الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحديث ابن عباس هناك؛ لفظه:
تصدق على مولاة لميمونة بشاة، فماتت، فمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
"هلا أخذتم إهابها فدبغتموه - زاد مسلم: - فانتفعتم به؟! ". فقالوا: إنها ميتة! قال:
"إنما حرم أكلها".
قلت: فهذا لا يصلح شاهداً إلا للشطر الأول من الحديث.
وأما الشطر الآخر؛ فليس فيه ما يشهد له مطلقاً، بل لو قال قائل: إن فيه ما يشهد عليه لما أبعد؛ لأنه لم يقل: فانتفعتم بصوفها وشعرها وقرونها؟!
فتأمل ما يفعل التقليد والتعصب المذهبي بأهله؛ من الإبعاد عن الحق والعدل، والإيهام بخلاف الواقع؛ وإلا فبالله عليك قل لي: من الذي يفهم من قولهم:
"فكيف ولها شاهد في "الصحيحين"؟ " أنه يعني أنه شاهد للشطر الأول من هذا الحديث الثالث وبعض الحديث الذي قبله؟!
وأما الحديث الأول؛ فهو في الامتشاط فقط!
4849
- (يا عمار! إنما يغسل الثوب من خمس: من الغائط، والبول، والقيء، والدم، والمني.
يا عمار! ما نخامتك، ودموع عينيك، والماء الذي في ركوتك إلا سواء) .
ضعيف جداً
أخرجه البزار (1/ 131/ 248) ، والدارقطني في "سننه"(ص 47) ، وكذا أبو نعيم في "أخبار أصبهان"(2/ 309) من طريق أبي إسحاق
الضرير إبراهيم بن زكريا: أخبرنا ثابت بن حماد عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن عمار بن ياسر قال:
أتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على بئر؛ أدلو ماءً في ركوة لي، فقال:
"يا عمار! ما تصنع؟ ". قلت: يا رسول الله! بأبي وأمي؛ أغسل ثوبي من نخامة أصابته. فقال
…
فذكره. وقال الدارقطني:
"لم يروه غير ثابت بن حماد، وهو ضعيف جداً. وإبراهيم وثابت ضعيفان"!
قلت: إبراهيم بن زكريا بريء الذمة منه؛ لأنه قد توبع، فقال أبو يعلى في "مسنده"(2/ 454)، والعقيلي في "الضعفاء" (1/ 176) - والسياق للأول -: حدثنا محمد بن أبي بكر: أخبرنا ثابت بن حماد أبو زيد
…
به.
وكذلك الطبراني في "الأوسط"(ج1 ق 11/ 1 - زوائد المعجمين) ، وعنه ابن منده في "المعرفة"(2/ 74/ 2) ، وابن عدي في "الكامل"(47/ 1)، وغيرهم. وقال هو والطبراني:
"لا يروى عن عمار إلا بهذا الإسناد، تفرد به ثابت".
ولذلك قال البيهقي في "السنن"(1/ 14) - بعد أن ذكره معلقاً -:
"فهذا باطل لا أصل له، وإنما رواه ثابت بن حماد عن علي بن زيد عن ابن المسيب عن عمار. وعلي بن زيد غير محتج به، وثابت بن حماد متهم به".
وأقره ابن الملقن في "خلاصة البدر المنير"(4/ 1) . وقال عبد الحق الإشبيلي في "الأحكام"(ق 27/ 1) .
"ثابت بن حماد؛ أحاديثه مناكير ومقلوبات".
وكذلك أقر البيهقي على حكمه السابق: الحافظ السيوطي في "ذيل الأحاديث الموضوعة"(ص 99) ؛ وزاد:
"وقال العقيلي: هذا الحديث غير محفوظ، وثابت مجهول. وفي "اللسان": نقل أبو الخطاب الحنبلي عن اللالكائي: أن أهل النقل اتفقوا على ترك ثابت بن حماد. وقال ابن تيمية - فيما نقله عنه ابن عبد الهادي في "التنقيح" -: هذا الحديث كذب عند أهل المعرفة".
قلت: وقول ابن تيمية المذكور ليس في نسخة "التنقيح" المطبوعة! والله أعلم.
وفي معناه قول ابن تيمية في "رسالة الصيام"(ص 42 - الطبعة الثانية - بتحقيقي) :
"ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وليس في شيء من كتب الحديث التي يعتمد عليها، ولا رواه أحد من أهل العلم الحديث بإسناد يحتج به".
