعض علماء أهل الكوفة قديما، فضلوا عليا عليه، وتوقف بعض أهل المدينة في المسألة، ثم استقر مذهب أهل السنة على هذا الترتيب، في الفضل، وهذا الذي: "كان عليه الصحابة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، من تفضيل أبي بكر، ثم عمر، ثم عثمان، وقد روي أن ذلك كان يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره، وحينئذ
(1)
منهاج السنة (4/ 322).
فيكون هذا التفضيل ثابتا بالنص، وإلا فيكون ثابتا بما ظهر بين المهاجرين والأنصار على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من غير نكير، وبما ظهر لما توفي عمر؛ فإنهم كلهم بايعوا عثمان بن عفان، من غير رغبة، ولا رهبة، ولم ينكر هذه الولاية منكر منهم. . .فلولا علم القوم بأن عثمان أحقهم بالولاية لما ولوه، وهذا أمر كلما تدبره الخبير ازداد به خبرة وعلما. . .فإنه يقطع قطعا لا يتمارى فيه أن عثمان كان أحقهم بالخلافة، وأفضل من بقي بعده"
(1)
، وقال مبينا مواضع النزاع:"إن سفيان الثوري، وطائفة من أهل الكوفة، رجحوا عليا على عثمان، ثم رجع عن ذلك سفيان وغيره، وبعض أهل المدينة توقف في عثمان وعلي، وهي إحدى الروايتين عن مالك، لكن الرواية الأخرى عنه تقديم عثمان على عليٍّ، كما هو مذهب سائر الأئمة، كالشافعي، وأبي حنيفة وأصحابه، وأحمد بن حنبل وأصحابه، وغير هؤلاء من أئمة الإسلام، حتى إن هؤلاء تنازعوا فيمن يقدم عليا على عثمان، هل يُعَدُّ من أهل البدعة، على قولين، هما روايتان عن أحمد"
(2)
.
(1)
منهاج السنة (6/ 153).
(2)
مجموع الفتاوى (4/ 426)، وانظر: منهاج السنة (8/ 223)، وتدريب الراوي (2/ 223)، وفتح المغيث (3/ 127).