الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
95 - باب ما جاءَ في الشِّعْرِ
5009 -
حَدَّثَنا أَبُو الوَلِيدِ الطَّيالِسي، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا". قالَ أَبُو عَلي: بَلَغَني عَنْ أَبي عُبَيْدٍ أَنَّهُ قالَ: وَجْهُهُ أَنْ يَمْتَلِئَ قَلْبُهُ حَتَّى يَشْغَلَهُ عَنِ القُرْآنِ وَذِكْرِ اللَّهِ، فَإِذا كانَ القُرْآن والعِلْمُ الغالِبُ فَلَيْسَ جَوْفُ هذا عِنْدَنا مُمْتَلِئًا مِنَ الشِّعْرِ، وِإنَّ مِنَ البَيانِ لَسِحْرًا. قالَ: كَأَنَّ المَعْنَى أَنْ يَبْلُغَ مِنْ بَيانِهِ أَنْ يَمْدَحَ الإِنْسانَ فَيَصْدُقَ فِيهِ حَتَّى يَصْرِفَ القُلُوبَ إِلَى قَوْلِهِ ثُمَّ يَذُمَّهُ فَيَصْدُقَ فِيهِ حَتَّى يَصْرِفَ القُلُوبَ إِلَى قَوْلِهِ الآخَرِ، فَكَأَنَّهُ سَحَرَ السّامِعِينَ بِذَلِكَ (1).
5010 -
حَدَّثَنا أَبُو بَكْرِ بْن أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا ابن المُبارَكِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْري قالَ: حَدَّثَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحارِثِ بْنِ هِشامٍ، عَنْ مَرْوانَ بْنِ الحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ، عَنْ أُبَي بْنِ كَعْبٍ أَنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قالَ:"إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً"(2).
5011 -
حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ سِماكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ جاءَ أَعْرابي إِلَى النَّبي صلى الله عليه وسلم-فَجَعَلَ يَتَكَلَّمُ بِكلامٍ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ مِنَ البَيانِ سِحْرًا وَإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حُكْمًا"(3).
5012 -
حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، حَدَّثَنا سَعِيدُ بْن مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنا أَبُو تُمَيْلَةَ، قالَ: حَدَّثَني أَبُو جَعْفَرٍ النَّحْوي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثابِتٍ، قالَ: حَدَّثَني صَخْرُ بْنُ
(1) رواه البخاري (6155)، ومسلم (2257).
(2)
رواه البخاري (6145).
(3)
رواه الترمذي (2845)، وابن ماجه (3756)، والبخاري في "الأدب المفرد"(872)، وأحمد 1/ 269.
وصححه الألباني في "الصحيحة"(1731).
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ مِنَ البَيان سِحْرًا، وَإِنَّ مِنَ العِلْمِ جَهْلًا، وَإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حُكْمًا، وَإِنَّ مِنَ القَوْلِ عِيالًا".
فَقالَ صَعْصَعَةُ بْنُ صُوحانَ صَدَقَ نَبي اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمّا قَوْلُهُ: "إِنَّ مِنَ البَيانِ سِحْرًا". فالرَّجُلُ يَكُونُ عَلَيْهِ الحَقُّ وَهُوَ أَلَحْنُ بِالحُجَجِ مِنْ صاحِبِ الحَقِّ فَيَسْحَرُ القَوْمَ بِبَيانِهِ فَيَذْهَبُ بِالحَقِّ، وَأَمّا قَوْلُهُ:"إِنَّ مِنَ العِلْمِ جَهْلًا". فَيَتَكَلَّفُ العالِمُ إِلَى عِلْمِهِ ما لا يَعْلَمُ فَيُجَهِّلُهُ ذَلِكَ وَأَمّا قَوْلُهُ: "إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حُكْمًا". فَهي هذِه المَواعِظُ والأَمْثالُ التي يَتَّعِظُ بِها النّاسُ وَأَمّا قَوْلُهُ: "إِنَّ مِنَ القَوْلِ عِيالًا". فَعَرْضُكَ كَلامَكَ وَحَدِيثَكَ عَلَى مَنْ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ وَلا يُرِيدُهُ (1).
