المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في أطفال المشركين .   617 - حدثني أحمد - الآثار المروية عن أئمة السلف في العقيدة من خلال كتب ابن أبي الدنيا - جـ ٢

[حميد بن أحمد نعيجات]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الرابع: الآثار الواردة في القدر

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في حتمية القدر ووجوب وقوعه

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في القبضتين من أهل الجنة والنار

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في النهي عن الخصومة في القدر

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في مراتب القضاء والقدر

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في مرتبة العلم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث [*]: الآثار الواردة في مرتبة الكتابة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في مرتبة المشيئة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في مرتبة الخلق

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الخامس: الآثار الواردة في الهداية والضلال

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث السادس: الآثار الواردة في نفي الجور عن اللَّه (العدل الإلهي)

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث السابع: الآثار الواردة في الرضا بالقضاء والقدر

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في تعريفه

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في فضله

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في أنواع التسليم والرضا بالقدر وعلاقته بالأسباب

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في معنى موافقة المشيئة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الخامس: الآثار الواردة في علاقة الرضا بالمعرفة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السادس: الآثار الواردة في الفرق بين الرضا بالقدر والصبر عليه، وبين العزم على ذلك

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثامن: الآثار الواردة في ذم القدرية والتحذير منهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث التاسع: الآثار الواردة في براءة الحسن البصري من القدر

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الباب الثالث: الآثار الواردة في مباحث الإيمان

- ‌الفصل الأول: الآثار الواردة في تعريف الإيمان

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الفصل الثاني: الآثار الواردة في الزيادة والنقصان

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الفصل الثالث: الآثار الواردة في الاستثناء

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الفصل الرابع: الآثار الواردة في الإسلام والإيمان

- ‌التحليل والتعليق

- ‌القول الأول: من قال بالترادف بينهما

- ‌القول الثاني: قول من قال بالتغاير

- ‌القول الثالث: قول من قال بالتلازم بينهما

- ‌الفصل الخامس: الآثار الواردة في الأسماء والأحكام

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في الأسماء

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في أنواع الكفر

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في الحجاج بن يوسف

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في الولاء والبراء

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في الأحكام

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في حكم عصاة الموحدين

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في أطفال المشركين

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في توبة القاتل

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الباب الرابع: الآثار الواردة في الصحابة والإمامة

- ‌الفصل الأول: الآثار الواردة في الصحابة عموما، والخلفاء الراشدين خاصة

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في فضائل الصحابة عموما

- ‌أولا: الآثار الواردة في أفضليتهم وخيريتهم وأسبقيتهم

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في جهادهم ودفاعهم عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وحبهم له

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في الألفة والتحاب فيما بينهم

- ‌رابعا: الآثار الواردة في كريم أفعالهم، ومحاسن أخلاقهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في النهي عن سبهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في فضائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌أولا: الآثار الواردة في زهده وورعه

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في عدله وخوفه في خلافته

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في ثناء الناس عليه

- ‌رابعا: الآثار الواردة في بعض كراماته

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الخامس: الآثار الواردة في في فضائل عثمان بن عفان رضي الله عنه

- ‌أولا: الآثار الواردة في بعض مناقبه

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في صبره في محنته

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في ثناء الناس عليه

- ‌رابعا: بعض كراماته

- ‌خامسا: براءة الصحابة من دمه

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث السادس: الآثار الواردة في فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌أولا: الآثار الواردة في تقدم إسلامه

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في ثناء الناس عليه

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في بعض كراماته

- ‌رابعا: الآثار الواردة في زهده وورعه وعبادته

- ‌خامسا: الآثار الواردة في جهاده وشجاعته

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الفصل الثاني: الآثار الواردة في فضائل بقية العشرة رضي الله عنهم

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في فضائل سعيد بن العاص رضي الله عنه

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في فضائل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في فضائل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في فضائل طلحة رضي الله عنه

- ‌المبحث الخامس: الآثار الواردة في فضائل أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه

- ‌المبحث السادس: الآثار الواردة في فضائل الزبير رضي الله عنه

- ‌الفصل الثالث: الآثار الواردة في فضائل بعض أهل البيت رضي الله عنهم

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في فضائل العباس رضي الله عنه

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في فضائل الحسن بن علي رضي الله عنه

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في فضائل الحسين بن علي رضي الله عنه

