الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6 - باب في لزوم السُّنَّة
4604 -
حدَّثنا عبدُ الوهَّاب بنُ نَجدَةَ، حدَّثنا أبو عَمرو بنُ كثير بن دينارِ، عن حَريزِ بن عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي عوف
عن المقدام بن مَعْدي كَرِبَ، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ألا إني أوتيتُ الكتابَ ومثلَه معه، ألا يوشِكُ رَجُلٌ شَبعانُ على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وَجَدتُم فيه من حلالِ فأَحِلُّوه، وما وجدتُم فيه من حَرَامٍ فحَرِّمُوه، ألا لا يَحِلُّ لَكُم لحمُ الحِمَارِ الأهليِّ، ولا كُل ذي نابٍ من السَّبُع، ولا لُقَطةُ مُعاهَدِ إلا أنْ يستغنيَ عنها صاحِبُها، ومن نزلَ بقومٍ، فعليهم أن يَقْرُوه، فإنْ لم يَقرُوه فله أن يُعقِبَهم بمثل قِرَاه"
(1)
.
= بينهم فيها، دون ما كان منها في الأحكام وأبواب التحليل والتحريم والحظر والإباحة، فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تنازعوها فيما بينهم، وتحاجوا بها عند اختلافهم في الأحكام، ولم يتحرجوا عن التناظر بها وفيها، وقد قال سبحانه:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59]. فعُلم أن النهي منصرف الى غير هذا الوجه، والله أعلم.
وقال البيضاوي: المراد بالمراء فيه التدارؤ، وهو أن يروم تكذيب القرآن بالقرآن ليدفع بعضه ببعض، فيطرق إليه قدحاً وطعناً، ومن حق الناظر في القرآن أن يجتهد في التوفيق بين الآيات المختلفة ما أمكنه، فإن القرآن يصدق بعضه بعضاً، فإن أشكل عليه شيء من ذلك ولم يتيسر له التوفيق، فليعتقد أنه من سوء فهمه، وليكله إلى عالمه وهو الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} .
(1)
إسناده صحيح. أبو عمرو بن كثير بن دينار: هو عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار.
وأخرجه أحمد (17174)، ومحمد بن نصر المروزي في "السنة"(244)، والطبراني في "الكبير"20/ (670)، وفي "الشاميين"(1061)، والبيهقي في "دلائل =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= النبوة" 6/ 549، والخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" 1/ 89، وابن عبد البر في "التمهيد" 1/ 149 - 150 من طريق حريز بن عثمان، به.
وأخرجه محمد بن نصر المروزي في "السنة"(404)، وابن حبان (12)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/ 209، والدارقطني (4768)، والخطيب في" الفقيه والمتفقه" 1/ 89 من طريق مروان بن رؤبة، والطبراني في "الكبير" 20/ (669). وفي "الشاميين"(1881) من طريق عمر بن رؤبة، كلاهما عن عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي، به.
وقد سلف منه قوله: "ألا لا يحل لكم
…
" إلى آخره برقم (3804).
قال الخطابي: قوله: "أوتيت الكتاب ومثله معه" يحتمل وجهين من التأويل، أحدهما: أن يكون معناه أنه أوتي من الوحي الباطن غير المتلو مثل ما أُعطي من الظاهر المتلو.
ويحتمل أن يكون معناه: أنه أوتي الكتاب وحياً يُتلى، وأوتي من البيان، أي: أُذِنَ له أن يبين ما في الكتاب، ويَعُمَّ ويخُصَّ، وأن يزيد عليه فيشرع ما ليس له في الكتاب ذكر، فيكون ذلك في وجوب الحكم ولزوم العمل به كالظاهر المتلو من القرآن.
