المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌التحليل والتعليق تضمنت الآثار الواردة في المطالب السابقة، بيان تحريم الخروج - الآثار المروية عن أئمة السلف في العقيدة من خلال كتب ابن أبي الدنيا - جـ ٢

[حميد بن أحمد نعيجات]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الرابع: الآثار الواردة في القدر

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في حتمية القدر ووجوب وقوعه

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في القبضتين من أهل الجنة والنار

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في النهي عن الخصومة في القدر

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في مراتب القضاء والقدر

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في مرتبة العلم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث [*]: الآثار الواردة في مرتبة الكتابة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في مرتبة المشيئة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في مرتبة الخلق

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الخامس: الآثار الواردة في الهداية والضلال

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث السادس: الآثار الواردة في نفي الجور عن اللَّه (العدل الإلهي)

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث السابع: الآثار الواردة في الرضا بالقضاء والقدر

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في تعريفه

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في فضله

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في أنواع التسليم والرضا بالقدر وعلاقته بالأسباب

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في معنى موافقة المشيئة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الخامس: الآثار الواردة في علاقة الرضا بالمعرفة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السادس: الآثار الواردة في الفرق بين الرضا بالقدر والصبر عليه، وبين العزم على ذلك

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثامن: الآثار الواردة في ذم القدرية والتحذير منهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث التاسع: الآثار الواردة في براءة الحسن البصري من القدر

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الباب الثالث: الآثار الواردة في مباحث الإيمان

- ‌الفصل الأول: الآثار الواردة في تعريف الإيمان

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الفصل الثاني: الآثار الواردة في الزيادة والنقصان

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الفصل الثالث: الآثار الواردة في الاستثناء

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الفصل الرابع: الآثار الواردة في الإسلام والإيمان

- ‌التحليل والتعليق

- ‌القول الأول: من قال بالترادف بينهما

- ‌القول الثاني: قول من قال بالتغاير

- ‌القول الثالث: قول من قال بالتلازم بينهما

- ‌الفصل الخامس: الآثار الواردة في الأسماء والأحكام

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في الأسماء

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في أنواع الكفر

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في الحجاج بن يوسف

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في الولاء والبراء

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في الأحكام

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في حكم عصاة الموحدين

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في أطفال المشركين

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في توبة القاتل

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الباب الرابع: الآثار الواردة في الصحابة والإمامة

- ‌الفصل الأول: الآثار الواردة في الصحابة عموما، والخلفاء الراشدين خاصة

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في فضائل الصحابة عموما

- ‌أولا: الآثار الواردة في أفضليتهم وخيريتهم وأسبقيتهم

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في جهادهم ودفاعهم عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وحبهم له

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في الألفة والتحاب فيما بينهم

- ‌رابعا: الآثار الواردة في كريم أفعالهم، ومحاسن أخلاقهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في النهي عن سبهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في فضائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌أولا: الآثار الواردة في زهده وورعه

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في عدله وخوفه في خلافته

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في ثناء الناس عليه

- ‌رابعا: الآثار الواردة في بعض كراماته

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الخامس: الآثار الواردة في في فضائل عثمان بن عفان رضي الله عنه

- ‌أولا: الآثار الواردة في بعض مناقبه

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في صبره في محنته

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في ثناء الناس عليه

- ‌رابعا: بعض كراماته

- ‌خامسا: براءة الصحابة من دمه

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث السادس: الآثار الواردة في فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌أولا: الآثار الواردة في تقدم إسلامه

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في ثناء الناس عليه

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في بعض كراماته

- ‌رابعا: الآثار الواردة في زهده وورعه وعبادته

- ‌خامسا: الآثار الواردة في جهاده وشجاعته

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الفصل الثاني: الآثار الواردة في فضائل بقية العشرة رضي الله عنهم

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في فضائل سعيد بن العاص رضي الله عنه

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في فضائل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في فضائل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في فضائل طلحة رضي الله عنه

- ‌المبحث الخامس: الآثار الواردة في فضائل أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه

