المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

كما سمّتك أمك" (1) .   ‌ ‌التحليل والتعليق تضمن الأثران السابقان بيان ندم من حمل - الآثار المروية عن أئمة السلف في العقيدة من خلال كتب ابن أبي الدنيا - جـ ٢

[حميد بن أحمد نعيجات]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الرابع: الآثار الواردة في القدر

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في حتمية القدر ووجوب وقوعه

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في القبضتين من أهل الجنة والنار

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في النهي عن الخصومة في القدر

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في مراتب القضاء والقدر

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في مرتبة العلم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث [*]: الآثار الواردة في مرتبة الكتابة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في مرتبة المشيئة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في مرتبة الخلق

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الخامس: الآثار الواردة في الهداية والضلال

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث السادس: الآثار الواردة في نفي الجور عن اللَّه (العدل الإلهي)

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث السابع: الآثار الواردة في الرضا بالقضاء والقدر

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في تعريفه

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في فضله

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في أنواع التسليم والرضا بالقدر وعلاقته بالأسباب

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في معنى موافقة المشيئة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الخامس: الآثار الواردة في علاقة الرضا بالمعرفة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السادس: الآثار الواردة في الفرق بين الرضا بالقدر والصبر عليه، وبين العزم على ذلك

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثامن: الآثار الواردة في ذم القدرية والتحذير منهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث التاسع: الآثار الواردة في براءة الحسن البصري من القدر

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الباب الثالث: الآثار الواردة في مباحث الإيمان

- ‌الفصل الأول: الآثار الواردة في تعريف الإيمان

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الفصل الثاني: الآثار الواردة في الزيادة والنقصان

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الفصل الثالث: الآثار الواردة في الاستثناء

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الفصل الرابع: الآثار الواردة في الإسلام والإيمان

- ‌التحليل والتعليق

- ‌القول الأول: من قال بالترادف بينهما

- ‌القول الثاني: قول من قال بالتغاير

- ‌القول الثالث: قول من قال بالتلازم بينهما

- ‌الفصل الخامس: الآثار الواردة في الأسماء والأحكام

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في الأسماء

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في أنواع الكفر

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في الحجاج بن يوسف

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في الولاء والبراء

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في الأحكام

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في حكم عصاة الموحدين

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في أطفال المشركين

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في توبة القاتل

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الباب الرابع: الآثار الواردة في الصحابة والإمامة

- ‌الفصل الأول: الآثار الواردة في الصحابة عموما، والخلفاء الراشدين خاصة

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في فضائل الصحابة عموما

- ‌أولا: الآثار الواردة في أفضليتهم وخيريتهم وأسبقيتهم

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في جهادهم ودفاعهم عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وحبهم له

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في الألفة والتحاب فيما بينهم

- ‌رابعا: الآثار الواردة في كريم أفعالهم، ومحاسن أخلاقهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في النهي عن سبهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في فضائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌أولا: الآثار الواردة في زهده وورعه

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في عدله وخوفه في خلافته

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في ثناء الناس عليه

- ‌رابعا: الآثار الواردة في بعض كراماته

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الخامس: الآثار الواردة في في فضائل عثمان بن عفان رضي الله عنه

- ‌أولا: الآثار الواردة في بعض مناقبه

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في صبره في محنته

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في ثناء الناس عليه

- ‌رابعا: بعض كراماته

- ‌خامسا: براءة الصحابة من دمه

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث السادس: الآثار الواردة في فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌أولا: الآثار الواردة في تقدم إسلامه

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في ثناء الناس عليه

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في بعض كراماته

- ‌رابعا: الآثار الواردة في زهده وورعه وعبادته

- ‌خامسا: الآثار الواردة في جهاده وشجاعته

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الفصل الثاني: الآثار الواردة في فضائل بقية العشرة رضي الله عنهم

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في فضائل سعيد بن العاص رضي الله عنه

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في فضائل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في فضائل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في فضائل طلحة رضي الله عنه

