الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأسلمي، نا ابن أبي الزناد، عن أبيه قال: "أنا بالرصافة حين قدم ابن أذينة على هشام فلما دخل عليه قال له: ألست الذي يقول:
ولو قعدت أتاني لا يعنّيني
فقال: قد خرجت وأنا أعلم أن ذلك كذاك
(1)
، قال محمد بن عمر، قال بعضهم: أتبعه حين انصرف أربع مائة دينار وقالوا: أقلّ، واختلفوا في ذلك"
(2)
.
التحليل والتعليق
تضمنت الآثار السابقة إثبات حتمية وقوع القدر، وأنه لا مفرَّ منه، فمن قدر له شيء أتاه، مهما كانت العوائق، ومهما بدا حصوله مستبعدا، ومن قدّر عليه شيء من المصائب أو غيرها، جرى عليه القدر سواء رضى أم سخط، كما تضمنت الآثار التأكيد على ضمان الرزق حتى ضرب له مثل بمن يطلبه الموت؛ فالرزق لو لم تطلبه طلبك، سواء كان في قلة جبل، أو حضيض أرض، والذي رزق الحيوان كالقرد والخنزير كيف لا يرزق عباده، وقد ضمَّن شعراء السلف أشعارهم هذه المعاني، سواء قضاء الموت
(1)
هذه فائدة رائعة ومهمة في هذا الباب، حيث إن عقيدة القدر لا تمنع اتخاذ الأسباب، والسعي في الأرض، والتكسب لتحصيل المعاش، كما سبق بيانه في التوكل (327) والدعاء (304)، وسيأتي في معارضة القدر بالأسباب (638)، لكن النكتة هنا أن نفس الذين اعتقدوا هذه العقيدة ونظموها في أشعارهم، لا يرون تعارضا بينهما والحمد للَّه رب العالمين، فلذلك يجب التنبه فيما ينقل عن السلف في هذا الباب حتى لا ينسب إليهم ترك الأسباب والقعود عن الاكتساب بمجرد تلك العبارات واللَّه أعلم.
(2)
إسناده ضعيف جدا، فيه محمد بن عمر وهو الواقدي الأخبارى متروك مع سعة علمه التقريب (6215)، مكارم الأخلاق (436) رقم (113 - 114).
الذي لا مفر منه، أو قضاء الرزق الذي لا تبطؤه البلادة والغفلة، ولا يعجله الذكاء والفطنة، ولا ينقصه عجز الضعيف، ولا يزيده سعى القوي، وإنما كل ذلك بقضاء وقدر، وإذا قدر اللَّه شيئًا هيّأ له أسبابه، وسخر من يدلّه عليك ويدلُّك عليه، وفي هذا المعنى بوَّب البيهقي رحمه اللَّه تعالى بابا في كتابه القضاء والقدر فقال:
"باب ذكر البيان أن القلم لما جرى بما هو كائن كان فيما جرى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122)}
(1)
.
وإذا كان قد قدر وقضي وكتب على آدم عليه السلام قبل أن يخلق أنه يأكل من شجرة ينهى عن أكلها، لم يجد آدم عليه السلام بدا من فعله، ولم يتهيأ له دفعه عن نفسه؛ لأن خلاف ما كتب عليه يوجب خلاف ما علم منه، وخلاف ما أخبر عن كونه، وخبر اللَّه تعالى صدق، وعلمه حق فما علم أنه كائن لا يجوز أن يكون غير كائن، وما أخبر عن كونه فهو كائن في حينه، لا خلف فيه"
(2)
، وهذا معتقد أهل السنة خلفا عن سلف أن:"ما شاء اللَّه كان وما لم يشأ لم يكن، وهذا كلام أخذته الصحابة عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وأخذه التابعون عنهم، ولم يزل يأخذه الخلف عن السلف من غير نكير، وصار ذلك إجماعا منهم على ذلك"
(3)
.
(1)
سورة طه، الآية (121).
(2)
القضاء والقدر للبيهقي (. . .).
(3)
الاعتقاد للبيهقي (161 - 162)، وانظر تأويل مختلف الحديث (16)، والإبانة (2/ 286).