- ‌المبحث السادس: الآثار الواردة في فضائل الزبير رضي الله عنه

- ‌الفصل الثالث: الآثار الواردة في فضائل بعض أهل البيت رضي الله عنهم

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في فضائل العباس رضي الله عنه

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في فضائل الحسن بن علي رضي الله عنه

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في فضائل الحسين بن علي رضي الله عنه

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في فضائل عبد اللَّه بن جعفر رضي الله عنه

- ‌المبحث الخامس: الآثار الواردة في فضائل عبد اللَّه بن عباس رضي الله عنه

- ‌المبحث السادس: الآثار الواردة في فضائل عبيد اللَّه بن العباس رضي الله عنه

- ‌المبحث السابع: الآثار الواردة في فضائل عائشة رضي الله عنها

- ‌المبحث الثامن: الآثار الواردة في فضائل زينب بنت جحش رضي الله عنها

- ‌الفصل الرابع: الآثار الواردة في فضائل بقية الصحابة رضي الله عنهم

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في فضائل عبد اللَّه بن سعيد بن العاص رضي الله عنه

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في فضائل مصعب بن عمير رضي الله عنه

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في فضائل ذي البجادين رضي الله عنه

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في فضائل عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه

- ‌المبحث الخامس: الآثار الواردة في فضائل بلال بن رباح رضي الله عنه

- ‌المبحث السادس: الآثار الواردة في فضائل أبي بن كعب رضي الله عنه

- ‌المبحث السابع: الآثار الواردة في فضائل البراء رضي الله عنه

- ‌المبحث الثامن: الآثار الواردة في فضائل خالد بن الوليد رضي الله عنه

- ‌المبحث التاسع: الآثار الواردة في فضائل سعد بن عبادة رضي الله عنه

- ‌المبحث العاشر: الآثار الواردة في فضائل أبي الدرداء رضي الله عنه

- ‌المبحث الحادي عشر: الآثار الواردة في فضائل سلمان رضي الله عنه

- ‌المبحث الثاني عشر: الواردة في فضائل الأشعث بن قيس رضي الله عنه

- ‌المبحث الثالث عشر: الآثار الواردة في فضائل لبيد بن ربيعة رضي الله عنه

- ‌المبحث الرابع عشر: الآثار الواردة في فضائل أبي موسى رضي الله عنه

- ‌المبحث الخامس عشر: الآثار الواردة في فضائل حجر بن عدي رضي الله عنه

- ‌المبحث السادس عشر: الآثار الواردة في فضائل أسامة بن زيد رضي الله عنه

- ‌المبحث السابع عشر: الآثار الواردة في فضائل حسان بن ثابت رضي الله عنه

- ‌المبحث الثامن عشر: الآثار الواردة في فضائل حكيم بن حزام رضي الله عنه

- ‌المبحث التاسع عشر: الآثار الواردة في فضائل أبي هريرة رضي الله عنه

- ‌المبحث العشرون: الآثار الواردة في فضائل عبد اللَّه بن عامر ابن كريز رضي الله عنه

- ‌المبحث الحادي والعشرون: الآثار الواردة في فضائل معاوية رضي الله عنه

- ‌المبحث الثاني والعشرون: الآثار الواردة في فضائل قيس بن سعد رضي الله عنه

- ‌المبحث الثالث والعشرون: الآثار الواردة في فضائل عبد اللَّه ابن عمرو رضي الله عنه

- ‌المبحث الرابع والعشرون: الآثار الواردة في فضائل عبد اللَّه ابن الزبير رضي الله عنه

- ‌المبحث الخامس والعشرون: الآثار الواردة في فضائل عبد اللَّه ابن عمر رضي الله عنه

- ‌المبحث السادس والعشرون: الآثار الواردة في فضائل طلحة ابن البراء رضي الله عنه

- ‌المبحث السابع والعشرون: الآثار الواردة في فضائل سهل بن سعد رضي الله عنه

- ‌المبحث الثامن والعشرون: الآثار الواردة في فضائل زيد بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌المبحث التاسع والعشرون: الآثار الواردة في فضائل صعصعة رضي الله عنه

