الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: الآثار الواردة في القبضتين من أهل الجنة والنار
.
452 -
حدثنا محمد بن عبد اللَّه الأرزي قال: حدثنا أسد بن راشد، عن البراء بن عبد اللَّه أو ابن يزيد، أراه عن الحسن:"أن معاذ بن جبل لما احتضر دُخل عليه وهو يبكي، فقيل: ما يبكيك، فقد صحبت محمدا صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما أبكى جزعا من الموت إن حلّ بي، وعلى دنيا أتركها بعدي، ولكن بكائي أن اللَّه قبض قبضتين، فجعل واحدة في النار، وواحدة في الجنة، فلا أدري في أي القبضتين أكون"
(1)
.
التحليل والتعليق
تضمن أثر معاذ رضي الله عنه السابق أن أمر الجنة والنار مفروغ منه؛ حيث إن أمر الجنة والنار، وأمر أهل كل منهما مفروغ منه، حدَّد اللَّه هؤلاء وهؤلاء،
(1)
إسناده ضعيف منقطع، والأثر حسن لغيره، فيه البراء بن عبد اللَّه الغنوي وهو ضعيف، التقريب (655)، وسيأتي عن الهيثمي إعلاله به، المحتضرين (133) رقم (165)، ثم برقم (276) لكن عن معاوية رضي الله عنه، والطبراني في الكبير (20/ 172) رقم (365)، وابن مندة في الإيمان (1/ 247 - 248) رقم (102)، بسند حسن؛ يروي فيه روح عن أبي العوام عن معاذ وهذا سند متصل، فيه شيخه وهو سلم بن الفضل ترجمه الذهبي في السير (16/ 27) وقال:"محله الصدق"؛ أما روح فهو ابن عابد فيه جهالة كما في تعجيل المنفعة (132)، وأبو العوام هو سادن بيت المقدس ذكره ابن حبان في الثقات (5/ 564)، ولم يذكر فيه ابن أبي حاتم (9/ 415) جرحا ولا تعديلا، والبيهقي في شعب الإيمان (1/ 502) رقم (481) وقال الهيثمي في المجمع (7/ 187):"رواه الطبراني، وفيه البراء بن عبد اللَّه الغنوي، وهو ضعيف، والحسن لم يدرك معاذا"، وابن عساكر في تاريخ دمشق (58/ 450 - 451).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "هذا المعنى مشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه متعددة"
(1)
وقال ابن كثير رحمه الله -بعد إيراده أحاديث القبضتين-: "وأحاديث القدر في الصحاح والسنن والمسانيد كثيرة جدا"
(2)
.
وذكر شيخ الإسلام أن من فوائد أحاديث القبضتين إثبات القدر السابق وهو علم اللَّه بالأشياء قبل كونها: "القدر السابق وهو أن اللَّه سبحانه علم أهل الجنة من أهل النار، من قبل أن يعملوا الأعمال، وهذا حق يجب الإيمان به، بل قد نص الأئمة كذلك، والشافعي، وأحمد أن من جحد هذا فقد كفر، بل يجب الإيمان أن اللَّه علم ما سيكون كله قبل أن يكون"
(3)
.
وتقدير القبضتين ذكره ابن القيم رحمه الله في المرتبة الثانية من مراتب التقدير الذي قدره اللَّه على عباده فقال: "الرب تعالى قدر مقادير الخلائق تقديرا عاما، قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وهنا كتب السعادة، والشقاوة، والأعمال، والأرزاق، والآجال، الثاني: تقدير بعد هذا، وهو أخص منه، وهو التقدير الواقع عند القبضتين، حين قبض تبارك وتعالى أهل السعادة بيمينه وقال: هؤلاء للجنة، وبعمل أهل الجنة يعملون، وقبض أهل الشقاوة باليد الأخرى وقال: هؤلاء للنار، وبعمل أهل النار يعملون"
(4)
.
(1)
مجموع الفتاوى (8/ 65).
(2)
تفسير ابن كثير (4/ 109)، وانظر كلام ابن عبد البر وابن القيم في شهرة هذه الأحاديث في الاستذكار (8/ 261)، وشفاء العليل (18).
(3)
مجموع الفتاوى (5/ 77)، وسيأتي ذكر هذه المسألة وبيانها في مراتب القضاء والقدر والإشارة إلى أنه لم يخالف في إثباتها إلا غلاة القدرية.
(4)
التبيان في أقسام القرآن (219)، وقد فصل هذا الكلام تفصيلا مطولا في أبواب مستقلة لكل تقدير في شفاء العليل (7 - 42).