- ‌المبحث الخامس: الآثار الواردة في فضائل أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه

- ‌المبحث السادس: الآثار الواردة في فضائل الزبير رضي الله عنه

- ‌الفصل الثالث: الآثار الواردة في فضائل بعض أهل البيت رضي الله عنهم

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في فضائل العباس رضي الله عنه

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في فضائل الحسن بن علي رضي الله عنه

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في فضائل الحسين بن علي رضي الله عنه

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في فضائل عبد اللَّه بن جعفر رضي الله عنه

- ‌المبحث الخامس: الآثار الواردة في فضائل عبد اللَّه بن عباس رضي الله عنه

- ‌المبحث السادس: الآثار الواردة في فضائل عبيد اللَّه بن العباس رضي الله عنه

- ‌المبحث السابع: الآثار الواردة في فضائل عائشة رضي الله عنها

- ‌المبحث الثامن: الآثار الواردة في فضائل زينب بنت جحش رضي الله عنها

- ‌الفصل الرابع: الآثار الواردة في فضائل بقية الصحابة رضي الله عنهم

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في فضائل عبد اللَّه بن سعيد بن العاص رضي الله عنه

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في فضائل مصعب بن عمير رضي الله عنه

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في فضائل ذي البجادين رضي الله عنه

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في فضائل عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه

- ‌المبحث الخامس: الآثار الواردة في فضائل بلال بن رباح رضي الله عنه

- ‌المبحث السادس: الآثار الواردة في فضائل أبي بن كعب رضي الله عنه

- ‌المبحث السابع: الآثار الواردة في فضائل البراء رضي الله عنه

- ‌المبحث الثامن: الآثار الواردة في فضائل خالد بن الوليد رضي الله عنه

- ‌المبحث التاسع: الآثار الواردة في فضائل سعد بن عبادة رضي الله عنه

- ‌المبحث العاشر: الآثار الواردة في فضائل أبي الدرداء رضي الله عنه

- ‌المبحث الحادي عشر: الآثار الواردة في فضائل سلمان رضي الله عنه

- ‌المبحث الثاني عشر: الواردة في فضائل الأشعث بن قيس رضي الله عنه

- ‌المبحث الثالث عشر: الآثار الواردة في فضائل لبيد بن ربيعة رضي الله عنه

- ‌المبحث الرابع عشر: الآثار الواردة في فضائل أبي موسى رضي الله عنه

- ‌المبحث الخامس عشر: الآثار الواردة في فضائل حجر بن عدي رضي الله عنه

- ‌المبحث السادس عشر: الآثار الواردة في فضائل أسامة بن زيد رضي الله عنه

- ‌المبحث السابع عشر: الآثار الواردة في فضائل حسان بن ثابت رضي الله عنه

- ‌المبحث الثامن عشر: الآثار الواردة في فضائل حكيم بن حزام رضي الله عنه

- ‌المبحث التاسع عشر: الآثار الواردة في فضائل أبي هريرة رضي الله عنه

- ‌المبحث العشرون: الآثار الواردة في فضائل عبد اللَّه بن عامر ابن كريز رضي الله عنه

- ‌المبحث الحادي والعشرون: الآثار الواردة في فضائل معاوية رضي الله عنه

- ‌المبحث الثاني والعشرون: الآثار الواردة في فضائل قيس بن سعد رضي الله عنه

- ‌المبحث الثالث والعشرون: الآثار الواردة في فضائل عبد اللَّه ابن عمرو رضي الله عنه

- ‌المبحث الرابع والعشرون: الآثار الواردة في فضائل عبد اللَّه ابن الزبير رضي الله عنه

- ‌المبحث الخامس والعشرون: الآثار الواردة في فضائل عبد اللَّه ابن عمر رضي الله عنه

