المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

كأنفسهم، فجعل أبو مسلم يكبّر، فقال أبو الدرداء: أجل، فهكذا - الآثار المروية عن أئمة السلف في العقيدة من خلال كتب ابن أبي الدنيا - جـ ٢

[حميد بن أحمد نعيجات]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الرابع: الآثار الواردة في القدر

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في حتمية القدر ووجوب وقوعه

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في القبضتين من أهل الجنة والنار

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في النهي عن الخصومة في القدر

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في مراتب القضاء والقدر

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في مرتبة العلم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث [*]: الآثار الواردة في مرتبة الكتابة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في مرتبة المشيئة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في مرتبة الخلق

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الخامس: الآثار الواردة في الهداية والضلال

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث السادس: الآثار الواردة في نفي الجور عن اللَّه (العدل الإلهي)

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث السابع: الآثار الواردة في الرضا بالقضاء والقدر

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في تعريفه

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في فضله

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في أنواع التسليم والرضا بالقدر وعلاقته بالأسباب

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في معنى موافقة المشيئة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الخامس: الآثار الواردة في علاقة الرضا بالمعرفة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السادس: الآثار الواردة في الفرق بين الرضا بالقدر والصبر عليه، وبين العزم على ذلك

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثامن: الآثار الواردة في ذم القدرية والتحذير منهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث التاسع: الآثار الواردة في براءة الحسن البصري من القدر

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الباب الثالث: الآثار الواردة في مباحث الإيمان

- ‌الفصل الأول: الآثار الواردة في تعريف الإيمان

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الفصل الثاني: الآثار الواردة في الزيادة والنقصان

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الفصل الثالث: الآثار الواردة في الاستثناء

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الفصل الرابع: الآثار الواردة في الإسلام والإيمان

- ‌التحليل والتعليق

- ‌القول الأول: من قال بالترادف بينهما

- ‌القول الثاني: قول من قال بالتغاير

- ‌القول الثالث: قول من قال بالتلازم بينهما

- ‌الفصل الخامس: الآثار الواردة في الأسماء والأحكام

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في الأسماء

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في أنواع الكفر

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في الحجاج بن يوسف

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في الولاء والبراء

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في الأحكام

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في حكم عصاة الموحدين

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في أطفال المشركين

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في توبة القاتل

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الباب الرابع: الآثار الواردة في الصحابة والإمامة

- ‌الفصل الأول: الآثار الواردة في الصحابة عموما، والخلفاء الراشدين خاصة

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في فضائل الصحابة عموما

- ‌أولا: الآثار الواردة في أفضليتهم وخيريتهم وأسبقيتهم

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في جهادهم ودفاعهم عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وحبهم له

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في الألفة والتحاب فيما بينهم

- ‌رابعا: الآثار الواردة في كريم أفعالهم، ومحاسن أخلاقهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في النهي عن سبهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في فضائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌أولا: الآثار الواردة في زهده وورعه

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في عدله وخوفه في خلافته

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في ثناء الناس عليه

- ‌رابعا: الآثار الواردة في بعض كراماته

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الخامس: الآثار الواردة في في فضائل عثمان بن عفان رضي الله عنه

- ‌أولا: الآثار الواردة في بعض مناقبه

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في صبره في محنته

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في ثناء الناس عليه

- ‌رابعا: بعض كراماته

- ‌خامسا: براءة الصحابة من دمه

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث السادس: الآثار الواردة في فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌أولا: الآثار الواردة في تقدم إسلامه

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في ثناء الناس عليه

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في بعض كراماته

- ‌رابعا: الآثار الواردة في زهده وورعه وعبادته

- ‌خامسا: الآثار الواردة في جهاده وشجاعته

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الفصل الثاني: الآثار الواردة في فضائل بقية العشرة رضي الله عنهم

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في فضائل سعيد بن العاص رضي الله عنه

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في فضائل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في فضائل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في فضائل طلحة رضي الله عنه