5013 -
حَدَّثَنا ابن أَبي خَلَفٍ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ -المَعْنَى- قالا: حَدَّثَنا سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ سَعِيدٍ، قالَ: مَرَّ عُمَرُ بِحَسّانَ وَهُوَ يُنْشِدُ في المَسْجِدِ فَلَحَظَ إِلَيْهِ فَقالَ: قَدْ كُنْتُ أُنْشِدُ وَفيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ (2).
5014 -
حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن صالِحٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ بِمَعْناهُ، زادَ فَخَشي أَنْ يَرْمِيَهُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَجازَهُ (3).
5015 -
حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمانَ المِصِّيصي لُوَيْنٌ، حَدَّثَنا ابن أَبي الزِّنادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُرْوَةَ وَهِشامٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ رضي الله عنها قالَتْ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَضَعُ لِحَسّانَ مِنْبَرًا في المَسْجِدِ فَيَقُومُ عَلَيْهِ يَهْجُو مَنْ قالَ في رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقالَ
(1) رواه ابن أبي شيبة 13/ 280 (26531)، والبزار (2100 - كشف الأستار)، والدولابي في "الأسماء والكنى"(746).
وضعفه الألباني.
(2)
رواه البخاري (3212)، ومسلم (2485).
(3)
رواه البخاري (453)، ومسلم (2485).
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ رُوحَ القُدُسِ مَعَ حَسّانَ ما نافَحَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم"(1).
5016 -
حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن مُحَمَّدٍ المَرْوَزي، قالَ: حَدَّثَني عَلي بْنُ حُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوي، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ:{وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} فَنَسَخَ مِنْ ذَلِكَ واسْتَثْنَى فَقالَ: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} (2).
* * *
باب ما جاء في الشعر
[5009]
(ثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك (الطيالسي، ثنا شعبة، عن الأعمش، عن أبي صالح) السمان (عن أبي هريرة: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لأن) بفتح الهمزة واللام جواب قسم محذوف، تقديره: واللَّه لأن (يمتلئ) بهمزة آخره (جوت أحدكم قيحًا) زاد البخاري في رواية "يَرِيْهِ"(3) قال الأزهري: الوري بوزن الرمي داء يداخل الجوف (4). (خير) هو خبر للمبتدأ المقدر، والتقدير: واللَّه لامتلاء جوف أحدكم بالقيح خير (له من أن يمتلئ شعرًا. قال أبو علي) محمد بن أحمد اللؤلؤي صاحب المصنف.
(1) رواه الترمذي (2846)، وأحمد 6/ 72.
وحسنه الألباني. وأصل الحديث في "صحيح مسلم"(2490).
(2)
رواه البخاري في "الأدب المفرد"(871)، والبيهقي 10/ 239 من طريق أبي داود.
وقال الألباني: حسن الإسناد.
(3)
"صحيح البخاري"(6155).
(4)
"تهذيب اللغة" 15/ 303.
(بلغني عن أبي عبيد) القاسم بن سلام، حكى الخطابي عنه أنه مكث في تثقيف كتابه أربعين سنة يسأل العلماء (أنه قال) وكذا غيره من العلماء في هذا الحديث (وجهه أن يمتلئ قلبه) بحبه والإكثار منه (حتى يشغله) بفتح أوله وثالثه إنشاد الشعر والاشتغال بأسبابه (عن) قراءة (القرآن وعن ذكر اللَّه) تعالى وغيرهما مما هو أهم منهما، أو يقضي به إلى تعاطي مجان الشعراء وسخفاتهم، فإن الغالب من أحوال من انصرف إلى الشعر بكليته أن يكون كذلك، ويصده عن ذكر اللَّه والصلاة (فإذا كان القرآن والعلم) الشريف هما (الغالب) على أحواله، فلا يضره حفظ الشعر اليسير مع هذا؛ لأن جوفه ليس ممتلئًا من الشعر (فليس جوف هذا عندنا ممتلئًا من الشعر) وقال بعضهم: المراد بالشعر في هذا الحديث ما هجي به النبي صلى الله عليه وسلم.