- ‌المبحث السادس والعشرون: الآثار الواردة في فضائل طلحة ابن البراء رضي الله عنه

- ‌المبحث السابع والعشرون: الآثار الواردة في فضائل سهل بن سعد رضي الله عنه

- ‌المبحث الثامن والعشرون: الآثار الواردة في فضائل زيد بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌المبحث التاسع والعشرون: الآثار الواردة في فضائل صعصعة رضي الله عنه

- ‌المبحث الثلاثون: الآثار الواردة في فضائل علبة بن زيد رضي الله عنه

- ‌المبحث الحادي والثلاثون: الآثار الواردة في فضائل النعمان ابن قوقل رضي الله عنه

- ‌المبحث الثاني والثلاثون: الآثار الواردة في فضائل أبي معلق رضي الله عنه

- ‌المبحث الثالث والثلاثون: الآثار الواردة في فضائل أسماء رضي الله عنها

- ‌الفصل الخامس: الآثار الواردة في مسائل الإمامة والفتن

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في الإمامة

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في وجوب طاعة الحكام

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في تحريم طاعة الحكام في المعصية، والإنكار بالقلب عنه العجز

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في النهي عن الطعن في الأمراء

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في النهي عن منازعة الملوك الأمر

- ‌المطلب الخامس: تحريم الخروج على الحكام

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السادس: الآثار الواردة في المنهج العام للسلف في الإنكار على الحكام

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السابع: الآثار الواردة في النهي عن التفرق والتحزب

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في التحذير من الخروج

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في التحذير من الفتن والدماء، والتنازل عن الأمر خشية وقوعها

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في الخوف من فتح باب الخروج على الأمة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في علاقة الغوغاء بالخروج

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في أن مآل الخروج إلى الفرقة والاختلاف

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الخامس: الآثار الواردة في عدم الجدوى من الخروج

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السادس: الآثار الواردة في خوف العواقب السيئة المترتبة على الخروج

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السابع: الآثار الواردة في الخوف من الانتكاس وعدم الصبر على الابتلاء بعد الخروج

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثامن: الآثار الواردة في ظلم الحكام عقوبة لا تستقبل بالسيف، بل بالتوبة والتضرع

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب التاسع: الآثار الواردة في توبة الخارج على الحكام

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في موقف المسلم من الفتنة

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في لزوم البيوت في الفتن

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في ندم من حضر في قتال فتنة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في الارتحال عن بلد الفتنة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في التعوذ من الفتن وتمني الموت قبل وقوعها

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في موقف الخوارج من أهل السنة

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في تكفيرهم لخيار المسلمين

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في تقربهم إلى اللَّه -بزعمهم- بقتل المسلمين

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في أذيتهم لأهل السنة

- ‌التحليل والتعليق

الفصل: كما سمّتك أمك" (1) .   ‌ ‌التحليل والتعليق تضمن الأثران السابقان بيان ندم من حمل

كما سمّتك أمك"

(1)

.

‌التحليل والتعليق

تضمن الأثران السابقان بيان ندم من حمل السلاح على الحاكم المسلم، وتركه الخروج والقتال، ثم البقاء متخفيا لمدة طويلة، ثم عدم احتماله لهذا الهروب والاستمرار فيه، وبالتالي اتخاذ قرار وقف التخفي أو الاستسلام للخليفة المسلم، وفي ضمن ذلك من نصحه من العلماء بأن لا يلقي نفسه للتهلكة، ليقينه بأنه سيقتل، كما أن الخليفة المنصور كان له موقف رائع بالعفو والصفح وإرجاع الحقوق إلى أهلها، وتسليم ما صودر منه وتأمينه على ماله ونفسه، ولا شك أن هذا هو المتعيّن في أيام الفتن والخروج، أن تكف الفئة الباغية، والطائفة الخارجة، الحاملة للسلاح، والشاقة لعصا المسلمين، وترجع إلى رشدها بكف أذاها عن المسلمين، وجمع الكلمة، وتأمين الخائفين، وترك ترويع الآمنين، كما يجب على الحاكم والسلطان أن يقابل فعلهم بالترحيب، وعملهم بالقبول والتأييد، وتيسير سبل الصلح والألفة والتراحم بين العبيد، وأن لا يقابله بالحبس

