الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ليس هذا من مسائلك، قلت: أحببت أن أعلم ذلك، قال: للأرض خُلق، قلت: أرأيت لو اعتصم فلم يأكل من الشجرة؟ فقال: لم يكن بدٌّ من أن يأتي على الخطيئة"
(1)
.
التحليل والتعليق
تضمن الأثران السابقان تبرئة الإمام الحسن البصري رحمه الله من تهمة القول بالقدر، وهي مسألة مهمّة في مباحث العقيدة السلفية والرّد على المخالفين لها، ألا وهي تعلّق أصحاب الباطل بأئمة من أهل السنة وانتسابهم إليهم، ليروج باطلهم وتستساغ بدعتهم عند العوام، وضعاف العقول والنفوس، خصوصا من كان له لسان صدق وكلمة مسموعة، وصيت ذائع ومكانة في قلوب الأمة، وهذا ما حدث للحسن البصري رحمه الله حيث نسبه المعتزلة إليهم وترجموا له في طبقاتهم
(2)
، كما نسبت إليه رسالة كتبها إلى عبد الملك بن مروان، جوابا على سؤاله له عن مذهبه في القدر فأجاب على طريقة القدرية
(3)
، وقد اعتنى علماء
(1)
إسناده حسن، والأثر صحيح، وشيخ المصنف سبق (121) وقد تابعه غير واحد، العقوبات (74) رقم (108)، والفريابي في القدر رقم (353)، وابن سعد في الطبقات (1/ 34)، والفسوي في المعرفة والتاريخ (2/ 24 - 25)، مرهم العلل المعضلة في الرد على أئمة المعتزلة لليافعي وصحح سنده (134).
(2)
عدّه عبد الجبار المعتزلي في الطبقة الثالثة في كتابه فرق وطبقات المعتزلة (33)، وانظر المنية والأمل (25).
(3)
طبعت هذه الرسالة ضمن رسائل العدل والتوحيد، جمع محمد عمارة الرسالة الأولى من (83 - 88).
السلف والمحدثون نفي هذه التهم عن مثل هؤلاء الأئمة، خصوصا منهم من اهتم بالتأليف في العقيدة، حيث أوردوا ذلك في كتبهم، فنجد الآجري واللالكائي وابن بطة كلهم اعتنوا بالرد على هذه التُّهَم
(1)
، خصوصا ما كان من ذلك في حقّ الحسن البصري لأنهم اتخذوه حجة على أهل السنة، فأثبتوا لهم من عدة طرق أنه يثبت القدر كسائر أهل السنة ويقول بقولهم فلا داعي للتعلق بما لا متعلق لهم فيه.
والذي يبدو من خلال التأمّل في ما روي عنه في هذا الباب نفيا وإثباتا، أن الحسن بريء من هذه التهمة، وأن سبب إلصاقها به عدّة أمور، أوجزها فيما يلي:
(1)
انظر الشريعة (2/ 879 - 886) فقد جعله في مقدمة من ذكر قوله من التابعين في القدر ورد على مزاعم القدرية عليه، وكذلك شرح أصول اعتقاد أهل السنة (2/ 753 - 755) حيث أورد أقواله في القدر، والإبانة لابن بطة حيث أورد دعوى القدرية عليه وردها (2/ 179 - 195)، والانتصار للعمراني (406 - 412) كما نقل بعض أقواله في ذلك عبد الرزاق في مصنفه في باب القدر (1/ 111) مثل رقم (20079، 20085).
أولا: استغلال المبتدعة لمكانته العلمية والعملية في قلوب الناس، لترويج مذهبهم، وقد نصّ على ذلك عصريه، وزميله الذي كان يناصحه أيوب السختياني، وكلّ من دافع عن الحسن بعده، قال أيوب:"كذب -يعني على الحسن البصري- صنفان من الناس؛ قوم القدر رأيهم، فهم يريدون أن ينفقوا بذلك قولهم، وقوم في قلوبهم له شنآن وبغض، يقولون: من قوله كذا، وليس من قوله كذا"
(1)
.
ثانيا: وجود خصوم له وأعداء وحسدة يريدون تشويه سمعته لأغراض دنيئة غير المعتقد، كما في الأثر السابق عن أيوب.
ثالثا: صدور بعض العبارات منه أوهمت بعض من كان في قلبه حاجة، أنه يقول بالقدر وهذا قد صرح به هو نفسه كما قال حمزة بن دينار:"عوتب الحسن في شيء من القدر، فقال: كانت موعظة فجعلوها دينا"، وقال أيوب:"إن قوما جعلوا غضب الحسن دينا"
(2)
.
رابعا: وضع رسالة زعموا أنه أجاب بها عن سؤال لعبد الملك بن مروان سأل فيها الحسن عن مذهبه في القدر فأجابه على مذهب المعتزلة مستدلا بآيات ودلائل عقلية، وقد استبعد الشهرستاني
(3)
صدورها عن الحسن، واحتمل أن تكون لواصل بن عطاء، بسبب أن كون القدر خيره
(1)
شرح أصول اعتقاد أهل السنة (4/ 755) وغيره.
(2)
الإبانة (2/ 187).
(3)
الملل والنحل (1/ 42).
وشرّه من اللَّه كالمجمع عليه بين السلف، قلت: ولو كان الكتاب صحيح النسبة للحسن، لما تردّد السلف في تخطئته، والتبري منه، خصوصا وأنه ثارت ضجّة كبيرة في عصره عليه، بسبب هذه التهمة، فلو كان الكتاب له لكان أولى ما يتهم به، بدلا من التعلق بالموعظة واستغلال حالة الغضب منه وجعلها دينا واللَّه أعلم.