- ‌المبحث الثلاثون: الآثار الواردة في فضائل علبة بن زيد رضي الله عنه

- ‌المبحث الحادي والثلاثون: الآثار الواردة في فضائل النعمان ابن قوقل رضي الله عنه

- ‌المبحث الثاني والثلاثون: الآثار الواردة في فضائل أبي معلق رضي الله عنه

- ‌المبحث الثالث والثلاثون: الآثار الواردة في فضائل أسماء رضي الله عنها

- ‌الفصل الخامس: الآثار الواردة في مسائل الإمامة والفتن

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في الإمامة

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في وجوب طاعة الحكام

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في تحريم طاعة الحكام في المعصية، والإنكار بالقلب عنه العجز

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في النهي عن الطعن في الأمراء

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في النهي عن منازعة الملوك الأمر

- ‌المطلب الخامس: تحريم الخروج على الحكام

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السادس: الآثار الواردة في المنهج العام للسلف في الإنكار على الحكام

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السابع: الآثار الواردة في النهي عن التفرق والتحزب

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في التحذير من الخروج

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في التحذير من الفتن والدماء، والتنازل عن الأمر خشية وقوعها

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في الخوف من فتح باب الخروج على الأمة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في علاقة الغوغاء بالخروج

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في أن مآل الخروج إلى الفرقة والاختلاف

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الخامس: الآثار الواردة في عدم الجدوى من الخروج

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السادس: الآثار الواردة في خوف العواقب السيئة المترتبة على الخروج

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السابع: الآثار الواردة في الخوف من الانتكاس وعدم الصبر على الابتلاء بعد الخروج

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثامن: الآثار الواردة في ظلم الحكام عقوبة لا تستقبل بالسيف، بل بالتوبة والتضرع

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب التاسع: الآثار الواردة في توبة الخارج على الحكام

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في موقف المسلم من الفتنة

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في لزوم البيوت في الفتن

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في ندم من حضر في قتال فتنة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في الارتحال عن بلد الفتنة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في التعوذ من الفتن وتمني الموت قبل وقوعها

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في موقف الخوارج من أهل السنة

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في تكفيرهم لخيار المسلمين

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في تقربهم إلى اللَّه -بزعمهم- بقتل المسلمين

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في أذيتهم لأهل السنة

- ‌التحليل والتعليق

الفصل: ‌ ‌التحليل والتعليق تضمنت الآثار الواردة في المطالب السابقة، بيان تحريم الخروج

‌التحليل والتعليق

تضمنت الآثار الواردة في المطالب السابقة، بيان تحريم الخروج على الحكام، وكل ما يؤدّي إلى ذلك من الأسباب، كالطعن فيهم ومنازعتهم الأمر.

فالطعن في الحكام: هو كما يقال دق لطبول الخروج، ونذير بقرب وقوعه، ولذلك حرص السلف على غلق هذا الباب، وذكروا توجيهات كثيرة، وأبرزوا حِكَمًا متنوعة لذلك، فمن ذلك: أن اللَّه حكم عدل

(1)

، وقد بيّن ابن سيرين لمن سمعه يسب الحجاج، فكما سيأخذ من الحجاج أو الحاكم الظالم عموما ممن ظلمه، فسيأخذ للحجاج أيضا ممن ظلمه، فالأولى أن يشغل المرء نفسه بما يصلحها، وذكر عمر بن عبد العزيز أمرا آخر، وهو أن المظلوم قد يستوفي حقَّه بكثرة نيله من الظالم، ويكون للظالم الفضل عليه، ولهذا تبرَّأ بسر بن سعيد من تهمة تنقص الخلفاء، فلما أصرَّ الواشي به، دعا عليه فوقع ميتا.

