الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القُواد. عَسى أَنْ يَنْفَعَنا فإن فيه مَخَايلَ اليُمنِ ودلائلَ النفع، وذلك لِمَا عَايَنَتْ من النور وبرْءِ البرصاء.
أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً أو: نتبناه فإنه أهل لأَن يكون ولد الملوك. قال تعالى: وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ما يكون من أمره وأمرهم، أو: لا يشعرون أن هلاكهم على يديه، أو: لا يشعرون أنهم على خطأ عظيم في التقاطه ورجاء النفع منه. والله تعالى أعلم.
الإشارة: يقال لمن يعالج تربية مريد: أرضعه من لبن علم الغيوب، فإذا خفت عليه الوقوف مع الشرائع «1» ، فألقه في اليمِّ في بحر الحقائق، ولا تخف ولا تحزن، إنا رادوه إلى بر الشرائع، ليكون من الكاملين، لأن من غرق في بحر الحقيقة، على يد شيخ كامل، لا بد أن يخرجه إلى بر الشريعة، ويسمى البقاء، وهو القيام برسم الشرائع، فالبقاء يطلب الفناء، فمن تحقق بمقام الفناء فلا بد أن يخرج إلى البقاء، كما يخرج من فصل الشتاء إلى الربيع.
والله تعالى أعلم.
وقوله تعالى: لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً، ما كان التقاط فرعون لموسى إلا للمحبة والفرح، فخرج له عكسه. ومن هذا كان العارفون لا يسكنون إلى شيء، ولا يعتمدون على شيء لأن العبد قد يخرج له الضرر من حيث النفع، وقد يخرج له النفع من حيث يعتقد الضرر، وقد ينتفع على أيدي الأعداء، وَيُضَرُّ على أيدي الأَحِبَّاءِ، فليكن العبد سلْماً بين يدَي سيده، ينظر ما يفعل به. وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ.
ثم قال تعالى:
[سورة القصص (28) : الآيات 10 الى 11]
وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (11)
يقول الحق جل جلاله: وَأَصْبَحَ أي: صار فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً من كل شيء إلا مِن ذكر موسى وهمه، أو: فارغاً: خالياً من العقل لِمَا دهمها من الجَزَع والحيرة، حين سمعت بوقوعه في يد فرعون، ويؤيده قراءة ابن محيصن:«فزعاً» بالزاي بلا ألف، أو: فارغاً من الوحي الذي أوحي إليها أن تلقيه في اليم، ناسيا
(1) أي: الوقوف الظاهري، الشكلانى، دون تحقق القلب والنفس بحقائق الإيمان ولوازمه. فهذا هو الذي يخاف منه، مثل وقوف الخوارج، الذين وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأن إيمانهم لا يجاوز حناجرهم، وأن قراءتهم لا تجاوز تراقيهم، وأن صلاتهم لا تجاوز تراقيهم، أي: أن تعبدهم وتدينهم هو تدين برّانى، شكلانى، لا ينبثق من الأعماق، من الكيان الجواني للإنسان.
للعهد أن يرده إليها، لما دَهَمَهما من الوجد، وقال لها الشيطان: يا أم موسى كرهتِ أن يقتل فرعون موسى وأغرقته أنتِ. وبلغها أنه وقع في يد فرعون، فعظم البلاء، إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ: لتبوح به وتظهر شأنه وأنه وَلدها.
قيل: لما رأت الأمواج تلعب بالتابوت كادت تصيح وتقول: يا ابناه، وقيل: لما سمعت أن فرعون أخذ التابوت لم تشك أنه يقتله، فكادت تقول: يا ابناه شفقة عليه. و «إن» مخففة، أي: إنها كادت لتظهره لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها. والربط: تقويته بإلهام الصبر والتثبيت، لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ: من المصدقين بوعدنا، وهو: إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ. وجواب «لولا» : محذوف، أي: لأبْدته، أو: فارغاً من الهم، حين سمعت أن فرعون تبناه، إن كادت لتُبدي بأنه ولدها لأنها لم تملك نفسها فرحاً وسروراً مما سمعت، لولا أنا ربطنا على قلبها وثبتناه لتكون من المؤمنين الواثقين بعهد الله، لا بتبني فرعون. قال يوسف بن الحسن: أمرتُ أُم موسى بشيئين، ونهيت عن شيئين، وبُشرت ببشارتين، فلم ينفعها الكل، حتى تولى الله حياطتها، فربط على قلبها.
وَقالَتْ لِأُخْتِهِ مريم: قُصِّيهِ: اتبعي أثره لتعلمي خبره، فَبَصُرَتْ بِهِ أي: أبصرته عَنْ جُنُبٍ عن بُعدٍ. قال قتادة: جعلت تنظر إليه كأنها لا تريده، وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ أنها أخته، وأنها تقصه.
والله تعالى أعلم.
الإشارة: ينبغي للعبد، الطالب لمولاه، أن يصبح فارغاً من كل ما سواه، ليس في قلبه سوى حَبيبه، فحينئذٍ يرفع عنه الحجاب، ويُدخله مع الأحباب، فعلامة المحبة: جمع الهموم في هَم واحد، وهو حب الحبيب، ومشاهدة القريب المجيب، كما قال الشاعر:
كَانَت لَقلبِي أَهْوَاءٌ مُفَرَّقَةٌ
…
فَاسْتَجْمَعَتْ، مُذَ رأتكَ العَينُ، أهوائِي
فَصَارَ يَحسُدُنِي مَن كُنتُ أحسُدُهُ
…
وَصِرتُ مَولَى الوَرَى مُذ صِرت مَولائِي
تَرَكتُ لِلنَّاسِ دنياهم ودِينَهُم
…
شُغلاً بِذِكرك يَا دِينِي ودُنْيائِي
فرّغْ قلبك من الأغيار تملأه بالمعارف والأسرار. والأغيار: جمع غَيْرٍ، وهو ما سوى الله، فإن تلاشى الغير عن عين العبد شاهد مولاه في غيب ملكوته، وأسرار جبروته، وفي ذلك يقول القائل:
إِنْ تَلاشَى الكونُ عَنْ عَيْنِ قَلْبي
…
شاهَدَ السرُّ غَيْبَه في بيان
فاطْرح الكونَ عن عِيانِكَ، وامْحُ
…
نقطةَ الغَيْنِ إنْ أَرَدْت تَرَانِي