(1)

إسناده صحيح، الإشراف (136) رقم (64)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 274)، ومن طريقه المزي في تهذيب الكمال (3/ 143)، والأزدي في المتوارين (57 - 58)، والطبري في تاريخه (4/ 23) وفيه قصة خروجه وأماكن تخفيه مطولا، والذهبي في السير (4/ 337) وذكر أن اختفاءه طال حوالي ثلاث عشرة سنة، وابن الجوزي في صفة الصفوة (3/ 80)

ص: 1056

والاعتقال وبالتعذيب، بله القتل والتشريد، قال شيخ الإسلام:"الشارع أمر كل إنسان بما هو المصلحة ليه وللمسلمين، فأمر الولاة بالعدل والنصح لرعيتهم. . . وأمر الرعية بالطاعة والنصح. . . وأمر بالصبر على استئثارهم ونهى عن مقاتلتهم ومنازعتهم الأمر مع ظلمهم؛ لأن الفساد الناشئ من القتال في الفتنة، أعظم من فساد ظلم ولاة الأمر فلا يزال أخف الفسادين بأعظمهما"

(1)

، والمراد أن كل واحد عليه أن يقوم بما أمر اللَّه به ولا يدفعه حظ نفسه وهواها أن يجاوز حكم اللَّه، كما فعل قتلة الحسين رضي الله عنه حين أبوا إلا أن يستأسر لهم، رغم مرضه عليهم أن يرجع إلى بيته أو يذهب إلى الثغر أو يذهبوا به إلى ابن عمة يزيد، فلم يمكنوه من كل ذلك وأبوا إلا أن يستأسر لهم، قال شيخ الإسلام:"ومعلوم باتفاق المسلمين أن هذا لم يكن واجبا عليه، وأنه كان يجب تمكينه مما طلب، فقاتلوه ظالمين له، ولم يكن حينئذ مريدا لتفريق الجماعة، ولا طالبا للخلافة، ولا قاتل على طلب خلافة، بل قاتل دفعا عن نفسه لمن صال عليه وطلب أسره"

(2)

، والمراد أن منهج أهل السنة والجماعة في هذا هو المنهج الوسط، وطريق العدل بجمع الكلمة وتأليف القلوب، وبهذا أفتى العلماء المعاصرون لما حدث من فتن وقلاقل في بعض البلدان الإسلامية، ومن ذلك النصيحة الذهبية لفضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله لمن حمل السلاح في الجزائر

(1)

منهاج السنة (4/ 541 - 542)، وانظر (4/ 560).

(2)

منهاج السنة (8/ 147).

ص: 1057

بقوله: "نصيحتي لإخواني الذين حملوا السلاح، ويحملونه الآن: أن يضعوا السِّلاح، وأن يدخلوا من هذا الباب الذي فتحته الحكومة.

ونصيحتي للحكومة ألَّا تؤذي هؤلاء الذين وضعوا السلاح، وألَّا تمسَّهم بعذاب، وألَّا تحرمهم من حقوقهم الوظيفية والاجتماعية ما داموا أهلًا لذلك، بمعنى أنَّها تعفو عن كلِّ ما سلف، وكأن شيئًا لم يكن، حتى تطيب النفوس، وتهدأ الأمور، فما من قلب من قلوب بني آدم إلَّا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن، يُصرِّفه تعالى كيف يشاء، فلا ييأس هؤلاء المقاتِلون، والحكومة يجب أن ترحمهم، وأن تعفو عنهم ما سلف، حتى تهدأ الأمور وتستقرَّ إن شاء اللَّه"

(1)

، بل استمر رحمه الله في النصح لعامة المسلمين والدعاة وتوجيههم لأمثل طريق يقضوا به على الفتن ويقطعوا دابرها، حتى لا تعاود الظهور، وتقصم الظهور، وكيف يتعاملوا مع الذي ألقوا السلاح فقال: "بالنسبة للآخرين: أن يتلقَّوا هؤلاءِ بوجهٍ طلْقٍ وصدرٍ مُنشرِحٍ، وأن يفرحوا بهم، وأن يُكرموهم، وألَّا يروهم جفاءً أو كراهيةً أو عبوسًا في وجوههم؛ لأنَّ الحالَ بعد وضع السِّلاح ليس كالحال قبل وضع السِّلاح، وأن يتناسَوا كلَّ ما جرى.

