الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التحليل والتعليق
تضمنت الآثار السابقة إثبات زيادة الإيمان ونقصانه، فقد علّل أبو الدرداء رضي الله عنه في موعظته تناصح الناس في أمر الدنيا دون أمر الآخرة، بأنه من قلة الإيمان في قلوبهم، وكذا عروة بن الزبير بأن قلة الأمانة من نقصان الإيمان، وسؤال أبي بكر الصديق وعطاء الخراساني أن يهب اللَّه إيمانا يدل على طلب الزيادة فيه لأنهما كانا مؤمنين حال السؤال، وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن الذكر ينبت الإيمان في القلب أي يزيده، وكذا الصدق يثبت البر في القلب أي يزيده وهو من الإيمان، والكذب يجانب الإيمان كما في أثر أبي بكر الصديق، ووجه الدلالة منه يوضحه الأثر الذي بعده عن مالك بن دينار، بأن الكذب والصدق يعتركان في القلب، حتى يخرج أحدهما صاحبه، فإذا غلب الصدق فقد زادت نسبته في القلب وبالتالي زاد
= ولا تعديلا، لكن الذهبي رحمه الله قال في تاريخ الإسلام (1/ 1983):"محله الصدق".
كتاب الصمت وآداب اللسان (250) رقم (512)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 360) من طريق وهب بن محمد ثنا جعفر قال سمعت مالكا. . . فذكره، وذكره الزبيدي في الإتحاف (7/ 521) وعزاه للمصنف، وقد ورد عن عثمان بن عفان في سنن النسائي (8/ 718) رقم (5682) وما بعده هذا المعنى لكن في شارب الخمر قال:"اجتنبوا الخمر فإنها واللَّه لا يجتمع الإيمان وإدمان الخمر إلا ليوشك أن يخرج أحدهما صاحبه"، وانظر مجمع الزوائد (1/ 93) فيه الإشارة إلى وروده مرفوعا، وهو كذلك في المسند (14/ 251) رقم (8593) بسند حسن.
الإيمان؛ لأن الصدق من الإيمان.
وهذه الآثار اشتملت على عدة أنواع من أدلة زيادة الإيمان ونقصانه، منها أنه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ومنها سؤال اللَّه الإيمان، ومنها التعارك الحاصل بين المعصية والطاعة في القلب، أيهما غلب كان له الحكم.
فكونه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية فيزيد بالذكر وبالصدق، وينقص بالمعصية والكذب وحب الدنيا، أمر مجمع عليه عند أهل السنة، قال ابن عبد البر:"أجمع أهل الفقه والحديث، على أن الإيمان: قول وعمل، ولا عمل إلا بنية، والايمان عندهم يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية"
(1)
، وقال الذهبي:"أجمع سبعون رجلا من التابعين، وأئمة المسلمين، والسلف، وفقهاء الأمصار، على أن السنة التي توفي عليها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. . . الإيمان قول وعمل ونية، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية"
(2)
، ولفظ الزيادة والنقصان ثبت عن الصحابة كذلك كما مرّ في هذه الآثار، وليس الإجماع من بعدهم فقط، ولهذا قال البغوي:"اتفقت الصحابة والتابعون فمن بعدهم من علماء المسلمين على. . . أن الإيمان قول عمل وعقيدة، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية"
(3)
، وقال شيخ الإسلام: "ثبت لفظ الزيادة والنقصان منه عن الصحابة، ولم يعرف فيه
(1)
التمهيد (9/ 238).
(2)
الكبائر (156).
(3)
شرح السنة (1/ 38 - 39).
مخالف من الصحابة"
(1)
، والآثار في هذا الصدد والنصوص الشرعية لا تكاد تحصر ولهذا نقل ابن حجر قول "البخاري: قال: لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار: فما رأيت أحدا منهم يختلف في أن: الإيمان قول وعمل، ويزيد وينقص، وأطنب ابن أبي حاتم، واللالكائي في نقل ذلك بالأسانيد، عن جمع كتير من الصحابة، والتابعين، وكل من يدور عليه الاجماع، من الصحابة، والتابعين، وحكاه فضيل بن عياض، ووكيع، عن أهل السنة والجماعة"
(2)
.
وسؤال اللَّه الإيمان أو اليقين يدل على زيادة الإيمان، وهو نظير سؤال نبي اللَّه إبراهيم عليه السلام ربه أن يريه كيف يحيي الموتى وقوله:{قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}
(3)
، قال الحليمي: معلوم أن طمأنينة القلب بصدق وعد اللَّه، أو بقدرته على ما أخبر أنه فاعله إيمانٌ، فإنما يسأل اللَّه تعالى ما يزيده إيمانا على إيمان، فثبت بذلك أن الإيمان قابل للزيادة"
(4)
.
أما التعارك بين المعصية والطاعة في القلب، وأن الحكم للغالب منهما، وهذا يعني أن القلب قد يكون فيه نفاق وإيمان، وشعبة من هذا وشعبة من هذا، وأن زيادة أحدهما نقصان للآخر حتى يقضي أحدهما على الثاني، وإلا بقيا يتعاركان والحرب دول، نسأل اللَّه حسن الختام، قال
(1)
مجموع الفتاوى (7/ 224).
(2)
فتح الباري (1/ 47)، وقد أفردها الأستاذ الدكتور عبد الرزاق العباد في مصنف مستقل نال به درجة الدكتوراة، تناول فيه الموضوع من جوانبه المتعددة.
(3)
سورة البقرة، من الآية (260).
(4)
المنهاج في شعب الإيمان (1/ 76)، وانظر مجموع فتاوى الشيخ محمد بن عبد الوهاب قسم الفتاوى (73).
شيخ الإسلام: "من نفى عنه الرسول اسم الإيمان أو الإسلام، فلا بد أن يكون قد ترك بعض الواجبات فيه، وإن بقي بعضها، ولهذا كان الصحابة والسلف يقولون: إنه يكون في العبد إيمان ونفاق. . . عن حذيفة قال: القلوب أربعة. . . وقلب فيه إيمان ونفاق، فمثل الإيمان فيه كمثل شجرة، يمدها ماء طيب، ومثل النفاق مثل قرحة، يمدها قيح ودم، فأيهما غلب عليه غلب. . . وهذا الذي قاله حذيفة يدل عليه قوله تعالى:{هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ}
(1)
، فقد كان قبل ذلك فيهم نفاق مغلوب، فلما كان يوم أحد غلب نفاقهم، فصاروا إلى الكفر أقرب. . . و. . . عن علي ابن أبي طالب قال: إن الإيمان يبدو لمظة بيضاء في القلب، فكلما ازداد العبد إيمانا، ازداد القلب بياضا، حتى إذا استكمل الإيمان ابيضَّ القلب كله، وإن النفاق يبدو لمظة سوداء في القلب، فكلما ازداد العبد نفاقا، ازداد القلب سوادا، حتى إذا استكمل العبد النفاق اسودَّ القلب. . . وقال ابن مسعود: الغناء ينبت النفاق في القلب، كما ينبت الماء البقل. . . وهذا كثير في كلام السلف، يبينون أن القلب قد يكون فيه إيمان ونفاق، والكتاب والسنة يدلان على ذلك"
(2)
.
(1)
سورة آل عمران، من الآية (167).
(2)
مجموع الفتاوى (7/ 304 - 305).