قال العلماء كافة: فهذا تأويل فاسد؛ لأنه يقتضي أن المذموم من الهجاء أن يمتلئ منه قلبه دون قليله، وقد أجمع المسلمون على أن الكلمة الواحدة من هجاء النبي صلى الله عليه وسلم موجبة للكفر، واستدل بعض العلماء بهذا الحديث على كراهية الشعر مطلقًا، قليله وكثيره، وإن كان لا فحش فيه، وتعلق بقوله صلى الله عليه وسلم:"خذوا الشيطان"(1) وقال العلماء كافة: هو مباح ما لم يكن فيه فحش ونحوه، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهجو الكفار والتوسع في المدح، وإن كان كذبًا، فإنه لا يلتحق في التحريم بالكذب؛ كقول الشاعر:
(1) رواه مسلم (2259) من حديث أبي سعيد.
ولو لم يكن في كفه غير نفسه
…
لجاد بها فليتق اللَّه سائله (1)
فإن هذِه عبارة عن الوصف بنهاية السخاء (و) وجه قوله (إن من البيان لسحرًا. فإن المعنى أن يبلغ) البليغ (من بيانه) وفصاحته (أن يمدح الإنسان فيصدق فيه) أي: يصدق في مدحه، ولا يتجاوز إلى الكذب (حتى يصرف القلوب) أي: يستميلها (إلى) محبة الممدوح بما يأتي به في (قوله) البليغ (ثم يذمه) بنصب الميم عطفًا على (يمدح).
(فيصدق فيه) أي: في ذمه بحيث لا يتجاوز إلى الكذب (حتى يصرف القلوب إلى قوله الآخر) وهو بعض المذموم (فكأنه سحر السامعين) قوله (بذلك) ببيانه، وهذا كما يقال: هو السحر الحلال؛ لأن السحر قلب، وهذا فيه قلب القلوب كما تقدم.
[5010]
(ثنا أبو بكر بن أبي شبية، ثنا) عبد اللَّه (ابن المبارك، عن يونس، عن الزهري، ثنا أبو (2) بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام) بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، ويقال له: راهب قريش؛ لكثرة صلاته، أحد الفقهاء السبعة.
(عن مروان بن الحكم) ولد سنة اثنتين، ولم يصح له سماع (3)، أخرج له البخاري هذا الحديث (عن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث)
(1) البيت في "المنصف" لابن وكيع (ص 484) منسوبًا لأبي تمام، وهو في "ديوانه" 3/ 29 بشرح الخطيب التبريزي، وهو من بحر الطويل التام.
(2)
فوقها في (ل): (ع).
(3)
أي من النبي صلى الله عليه وسلم انظر: ترجمته في "تهذيب الكمال" 27/ 387.
الزهري، لا تصح له رؤية.
(عن أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن من الشعر حكمة) أي: من الشعر كلامًا نافعًا يمنع من الجهل والسفه، وينهى عنهما، وقيل: أراد به المواعظ والأمثال التي ينتفع بها الناس، وكذا كل كلام صادق مطابق للحق والصواب، فإن قلت: قال اللَّه تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225)} (1)، حكى البخاري عن ابن عباس: أي: في كل لغو يخوضون (2). والجواب: أن اللَّه تعالى قال بعده: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} (3)، فاستثنى منهم الذين قالوا بالحكمة صدقًا وحقًّا، كما روى البيهقي حديث عائشة: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يخصف نعله، وكنت أغزل، فنظرت إليه فجعل جبينه يعرق، وعرقه يتولد نورًا فبهت، فقال:"ما لك بهت؟ " قلت: لو رآك أبو كبير الهذلي لعلم أنك أحق بشعره. قال: "وما يقول أبو كبير؟ " قلت: يقول:
وَمُبَرَّإ مِنْ كُلِّ غُبَّرِ حَيْضَةٍ
…
وَفَسادِ مُرضِعَةٍ ودَاءِ مَغْيلِ
فَإذا نَظرتَ إلى أُسْرَةِ وجْههِ
…
بَرَقَتْ كَبرقِ العارِضِ المُتَهَللِ
قالت: فوضع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما كان في يده، وقام إليَّ، وقبل ما بين
(1) الشعراء: 224 - 225.
(2)
"صحيح البخاري" قبل حديث (6145).
(3)
الشعراء: 227.