- ‌المبحث الخامس: الآثار الواردة في فضائل أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه

- ‌المبحث السادس: الآثار الواردة في فضائل الزبير رضي الله عنه

- ‌الفصل الثالث: الآثار الواردة في فضائل بعض أهل البيت رضي الله عنهم

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في فضائل العباس رضي الله عنه

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في فضائل الحسن بن علي رضي الله عنه

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في فضائل الحسين بن علي رضي الله عنه

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في فضائل عبد اللَّه بن جعفر رضي الله عنه

- ‌المبحث الخامس: الآثار الواردة في فضائل عبد اللَّه بن عباس رضي الله عنه

- ‌المبحث السادس: الآثار الواردة في فضائل عبيد اللَّه بن العباس رضي الله عنه

- ‌المبحث السابع: الآثار الواردة في فضائل عائشة رضي الله عنها

- ‌المبحث الثامن: الآثار الواردة في فضائل زينب بنت جحش رضي الله عنها

- ‌الفصل الرابع: الآثار الواردة في فضائل بقية الصحابة رضي الله عنهم

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في فضائل عبد اللَّه بن سعيد بن العاص رضي الله عنه

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في فضائل مصعب بن عمير رضي الله عنه

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في فضائل ذي البجادين رضي الله عنه

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في فضائل عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه

- ‌المبحث الخامس: الآثار الواردة في فضائل بلال بن رباح رضي الله عنه

- ‌المبحث السادس: الآثار الواردة في فضائل أبي بن كعب رضي الله عنه

- ‌المبحث السابع: الآثار الواردة في فضائل البراء رضي الله عنه

- ‌المبحث الثامن: الآثار الواردة في فضائل خالد بن الوليد رضي الله عنه

- ‌المبحث التاسع: الآثار الواردة في فضائل سعد بن عبادة رضي الله عنه

- ‌المبحث العاشر: الآثار الواردة في فضائل أبي الدرداء رضي الله عنه

- ‌المبحث الحادي عشر: الآثار الواردة في فضائل سلمان رضي الله عنه

- ‌المبحث الثاني عشر: الواردة في فضائل الأشعث بن قيس رضي الله عنه

- ‌المبحث الثالث عشر: الآثار الواردة في فضائل لبيد بن ربيعة رضي الله عنه

- ‌المبحث الرابع عشر: الآثار الواردة في فضائل أبي موسى رضي الله عنه

- ‌المبحث الخامس عشر: الآثار الواردة في فضائل حجر بن عدي رضي الله عنه

- ‌المبحث السادس عشر: الآثار الواردة في فضائل أسامة بن زيد رضي الله عنه

- ‌المبحث السابع عشر: الآثار الواردة في فضائل حسان بن ثابت رضي الله عنه

- ‌المبحث الثامن عشر: الآثار الواردة في فضائل حكيم بن حزام رضي الله عنه

- ‌المبحث التاسع عشر: الآثار الواردة في فضائل أبي هريرة رضي الله عنه

- ‌المبحث العشرون: الآثار الواردة في فضائل عبد اللَّه بن عامر ابن كريز رضي الله عنه

- ‌المبحث الحادي والعشرون: الآثار الواردة في فضائل معاوية رضي الله عنه

- ‌المبحث الثاني والعشرون: الآثار الواردة في فضائل قيس بن سعد رضي الله عنه

- ‌المبحث الثالث والعشرون: الآثار الواردة في فضائل عبد اللَّه ابن عمرو رضي الله عنه

- ‌المبحث الرابع والعشرون: الآثار الواردة في فضائل عبد اللَّه ابن الزبير رضي الله عنه

- ‌المبحث الخامس والعشرون: الآثار الواردة في فضائل عبد اللَّه ابن عمر رضي الله عنه

- ‌المبحث السادس والعشرون: الآثار الواردة في فضائل طلحة ابن البراء رضي الله عنه

- ‌المبحث السابع والعشرون: الآثار الواردة في فضائل سهل بن سعد رضي الله عنه

- ‌المبحث الثامن والعشرون: الآثار الواردة في فضائل زيد بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌المبحث التاسع والعشرون: الآثار الواردة في فضائل صعصعة رضي الله عنه