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في فضائل عبد اللَّه بن جعفر رضي الله عنه

- ‌المبحث الخامس: الآثار الواردة في فضائل عبد اللَّه بن عباس رضي الله عنه

- ‌المبحث السادس: الآثار الواردة في فضائل عبيد اللَّه بن العباس رضي الله عنه

- ‌المبحث السابع: الآثار الواردة في فضائل عائشة رضي الله عنها

- ‌المبحث الثامن: الآثار الواردة في فضائل زينب بنت جحش رضي الله عنها

- ‌الفصل الرابع: الآثار الواردة في فضائل بقية الصحابة رضي الله عنهم

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في فضائل عبد اللَّه بن سعيد بن العاص رضي الله عنه

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في فضائل مصعب بن عمير رضي الله عنه

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في فضائل ذي البجادين رضي الله عنه

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في فضائل عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه

- ‌المبحث الخامس: الآثار الواردة في فضائل بلال بن رباح رضي الله عنه

- ‌المبحث السادس: الآثار الواردة في فضائل أبي بن كعب رضي الله عنه

- ‌المبحث السابع: الآثار الواردة في فضائل البراء رضي الله عنه

- ‌المبحث الثامن: الآثار الواردة في فضائل خالد بن الوليد رضي الله عنه

- ‌المبحث التاسع: الآثار الواردة في فضائل سعد بن عبادة رضي الله عنه

- ‌المبحث العاشر: الآثار الواردة في فضائل أبي الدرداء رضي الله عنه

- ‌المبحث الحادي عشر: الآثار الواردة في فضائل سلمان رضي الله عنه

- ‌المبحث الثاني عشر: الواردة في فضائل الأشعث بن قيس رضي الله عنه

- ‌المبحث الثالث عشر: الآثار الواردة في فضائل لبيد بن ربيعة رضي الله عنه

- ‌المبحث الرابع عشر: الآثار الواردة في فضائل أبي موسى رضي الله عنه

- ‌المبحث الخامس عشر: الآثار الواردة في فضائل حجر بن عدي رضي الله عنه

- ‌المبحث السادس عشر: الآثار الواردة في فضائل أسامة بن زيد رضي الله عنه

- ‌المبحث السابع عشر: الآثار الواردة في فضائل حسان بن ثابت رضي الله عنه

- ‌المبحث الثامن عشر: الآثار الواردة في فضائل حكيم بن حزام رضي الله عنه

- ‌المبحث التاسع عشر: الآثار الواردة في فضائل أبي هريرة رضي الله عنه

- ‌المبحث العشرون: الآثار الواردة في فضائل عبد اللَّه بن عامر ابن كريز رضي الله عنه

- ‌المبحث الحادي والعشرون: الآثار الواردة في فضائل معاوية رضي الله عنه

- ‌المبحث الثاني والعشرون: الآثار الواردة في فضائل قيس بن سعد رضي الله عنه

- ‌المبحث الثالث والعشرون: الآثار الواردة في فضائل عبد اللَّه ابن عمرو رضي الله عنه

- ‌المبحث الرابع والعشرون: الآثار الواردة في فضائل عبد اللَّه ابن الزبير رضي الله عنه

- ‌المبحث الخامس والعشرون: الآثار الواردة في فضائل عبد اللَّه ابن عمر رضي الله عنه

- ‌المبحث السادس والعشرون: الآثار الواردة في فضائل طلحة ابن البراء رضي الله عنه

- ‌المبحث السابع والعشرون: الآثار الواردة في فضائل سهل بن سعد رضي الله عنه

- ‌المبحث الثامن والعشرون: الآثار الواردة في فضائل زيد بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌المبحث التاسع والعشرون: الآثار الواردة في فضائل صعصعة رضي الله عنه

- ‌المبحث الثلاثون: الآثار الواردة في فضائل علبة بن زيد رضي الله عنه

- ‌المبحث الحادي والثلاثون: الآثار الواردة في فضائل النعمان ابن قوقل رضي الله عنه

- ‌المبحث الثاني والثلاثون: الآثار الواردة في فضائل أبي معلق رضي الله عنه

- ‌المبحث الثالث والثلاثون: الآثار الواردة في فضائل أسماء رضي الله عنها

- ‌الفصل الخامس: الآثار الواردة في مسائل الإمامة والفتن

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في الإمامة

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في وجوب طاعة الحكام

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في تحريم طاعة الحكام في المعصية، والإنكار بالقلب عنه العجز