عيني، وقال:"جزاك اللَّه خيرًا ما سررت بشيء كسروري منك"(1) وقول الشاعر: ومبرأ. هو مجرور بواو رُبَّ المقدرة، وغبر بضم الغين المعجمة، وتشديد الموحدة. وسئل بعض أصحابنا: هل يجوز أن يكون الشعر صداقًا؟ فقال: إن كان كما يقول أبو الدرداء:
يريد المرء أن يعطى مناه
…
ويأبى اللَّه إلا ما أرادا
يقول المرء فائدتي ورزقي
…
وتقوى اللَّه أفضل ما استفادا (2)
فيجوز.
[5011]
(ثنا مسدد، ثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد اللَّه اليشكري (عن عكرمة، عن) مولاه (ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يتكلم بكلام) فصيح، ومعان بليغة (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن من البيان سحرًا) تقدم (وإن من الشعر حكمًا) بضم الحاء وسكون الكاف، قال في "النهاية": هو بمعنى الحكمة كما تقدم، وهو مصدر حكم يحكم حكمًا، والحكم: القضاء والعلم والفقه والحكمة (3) بالعدل (4).
[5012]
(ثنا محمد بن يحيى) بن عبد اللَّه (بن فارس) الذهلي، شيخ
(1)"سنن البيهقي" 7/ 422.
(2)
رواه أبو نعيم في "الحلية" 1/ 225، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 47/ 183، 184.
(3)
ساقطة من (م).
(4)
"النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 419.
البخاري (ثنا سعيد بن محمد) بن سعيد الجرمي الكوفي، شيخ الشيخين.
(ثنا أبو تميلة)(1) بضم المثناة فوق، مصغر، واسمه يحيى بن واضح الأنصاري (حدثني أبو جعفر (2) النحوي) واسمه (عبد اللَّه بن ثابت) المروزي (قال: حدثني صخر بن عبد اللَّه بن بريدة) المروزي، ذكره ابن حبان في "الثقات"(3).
(عن أبيه، عن جده) بريدة بن الحصيب (قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: إن من البيان سحرًا، وإن من العلم جهلا، وإن من الشعر حكمًا، وإن من القول عيالًا) بكسر العين وتخفيف المثناة تحت، جمع عيل، بفتح العين وسكون المثناة تحت، وهو جمع قليل في المعيل، نحو: ضيف وضيفان، وأما الصحيح فكثير نحو: كعب وكعاب، وثوب وثياب.
قال في "النهاية": وفي الحديث: "إن من القول عيلًا"، وهو عرضك حديثك وكلامك على من لا يريده وليس من شأنه، تقول: عِلت الضالة أعيلها عيلًا: إذا لم تدر أي جهة تبغيها؛ كأنه لم يهتد لمن يطلب كلامه، فعرضه على من لا يريده (4)، وستأتي له تتمة.
(فقال صعصعة بن صوحان) بضم الصاد المهملة وبالحاء المهملة أيضًا العبدي نزيل الكوفة، تابعي، وهو أخو زيد بن صوحان وسيحان ابن صوحان، وكان خطيبًا من أصحاب علي، وشهد بيعة الجمل [هو
(1) فوقها في (ل): (ع).
(2)
فوقها في (ل): (د).
(3)
"الثقات" 6/ 473.
(4)
"النهاية في غريب الحديث والأثر" 3/ 331.
وأخوه زيد وسيحان، وكان سيحان الخطيب قبل صعصعة، وكانت الراية يوم الجمل] (1) في يده فقتل فأخذها زيد، وتوفي بالكوفة في خلافة معاوية، وكان ثقة قليل الحديث (2)، روى له النسائي حديثًا واحدًا في النهي عن حلقة الذهب والجعة (3).
(صدق نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم، أما قوله: إن من البيان سحرًا. فالرجل يكون عليه الحق) في ذمته، وهو عالم به (وهو ألحن بالحجج) رواية مسلم: ألحن بحجته (4). واللحن: الميل عن جهة الاستقامة؛ يقال: فلان ألحن في كلامه (5) إذا مال عن صحيح المنطق، وهو أعرف بقيام الحجة، وأفطن لها من غيره، وفي الحديث:"تعلموا اللحن في القرآن"(6) يريد: تعلموا لغة العرب بإعرابها.
(من صاحب الحق، فيسحر القوم) أو الحاكم (ببيانه، فيذهب بالحق) وهو نظير الحديث: "وإنكم تتخاصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو مما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه بشيء، فلا يأخذ منه شيئًا؛ فإنما أقطع له قطعة من
(1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).
