الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول الثالث: قول من قال بالتلازم بينهما
.
ذهب بعض المحققين من أهل السنة إلى أن بين الإسلام والإيمان تلازما، وأنهما يجتمعان ويفترقان، فإذا اجتمعا افترقا ودلّ كل واحد منهما على معنى غير الذي دلّ عليه الآخر، فيختصّ الإيمان بالقلب ويختصّ الإسلام بالأعمال الظاهرة، وإذا افترقا اجتمعا فدلّ كلّ واحد منهما على ما يدلّ عليه الآخر.
وقد اختلفت عبارات العلماء في التعبير عن هذا المعنى، وضربوا له الأمثال لتقريبه وتقريره، فمِمَّن نقل عنه ذلك أبو حنيفة النعمان رحمه الله حيث قال:"لا يكون إيمان بلا إسلام، ولا يوجد إسلام بلا إيمان، فهما كالظهر مع البطن"
(1)
.
وقال أبو طالب المكّي رحمه الله: "مثل الإسلام من الإيمان كمثل الشهادتين، إحداهما من الأخرى في المعنى والحكم، فشهادة الرسول غير شهادة الوحدانية، فهما شيئان في الأعيان، وإحداهما مرتبطة بالأخرى في المعنى والحكم كشيء واحد، كذلك الإيمان والإسلام أحدهما مرتبط بالآخر فهما كشيء وأحد، لا إيمان لمن لا إسلام له، ولا إسلام لمن لا إيمان له؛ إذ لا يخلو المسلم من إيمان يصحّ به إسلامه، ولا يخلو المؤمن من إسلام يحقّق به إيمانه"
(2)
.
(1)
الفقه الأكبر (149 - 150).
(2)
نقله ابن تيمية في كتاب الإيمان (234 - 235).
وقال أبو بكر الإسماعيلي رحمه الله: "إذا ذكر كلّ اسم على حدته مضموما إلى الآخر، فقيل: المؤمنون والمسلمون جميعا مفردين، أريد من أحدهما معنى لم يرد به الآخر، وإذا ذكر أحد الاسمين شمل الكلَّ وعمَّهم"
(1)
.
وقال ابن تيمية رحمه الله: "مثل الإيمان والإسلام أيضا الفسطاط
(2)
قائم في الأرض، له ظاهر وباطن، وله عمود في باطنه، فالفسطاط مثل الإسلام له أركان من أعمال العلانية والجوارح، وهي الأطناب إلى تمسك أرجاء الفسطاط، والعمود الذي في وسط الفسطاط، مثله كالإيمان لا قوام للفسطاط إلا به، فقد احتاج الفسطاط إليها؛ إذ لا قوام له ولا قوة إلا بها، كذلك أعمال الجوارح لا قوام له إلا بالإيمان والإيمان من أعمال القلوب، لا نفع له إلا بالإسلام وهو صالح العمل"
(3)
، وهذا القول هو الذي تشير إليه الآثار السابقة وتفيده عند التأمل واللَّه أعلم.
(1)
من جامع العلوم والحكم (1/ 79)، ونص على أن الخطابي قال مثله وتبعه على ذلك جماعة من العلماء.
(2)
الفسطاط هو البيت من الشعر، مختار الصحاح (503) مادة فسط.
(3)
الإيمان (318)، وانظر شرح السنة (1/ 10 - 11)، فتح الباري لابن رجب (1/ 141)، جامع العلوم والحكم (1/ 79 - 81)، العواصم والقواصم (289 - 314)، مختصر معارج القبول (187).