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في النهي عن الطعن في الأمراء

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في النهي عن منازعة الملوك الأمر

- ‌المطلب الخامس: تحريم الخروج على الحكام

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السادس: الآثار الواردة في المنهج العام للسلف في الإنكار على الحكام

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السابع: الآثار الواردة في النهي عن التفرق والتحزب

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في التحذير من الخروج

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في التحذير من الفتن والدماء، والتنازل عن الأمر خشية وقوعها

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في الخوف من فتح باب الخروج على الأمة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في علاقة الغوغاء بالخروج

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في أن مآل الخروج إلى الفرقة والاختلاف

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الخامس: الآثار الواردة في عدم الجدوى من الخروج

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السادس: الآثار الواردة في خوف العواقب السيئة المترتبة على الخروج

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السابع: الآثار الواردة في الخوف من الانتكاس وعدم الصبر على الابتلاء بعد الخروج

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثامن: الآثار الواردة في ظلم الحكام عقوبة لا تستقبل بالسيف، بل بالتوبة والتضرع

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب التاسع: الآثار الواردة في توبة الخارج على الحكام

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في موقف المسلم من الفتنة

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في لزوم البيوت في الفتن

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في ندم من حضر في قتال فتنة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في الارتحال عن بلد الفتنة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في التعوذ من الفتن وتمني الموت قبل وقوعها

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في موقف الخوارج من أهل السنة

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في تكفيرهم لخيار المسلمين

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في تقربهم إلى اللَّه -بزعمهم- بقتل المسلمين

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في أذيتهم لأهل السنة

- ‌التحليل والتعليق

الفصل: ‌ ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في أطفال المشركين .   617 - حدثني أحمد

‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في أطفال المشركين

.

617 -

حدثني أحمد بن عبد الأعلى الشيباني، حدثنا رزام أبو محمد التميمي -وكان من قرّاء القرآن- عن الحسن بن دينار، عن الحسن البصري قال: قيل له: "أين أطفال المشركين؟ قال: في الجنة، فقيل له: عمن؟ قال: قلت: عن اللَّه عز وجل؛ قال اللَّه تبارك وتعالى: {لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16)}

(1)

، وهذا لم يكذّب ولم يتول"

(2)

.

‌التحليل والتعليق

تضمن أثر الحسن البصري رحمه الله أن أطفال المشركين في الجنة، واستدل بأن النار يدخلها الذي كذّب وتولى، وهم لم يصدر منهم ذلك، وهذه المسألة كما قال ابن كثير:"مسألة قد اختلف الأئمة رحمهم اللَّه تعالى فيها، قديما وحديثا"

(3)

، وسبب هذا الاختلاف اختلاف النصوص الواردة فيها، ووجود قائل من المتقدمين بمقتضى كل واحد منها، قال القرطبي:"وهذه المسألة اختلف فيها لاختلاف الآثار"

(4)

.

وقد استقصى ابن القيم رحمه الله الأقوال فيها فأوصلها إلى عشرة

(1)

سورة الليل، الآية (15 - 16).

(2)

إسناده حسن؛ رزام ثقة التقريب (1943)، وشيخ المصنف سيأتي (ص 651) ذكر ابن حبان له في الثقات، العيال (371) رقم (207).

(3)

تفسير ابن كثير (3/ 41).

(4)

تفسير القرطبي (7/ 275).

ص: 743

أقوال

(1)

، متفاوتة الصحة والضعف، لخصتها فيما يلي:

المذهب الأول: الوقف في أمرهم، ولا نحكم لهم بجنة ولا نار، ونكل علمهم إلى اللَّه، وهذا قد يعبر عنه بمذهب الوقف، وقد يعبر عنه بمذهب المشيئة، وأنهم تحت مشيئة اللَّه، يحكم فيهم بما يشاء، ولا يدرى حكمه فيهم ما هو، وخلاصة أدلتهم جواب النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عنهم بقوله:"اللَّه أعلم بما كانوا عاملين"، وخلاصة الجواب عن هذا الاستدلال أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجب بالوقف في أمرهم، وإنما وَكَلَ علم ما كانوا عاملين إلى اللَّه.