- ‌المبحث الثلاثون: الآثار الواردة في فضائل علبة بن زيد رضي الله عنه

- ‌المبحث الحادي والثلاثون: الآثار الواردة في فضائل النعمان ابن قوقل رضي الله عنه

- ‌المبحث الثاني والثلاثون: الآثار الواردة في فضائل أبي معلق رضي الله عنه

- ‌المبحث الثالث والثلاثون: الآثار الواردة في فضائل أسماء رضي الله عنها

- ‌الفصل الخامس: الآثار الواردة في مسائل الإمامة والفتن

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في الإمامة

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في وجوب طاعة الحكام

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في تحريم طاعة الحكام في المعصية، والإنكار بالقلب عنه العجز

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في النهي عن الطعن في الأمراء

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في النهي عن منازعة الملوك الأمر

- ‌المطلب الخامس: تحريم الخروج على الحكام

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السادس: الآثار الواردة في المنهج العام للسلف في الإنكار على الحكام

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السابع: الآثار الواردة في النهي عن التفرق والتحزب

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في التحذير من الخروج

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في التحذير من الفتن والدماء، والتنازل عن الأمر خشية وقوعها

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في الخوف من فتح باب الخروج على الأمة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في علاقة الغوغاء بالخروج

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في أن مآل الخروج إلى الفرقة والاختلاف

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الخامس: الآثار الواردة في عدم الجدوى من الخروج

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السادس: الآثار الواردة في خوف العواقب السيئة المترتبة على الخروج

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السابع: الآثار الواردة في الخوف من الانتكاس وعدم الصبر على الابتلاء بعد الخروج

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثامن: الآثار الواردة في ظلم الحكام عقوبة لا تستقبل بالسيف، بل بالتوبة والتضرع

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب التاسع: الآثار الواردة في توبة الخارج على الحكام

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في موقف المسلم من الفتنة

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في لزوم البيوت في الفتن

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في ندم من حضر في قتال فتنة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في الارتحال عن بلد الفتنة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في التعوذ من الفتن وتمني الموت قبل وقوعها

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في موقف الخوارج من أهل السنة

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في تكفيرهم لخيار المسلمين

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في تقربهم إلى اللَّه -بزعمهم- بقتل المسلمين

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في أذيتهم لأهل السنة

- ‌التحليل والتعليق

الفصل: كأنفسهم، فجعل أبو مسلم يكبّر، فقال أبو الدرداء: أجل، فهكذا

كأنفسهم، فجعل أبو مسلم يكبّر، فقال أبو الدرداء: أجل، فهكذا فقولوا؛ فإن اللَّه تبارك وتعالى إذا قضى قضاء أحبّ أن يرضى"

(1)

.

554 -

حدثني محمد بن الحسين قال: حدثني إبراهيم بن داود قال: قال بعض الحكماء: "إن للَّه عبادا يستقبلون المصائب بالبِشْر، أولئك الذين صفت من الدنيا قلوبهم"

(2)

.

‌التحليل والتعليق

تضمنت الآثار السابقة حرص السلف على موافقة مشيئة اللَّه فيما قضاه وأحبه، وأن أحب شيء إليهم هو أحب شيء إلى اللَّه، وأن الذي

(1)

إسناده ضعيف، لعنعنة الوليد بن مسلم فهو ثقة لكنه كثير التدليس والتسوية التقريب (7506)، والأثر حسن لغيره، الرضا عن اللَّه بقضائه والتسليم بأمره (22) رقم (6)، ومن طريق آخر برقم (47) عن مالك أنه بلغة. . .، المحتضرين برقم (125)، وابن المبارك في الزهد برقم (124) عن يحيى بن أبي عمرو عن سعيد بن جابر به دون القصة، وأبو مسهر في نسخته برقم (20)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (47/ 196) وقال:"هذه الحكاية محفوظة عن أبي مسلم الخولاني"، وكذلك في (65/ 296)، وفي الموضع الأول تصريح الوليد بالسماع، وفي الثانية متابعة أبي مسهر له وهو ثقة فاضل، التقريب (3762)، وذكره ابن الجوزي في الثبات عند الممات (75)، وابن رجب في جامع العلوم والحكم (1/ 194).