وقوله: "يوشك شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن" فإنه يحذِّر بذلك مخالفة السنن التي سنَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم له في القرآن ذكر على ما ذهبت إليه الخوارج والروافض، فإنهم تعلّقوا بظاهر القرآن وتركوا السنن التي قد ضُمِّنت بيان الكتاب، فتحيروا وضلُّوا، والأريكة: السرير، ويقال: إنه لا يسمى أريكة حتى يكون في حَجَلةٍ، وإنما أراد بهذه الصفة أصحاب الترفه والدَّعَة الذين لزموا البيوت، ولم يطلبوا العلم، ولم يغدوا له، ولم يروحوا في طلبه في مظانه واقتباسه من أهله.
وأما قوله: "لا تحل لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاجها" فمعناه إلا أن يترجمها صاجها لمن أخذها استغناء عنها، وهذا كقوله سبحانه:{فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ} [التغابن: 6] معناه - والله أعلم -: تركهم الله استغناء عنهم، وهو الغني الحميد.
وقوله: "فله أن يعقبهم بمثل قِراه" معناه: له أن يأخذ من مالهم قدر قراه عوضاً وعقبى مما حرموه من القرى. وهذا في المضطر الذي لا يجد طعاماً، ويخاف على نفسه التلف، وقد ثبت ذلك في كتاب الزكاة أو في غيره من هذا الكتاب.
تنبيه: جاء بعد هذا الحديث في (أ) و (ب) و (ج) و (د) الحديثُ الآتي برقم (4611).
4605 -
حدَّثنا أحمدُ بنُ محمد بن حنبلٍ وعبدُ الله بن محمدِ النُّفيليُّ وابنُ كثير
(1)
، قالوا: حدَّثنا سفيانُ، عن أبي النَّضر، عن عُبيد الله بن أبي رافع عن أبيه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"لا أُلْفِيَن أحدَكُم مُتَّكئاً على أريكَتِهِ يأتيه الأمرُ من أمري مِمَّا أمرْتُ به أو نَهَيتُ عنه، فيقول: لا ندري، ما وجدنا في كتاب الله اتَّبعناه"
(2)
.
4606 -
حدَّثنا محمدُ بنُ الصَّبَّاح البزاز، حدَّثنا إبراهيمُ بنُ سعدِ. وحدَّثنا محمدُ بنُ عيسى، حدَّثنا عبدُ الله بنُ جعفر المَخرَمي وإبراهيمُ بن سعدٍ، عن سعدِ بن إبراهيم، عن القاسِمِ بن محمد
عن عائشة قالت: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "من أحْدَثَ في أمْرِنا هذا ما ليس فيه
(3)
، فهو رَدُّ"
(4)
.
(1)
طريق ابن كثير هذه أثبتناها من هامش (هـ)، وأشار إلى أنها في رواية أبي عيسى الرملي وبعض روايات اللؤلؤي.
(2)
إشاده صحيح. سفيان: هو ابن عيينة، وأبو النضر: هو سالم بن أبي أمية التيمي مولاهم، وابن كثير: هو محمد بن كثير العبْدي.
وأخرجه ابن ماجه (13)، والترمذي (2854) من طريق سفيان بن عيينة بهذا الإشاد. لكن قال ابن ماجه في روايته: عن سالم أبي النضر، قال: أو زيد بن أسلم وهذا التردد لا يؤثر، لرواية الجماعة له عن سفيان بن عيينة بذكر سالم دون تردد، ثم إن كان عن زيد بن أسلم فلا يضر كذلك، لأنه ثقة. وقرن الترمذيُّ في روايته بسالمٍ محمدَ بنَ المنكدر.
وهو في "مسند أحمد"(23861) و (23876)، و"صحيح ابن حبان"(13).
(3)
في رواية ابن الأعرابي: ما ليس منه. كما في هامش (هـ).
(4)
إسناده صحيح.
وأخرجه البخاري (2697)، ومسلم (1718)، وابن ماجه (14) من طريق سعد ابن إبراهيم، به.
