الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
610 -
حدثنا خلف بن هشام، حدثنا خالد بن عبد اللَّه، عن عبد الملك، عن عطاء: "قوله عز وجل: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}
(1)
: للناس كلهم، المشرك وغيره"
(2)
.
التحليل والتعليق
تضمنت الآثار السابقة بيان مفاهيم هامة في عقيدة الولاء والبراء، فمن جهة بيَّن أثر أبي أمامة أن الإيمان يكمل بالبغض في اللَّه والحب في اللَّه، ثم الآثار التي بعده بيَّنت أن الإحسان إلى المشرك أو الكافر، ورد
= أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح غير إسحاق بن أبي إسرائيل وهو ثقة"، وابن أبي حاتم كذلك في تفسيره (3/ 1021)، والخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (1/ 398)، وابن عبد البر في التمهيد (17/ 337)، وذكره العيني في عمدة القاري (14/ 206) (22/ 233)، وذكره ابن حجر في الفتح (11/ 42) مقويا له بقوله: "وثبت عن ابن عباس".
(1)
سورة البقرة، الآية (83).
(2)
إسناده حسن، عبد الملك هو ابن أبي سليمان صدوق له أوهام، التقريب (4212)، مداراة الناس (94) رقم (106)، الصمت رقم (306، 310)، وسعيد بن منصور في سننه (2/ 566 - 567) رقم (194)، وابن جرير في تفسيره (1/ 392) دون قوله:"للمشرك وغيره"، وابن أبي حاتم في تفسيره (1/ 161 - 162)، وذكره السيوطي في الدر (1/ 210) ونسبه لابن جرير وعبد بن حميد، وذكره ابن كثير في تفسيره (1/ 121) ورده بقوله:"وقد ثبت في السنة أنهم لا يبدءون بالسلام واللَّه أعلم".
سلامه إذا سلّم لا ينافي هذا الحب وهذا البغض، ومعنى الولاء والبراء كما قال شيخ الإسلام:"أصل الموالاة الحب، وأصل المعاداة البغض، وأصل الموالاة هي المحبة، كما أن أصل المعاداة البغض؛ فإن التحاب يوجب التقارب والاتفاق، والتباغض يوجب التباعد والاختلاف، وقد قيل المولى من الولي وهو القرب، وهذا يلي هذا أي هو يقرب منه، والعدو من العدواء. وهو البعد، ومنه العدوة، والشيء إذا ولي الشيء ودنا منه وقرب إليه اتصل به، كما أنه إذا عدى عنه، ونأى عنه وبعد منه كان ماضيا عنه، فأولياء اللَّه ضد أعدائه يقربهم منه، ويدنيهم إليه، ويتولاهم ويتولونه، ويحبهم ويرحمهم، ويكون عليهم منه صلاة، وأعداؤه يبعدهم ويلعنهم، وهو إبعاد منه ومن رحمته، ويبغضهم ويغضب عليهم، وهذا شأن المتوالين والمتعادين"
(1)
، ولذلك فإن:"الواجب على كل مسلم أن يكون حبه وبغضه، وموالاته ومعاداته، تابعا لأمر اللَّه ورسوله، فيحب ما أحبه اللَّه ورسوله، ويبغض ما أبغضه اللَّه ورسوله، ويوالي من يوالي اللَّه ورسوله، ويعادي من يعادي اللَّه ورسوله"
(2)
؛ لأن هذه العقيدة من أهم عقائد الإيمان، وهي من شروط تحقيق كلمة التوحيد فهي الشرط السابع قال الشيخ حافظ حكمي: "السابع: المحبة لهذه الكلمة، ولما اقتضته، ودلَّت
(1)
قاعدة في المحبة (198)، وانظر: الدرر السنية (2/ 325)، والموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية (1/ 23).
(2)
الفتاوى الكبرى (3/ 468).
عليه، ولأهلها العاملين بها، الملتزمين لشروطها، وبغض ما ناقض ذلك. . . وعلامة حب العبد ربه تقديم محابِّه وإن خالفت هواه، وبغض ما يبغض ربُّه وإن مال إليه هواه، وموالاة من والى اللَّه ورسوله، ومعاداة من عاداه، واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، واقتفاء أثره، وقبول هداه، وكل هذه العلامات شروط في المحبة، لا يتصور وجود المحبة مع عدم شرط منها"
(1)
.
وإذا كان الولاء والبراء بهذه المرتبة؛ فإنه لا يعارضه الإحسان إلى الكافر، وردّ السلام عليه، فأما رد السلام فقد ورد التنصيص عليه في السنة قال ابن القيم:"أما الرد عليهم فأمر أن يقتصر به على "عليكم"، واختلفت الرواية في إثبات الواو وحذفها، وصح هذا وهذا. . . هذا كله إذا تحقق أنه قال: السام عليكم، أو شك فيما قال، فلو تحقق السامع أن الذمي قال له: سلام عليكم لا شك فيه، فهل له أن يقول: وعليك السلام، أو يقتصر على قوله: وعليك، فالذي تقتضيه الأدلة الشرعية، وقواعد الشريعة أن يقال له: وعليك السلام؟ فإن هذا من باب العدل، واللَّه يأمر بالعدل والإحسان، وقد قال تعالى:{وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}
(2)
، فندب إلى الفضل، وأوجب العدل، ولا ينافي
(1)
معارج القبول (2/ 425)، انظر: الإيمان لابن منده (1/ 431)، والرسالة التبوذكية لابن القيم (51)، ومؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1/ 322)، وفتح المجيد (328).
(2)
سورة النساء، من الآية (86).
هذا شيئا من أحاديث الباب بوجه ما؛ فإنه إنما أمر بالاقتصار على قول الراد: "وعليكم"، بناء على السبب المذكور، الذي كانوا يعتمدونه في تحيتهم. . . فإذا زال هذا السبب، وقال الكتابي: سلام عليكم ورحمة اللَّه، فالعدل في التحية يقتضي أن يرد عليه نظير سلامه وباللَّه التوفيق"
(1)
، لكن هذه المسألة فيها اتفاق واختلاف، فمحل الاتفاق أن يرد عليه بقوله:"وعليكم" كما ورد النص بذلك على خلاف في إثبات الواو وحذفها، والخلاف أن يرد عليه بغيره، ويشتد الخلاف أكثر إذا رد عليه بالرحمة والبركة
(2)
، والذي يظهر أنه إذا سلم بصيغة السلام المعروفة عند المسلمين، ولم يشك السامع في ذلك فيقتصر على "وعليكم السلام"؛ لأنه لا يظهر فيه محذور شرعي، أما عطف الرحمة والبركة عليه فلا وجه له؛ إذ الكافر لا يدعى له بالرحمة والبركة واللَّه أعلم.
(1)
أحكام أهل الذمة (1/ 199 - 200)، ورجحه الألباني كذلك في الصحيحة (5/ 288)، وانظر: أحكام القرآن للجصاص، والتمهيد لابن عبد البر (17/ 89)، وتفسير القرطبي (5/ 283)، وفتح الباري (11/ 42 - 46)، وعمدة القاري (14/ 206).
(2)
انظر المصادر السابقة فكلها ذكرت الخلاف في ذلك.