الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محذوف، ينساق إليه الكلام، أي: ليس الأمر مما يمكن الارتياب فيه، بل هو آيات واضحات. و (في صدور) : متعلق ببينات، أو: خبر ثان لهو. وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا الواضحة إِلَّا الظَّالِمُونَ المتوغلون في الظلم. قال ابن عطية:
الظالمون والمبطلون هم كل مكذب للنبى صلى الله عليه وسلم، ولكن عُظم الإشارة بهما إلى قريش لأنهم الأهم. قاله مجاهد. هـ.
الإشارة: كم من وليٍّ يكون أُمياً، وتجد عنده من العلوم والحِكَم والتوحيد ما لا يوجد عند نحارير العلماء.
ما اتخذه الله ولياً جاهلاً إلا علَّمه. ولقد سمعت من شيخنا البوزيدى رضي الله عنه علوماً وأسراراً، ما رأيتها في كتاب، وكان يتكلم في تفسير آيات من كتاب الله على طريق أهل الإشارة، قلّ أن تجدها عند غيره، وسمعته يقول: والله ما جلست بين يدى عالم قط، ولا قرأت شيئاً من العلم الظاهر. قال القشيري: قلوبُ الخواص من العلماء بالله خزائنُ الغيب، فيها أودع براهين حقه، وبينات سرِّه، ودلائل توحيده، وشواهد ربوبيته، فقانون الحقائق في قلوبهم، وكلُّ شيء يُطلب من موطنه ومحله، فالدر يُطلب من الصدف لأنه مسكنه، كذلك المعرفة، ووصف الحق يُطْلَبُ من قلوب خواصه «1» لأن ذلك قانون معرفته، ومنها ترفع نسخةُ توحيده. هـ.
ثم رد اقتراحهم للآيات، فقال:
[سورة العنكبوت (29) : الآيات 50 الى 52]
وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (52)
(1) إنما يرجع إلى وصف الله فى قلوب خواصه، لأنهم عرفوا الله بالرجوع إلى وحيه، (الكتاب والسنة) فلا طريق لمعرفة الله، إلا ما أوحاه الله، ابتداء، وانتهاء.
ثم اعلم رحمك الله: أن معرفة القراءة والكتابة ليست شرطا فى الولاية، وحفظ كلام الله تعالى، ومعرفة أسرار التوحيد والإيمان،، والإسلام.. وهاك مثلا واحدا: وهو سيدنا «حماد بن مسلم الدباس» ، أستاذ الشيخ القدوة، عارف زمانه، الإمام عبد القادر الجيلاني، وهو حماد بن مسلم بن ددّوه، الشيخ القدم، علم السالكين، أبو عبد الله الدباس، الرحبي- نسبة إلى رحبة مالك بن طوق، «نشأ ببغداد، وكان من أولياء الله، أولى الكرامات، انتفع بصحبته خلق، وكان يتكلم على الأحوال، وكتبوا من كلامه نحوا من مئة جزء، وكان أميا، وكان يتكلم على آفات الأعمال، والإخلاص، والورع، قد جاهد نفسه بأنواع المجاهدات، وزوال أكثر المهن والصنائع، فى طلب الحلال، وكان مكاشفا. فعنه قال: إذا أحب الله عبدا أكثر همه فيما فرّط، وإذا أبغض عبدا أكثر همه فيما قسمه له. وقال: العلم محجة، فإذا طلبته لغير الله، صار حجة.. مات سنة 525 هـ. وكان الشيخ عبد القادر من تلامذته:
«انظر: شمس الدين الذهبي: سير أعلام النبلاء: (19/ 594- 596) تحقيق وتعليق: شعيب الأرنؤوط، ط 11، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1417 هـ، 1996 م. وراجع أيضا فى هذه القضية: الفتوحات الإلهية للشيخ المفسر/ 201- 204.
يقول الحق جل جلاله: وَقالُوا أي: كفار قريش: لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ «1» مِنْ رَبِّهِ تدل على صدقه، مثل ناقة صالح، وعصا موسى، ومائدة عيسى، ونحو ذلك. وقرأ نافع وابن عامر وحفص: بالجمع «آيات» ، كثيرة، قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ، يُنزل منها ما شاء متى شاء، ولست أملك منها شيئاً، وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ إنما كلفت بالإنذار وإبانته بما أعطيت من الآيات، وليس من شأني أن أقول: أنزل على آية كذا دون آية كذا، مع علمي أن المراد من الآيات ثبوت الدلالة على نبوتي، والآيات كلها في حُكم آية واحدة فى ذلك.
أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ، أي: أو لم يكفهم إنزال آية مغنية عن سائر الآيات، إن كانوا طالبين للحق، غير متعنتين، وهو هذا القرآن الذي تدوم تلاوته عليهم في كل زمان ومكان، فلا يزال معهم آية ثابته، لا تزول ولا تنقطع، كما انقطع غيره من الآيات، وفي ذلك يقول البوصيري:
دامَتْ لَدَيْنا فَفاقَتْ كلَّ مُعْجِزَةٍ
…
مِنَ النَّبِيِّينَ إِذْ جاءَتْ ولَمْ تَدُمِ
إِنَّ فِي ذلِكَ أي: فى هذه الآية الموجودة في كل زمان إلى آخر الدهر، لَرَحْمَةً لنعمة عظيمة، وَذِكْرى وتذكرة لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ دون المتعنتين. قال يحيى بن جعدة: إن ناساً من المسلمين أتوا النبي صلى الله عليه وسلم بكتب قد كتبوها، فيها بعض ما يقول اليهود، فألقاها، وقال: كفى بها حماقة، أو ضلالة قوم، أن يرغبوا عما جاء به نبيهم، فنزل: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ
…
إلخ «2» .
قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً أي: شاهداً بصدق ما أدعيه من الرسالة وإنزال القرآن علىّ، وتكذيبكم، يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، فهو مطلع على أمري وأمركم، وعالم بحقي وباطلكم، فلا يخفى عليه شيء. وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ، وهو ما يُعبد من دون الله، وَكَفَرُوا بِاللَّهِ وبآياته منكم أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ المغبونون في صفقتهم، حيث اشتروا الكفر المؤدي إلى النيران، بالإيمان المؤدي إلى الخلود في الجنان. رُوي أن كعب بن الأشرف وأصحابه من اليهود قالوا: من يشهد لك بأنك رسول الله؟ فنزل: قُلْ كَفى
…
إلخ.
الإشارة: اقتراح الآيات والكرامات كله جهل وحمق إذ ليس بيد النبي أو الولي شيء من ذلك، وإنما هو مأمور بالوعظ والدلالة على الله، والدعاء إليه، والكرامة لا تدل على كمال صاحبها، «ربما رُزق الكرامة من لم تَكْمُلْ له
(1) قرأ ابن كثير، وأبو بكر، وهمزة، والكسائي «آية» بالتوحيد على إرادة الجنس، وقرأ الباقون بالجمع. انظر الإتحاف (2/ 351) .
(2)
أخرجه الدارمي فى (المقدمة، باب من لم ير كتابة الحديث 1/ 134، ح 478) ، وأبو داود فى المراسيل (باب ما جاء فى العلم) ، وابن جرير فى التفسير (21/ 7) من حديث يحيى بن جعدة، مرسلا.