وأما تعقب الزيلعي في "نصب الراية"(1/ 211) قول الأئمة المتقدمين بتفرد ثابت بن حماد بقوله:
"قلت: وجدت له متابعاً عند الطبراني في "معجمه الكبير" من حديث حماد بن سلمة عن علي بن زيد به سنداً ومتناً. وبقية الإسناد: حدثنا الحسين ابن إسحاق التستري: حدثنا علي بن بحر: حدثنا إبراهيم بن زكريا العجلي: حدثنا حماد ابن سلمة به"!
قلت: فقد تعقبه الحافظ ابن حجر بقوله في "التلخيص"(1/ 33) :
"لكن إبراهيم ضعيف، وقد غلط فيه؛ إنما يرويه ثابت بن حماد".
قلت: ولذلك قال ابن عراق في "تنزيه الشريعة"(1/ 73) :
"ولا يغتر برواية البزار والطبراني له من طريق إبراهيم بن زكريا العجلي عن حماد بن سلمة؛ فإبراهيم ضعيف
…
" إلخ كلام الحافظ المذكور.
قلت: ومن الواضح أن إبراهيم هذا وهم في اسم ثابت بن حماد، فانقلب عليه فقال:"حماد بن سلمة"! وذلك مما يدل على ضعفه وقلة ضبطه. لكنه قد رواه على الصواب في رواية الدارقطني وأبي نعيم المتقدمة، فهي المعتمدة.
وإذا عرفت هذا التحقيق، وإجماع أهل الاختصاص في هذا العلم الشريف؛ يتبين لك تعصب الشيخ علي القاري ومجانفته في البحث العلمي في كتابه "فتح باب العناية" (1/ 242) في قوله عقب هذا الحديث:
"وفي سنده ضعيف، وهو ثابت بن حماد، لكن له متابع عند الطبراني، رواه في "الكبير" من حديث حماد بن سلمة عن علي بن زيد سنداً ومتناً، فبطل جزم البيهقي ببطلان الحديث بسبب أنه لم يروه عن علي بن زيد سوى ثابت. ودفع قوله في علي هذا - أنه غير محتج به - بأن مسلماً روى له مقروناً بغيره. وقال العجلي: لا بأس به، وروى له الحاكم في "المستدرك"، وقال الترمذي: صدوق"!!
وتفصيل الرد عليه من وجوه:
الأول: قوله: "وفي سنده ضعيف، وهو ثابت بن حماد"!
قلت: بل هو ضعيف جداً، كما قال الإمام الدارقطني. ونحوه قول البيهقي:
"وهو متهم به". واتفاق أهل النقل على تركه.
فالاقتصار على تضعيفه فقط؛ مخالفة صريحة لهم بدون حجة.
الثاني: قوله: "تابعه حماد بن سلمة"!
قلت: هذه متابعة باطلة لا أصل لها؛ لأنها وهم من إبراهيم بن زكريا العجلي، خالف فيه الثقات، لا سيما وقد وافقهم في رواية الدارقطني وأبي نعيم عنه كما تقدم فقال: ثابت بن حماد؛ فعاد الحديث إلى أنه تفرد به هذا المتروك!
الثالث: قوله: "فبطل جزم البيهقي ببطلان الحديث
…
"!
قلت: فقوله هذا هو الباطل؛ لأنه بناه على ما دفعه به من المتابعة المزعومة، وما بني على باطل فهو الباطل؛ لا سيما وليس البيهقي منفرداً بجزمه المذكور؛ كما عرفت مما سبق من البيان.
الرابع: قوله: "ودفع قوله في علي هذا.. بأن مسلماً روى له مقروناً
…
"!