ومنازعتهم الأمر: مذموم غير محمود أبدا، وأنكر ابن عمر رضي الله عنه القتال على الملك فلم يحمد الخارج، ولم يغدر بالمبايع، قال ابن عبد البر:"وأما قوله: "وأن لا ننازع الأمر أهله" فاختلف الناس في ذلك؛ فقال

(1)

وهذا من أعظم الفقه في باب الأسماء والصفات الذي فقهه سلف هذه الأمة، فأين هذا ممن نسب إليهم زورا مذهب التفويض، فانظر ماذا فهم من صفتي العدل والحكمة، وكيف عصمه ذلك، من الوقوع في الفتن.

ص: 1001

قائلون: "أهله" أهل العدل والإحسان، والفضل والدين، فهؤلاء لا ينازَعُون؛ لأنهم أهله.

وأما أهل الجور والفسق والظلم فليسوا له بأهل، ألا ترى إلى قول اللَّه عز وجل لإبراهيم عليه السلام:{قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}

(1)

، وإلى منازعة الظالم الجائر ذهبت طوائف من المعتزلة وعامة الخوارج.

وأما أهل الحق وهم أهل السنة فقالوا: هذا هو الاختيار أن يكون الإمام فاضلا عدلا محسنا؛ فإن لم يكن فالصبر على طاعة الجائرين من الأئمة أولى من الخروج عليه؛ لأن في منازعته والخروج عليه استبدال الأمن بالخوف، ولأن ذلك يحمل على هراق الدماء، وشن الغارات، والفساد في الأرض، وذلك أعظم من الصبر على جوره وفسقه، والأصول تشهد والعقل والدين، أن أعظم المكروهين أولاهما بالترك، وكل إمام يقيم الجمعة والعيد، ويجاهد العدو، ويقيم الحدود على أهل العداء، وينصف الناس من مظالمهم بعضهم لبعض، وتسكن له الدهماء، وتأمن به السبل، فواجب طاعته في كل ما يأمر به من الصلاح أو من المباح"

(2)

.

فحرم الخروج عليهم: وهو أخطر من القتال في الفتنة، حيث إن أهل النهروان مذمومين مطلقا، بخلاف أهل الجمل وصفين، قال شيخ

(1)

سورة البقرة، من الآية (124).

(2)

التمهيد (23/ 278).

ص: 1002

الإسلام: "الذي عليه أكابر الصحابة والتابعين أن قتال الجمل وصفِّين لم يكن من القتال المأمور به، وأن تركه أفضل من الدخول فيه، بل عدوه قتال فتنة، وعلى هذا جمهور أهل الحديث، وجمهور أئمة الفقهاء. . . وكذلك مذهب أعيان فقهاء المدينة، والشام، والبصرة، وأعيان فقهاء الحديث. . . وغيرهم، أنه لم يكن مأمورا به، وأن تركه كان خيرا من فعله، وهو قول جمهور أئمة السنة، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة الصريحة في هذا الباب، بخلاف قتال الحرورية والخوارج أهل النهروان، فإن قتال هؤلاء واجب بالسنة المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم وباتفاق الصحابة وعلماء السنة"

(1)

.

ونصوص السلف في هذا المعنى كثير جدا، مبثوثة في كتبهم ورسائلهم، بل إن كثيرا منهم نصوا على أنها من مسائل الأصول، قال الإمام أحمد رحمه الله: "أصول السنة عندنا. . . السمع والطاعة للأئمة. . . والغزو ماضٍ مع الأمراء إلى يوم القيامة البر والفاجر لا يترك، وقسمة الفيء وإقامة الحدود إلى الأئمة ماضٍ، ليس لأحد أن يطعن عليهم ولا ينازعهم، ودفع الصدقات إليهم جائزة ونافذة، ومن دفعها إليهم أجزأ عنه برا كان أو فاجرا، وصلاة الجمعة خلفه وخلف من ولي جائزة تامة ركعتين، من أعادها فهو مبتدع تارك للآثار مخالف للسنة. . . ومن خرج على إمام المسلمين وقد كان الناس اجتمعوا عليه، وأقروا له بالخلافة، بأي وجه كان بالرضا أو بالغلبة، فقد شق هذا الخارج عصا

(1)

منهاج السنة (8/ 523)، وانظر مجموع الفتاوى (7/ 481).