(2)
"الطبقات الكبرى" 6/ 221.
(3)
"سنن النسائي" 8/ 166.
(4)
"صحيح مسلم"(1713) من حديث أم سلمة، وهو في "صحيح البخاري"(2680).
(5)
في (م): بكلامه.
(6)
رواه ابن عدي في "الكامل" 1/ 324، وعبد الواحد بن عمر في "أخبار النحويين" 1/ 39، والمستغفري في "فضائل القرآن"(105)، والبيهقي في "الشعب" 3/ 551 (2102) من حديث أبي بن كعب.
نار" (1).
(وأما قوله) إن (من العلم) ما يكون (جهلا، فيتكلف) الرجل (العالم) القول فيما لا يعلمه فيضيف (إلى علمه ما لا يعلمه فيجهله) بضم الياء وتشديد الهاء المكسورة (ذلك) أي: ينسب إلى الجهل بسبب ذلك، وقيل: هو أن يتعلم ما لا يحتاج إليه؛ كالنجوم والهندسة، وما لا يحتاج إليه من علوم الأوائل، ويدع ما يحتاج إليه في دينه من علم القرآن والسنة والفقه وغيره من فروض الأعيان والكفاية.
(وأما قوله: إن من الشعر) ما يكون (حُكْمًا) بضم الحاء وسكون الكاف (فهي هذِه المواعظ والأمثال التي يتعظ بها الناس) وينتفعون بها، ومنه ما كثر استعماله من الأشعار التي على بحر البسيط والكامل والرجز في القراءات السبعة والعشرة والفقه وأسماء الرجال وعلوم الحديث ونحو ذلك.
(وأما قوله) وإن (من القول عيالًا) بكسر العين وتخفيف المثناة تحت (فعرضك (2) كلامك من القرآن وحديثك) من السنة وغيرهما من العلوم (على من ليس هو من شأنه ولا يريده) بل ربما ثقل عنه سماعه وشق عليه، وعلى هذا فيحتمل أن يكون العيال من العول، شبه بالرجل الذي كثر عياله، وثقل عليه القيام بمؤنتهم، وهكذا القول الذي لا يريده منافعه تثقل عليه؛ لثقل مؤنة العيال الكثيرة على الفقير الذي لا تحصل لهم مؤنتهم وكفايتهم إلا بمشاق الأعمال.
(1) تقدم برقم (3583) من حديث أم سلمة.
(2)
قبلها في (م): وهو.
[5013]
(ثنا) محمد بن أحمد (ابن أبي خلف) القطيعي، شيخ مسلم (وأحمد بن عبدة)[الآملي، صدوق](1)(المعنى، قالا: ثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سعيد) بن المسيب، قال (مر عمر) بن الخطاب.
قال المنذري: سعيد بن المسيب لم يصح سماعه من عمر، فإن كان سمع من حسان بن ثابت فمتصل (2). (بحسان) بن ثابت بن المنذر الشاعر (وهو ينشد) بضم أوله وكسر ثالثه (في المسجد) أي: مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (فلحظ إليه) أي: نظر إليه بلحظه، وهو شق عينه الذي يلي الصدغ، وأما الذي يلي الأنف فالماق والموق، فعرف أنه أنكر عليه إنشاده الشعر في المسجد (فقال: قد كنت أنشد) بضم الهمزة وكسر الشين فيه (وفيه من هو خير منك) يريد: رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كما في صحيحي البخاري ومسلم، عن البراء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحسان:"اهجهم وجبريل معك"(3) فأمره بإنشاد الشعر في هجوهم.
[5014]
(ثنا أحمد بن صالح) الطبري المصري شيخ البخاري (ثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه) و (زاد) في روايته (فخشي) عمر بن الخطاب من حسان رضي الله عنه (أن يرميه برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) يشبه أن يكون المعنى فخشي أن
(1) كذا في النسخ، وهو خطأ، والصواب:(الضبي، حجة) وكلاهما من مشايخ أبي داود، لكن الذي يروي عن سفيان هو الضبي، لا الآملي.
انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 397 - 399 (75، 76)، "الكاشف"(60، 61).
(2)
"مختصر سنن أبي داود" 7/ 293.