(2)

إسناده لين، إبراهيم بن داود لم أجد له ترجمة، ولعله القصار انظر طبقات الصوفية (245) والحلية (10/ 354)، الرضا عن اللَّه بقضائه والتسليم بأمره (45) رقم (37)، الورع رقم (218).

ص: 654

هوّن عليهم البلاء رؤيتهم القدر وأن اللَّه أراد بهم ذلك، وهو أعلم بعباده فلم يعارضوا هذه الإرادة بإرادة غيرها، وأنهم لا يحبون أن يردوا قضاء اللَّه، وفي أثر محمد بن علي وابن عمر رضي الله عنه بيان قاعدة مهمة في هذا الباب وهي أنهم يدعون اللَّه قبل وقوع البلاء فإذا وقع لم يخالفوا ما أحب اللَّه وقوعه بل رضوا به وسلموا له، ومن هنا نظروا إلى ما أوجب اللَّه عليهم في حالتي السراء والضراء، ولم يلتفتوا إلى تسخط القضاء ومعارضته، بل نظروا إلى واجب اللَّه عليهم فيه، فإن كان سراء شكروا، وإن كان ضراء صبروا أو رضوا، كما في أثر ابن مسعود رضي الله عنه، ولذلك لم يبالوا على أي الحالين أصبحوا، وفي أيهما كانوا، وقد زاد عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذا المعنى شرحا بأنه لا يدري الخير في أي الحالين، ولذلك لم يتمنوا على اللَّه شيئًا سوى ما قدَّره، وقد عبر بعضهم عن هذا المعنى بأن سال اللَّه أن يختار له كما في أثر زبيد اليامي.

ولما شرح ابن رجب رحمه الله منزلة الرضا، ومعنى أقوال السلف الواردة في موافقتهم ما أحبه اللَّه من القضاء قال: "الرضا أن لا يتمنى غير ما هو عليه من شدة ورخاء، كذا روي عن عمر وابن مسعود وغيرهما. . . فمن وصل إلى هذه الدرجة كان عيشه كله في نعيم وسرور، قال اللَّه تعالى:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوأُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}

(1)

. . . وأهل الرضا تارة يلاحظون حكمة المبتلي،

(1)

سورة الأنعام، من الآية (97).

ص: 655

وخِيرَتَه لعبده في البلاء، وأنه غير مُتَّهَمٍ في قضائه، وتارة يلاحظون ثواب الرضا بالقضاء، فينسيهم ألم المقضي به، وتارة يلاحظون عظمة المبتلي، وجلاله، وكماله، فيستغرقون في مشاهدة ذلك، حتى لا يشعروا بالألم، وهذا يصل إليه خواص أهل المعرفة والمحبة، حتى ربما تلذذوا بما أصابهم؛ لملاحظتهم صدوره عن حبيبهم"

(1)

.

وناقش ابن القيم رحمه الله شيخ الإسلام الهروي في تعريفه الرضا عن اللَّه بقوله: "الرضا عنه في كل ما قضى"

(2)

، فقال:"الرضا عنه وإن كان من أَجَلِّ الأمور، وأشرف أنواع العبودية، فلم يطالب به العموم، لعجزهم ومشقته عليهم، وأوجبته طائفة واحتجوا بحجج. . . أن الرب تبارك وتعالى يختار شيئًا ويرضاه، فلا يختاره العبد ولا يرضاه، وهذا مناف للعبودية"، فأجابهم بقوله: "هذا موضع تفصيل، لا يسحب عليه ذيل النفي والإثبات، فاختيار الرب تعالى لعبده نوعان:

أحدهما: اختيار ديني شرعي، فالواجب على العبد أن لا يختار في هذا النوع غير ما اختاره له سيده. . . فاختيار العبد خلاف ذلك مناف لإيمانه، وتسليمه ورضاه باللَّه ربا، وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا.