المذهب الثاني: أنهم في النار، وهذا قول جماعة من المتكلمين، وأهل التفسير، وأحد الوجهين لأصحاب أحمد، وحكاه القاضي نصا عن أحمد، وغَلَّطَه شيخنا، وأدلة أصحاب هذا المذهب إما أحاديث ضعيفة لا تقوم بها حجة، أو أحاديث صحيحة أخص من الدعوى، ومعارضة بأحاديث أقوى منها نصَّت على أنهم في الجنة، أو محمولة على نوع خاص منهم قال ابن القيم:"هذا خاص ببعض أطفال المشركين، الذين ماتوا ودخلوا النار، ولا يلزم منه أن يكون هذا حكما عاما لجميع الأطفال"

(2)

.

المذهب الثالث أنهم في الجنة، وهذا قول طائفة من المفسرين

(1)

هذا في كتابه أحكام أهل الذمة (2/ 1087)، أما في طريق الهجرتين فنص على أنها ثمانية مذاهب (571).

(2)

أحكام أهل الذمة (2/ 1094).

ص: 744

والفقهاء والمتكلمين والصوفية وهو اختيار أبي محمد ابن حزم وغيره، قال النووي:"الصحيح الذي ذهب إليه المحققون، أنهم من أهل الجنة، ويستدل لي بأشياء؛ منها: حديث إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم حين رآه النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، وحوله أولاد الناس، قالوا: يا رسول اللَّه وأولاد المشركين؟ قال: "وأولاد المشركين"، رواه البخاري في صحيحه، ومنها قوله تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15)}

(1)

، ولا يتوجه على المولود التكليف، ويلزمه قول الرسول حتى يبلغ، وهذا متفق عليه واللَّه أعلم"

(2)

.

الرابع: أنهم في منزلة بين الجنة والنار، وهذا قول طائفة من المفسرين، قالوا: وهم أهل الأعراف، قال ابن القيم:"وأرباب هذا القول، إن أرادوا أن هذا المنزل مستقرهم أبدا فباطل؛ فإنه لا مستقر إلا الجنة أو النار، وإن أرادوا أنهم يكونون فيه مدة، ثم يصيرون إلى دار القرار، فهذا ليس بممتنع"

(3)

، وقال ابن كثير:"هذا القول يرجع إلى قول من ذهب إلى أنهم من أهل الجنة؛ لأن الأعراف ليست دار قرار، ومآل أهلها الجنة"

(4)

.

(1)

سورة الإسراء، من الآية (15).

(2)

شرح مسلم للنووي (16/ 208).

(3)

أحكام أهل الذمة (2/ 1125)، ثم ذكر القول الصحيح في أهل الأعراف أنهم من تساوت سيئاتهم وحسناتهم.

(4)

تفسير ابن كثير (3/ 41).

ص: 745

المذهب الخامس: أنهم مردودون إلى محض مشيئة اللَّه بلا سبب ولا عمل، وهذا المذهب مبني على أصول الجبرية، المنكرين للأسباب، والحكم والتعليل، وهو مذهب مخالف للعقل، والفطرة، والقرآن، والسنة، وجميع ما جاءت به الرسل.

المذهب السادس: أنهم خدم أهل الجنة، ومماليكهم معهم، بمنزلة أرقائهم ومماليكهم في الدنيا، وهو قول سلمان الفارسي رضي الله عنه، وورد فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم في أولاد المشركين:"هم خدم أهل الجنة" قال ابن القيم: "هذا الحديث ضعيف"

(1)

.

المذهب الرابع: أن حكمهم حكم آبائهم في الدنيا والآخرة، فلا يفردون عنهم بحكم في الدارين، فكما أنهم منهم في الدنيا فهم منهم في الآخرة، والفرق بين هذا المذهب وبين مذهب من يقول هم في النار، أن صاحب هذا المذهب يجعلهم معهم تبعا لهم، حتى لو أسلم الأبوان بعد موت أطفالهما، لم يحكم لأفراطهما بالنار، وصاحب القول الآخر يقول هم في النار لكونهم ليسوا بمسلمين، ولم يدخلوا النار تبعا.

المذهب الثامن: أنهم يكونون يوم القيامة ترابا، حكاه أرباب المقالات عن ثمامة بن أشرس، وهذا قول لعله اخترعه من تلقاء نفسه، فلا يعرف عن أحد من السلف، وكأن قائله رأى أنهم لا ثواب لهم ولا عقاب، فألحقهم بالبهائم، والأحاديث الصحاح، والحسان، وآثار

(1)

أحكام أهل الذمة (2/ 1127).