قلت: وهذا مدفوع لسببين:
أولاً: أنه لا يجوز للباحث المنصف أن يأخذ من ترجمة الراوي الأقوال التي تعدله - لهوى في نفسه -، ويعرض عن الأقوال الأخرى التي تجرحه، ولا العكس أيضاً، وإنما ينبغي أن يلخص من مجموع تلك الأقوال كلها ما يمكن أن يأخذ من مجموعها على ما يساعد عليه علم مصطلح الحديث مما هو مفصل فيه، وهذا مما لم يفعله الشيخ القاري مع الأسف؛ فإن علياً هذا قد جرحه جماهير الأئمة جرحاً مفسراً؛ بأنه ضعيف لا يحتج به لسوء حفظه؛ كالإمام أحمد وابن معين وغيرهم ممن ذكرهم الحافظ في "التهذيب". فالإعراض عن أقوالهم إلى أقوال معدليه - الذين زعمهم القاري - مخالف لعلم المصطلح الذي يقول:(الجرح المفسر مقدم على التعديل) ، لا سيما إذا كان الجارحون من مثل الإمام أحمد
وابن معين وغيرهما. ولذلك نجد الحافظ لخص ترجمة علي هذا في "التقريب" بقوله:
"ضعيف".
ثانياً: أن الأقوال التي ذكرها القاري لا تنهض على دفع قول البيهقي: "غير محتج به"؛ لأنها لا تعني أنه يحتج به. وإليك البيان:
1-
أما قرن مسلم إياه بغيره؛ فهو على القاري وليس له؛ لأنه لو كان حجة عنده لم يقرنه بغيره؛ كما هو ظاهر.
2-
وأما قول العجلي: "لا بأس به"؛ فهذا أحد قوليه فيه. وقال مرة:
"يكتب حديثه وليس بالقوي".
فهذا موافق لقول الذين ضعفوه من الجمهور، فالأخذ به أولى من الأخذ بقوله الأول المخالف لهم؛ كما لا يخفى على أولي النهى.
3-
وأما رواية الحاكم له في "المستدرك"! فكان على الشيخ القاري أن يستحي من الاستدلال به؛ لما عرف من تساهله في المتون والرواة، وكم من حديث أخرجه من طريق بعض الضعفاء مصححاً، ورده الذهبي عليه! ومن هؤلاء ابن جدعان هذا، فراجع لذلك فهرس الرواة من كتابي "سلسلة الأحاديث الضعيفة"(المجلد الأول) إن شئت.
4-
وأما قوله: "وقال الترمذي: صدوق"!
فهذا نقل مبتور؛ فإن تمام كلام الترمذي - كما في "التهذيب" -:
"
…
إلا أنه ربما رفع الشيء الذي يوقفه غيره".
قلت: فأنت إذا نظرت إلى هذا الاستثناء مع المستثنى منه؛ كانت النتيجة
على خلاف ما يستفاد من المستثني من بداهة، وهي أن الرجل صدوق سيىء الحفظ، فالترمذي حينئذ - بقوله هذا - أقرب إلى أن يصنف في جملة الجمهور المضعف له؛ من أن يصنف في زمرة المعدلين.
وهب أنه من المعدلين؛ فهو من المعروفين بالتساهل في التعديل والتصحيح، حنى صحح لـ (كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف) ؛ فقال الذهبي معترضاً عليه:
"فلهذا لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي".
وجملة القول؛ أن هذا الحديث ضعيف لا يحتج به لو أن ثابت بن حماد توبع عليه؛ فكيف وقد تفرد به؟! ولذلك لم يسع ابن التركماني الحنفي - على تعصبه أيضاً - إلا التسليم بضعفه، ولم يتكلف تكلف القاري في محاولة تقويته؛ مع التحامل على البيهقي. والله المستعان.
وبعد كتابة ما تقدم؛ رأيت الهيثمي قد أورد الحديث في "مجمع الزوائد"(1/ 283) من رواية الطبراني في "الأوسط" و "الكبير"، وأبي يعلى. ثم قال:
"وله عند البزار قال: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على بئر
…
" فذكره نحوه. وقال:
"ومدار طرقه عند الجميع على ثابت بن حماد، وهو ضعيف جداً".
قلت: فكأنه لم يعتد بطريق البزار والطبراني في "الكبير" التي وقع فيها اسم ثابت بن حماد مقلوباً إلى حماد بن سلمة؛ لبطلانها على ما سبق تحقيقه؛ فلم يتعرض لها بذكر مطلقاً، فأصاب رحمه الله تعالى.
(تنبيه) : وقع توثيق ثابت بن حماد في إسناد البزار، فظن بعضهم أنه من البزار، وليس كذلك! فقال: حدثنا يوسف بن موسى: حدثنا إبراهيم بن زكريا: حدثنا ثابت بن حماد - وكان ثقة - عن علي بن زيد.. إلخ.