الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
182 - باب فِي الرَّجُلِ يَسُبُّ الدَّهْرَ
5274 -
حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبّاحِ بْنِ سُفْيانَ وابْنُ السَّرْحِ قالا: حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبي صلى الله عليه وسلم:"يَقُولُ اللَّهُ عز وجل: يُؤْذِيني ابن آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنا الدَّهْرُ بِيَدي الأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيلَ والنَّهارَ". قالَ ابن السَّرْحِ: عَنِ ابن المُسَيَّبِ مَكانَ سَعِيدٍ. واللَّه أَعْلَمُ (1).
* * *
باب في الرجل يسب الدهر
[5274]
(ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ بْنِ سُفْيَانَ) الجرجرائي بجيمين مفتوحتين، التاجر، صدوق (و) أحمد بن عمرو (ابْنُ السَّرْحِ) شيخ مسلم.
(قَالَا: ثَنَا سُفْيَانُ) بن عيينة (عَن) محمد بن مسلم (الزُّهْري، عَنْ سَعِيدٍ) بن المسيب.
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم) زاد في الصحيحين (2): (قال اللَّه عز وجل (3): يؤذيني ابن آدم) أي: يخاطبني من القول بما يتأذى به من يصح في حقه التأذي، ويعاملني معاملة توجب الأذى في حقكم.
(يسبُّ الدهر) أخرجه الطبري، عن ابن عيينة، عن الزهري بهذا الإسناد، وأوله: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كان أهل الجاهلية يقولون: إنما يهلكنا الليل والنهار، هو الذي يميتنا وبحيينا، قال اللَّه في كتابه:
(1) رواه البخاري (4826)، ومسلم (2246).
(2)
"صحيح البخاري"(4826)، "صحيح مسلم"(2246)(2).
(3)
بعدها في (ل)، (م): يقول اللَّه عز وجل. وعليها: خـ.
{وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} ) إلا حياتنا الدنيا قال: "فيسبون الدهر"(1).
(قال اللَّهُ: يؤذيني ابن آدَمَ، يَسُبُّ الدَّهْرَ) وهو الزمان حين يذمه إذا لم يحصل له غرضه، وينسبون الواقعة في الدهر إليه، وقد كان شأن العرب أن تسب الدهر عند الحوادث والنوازل التي تصيبهم وما يحصل لهم من المصائب، من موت ولد أو صديق أو تلف مال أو غير ذلك، ويقولون: ما يهلكنا إلا الدهر.
(وأنا الدهر) برفع الراء وهو الصواب المعروف الذي قاله الشافعي وأبو عبيد وجماهير المتقدمين والمتأخرين (2). وقال أبو بكر محمد (3) ابن داود الأصبهاني الظاهري: إنما هو الدهر بالنصب (4).
وحكى القاضي عياض عن بعضهم أنه منصوب على التخصيص (5). وأما رواية الرفع هو الصواب وهي موافقة لرواية: "إن اللَّه هو الدهر"(6) وهو مجاز، أي: فاعل الحوادث والنوازل التي تصيبهم، وخالق الكائنات جميعها. ولا يلزم من ثبوت الرفع أن يكون الدهر من أسماء اللَّه تعالى، فإن مذهب أبي الحسن الأشعري وغيره من المحققين أن أسماء اللَّه تعالى توقيفية، فلا يجوز أن يسمى اللَّه إلا بما أذن فيه من الكتاب والسنة.
(1)"جامع البيان عن تأويل آي القرآن" 25/ 152.
(2)
انظر: "شرح مسلم" للنووي 15/ 2.
(3)
ساقطة من (م).
(4)
السابق.
(5)
"إكمال المعلم" 7/ 183، "مشارق الأنوار" 1/ 262، 2/ 362.
(6)
رواه البخاري (6182)، ومسلم (2246/ 4/ 5)، (2247) من حديث أبي هريرة مرفوعًا.
وقد منع جماعة من تسميته سبحانه بما جاء في خبر واحد بكونه راجعا إلى اعتقاد (1) ما يجوز أو يستحيل على اللَّه تعالى وطريق هذا القطع والصحيح جوازه لاشتماله على العمل به ولقوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} ولم توجد التسمية بتسميته الدهر فلا يكون اسما من أسمائه تعالى كما قاله.
قال (2) القرطبي: ولما كان اعتقاد الجاهلية أن الدهر هو الذي يفعل الأفعال ويذمونه إذا لم تحصل أغراضهم، فكأنهم إذا سبُّوا الدهر من حيث إنه الفاعل في اعتقادهم ولا فاعل في الحقيقة إلا اللَّه تعالى فكأنهم يسبوا اللَّه تعالى؛ فلذلك قال اللَّه تعالى:"يسب ابن آدم الدهر"(وأنا الدهر) أي: الذي أفعل ما تنسبونه إلى الدهر لا الدهر، فإنه ليل ونهار مخلوقان للَّه تعالى (3).
(بيدي الأمر) كله، واليد عند بعضهم بمعنى القدرة، أي: تقدير الأمور الواقعة في جميع الأزمنة للَّه تعالى، لا تتحرك ذرة إلا بإذنه.
(أقلب الليل والنهار) أي: أتصرف فيهما كيف شئت وكما قدرته من إطالة وإقصار، وإضاءة وإظلام [فمن سب الدهر فإنه فاعل هذِه الأمور عاد سبه إلى ربه الذي هو فاعلها](4).
(قال) رحمه الله (ابن السرح) في روايته (عن ابن المسيب مكان) رواية
(1) في (م): الميعاد.
(2)
ساقطة من (م).
(3)
"المفهم" 5/ 549.
(4)
ما بين المعقوفتين ساقط من (م).
ابن الصباح عن (سعيد) وهذا من شدة ورع المصنف واحتياطه والتحري في روايته، فجزاه اللَّه تعالى أفضل الجزاء على تحريه حتى في آخر الكتاب، وشدة اجتهاده واحتراصه على الصواب.
فرغ من كتابته ليلة الأربعاء ليلة التاسع والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة 846 على يد العبد الفقير بشر بن محمد بمجاورة الأقصى الشريف للشريف، وللَّه الحمد والمنة على جزيل النعمة.
بلغ مقابلة على نسخة المصنف المنقول منها حسب الطاقة والإمكان في مجالس آخرها يوم الأحد، ثاني شهر ذي الحجة الحرام من شهور سنة 847.
على يد العبد الفقير بشر بن محمد بن عبد اللَّه، عفا اللَّه عنه وعن والديه وعن جميع المسلمين، بمجاورة المسجد الأقصى الشريف.
آخر الشرح على "سنن أبي داود"
والحمد للَّه وصلى اللَّه على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا (1).
* * *
(1) هذِه الخاتمة وردت في (م) بلفظ: نجزت من كتابته ليلة السبت، ثاني عشر صفر الخير من شهور سنة تسعين وألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، وحسبنا اللَّه ونعم الوكيل.
نمق هذا الجزء المبارك الرابع من "سنن الإمام أبي داود" العبد الذليل الحقير عبد اللَّه الأزهري المالكي مذهبا، الرفاعي طريقة، عامله اللَّه بخفي ألطافه والمسلمين، آمين.