ص: 746

الصحابة، تكذب هذا القول وترد عليه.

المذهب التاسع: مذهب الإمساك، وهو ترك الكلام في المسألة نفيا وإثباتا بالكلية، وجعلها مما استأثر اللَّه بعلمه، وطوى معرفته عن الخلق، ولعل سبب هذا المذهب ما قاله ابن كثير رحمه الله:"لما كان الكلام في هذه المسألة يحتاج إلى دلائل صحيحة جيدة، وقد يتكلم فيها من لا علم عنده عن الشارع، كره جماعة من العلماء الكلام فيها"

(1)

.

المذهب العاشر: أنهم يمتحنون في الآخرة، ويرسل إليهم اللَّه تبارك وتعالى رسولا، وإلى كل من لم تبلغة الدعوة، فمن أطاع الرسول دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار، وعلى هذا فيكون بعضهم في الجنة، وبعضهم في النار، وهذا قول جميع أهل السنة والحديث، نقله عنهم الأشعري، وحكى اتفاقهم عليله، وذكره ابن فورك، وابن عساكر.

وبعد هذا العرض للأقوال في هذه المسألة الشائكة، يظهر واللَّه أعلم، أنها تنقسم إلى الأقسام التالية:

أقوال ظاهرة الضعف: كإطلاق القول بأنهم في النار دون تفصيل، قال القاسمى:"لم يصح في تعذيب الأطفال بغير ذنب منهم حديث قط، ولا صح ذلك عمن ينظر إليه من أئمة السنة"

(2)

، وإطلاق القول بإرجاعهم إلى محض المشيئة بلا سبب ولا عمل؛ لأنه قول مبني على نفي

(1)

تفسير ابن كثير (3/ 47).

(2)

إيثار الحق على الخلق (339).

ص: 747

الحكمة والتعليل في أفعال اللَّه، ونفي الأسباب، وكذا من جعلهم تبعا لآبائهم في النار؛ لأنه لا تزر وازرة وزر أخرى، وإلحاقهم بهم في الدنيا، لا يلزم منه إلحاقهم بالآخرة، ولهذا قال القاسمي:"اللَّه تعالى لا يعذب أطفال المشركين بذنوب آبائهم، ولا بغير ذنب، وهذه من فروع إثبات الحكمة"

(1)

، ناهيك عما شذّ به ابن أشرس بأنهم يصيرون ترابا، فهو قول مخترع لا دليل عليه ولا قائل به غيره.

أقوال ضعيفة عند التأمل والتحقيق: وهي القول بالوقف، أو ترك الخوض في المسألة أصلا، لأن الوقف يعارضه نصوص صريحة صحيحة في مصيرهم

(2)

، أما ترك الخوض فيها رأسا فإنه أمر اعتباري ونسبي، لا يمكن أن يتخذ قاعدة عامة، ولا يمنع أن يكون في المسألة راجح ومرجوح، لا سيما إذا تكلم فيها أهل البدع وأبدوا فيها وأعادوا، فيتعيّن إبراز القول الحق والرد على المخالف واللَّه أعلم، قال شيخ الإسلام: "ليس كل واحد قد بلغته النصوص كلها، ولا كل أحد يفهم ما دلت عليه النصوص؛ فإن اللَّه يختص من يشاء من عباده من العلم والفهم بما يشاء؛ فمن اشتبه عليه الأمور فتوقف لئلا يتكلم بلا علم، أو لئلا يتكلم بكلام يضر ولا ينفع، فقد أحسن، ومن علم الحق فبيَّنه لمن يحتاج إليه، وينتفع به فهو أحسن

(1)

إيثار الحق على الخلق (339).

(2)

انظر التمهيد (18/ 116)، وانظر في المراد بالوقف في هذه المسألة كلام شيخ الإسلام (4/ 309) فقد ذكر له ثلاثة معاني.

ص: 748

وأحسن"

(1)

.

أقوال ظاهرة القوة يمكن التوفيق بينها، وإلحاق غيرها بها: وهي قولان: أنهم في الجنة، أو أنهم يمتحنون يوم القيامة، والقول الأول يلحق به قولان هما: أنهم خدم لأهلها، أو أنهم في منزلة بين المنزلتين وهم أصحاب الأعراف.

