الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول: الآثار الواردة في أنواع الكفر
.
602 -
حدثنا أبو كريب، ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي الزبير قال: قلت لجابر
(1)
: "أكنتم تعدون شيئا من الذنوب كفرا؟ قال: معاذ اللَّه"
(2)
.
603 -
حدثنا يوسف بن حماد المعنيّ قال: حدثنا أبو عثمان صاحب الرقيق قال: "سئل الحسن عن النفاق؟ فقال: لو رفعوا عنكم لاستوحشتم، نافق هؤلاء بالتكذيب، ونافق هؤلاء بالعمل"
(3)
.
التحليل والتعليق
تضمن الأثران السابقان بيان أن الكفر ليس نوعا واحدا، بل هو أنواع، وورد ذكر الكفر العملي، وكفر التكذيب، والكفر الأصغر؛ فإن
(1)
هو جابر بن عبد اللَّه بن عمرو بن حرام الأنصاري ثم السَّلَمي، صحابي بن صحابي، غزا تسع عشرة غزوة، أحد المكثرين من رواية الحديث، مات بالمدينة بعد السبعين، وهو ابن أربع وتسعين، الإصابة (1/ 434)، التقريب (871).
(2)
إسناده حسن، أبو الزبير صدوق إلا أنه كان يدلس، التقريب (6331) لكنه صرح بالاتصال هنا، التوبة (98 - 99) رقم (113)، والسهمى في تاريخ جرجان (1/ 469)، وأبو نعيم في الحلية (5/ 176) وفيه تتمة قوله:"ولكنا كنا نقول مؤمنين مذنبين"، والطبراني في مسند الشاميين (3/ 212) رقم (2109)، والبيهقي في شعب الإيمان (1/ 285) رقم (325)، وذكره ابن عبد البر في التمهيد (9/ 251) وفي (17/ 21) وقال:"روي ذلك عن جابر من وجوه، ومن حديث الأعمش عن أبي سفيان قال: قلت لجابر: أكنتم تقولون لأحد من أهل القبلة كافر؟ قال: لا، قلت: فمشرك، قال: معاذ اللَّه وفزع".
(3)
إسناده ضعيف، لم أجد فيمن ينسب إلى صاحب الرقيق أبو عثمان، الإشراف (203) رقم (217).
أثر جابر بيّن أنهم كانوا لا يعدون شيئا من الذنوب كفرا، ولا يخفى ما ورد من النصوص الكثيرة في إطلاق الكفر على بعض الذنوب، فأفاد ذلك أنه ليس كل عمل وصف بالكفر يكون المراد به الكفر الأكبر المخرج من الملة، وكذا أثر الحسن الذي فرَّق بين نفاق التكذيب، ونفاق العمل، أي النفاق الأكبر والأصغر، والمقصود أن الكفر أنواع وليس نوعا واحدا، قال شيخ الإسلام:"إن الظلم يتناول الكفر، ولا يختص بالكفر، بل يتناول ما دونه أيضا، وكلٌّ بحسبه؛ كلفظ الذنب والخطيئة والمعصية، فإن هذا يتناول الكفر والفسوق والعصيان"
(1)
، وقال ابن القيم: "أصل آخر، وهو أن الكفر نوعان: كفر عمل، وكفر جحود وعناد، فكفر الجحود أن يكفر بما علم أن الرسول جاء به من عند اللَّه، جحودا وعنادا، من أسماء الرب، وصفاته، وأفعاله، وأحكامه، وهذا الكفر يضادّ الإيمان من كلّ وجه.
وأما كفر العمل، فينقسم إلى ما يضادّ الإيمان، وإلى ما لا يضادّه، فالسجود للصنم، والاستهانة بالمصحف، وقتل النبي وسبّه. . . وهذا التفصيل هو قول الصحابة، الذين هم أعلم الأمة بكتاب اللَّه، وبالإسلام والكفر ولوازمهما، فلا تتلقى هذه المسائل إلا عنهم، فإن المتأخرين لم يفهموا مرادهم فانقسموا فريقين: فريقا أخرجوا من الملّة بالكبائر وقضوا على أصحابها بالخلود في النار، وفريقا جعلوهم مؤمنين كاملي الإيمان، فهؤلاء غلوا وهؤلاء جفوا، وهدى اللَّه أهل السنة للطريقة المثلى والقول الوسط الذي هو في المذاهب كالإسلام في الملل، فهاهنا كفرٌ دون كفر، ونفاق دون نفاق، وشرك دون شرك، وفسوق دون فسوق وظلم دون
(1)
الإيمان (69).
ظلم"
(1)
، قال ابن القيم: "أما الكفر الأكبر فخمسة أنواع: كفر تكذيب، وكفر استكبار وإباء مع التصديق، وكفر إعراض، وكفر شك، وكفر نفاق؛
فأما كفر التكذيب: فهو اعتقاد كذب الرسل. . .
وأما كفر الإباء والاستكبار: فنحو كفر إبليس؛ فإنه لم يجحد أمر اللَّه، ولا قابله بالإنكار، وإنما تلقاه بالإباء والاستكبار، ومن هنا كفر من عرف صدق الرسول، وأنه جاء بالحق من عند اللَّه، ولم ينقد له إباء واستكبارا، وهو الغالب على كفر أعداء الرسل، . . .
وأما كفر الإعراض: فأنه يعرض بسمعه وقلبه عن الرسول؛ لا يصدقه، ولا يكذبه، ولا يواليه، ولا يعاديه، ولا يصغي إلى ما جاء به ألبتة. . .
وأما كفر الشك: فإنه لا يجزم بصدقه ولا بكذبه، بل يشك في أمره، وهذا لا يستمر شكه، إلا إذا ألزم نفسه الإعراض عن النظر في آيات صدق الرسول جملةً؛ فلا يسمعها، ولا يلتفت إليها، وأما مع التفاته إليها، ونطره فيها؛ فإنه لا يبقى معه شك؛ لأنها مستلزمة للصدق، ولا سيما بمجموعها؛ فإن دلالتها على الصدق كدلالة الشمس على النهار.
وأما كفر النفاق: فهو أن يظهر بلسانه الإيمان، وينطوي بقلبه على التكذيب، فهذا هو النفاق الأكبر"
(2)
.
(1)
كتاب الصلاة (27).
(2)
مدارج السالكين (1/ 366 - 367)، وانظر مفتاح دار السعادة (1/ 331).