(3)
"صحيح البخاري"(3213)، "صحيح مسلم"(2486).
يعيبه وينتقصه بمخالفته لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين أنكر ما أجازه النبي صلى الله عليه وسلم (فأجازه) أي: أجاز عمر حسان، أي: أجازه ما أجازه النبي صلى الله عليه وسلم بإقراره حسانًا على إنشاده في المسجد.
[5015]
(ثنا محمد بن سليمان) بن حبيب لوين الكوفي، ثم (المصيصي) بكسر الميم والصاد المشددة، نسبة إلى المصيصة، مدينة على ساحل البحر بالشام، وهو ثقة (ثنا) عبد الرحمن (ابن أبي الزناد) استشهد به البخاري في "الصحيح" تعليقًا، وأخرج له مسلم في مقدمة كتابه (عن أبيه) عبد اللَّه بن ذكوان مولى قريش، المدني (عن عروة) بن الزبير (وهشام بن عروة، عن عروة) بن الزبير (عن عائشة قالت: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يضع) أي: يأمر أن يوضع (لحسان) بن ثابت (منبرًا) بكسر الميم (في المسجد، فيقوم عليه يهجو) فيه جواز إنشاد الشعر في المسجد، وعلى المنبر الذي يخطب عليه (من قال في رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) هجوًا، وفيه: مشروعية هجاء الكفار إذا تكلموا في المسلمين، أو في أميرهم.
(فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إن روح القدس) أصله الروح المقدسة، وهو جبريل عليه السلام؛ سمي بذلك لأنه خلق من طهارة، قاله في "النهاية"(1)؛ لأن التقديس التطهير، ومنه:"لا قدست أمة لا يؤخذ لضعيفها من قويها"(2)
(1)"النهاية في غريب الحديث والأثر" 4/ 24.
(2)
رواه ابن قانع في "معجم الصحابة" 3/ 133، والطبراني في "الكبير" 20/ 313 (745)، وفي "الأوسط" 6/ 78، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" 5/ 2635 (6330)، وأبو القاسم التميمي في "الترغيب والترهيب" 2/ 154 (1340) من حديث أبو قابوس مخارق.
أي: لا طهرت (مع حسان) فيه فضيلة حسان رضي الله عنه، وفضيلة من خاصم عن المسلمين ودفع عنهم شرهم، وانتصر لهم ولأميرهم.
(ما نافح) بالفاء والحاء المهملة، أي: خاصم ودافع (عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) والمنافحة والمكافحة: المدافعة والمضاربة، ونفحت الرجل بالسيف: تناولته به. يريد بمنافحته هجاء المشركين، ومجاوبتهم على أشعارهم.
[5016]
(ثنا أحمد (1) بن محمد) بن ثابت بن شبويه (المروزي) بفتح الميم والواو، من كبار الأئمة (قال: حدثني علي بن حسين) المروزي، صدوق (عن أبيه) حسين بن واقد، عابد، قتله أبو مسلم ظلمًا.
(عن عكرمة، عن ابن عباس) رضي الله عنهما في قوله تعالى: ({وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224)}) (2)، أي: عادة الشعراء أن يتبعهم أهل الغي والفساد، ويجالسهم السفهاء الفسقة، والنبي صلى الله عليه وسلم يتبعه أهل الصلاح.
قال الطبري: هم شعراء المشركين، ما كان يتبعهم إلا غواة الناس (3).
(فنسخ) بفتح النون والسين (من ذلك واستثنى) اللَّه من الشعراء شعراء المسلمين من الدينين (فقال: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}) أي: إلا المؤمنين الذين آمنوا باللَّه ورسوله، وعملوا الأعمال الصالحة، ({وَذَكَرُوا
(1) فوقها في (ل): (د).
(2)
الشعراء: 224.
(3)
"تفسير الطبري" 9/ 489.
اللَّهَ}) ذكرًا ({كَثِيرًا})(1) في كلامهم.
وقال ابن زيد: ذكروا اللَّه في شعرهم، ولم يشغلهم الشعر عن ذكر اللَّه ولا عن الصلاة، {وَانْتَصَرُوا} للمسلمين {مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} أي: هجوا المشركين في مقابلة هجو المسلمين.
* * *
(1) الشعراء: 227.