فكونهم في الجنة ثبت بالنص الصحيح الصريح ولهذا جعله بعضهم نصا في مورد النزاع كما قال القاسمي: "وهذا نص في موضع النزاع، من أصح كتب الإسلام عند أئمة الحديث"

(2)

، ثم كونهم خدما لأهلها لا يعارض هذا لأنهم في الجنة، وكونهم أصحاب الأعراف سبق نقل كلام ابن كثير أن مآل أصحاب الأعراف إلى الجنة.

وكونهم يمتحنون يوم القيامة ورد فيه جملة من النصوص قال عنها ابن القيم "أحاديث هذا الباب قد تضافرت، وكثرت بحيث يشد بعضها بعضا، وقد صحح الحفاظ بعضها. . . هذه الأحاديث يشد بعضها بعضا؛ فإنها قد تعددت طرقها، واختلفت مخارجها، فيبعد كل البعد أن تكون باطلة على رسول اللَّه، لم يتكلم بها، وقد رواها أئمة الإسلام، ودَوَّنوها، ولم يطعنوا فيها. . . القول بموجبها هو قول أهل السنة والحديث. . . قد صح بذلك القول بها عن جماعة من الصحابة، ولم يصح عنهم إلا هذا القول،

(1)

درء التعارض (8/ 407).

(2)

إيثار الحق على الخلق (339)، وانظر أحكام أهل الذمة (2/ 1110).

ص: 749

والقول بأنهم خدم أهل الجنة صح عن سلمان، وفيه حديث مرفوع قد تقدم، وأحاديث الامتحان أكثر وأصح وأشهر. . . أحاديث هذا الباب. . . وإن أنكرها بعضهم، فقد قبلها الأكثرون، والذين قبلوها أكثر من الذين أنكروها، وأعلم بالسنة والحديث"

(1)

، وهذه الأحاديث لا تعارض القول الأول بأنهم في الجنة

(2)

، بل عليه تجتمع الأدلة قال شيخ الإسلام:"هذا أجود ما قيل في أطفال المشركين، وعليه تتنزل جميع الأحاديث"

(3)

، وقال:"وأما أولاد المشركين فأصح الأجوبة فيهم جواب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. . .: "اللَّه أعلم بما كانوا عاملين"؛ فلا يحكم على معين منهم لا بجنة ولا بنار، ويروى أنهم يوم القيامة يمتحنون في عرصات القيامة، فمن أطاع اللَّه حينئذ دخل الجنة، ومن عصى دخل النار، ودلت الأحاديث الصحيحة أن بعضهم في الجنة، وبعضهم في النار"

(4)

.

ولهذا قال شيخ الإسلام: "وهذا التفصيل يذهب الخصومات، التي كره الخوض فيه لأجلها من كرهه؛ فإن من قطع لهم بالنار كلهم جاءت نصوص تدفع قوله، ومن قطع لهم بالجنة كلهم، جاءت نصوص تدفع قوله، ثم إذا قيل: هم مع آبائهم، لزم تعذيب من لم يذنب، انفتح باب

(1)

أحكام أهل الذمة (2/ 1149).

(2)

انظر إيثار الحق (339).

(3)

مجوع الفتاوى (4/ 246).

(4)

مجموع الفتاوى (4/ 312)، وانظر (4/ 302 - 303).

ص: 750

الخوض في الأمر والنهي، والوعد والوعيد، والقدر والشرع، والمحبة والحكمة والرحمة، فلهذا كان أحمد يقول: هو أصل كل خصومة، فأما جواب النبي صلى الله عليه وسلم الذي أجاب به أحمد آخرا، وهو قوله:"اللَّه أعلم بما كانوا عاملين"، فإنه فصل الخطاب في هذا الباب، وهذا العلم يظهر حكمه في الآخرة، واللَّه تعالى أعلم"

(1)

، وهذا القول لا يعارض القول بأنهم في الجنة، وإنما يبيّن طريقة دخولهم الجنة، وهي بعد حصول الامتحان في الآخرة، فيدخل من علم اللَّه منه الإيمان لو عاش، فيكون دخوله بعد ظهور علم اللَّه فيه، وليس بمجرد علم اللَّه فيه، غاية ما فيه أنهم لا يدخلونها جميعهم، وهذا حق فقد وردت نصوص تنص على دخول بعض أولاد المشركين النار.

(1)

درء التعارض (4/ 295).

ص: 751