الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب التاسع: الآثار الواردة في توبة الخارج على الحكام
.
939 -
أخبرني عمر بن شبَّة قال: حدثني أيوب بن أبي محمد بن سلمة الغفاري قال: حدثني قطن بن معاوية الغلابي
(1)
قال: "كنت ممن سارع إلى إبراهيم واجتهد معه، فلما قُتل طلبني أبو جعفر فاختفيت، فقبض أموالي ودوري، ولحقت بالبادية، فجاورت في بني نضر بن معاوية، ثم في بني كلاب، ثم في بني فزارة، ثم في بني سلم، ثم انطلقت في بوادي قيس أجاور فيهم، ثم ضقت ذراعا بالاختفاء، فأزمعت على القدوم على أبي جعفر والاعتراف له، فقدمت البصرة فنزلت في طرف منها، ثم أرسلت إلى أبي عمرو بن العلاء وكان بي وادًّا، فشاورته في الذي أزمعت عليه فقَبَّل رأسي وقال: واللَّه إذًا ليقتلنّك، وإنك لتعين على نفسك، فلم ألتفت إليه، وشخصت حتى قدمت بغداد وقد بنى بها أبو جعفر مدينته ونزلها، فليس أحد من الناس يركب فيها ما خلا المهدي، فنزلت دارًا، ثم قلت لغلماني أنا ذاهب إلى أمير المؤمنين فأمهلوا ثلاثا؛ فإن جئتكم وإلا فانصرفوا، حتى دخلت المدينة فجئت دار الربيع والناس ينتظرونه، وهو حينئذ ينزل داخل المدينة في الدار الشارعة على قصر الذهب، فلم ألبث أن خرج يمشي فقام إليه الناس فقمت معهم، فسلمت عليه فردّ عليّ السلام وقال: من أنت؟ قلت: قطر بن معاوية، قال: انظر ما تقول، قلت:
(1)
لم أجد له ترجمة، ولا يعرف إلا بهذه القصة، ووقع في بعض المراجع:"الكلابي" بالكاف بدل الغين.
أنا هو، فأقبل على سودة معه فقال: احتفظوا هذا، قال: فلما حرست لحقتني الندامة، وذكرت رأي أبي عمرو بن العلاء، فتأسّفت عليه، ودخل الربيع فلم يطل حتى خرج خصيّ فأخذ بيدي فأدخلني قصر الذهب، ثم أتى بي بيتا حصيئا فأدخلنيه، ثم أغلق الباب عليّ وانطلق فاشتدّت ندامتي، وأيقنت بالهلاك وخلوت بنفسي ألومها، فلما كان الظهر أتاني الخصيّ بماء فتوضّأت وصلّيت، وأتاني الطعام فأخبرته أني صائم، فلما كان المغرب أتاني بماء فتوضّأت وصلّيت، وأرخى عليّ الليل سدوله يئست من الحياة، فسمعت أبواب المدينة تغلق وأقفالها تشدّد، فامتنع مني النوم فلما ذهب صدر من الليل أتاني الخصيّ، ففتح عني ومضى بي فأدخلني صحن الدار، ثم أدناني من ستر مسدول فخرج علينا خادم فأدخلنا فإذا أبو جعفر وحده وإذا الربيع قائم ناحية، فأكبّ أبو جعفر هنيهة مطرقا ثم رفع رأسه فقال: هيه؟ فقلت: يا أمير المؤمنين أنا قطر بن معاوية، فقد واللَّه جهدت عليك جهدي، فعصيت أمرك، وواليت عدوّك، وحرصت على أن أسلبك ملكك، فإن عفوت فأهل ذلك أنت، وإن عاقبت فبأصغر ذنوبي تقتلني، قال: فسكت هنيهة ثم قال: هيه؟ فأعدت مقالتي، قال: فإن أمير المؤمنين قد عفا عنك، يا أمير المؤمنين إني امرؤ من وراء بابل لا أصل إليك، وضياعي ودوري مقبوضة، فإن رأى أمير المؤمنين أن يردّها فعل، قال: فدعا بالدواة ثم أمر خادما له يكتب بإملائه: إلى عبد الملك بن أيوب النميري -وهو يومئذ بالبصرة- إن أمير المؤمنين قد رضي عن قطر بن
معاوية، ورد عليه ضياعه ودوره وجميع ما قبض له، فاعلم ذلك وأنفذه له إن شاء اللَّه، قال: ثم ختم الكتاب ودفعه إليّ، قال: فخرجت من ساعتي لا أدري أين أذهب، فإذا الحرس بالباب، فجلست جانب أحدهم أحدثه، فلم ألبث أن خرج الربيع فقال: أين الرجل الذي خرج آنفا؟ فقمت إليه فقال: انطلق أيها الرجل واللَّه سلمت، فانطلق بي إلى منزله فعشّاني وأقرشني، فلما أصبحت ودعله فأتيت غلماني وأرسلتهم يكترون لي فوجدوا صديقا لي من الدهاقين من أهل ميسان قد اكترى سفينة لنفسه، فحملني معه فقدمت على عبد الملك بن أيوب بكتاب أمير المؤمنين فأقعدني عنه فلم أقم حتى ردّ عليّ جميع ما استصفى لي"
(1)
.
940 -
حدثني واصل بن عبد الأعلى قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي حصين قال: "أتيت سعيد بن جبير بمكة فقلت: إن هذا الرجل قادم -يعني خالد بن عبد اللَّه- ولم يقدم، ولا آمنه عليك فأطعني واخرج، فقال: واللَّه لقد فررت حتى استحييت من اللَّه، قال: قلت: واللَّه لأراك
(2)
(1)
إسناده فيه الغفاري مختلف في اسمه وهو غير واضح في المخطوط، والذي ترجح لي أنه أيوب بن عمرو الغفاري كما في مصادر التخريج، ولم أهتد إلى ترجمته اللهم إلا ما ذكره السخاوي في التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة (2/ 333) فإن كان هو ذاك فهو متهم، الفرج بعد الشدة (86 - 89) رقم (94)، والخطيب في تاريخ بغداد (10/ 58)، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (32/ 317).
(2)
وفي تاريخ الطبري كما سيأتي في التخريج "أظنك واللَّه سعيدا كما سمتك أمك" وليس فيه تصحيف -كما قد يظن- من (لا أراك سعيدا).