سادسًا: بالنسبة للدُّعاة أيضًا: يَحثُّون الناسَ على أن يتآلفوا ويتقاربوا، ويتعاونوا على البرِّ والتقوى، ويتناسَوا ما سبق، وتبدأ الحياة

(1)

فتاوى العلماء الأكابر (162).

ص: 1058

من جديد"، "ونحن نشكرُ الدولةَ على العفوِ العام، ونشكرُ مَن ألقى السِّلاحَ على استجابتِه"

(1)

.

كما أنه رحمه الله أشار إلى أمر مهم تضمنه الأثران السابقان وهو ما يتعلق بتململ قطن بن معاوية وسعيد بن جبير من الاختفاء والهروب من الحاكم، وعدم رضاهم بالحالة التي يعيشونها، رغم تركهم القتال والخروج، فعلّل ذلك تعليل فقيه بصير بالمصالح والمفاسد ومدرك لعواقب الأمور وهذا نص سؤال المقاتلين وجواب الشيخ عليهم: "السائل: شيخنا بعض الإخوة عندنا - بعد أن سلَّموا بأنَّ هذا ليس بجهاد على وفق ما ذكرتم؛ يعني لم يثقوا في الحكومة؛ يعني نسبيًّا، فيسألون هل يجوز لهم المكث في الجبال دون الرجوع إلى الحياة المدنية، بدون قتال يعني يبقون بأسلحتهم في الجبال ويتوقَّفون عن القتال، لكن لا يرجعون إلى الحياة المدنية؟

الشيخ: أقول: إنَّهم لن يبقوا على هذه الحال، مهما كان الحال، ولا بدَّ أن تحرِّكهم نفوسُهم في يوم من الأيام حتى ينقضُّوا على أهل القرى والمدن؛ فالإنسانُ مدنيٌّ بالطبع، يبقى في رؤوس الجبال وفي تلالها وشعابها، ومعه السلاح؟ ! ، في يوم من الأيام لا بدَّ أن تُهيِّجهم النفوسُ حتى يكونوا قطَّاعَ طرق!

(1)

فتاوى العلماء الأكابر (187).

ص: 1059

السائل: إذًا لا يجوز لهم المكث على هذه الحال؟

الشيخ: هذا ما أراه، أرى أن ينزلوا للمدن والقرى ولأهليهم وذويهم وأصحابهم"

(1)

، ومصداق كلامه رحمه الله ما وقع لمرداس بن أدية الخارجي، وكان خارجيا لا يرى حمل السيف واستحلال الدماء، قال عنه المبرد:"لما خرج من حبس ابن زياد ورأى جِدَّ ابن زياد في طلب الشراة عزم على الخروج، فقال لأصحابه: إنه واللَّه ما يسعنا المقام بين هؤلاء الظالمين، تجري علينا أحكامهم، مجانبين للعدل، مفارقين للفصل، واللَّه إن الصبر على هذا لعظيم، وإن تجريد السيف وإخافة السبيل لعظيم، ولكنا ننتبذ عنهم، ولا نجرد سيفًا، ولا نقاتل إلا من قاتلنا"

(2)

، فكان هذا شعاره لكنه ما لبث أن بدأ يقطع سبيل قوافل الخليفة فيأخذ بزعمه نصيبه ونصيب أصحابه من الفيء، وانتهى به الأمر إلى القتال فقتل وصُلب.

(1)

المصدر السابق (172).

(2)

الكامل لابن المبرد (2/ 284).

ص: 1060