النوع الثاني: اختيار كوني قدري، لا يسخطه الرب، كالمصائب

(1)

جامع العلوم والحكم (1/ 254 - 255) ثم أورد آثارا كثيرة أغلبها مما ذكرته هنا في الأصل.

(2)

منازل السائرين (52).

ص: 656

التي يبتلى اللَّه بها عبده، فهذا لا يضره فراره منها إلى القدر الذي يرفعها عنه، ويدفعها، ويكشفها، وليس في ذلك منازعة للربوبية، وإن كان فيه منازعة للقدر بالقدر، فهذا يكون تارة واجبا، وتارة يكون مستحبا، وتارة يكون مباحا مستوى الطرفين، وتارة يكون مكروها، وتارة يكون حراما، وأما القدر الذي لا يحبه ولا يرضاه مثل قدر المعائب، والذنوب، فالعبد مأمور بسخطها، ومنهي عن الرضى بها، وهذا هو التفصيل الواجب في الرضى بالقضاء، وقد اضطرب الناس في ذلك اضطرابا عظيما، ونجا منه أصحاب الفرق والتفصيل؛ فإن لفظ الرضى بالقضاء لفظ محمود مأمور به، وهو من مقامات الصديقين، فصارت له حرمة أوجبت لطائفة قبوله من غير تفصيل، وظنوا أن كل ما كان مخلوقا للرب تعالى فهو مقضي مرضي، مخلوقا له ينبغي له الرضى به".

وهناك تقسيم آخر للقدر الكوني باعتبار ملاءمته للنفس ومنافرته لها، والمراد رضا العبد "بحسن اختيار اللَّه له، وليس المراد استواؤها عنده في ملاءمته ومنافرته، فإن هذا خلاف الطبع البشري، بل خلاف الطبع الحيواني"

(1)

، قال ابن القيم: "الرضى بالقضاء الكوني القدري الموافق لمحبة العبد، وإرادته، ورضاه، من الصحة، والغنى، والعافية، واللذة، أمر لازم بمقتضى الطبيعة؛ لأنه ملائم للعبد محبوب له، فليس في الرضى به عبودية، بل العبودية في مقابلته بالشكر. . . والرضى بالقضاء الكوني القدري الجاري

(1)

مدارج السالكين (2/ 213).

ص: 657

على خلاف مراد العبد ومحبته، مما لا يلائمه، ولا يدخل تحت اختياره مستحب، وهو من مقامات أهل الإيمان، وفي وجوبه قولان، وهذا كالمرض، والفقر، وأذى الخلق له، والحر والبرد، والآلام ونحو ذلك"

(1)

.

وعلى كل حال فإن العبد مأمور بعبودية اللَّه في كل حالاته "فعبودية أمره الكوني القدري: أن لا يتقدم بين يديه إلا حيث كانت المصلحة الراجحة في ذلك، فيكون التقدم أيضًا بأمره الكوني والديني، فإذا كان فرضه الصبر، أو ندبه، أو فرضه الرضى، حتى ترك ذلك فقد تقدم بين يدي شرعه وقدره"

(2)

، وقد ذكر رحمه الله أوجه استواء رضا العبد بالنعمة والبلية فبلغت اثنان وستون وجها

(3)

.

وهنا مسألة وردت في أثناء بعض الآثار وهي ترك بعض السلف الدعاء، وأن ذلك من تمام الرضا، أو من شرطه؛ كأثر إبراهيم التيمي الذي ترك الدعاء لأن في الابتلاء أجرا، أو أثر ابن عمير في الذي ترك الدعاء وكان يعرف اسم اللَّه الأعظم كي لا يرد قضاء اللَّه، أو أثر زبيد اليامي الذي ترك سؤال اللَّه وفضّل اختياره له عن اختياره لنفسه، فكان يقول:"اللهم خر لي" إذا طلب منه أن يستشفي اللَّه، وأثر رابعة العدوية عن قصة الإسرائيلي الذي كان يأكل من القمامة، وترك دعاء اللَّه أن يجعل

(1)

مدارج السالكين (197، 201).