وهو في "مسند أحمد"(26033)، و"صحيح ابن حبان"(26) و (27). =
قال ابن عيسى: قال النبيَّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَنَعَ أمراً على غير أمرِنا فهو ردٌّ".
4607 -
حدَّثنا أحمدُ بنُ حنبل، حدَّثنا الوليد بن مسلم، حدَّثنا ثورُ بن يزيد، حدَّثني خالدُ بن معدان، حدَّثني عبد الرحمن بن عمرو السُّلميِّ وحُجرُ ابنُ حُجْرٍ، قالا:
أتينا العرباضَ بن سارية، وهو مِمَّن نزل فيه:{وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} [التوبة: 92] فسلَّمنا، وقلنا: أتيناكَ زَائِرِينَ وعَائدينَ ومُقتبسينَ، فقال العرباضُ: صَلَّى بنا رسولُ الله-صلى الله عليه وسلم ذات يوم، ثم أقبلَ علينا، فوَعَظَنا موعظةً بليغةَ ذَرَفَتْ منها العيونُ ووَجِلَت منها القلوبُ، فقال قائل: يا رسولَ الله-صلى الله عليه وسلم كانَ هذه موعظةُ مودعِّ، فماذا تَعهدُ إلينا؟ قال: "أوصيكُم بتقوى الله والسمعِ والطَّاعةِ وإنْ عَبْداً حبشيَّاً، فإنَّه من يَعِشْ منكم بَعْدي فسَيَرى اختلافاً كثيراً، فعليكُم بسنَّتي وسُنَّةِ الخُلفاءِ، المَهديِّينَ الرَّاشدينَ، تَمَسَّكوا بها
= قال الخطابي: في هذا بيان أن كل شيء نهى عنه صلى الله عليه وسلم من عقد نكاح وبيع وغيرهما من العقود فنه منقوض مردود، لأن قوله:"فهو ردٌّ" يوجب ظاهره إفساده وإبطاله، إلا أن يقوم الدليل على أن المراد به غير الظاهر، فيترك الكلام عليه لقيام الدليل فيه، والله أعلم.
وقال الحافظ ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" 1/ 176: وهذا الحديث أصل عظيم من أصول الإسلام، وهو كالميزان للأعمال في ظاهرها، كما أن حديث "الأعمال بالنيات" ميزان للأعمال في باطنها، فكما أن ل عمل لا يراد به وجه الله تعالى، فليس لعامله فيه ثواب، فكذلك كل عمل لا يكون عليه أمر الله ورسوله، فهو مردود على عامله، ول من أحدث في الدين ما لم يأت به الله ورسوله، فليس من الدين في شيء. وانظر تمام الكلام عليه فيه، فنه غاية في النفاسة.
وعَضُّوا عليها بالنَّواجذِ، وإيَّاكم ومُحْدَثاتِ الأمورِ، فإن كُلَّ مُحدَثَةٍ بدْعَةٌ، وكل بدعَةٍ ضَلالةٌ"
(1)
.
(1)
حديث صحيح، وهذا إسناد حسن من جهة عبد الرحمن بن عمرو السُّلمي. وحجر مجهول، وقد توبعا كما بيناه في "مسند أحمد"(17142). وهذا الحديث قد صححه الترمذي والبزار فيما نقله عنه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله، والحاكم، وابن عبد البر والضياء المقدسي، والهروي، والذهبي، وابن رجب الحبلي في "جامع العلوم والحكم" 2/ 109 وقال ابن رجب: هو حديث جيد، من صحيح حديث الشامِين، ولم يتركه البخاريُّ ومسلمٌ من جهة إنكار منهما له.
وأخرجه ابنُ ماجه (44)، والترمذي (2871) من طريق ثور بن يزيد، والترمذي (2870) من طريق بحير بن سَعْد، كلاهما عن خالد بن معدان، عن عبد الرحمن بن عمر ووحده، به.
وأخرجه ابن ماجه (43) من طريق معاوية بن صالح، عن ضمرة بن حببب، عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي، به.
