الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
897 -
حدثنا علي بن مسلم قال: حدثنا سعيد بن عامر، عن كثير أبي الفضيل
(1)
قال: "شهدت الوليد بن عبد الملك بدمشق صلى الجمعة والشمس كالشرف
(2)
ثم صلى العصر"
(3)
.
898 -
حدثنا القاسم بن هاشم قال حدثني عمر بن حفص العسقلاني قال حدثني إبراهيم بن أدهم قال حدثنا أبو عيسى المروزي قال: سمعت سعيد بن المسيب في خلافة عبد الملك بن مروان يقول: "لا تملأوا أعينكم من أئمة الجور وأعوانهم إلا بالإنكار عليهم من قلوبكم، لكي لا تحبط أعمالكم"
(4)
.
التحليل والتعليق
تضمنت الآثار الواردة في المطلبين السابقين، بيان وجوب طاعة الحكام، والنهي عن معصيتهم، وأن هذه القاعدة العامة، لا يخرمها إلا أن يؤمر العبد بمعصية، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق حينئذ.
فطاعة الحاكم المسلم واجبة متعينة ولو كان فيها ضرر على الطائع، كما فعل ربعي بن حراش حين بلّغ عن ابنيه لما سأله عنهما الحجاج وكانا فارَّين من العسكر.
(1)
انظر التخريج الآتي.
(2)
كذا، ولعلها: تَشَّرَّف.
(3)
فيه كثير أبو الفضيل لم أجده، الإشراف (323) رقم (469).
(4)
إسناده لين، فيه أبو عيسى المروزي لم أعرفه، كتاب الورع (66) رقم (73)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 170)(8/ 57) من طريق أبي عيسى كذلك.
لكن هذا لا يعني أنها طاعة مطلقة، بل هي مقيّدة بأن لا تكون طاعة في معصية اللَّه؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وهذا ما تضمنته الآثار الواردة في المطلب الثاني، حيث بيّن ابن عباس رضي الله عنه لمن سأله عن طاعة الأمير إذا أمره بمعصية، فأجابه بأنه يتعين عليه أن يكون حينئذ رجلا ولا يطيعه، ونهاه قبل ذلك أن يقوم إليه فيأمره وينهاه لكى لا يكون له فتنة، وهكذا فعل الصحابة مع أمراء الجور والظلم، الذين كانوا يؤخرون الصلاة عن وقتها، كالحجاج والوليد بن عبد الملك، فلم يتركوا الصلاة وراءهم بسبب هذه المعصية، وذكر بعضهم أنه يأتي زمان على الرجل لا يستطيع من الإنكار إلا أن يعلم اللَّه من قلبه أنه كاره.
هذه عقيدة أهل السنة والجماعة، نصوا عليها في مختلف كتبهم، بل جسّدوها في مواقف عملية في حياتهم، وأمروا بها غيرهم، وناظروا عليها مخالفيهم، قال أبو الحسن الأشعري:"أجمعوا على السمع والطاعة لأئمة المسلمين"
(1)
، وقال ابن قدامة:"من السنة السمع والطاعة لأئمة المسلمين، وأمراء المؤمنين، برهم وفاجرهم، ما لم يأمر بمعصية اللَّه؛ فإنه لا طاعة لأحد في معصية اللَّه"
(2)
، وقال ابن تيمية: "طاعة ولاة الأمور ومناصحتهم واجب على الإنسان وإن لم يعاهدهم عليه، وإن لم يحلف لهم الأيمان المؤكدة. . . وأما أهل العلم والدين والفضل فلا يرخصون لأحد فيما نهى اللَّه عنه من معصية ولاة
(1)
رسالة إلى أهل الثغر (296).
(2)
لمعة الاعتقاد (181).
الأمور، وغشِّهم، والخروج عليهم، بوجه من الوجوه، كما عرف من عادات أهل السنة والدين قديما وحديثا ومن غيرهم"
(1)
.
وقال شيخ الإسلام مبينا مذهب أهل السنة في طاعة الحكام: "لا يوجبون طاعة الإمام في كل ما يأمر به، بل لا يوجبون طاعته إلا فيما تسوغ طاعته فيه في الشريعة، فلا يجوزون طاعته في معصية اللَّه، وإن كان إماما عادلا. . . فأهل السنة لا يطيعون ولاة الأمور مطلقا، إنما يطيعونهم في ضمن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}
(2)
، أمر بطاعة اللَّه مطلقا، وأمر بطاعة الرسول؛ لأنه لا يأمر إلا بطاعه اللَّه، ومن يطع الرسول فقد أطاع اللَّه، وجعل طاعة أولي الأمر داخلة في ذلك، فقال:{وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} ، ولم يذكر لهم طاعة ثالثة؛ لأن ولي إلأمر لا يطاع طاعة مطلقة إنما يطاع في المعروف"
(3)
، قال ابن عبد البر:"أجمع العلماء على أن من أمر بمنكر لا تلزم طاعته"
(4)
، وقال شيخ الإسلام: "المؤمن من أمة محمد يختار الأذى في طاعة اللَّه على الإكرام مع معصيته، كأحمد بن حنبل اختار القَيْد والحبس
(1)
مجموع الفتاوى (12/ 35)، وطبع باسم قاعدة مختصرة في وجوب طاعة اللَّه ورسوله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمور، بتحقيق الدكتور عبد الرزاق العباد.
(2)
سورة النساء، الآية (59).
(3)
منهاج السنة (3/ 387)، وانظر (3/ 391).
(4)
التمهيد (23/ 271).
والضرب على موافقة السلطان وجنده على أن يقول على اللَّه غير الحق في كلامه، وعلى أن يقول ما لا يعلم أيضًا؛ فإنهم كانوا يأتون بكلام يُعْرَف أنه مخالف للكتاب والسنة فهو باطل، وبكلام مجمل يحتاج إلى تفسير، فيقول لهم الإمام أحمد: ما أدري ما هذا، فلم يوافقهم على أن يقول على اللَّه غير الحق، ولا على أن يقول على اللَّه ما لا يعلم"
(1)
.
(1)
مجموع الفتاوى (15/ 137).