(2)

مدارج السالكين (2/ 236).

(3)

مدارج السالكين (2/ 214 - 239).

ص: 658

رزقه من غير ذلك، وتعليلها بأن أولياء اللَّه إذا قضي لهم قضاء كرهوا أن يتسخطوه، وهذه مسألة مهمة جدا، تحتاج إلى تفصيل وليست على إطلاقها، ولذلك قال ابن القيم:"هذا يصح في وجه دون وجه؛ فيصح إذا كان الداعي يلح في الدعاء بأغراضه وحظوظه العاجلة، وأما إذا ألحّ على اللَّه في سؤاله بما فيه رضاه والقرب منه، فإن ذلك لا ينافي الرضا أصلا. . . بل الذي ينافي الرضا أن يلح عليه متحكما عليه، متخيرا عليه ما لم يعلم: هل يرضيه أم لا؟ كمن يلحّ علي ربه في ولاية شخص، أو إغنائه أو قضاء حاجته، فهذا ينافي الرضا؛ لأنه ليس على يقين أن مرضاة الرب في ذلك"

(1)

.

وعلاقة الرضا بالدعاء علاقة وطيدة، وذلك أن المطلوب من العبد طاعة اللَّه ورضاه في كل حال؛ فإن كان الدعاء مأمورا به أمر إيجاب، أو استحاب، وجب فعله، أو استحب، والواجب والمستحب من جملة الرضا فكيف يعارضه، وإن كان الدعاء محرما، أو مكروها، حَرُم، أو كُرِه، ومن فعله كان متسخطا وغير راض، أما إن كان مباحا مستوي الطرفين، فهو مثله مستو الطرفين، ولا يكون ساخطا أو راضيا، إلا بأمر يضاف إليه، ليخرجه عن الإباحة، إلى الدرجتين السابقتين من الحرمة والكراهة، أو الوجوب والاستحباب، وهذا كالأكل والشرب واللباس، فإنه لا ينافي الرضا، وليس ترك ذلك من شرط الرضا، لكن قد يأخذ كل واحد من

(1)

مدارج السالكين (2/ 248)، وانظر الاستقامة (2/ 124 - 132).

ص: 659

هذه الأمور حكما آخر غير الإباحة، لأمر خارجي اتصل به، ولذلك غلط من غلط في هذا الباب بأحد أمرين؛ إما أنه ظن بأن الرضا بكل مقدور أمر يحبه اللَّه ويرضاه، والثاني أنهم لم يفرقوا بين أنواع الدعاء وأحكامه الخمسة التكليفية، وهذا الذي أدخل كثيرا منهم في الرهبانية، والخروج عن شريعة اللَّه، حتى تركوا الأكل والشرب واللباس والنكاح وما لا تتم مصلحة دينهم إلا به

(1)

.

ومن هنا يتبيّن أن من ادعى من الصوفية أن الدعاء يقدح في الرضا مطلقا فقد غلط غلطا بيّنا، ولذلك بوّب البخاري باب ما رخص للمريض أن يقول: إني وجع، أو وارأساه، أو اشتد بي الوجع، قال ابن حجر:"لعل البخاري أشار إلى أن مطلق الشكوى لا يُمْنَع، ردا على من زعم من الصوفية أن الدعاء بكشف البلاء يقدح في الرضا والتسليم، فنَبَّه على أن الطلب من اللَّه ليس ممنوعا بل فيه زيادة عبادة"

(2)

.

(1)

انظر مجموع الفتاوى (10/ 708 - 718).

(2)

فتح الباري (10/ 124).

ص: 660