ص: 1003

المسلمين، وخالف الآثار عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية، ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس، فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق"

(1)

، وقال شيخ

(1)

شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/ 161)، وهو في باب سياق ما روي من المأثور عن السلف في جمل اعتقاد أهل السنة بدأها بسفيان الثوري ثم الأوزاعي ثم ابن عيينة ثم أحمد بن حنبل ثم علي ابن المديني ختمهم بابن جرير الطبري لا يكاد يخلو اعتقاد أحدهم من ذكر السمع والطاعة وتحريم الخروج على الحكام، وانظر قول الإمام أحمد خاصة في الرسائل والمسائل المروية عن الإمام أحمد في العقيدة (2/ 3 - 10)، وانظر المراجع الآتية: الإيمان للعدني (115)، والإبانة لأبي الحسن الأشعري (61)، مع مقالات الإسلاميين (1/ 348)، ورسالة إلى أهل الثغر (296)، والسنة لابن أبي عاصم (3/ 478 - فما بعدها)، والشريعة للآجري (1/ 373 - 384)، والسنة للخلال (1/ 73 - 89)، أصول السنة لابن أبي زمنين (275 - 292)، التبصير في الدين لابن جرير (154 - 158)، شعار أصحاب الحديث أبي أحمد الحاكم (31)، والتنبيه والرد للملطي (15، 17)، اعتقاد أئمة الحديث للإسماعيلي (75 - 76)، الرسالة الوافية للداني (97)، والسنن الواردة في الفتن (2/ 381)، عقيدة أصحاب الحديث للصابوني (92، 93)، شرح السنة للبربهاري (51)، الشرح والإبانة لابن بطة (175، 276 - 281)، والحجة في بيان المحجة للتيمي (1/ 235 - 242)، ، وشرح العقيدة الطحاوية (379)، وقطف الثمر لصديق حسن خان (133)، بل لأهمية هذه المسألة فقد ذكرت في كتب الفقه أيضًا بتفاصيل كثيرة، انظر: الشرح الميسر على الفقهين الأبسط والأكبر (108)، المغني لابن قدامة (10/ 46)، المهذب (3/ 249)، مغني المحتاج (4/ 123)، منار السبيل (2/ 398)، الدراري المضية للشوكاني (505)، وشرحه الروضة الندية لصديق حسن خان (2/ 778)، السيل الجرار (1/ 281)(4/ 511، 556)، المدخل لابن بدران (78).

ص: 1004

الإسلام: "من الأصول التي دلت عليها النصوص، أن الإمام الجائر الظالم يؤمر الناس بالصبر على جوره وظلمه وبغيه، ولا يقاتلونه كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في غير حديث"

(1)

، ولذلك فإن بعض السلف امتنع من التحديث بما ظاهره يؤيد الخروج قال ابن حجر:"وممن كره التحديث ببعض دون بعض أحمدُ في الأحاديث التي ظاهرها الخروج على السلطان. . . وضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث يقوي البدعة، وظاهره في الأصل غير مراد، فالإمساك عنه عند من يخشى عليه الأخذ بظاهره مطلوب واللَّه أعلم"

(2)

، وهكذا تجد في كل فتنة حصلت في الأمة:"كان أفاضل المسلمين ينهون عن الخروج، والقتال في الفتنة، كما كان عبد اللَّه ابن عمر، وسعيد بن المسيب، وعلي بن الحسين وغيرهم، ينهون عام الحرة عن الخروج على يزيد، وكما كان الحسن البصري ومجاهد وغيرهما ينهون عن الخروج في فتنة ابن الأشعث، ولهذا استقر أمر أهل السنة على ترك القتال في الفتنة، للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وصاروا يذكرون هذا في عقائدهم ويأمرون بالصبر على جور الأئمة وترك قتالهم"

(3)

.

(1)

الاستقامة (1/ 32) وانظر (28/ 128).

(2)

فتح الباري (1/ 225).

(3)

منهاج السنة (4/ 528).

ص: 1005