وأخرجه ابن ماجه أيضاً (42) من طريق يحيى بن أبي المطاع، قال: سمعت العرباض بن سارية. ويحيى وإن صرح بالسماع من العرباض واعتمده البخاري وجزم به في "تاريخه" أنكر حفاظ أهل الشام سماعه منه، فيما ذكر المزي في "تهذيب الكمال"، وابن رجب في "جامع العلوم والحكم" 2/ 110، فالاسناد منقطع. قال ابن رجب: وقد روي عن العرباض من وجوه أخر.
وله طريق أخرى عند ابن أبي عاصم في "السنة"(28) و (29) و (59)، والطبراني 18/ (623) من طريق إسماعيل بن عياش، عن أرطاة بن المنذر، عن المهاصر بن حبيب، عن العرباض. وإسناده حسن إن شاء الله تعالى.
والحديث بهذه الطرق مجموعة لا شك أنه يرتقي إلى درجة الصحيح.
وانظر تمام تخريجه والكلام عليه في "مسند أحمد"(17142) و (17146).
قال الخطابي: قوله: "وإن عبداً حبشياً" يريد به طاعة من ولاه الإمام عليكم، وإن كان عبداً حبشياً. وقد ثبت عن صلى الله عليه وسلم أنه قال:"الأئمة من قريش"، وقد يضرب المثل =
4608 -
حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا ييحى، عن ابن جُرَيجِ، حدثني سليمانُ -يعني ابنَ عَتيقِ-، عن طَلْقِ بنِ حبيبِ، عن الأحنفِ بنِ قيس
عن عبدِ الله بن مسعود، عن النبى صلى الله عليه وسلم، قال:"ألا هَلَكَ المُتنطعون" ثلاث مرَّات
(1)
.
= في الشيء بما لا يكاد يصح منه الوجود، كقوله صلى الله عليه وسلم:"من بنى لله مسجداً ولو مثل مفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة" وقدر مفحص قطاة لا يكون مسجداً لشخص آدمي.
وكقوله: "لو سوقت فاطمة لقطعت يدها، وهى رضوان الله عليها وسلامه لا يُتوهم عليها السرقة.
وقال: "لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده" ونظائر هذا في الكلام كثير. والنواجذ: آخر الأضراس، واحدها ناجذ، انما أراد بذلك الجد في لزوم السنة، فِعْلَ من أمسك الثيء بين أضراسه وعض عليها منعا له أن ينتزع، وذلك أشدُّ ما يكون من التمسك بالشيء، إذا كان ما يمسكه بمقاديم فمه أقرب تناولاً وأسهل انتزاعاً، وقد يكون معناه أيضاً الأمر بالصبر على ما يصيبه من المضض في ذات الله كما يفعله المتألم بالوجع يصيبه.
وقوله: "كل محدثة بدعة" فإن هذا خاص في بعض الأمور دون بعض، وكل شيء أحدث على غير أصل من أصول الدين، وعلى غير عياره وقياسه. وأما ما كان منها مبْنياً على قواعد الأصول ومردود إليها، فليس ببدعة ولا ضلالة، والله أعلم.
وفي قوله: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاه الراشدين" دليل على أن الواحد من الخلفاء الراشدين إذا قال قولاً، وخالفه فيه غيره من الصحابة، كان المصير إلى قول الخليفة أولى.
(1)
إسناده صحيح. ابن جُريج: هو عبد الملك بن عبد العزيز، ويحى: هو ابن سعيد القطان، ومسدَّد: هو ابن مُسَرْهَد.
وأخرجه مسلم (2670) من طريق ابن جريج، بهذا الإسناد.
وهو في "مسند أحمد"(3655).
قال الخطابي: "المتنطع" المتعمق في الشيء المتكلف للبحث عنه على مذاهب أهل الكلام، الداخلين فيما لا يعنيهم، الخائضين فيما لا تبلغه عقولهم. =