الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على اللَّه فلم ألبث أن جاءني ما أحب"
(1)
.
التحليل والتعليق
تضمنت الآثار السابقة موقف المسلم عند هيجان الفتن، واضطراب أمور الناس، أو استشراء ظلم الحكام وبطشهم بالرعية، وانتشار المنكرات العلنية، ويتلخص هذا الموقف في:
لزوم البيوت: وهو ما عبرت عنه الآثار عن كثير من البدريين الذين لم يخرجوا من بيوتهم بعد موت عثمان رضي الله عنه إلا إلى المقابر والجنازات، ووصية بعضهم لمن سأله عن المخرج بأن يكونوا أحلاس بيوتهم، وإذا اشتدَّ الخطب لم يحضروا ترك الجمعة والجماعات، وهكذا الأمر عند حيف الأئمة وانتشار الظلم والمنكرات كانوا يلزمون بيوتهم خشية التأثم من رؤية المنكر وعدم إنكاره.
عدم الخوض ففي شيء من الفتن: ومن هنا مدحوا النُّوَمَة، وفسروه بأنه الذي لا يدخل مع الناس فيما هم فيه، أو الذي لا يعرفون ما في نفسه، وكلاهما متلازمان، وأمروا بكفّ اليد، وإمساك اللسان، ومعالجة القلب، بل هذه نصيحتهم حتى لغير المسلمين.
ولا شك أن هذين المسلكين من أهم ما المسلم به نفسه من الفتن، فيَسلم ويُسلم منه، فلا يكون وقودا لنارها، ولو سلك الناس هذان
(1)
إسناده ضعيف، فيه عصام بن طليق ضعيف كما في التقريب (4614)، كتاب التوكل (91) رقم (56).
المسلكان لماتت الفتن في مهدها، ولوُئدت قبل استهلالها، ولهذا عقد العلماء في كتبهم عدة أبواب في لزوم البيوت في الفتن وذكروا النصوص الواردة فيه، فقد عقد الآجري باب فضل القعود في الفتنة عن الخوض فيها، وتخويف العقلاء على قلوبهم أن يهووا ما يكرهه اللَّه عز وجل، ولزوم البيوت والعبادة للَّه عز وجل وقال:"ليكون المؤمن العاقل يحتاط لدينه؛ فإن الفتن على وجوه كثيرة؛ قد مضى منها فتن عظيمة، نجا منها أقوام، وهلك فيها أقوام باتباعهم الهوى، وإيثارهم للدنيا، فمن أراد اللَّه تعالى به خيرا فتح له باب الدعاء، والتجأ إلى مولاه الكريم، وخاف على دينه، وحفظ لسانه، وعرف زمانه، ولزم الحجة الواضحة السواد الأعظم، ولم يتَلَوَّن في دينه، وعبد ربَّه عز وجل فترك الخوض في الفتنة؛ فإن الفتنة يفتضح عندها خلق كثير"
(1)
، قال القرطبي -بعد ذكره من اعتزل الفتنة من الصحابة والتابعين-:"هذا وكانت تلك الفتنة والقتال بينهم على الاجتهاد منهم، فكان المصيب منهم له أجران، والمخطئ له أجر، ولم يكن قتال على الدنيا، فكيف اليوم الذي تسفك فيه الدماء باتباع الهوى، طلبا للملك والاستكثار من الدنيا، فواجب على الإنسان أن يكف اليد واللسان عند ظهور الفتن، ونزول البلايا والمحن"
(2)
، وكلما كان المسلم أعلم بهذه النصوص كان أقرب إلى العصمة من الوقوع في الفتن، وهذا ما حصل لمن
(1)
الشريعة (1/ 50)، وانظر السنن الواردة في الفتن (1/ 363).
(2)
التذكرة (629) تحت باب الأمر بلزوم البيوت.
اعتزل القتال من الصحابة فمن بعدهم كما قال شيخ الإسلام: "الذين رووا هذه الأحاديث من الصحابة مثل: سعد بن أبي وقاص، وأبي بكرة، وأسامة بن زيد، ومحمد بن مسلمة، وأبي هريرة وغيرهم، جعلوا قتال الجمل وصفين من ذلك، بل جعلوا ذلك أول قتال فتنة كان في الإسلام، وقعدوا عن القتال، وأمروا غيرهم بالقعود عن القتال، كما استفاضت بذلك الآثار عنهم"
(1)
.
(1)
منهاج السنة (8/ 525 - 526).