الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التحليل والتعليق
تضمنت الآثار السابقة الموزعة على المطالب الثلاثة بيان بعض أهم صفات الخوارج، وهي:
تكفيرهم للمسلمين، بل لخيارهم فقد كفّروا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد كانوا معه وفي عسكره.
وتقربهم إلى اللَّه بزعمهم بقتلهم، فتجدهم يتبايعون على ذلك كما تبايع الثلاثة على قتل علي ومعاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهم، بل شرطت قطام خطيبة أحدهم وهو ابن ملجم أن يكون من مهرها رأس علي رضي الله عنه، فاستفرغ جهده كله، واستبقى نفسه للقيام بهذه الجريمة المنكرة لأنه عدها أعظم أجرا، وكان هذا الأمر عندهم من الوضوح بمكان بحيث لم يستشكلوه أبدا، ولذلك أنكر عليهم ابن عمر رضي الله عنه سؤالهم عن دم البعوض، مع عدم تورعهم عن دماء خيار المسلمين وخاصتهم.
وأقلُّ ذلك أذيتهم بأي نوع من الإيذاء، وذلك عندما تعجز سيوفهم عن النيل من أهم السنة والمسلمين عموما؛ يبسطون عليهم ألسنتهم بالسوء، وينالون منهم كلما استطاعوا من أنواع الأذية والنكال.
وهذه الصفات هي من أهم صفات الخوارج تكفير المسلمين ثم قتالهم، وكل أذية أو مضايقة ونحوها فإنما ناشئة عما سبق، وهذا الأمر مما
= رقم (193)، والخطيب في تاريخ بغداد (5/ 497)، وابن الجوزي في المنتظم (2/ 245) وغيرهم.
باينوا به جميع الأمة الإسلامية، قال شيخ الإسلام:"الخوارج أيضًا باينوا جميع المذاهب فيما اختصوا به من التكفير بالذنوب، ومن تكفير على رضي الله عنه. . . وأمثال ذلك"
(1)
، ثم نقل قول الأشعري:"أجمعت الخوارج على إكفار علي بن أبي طالب رضي الله عنه إذ حكم، وهم مختلفون هل كفره شرك أم لا؟ قال: وأجمعوا على أن كل كبيرة كفر إلا النجدات؛ فإنها لا تقول بذلك، وأجمعوا على أن اللَّه يعذب أصحاب الكبائر عذابا دائما إلا النجدات أصحاب نجدة"
(2)
، وقال:"الخوارج هم أول من كفر المسلمين، يكفرون بالذنوب، ويكفرون من خالفهم في بدعتهم، ويستحلون دمه وماله، وهذه حال أهل البدع، يبتدعون بدعة ويكفرون من خالفهم فيها، وأهل السنة والجماعة يتبعون الكتاب والسنة، ويطيعون اللَّه ورسوله، فيتبعون الحق ويرحمون الخلق"
(3)
.
وليس المقصود أن فرقة الخوارج فقط هم الموسومون بهذه الصفات، فضلا أن يكون المقصود الخوارج الذين قاتلهم عليٌّ رضي الله عنه، بل كل من كفّر المسلمين وقاتلهم وخرج على إمامهم فله من هذا نصيب، قال شيخ الإسلام: "هؤلاء أصل ضلالهم اعتقادهم في أئمة الهدى وجماعة المسلمين أنهم خارجون عن العدل، وأنهم ضالون، وهذا مأخذ الخارجين عن السنة من الرافضة ونحوهم، ثم يعدون ما يرون أنه ظلم عندهم كفرا، ثم يرتبون
(1)
منهاج السنة (3/ 460).
(2)
مقالات الإسلاميين (1/ 86).
(3)
مجموع الفتاوى (3/ 279).
على الكفر أحكاما ابتدعوها، فهذه ثلاث مقامات للمارقين من الحرورية والرافضة ونحوهم في كل مقام تركوا بعض أصول دين الإسلام"
(1)
، ولهذا فقد تكون بعض الفرق أسوأ من الخوارج وتشملها النصوص الواردة في الخوارج كما قال شيخ الإسلام لما تكلم عن الرافضة: "إنهم خارجون عن الطاعة والجماعة، يقتلون المؤمن والمعاهد، لا يرون لأحد من ولاة المسلمين طاعة، سواء كان عدلا أو فاسقا، إلا لمن لا وجود له، وهم يقاتلون لعصبية شر من عصبية ذوى الأنساب، وهي العصبية للدين الفاسد؛ فإن في قلوبهم من الغل والغيظ على كبار المسلمين وصغارهم وصالحيهم وغير صالحيهم ما ليس في قلب أحد، وأعظم عبادتهم عندهم لعن المسلمين من أولياء اللَّه، مستقدمهم ومستأخرهم، وأمثلهم عندهم
(2)
الذي لا يلعن ولا يستغفر. . . أعظم أصولهم عندهم التكفير واللعن والسب لخيار ولاة الأمور؛ كالخلفاء الراشدين، والعلماء المسلمين، ومشايخهم لاعتقادهم أن كل من لم يؤمن بالإمام المعصوم الذي لا وجود له فما آمن. . . وإنما كان هؤلاء شرا من الخوارج الحرورية وغيرهم من أهل الأهواء لاشتمال مذاهبهم على شر مما اشتملت عليه مذاهب الخوارج"
(3)
.
(1)
مجموع الفتاوى (2/ 417)، وانظر فتح الباري (12/ 300).
(2)
كذا في المطبوع ولعله سقط حرف (الذي) فيصير المعنى: "وأمثل الذي عندهم"، أو:"أمثل من عندهم" واللَّه أعلم.
(3)
مجموع الفتاوى (28/ 487 - 489).