الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإشارة: ترى بعض الناس يقول: لئن ظهر شيخ التربية لنكونن أول مَن يدخل معه، فلما ظهر، عاند واستكبر، وربما أنكر ومكر. نعوذ بالله من سابق الخذلان. قال القشيري: ليس لقولهم تحقيق، ولا لضمانهم توثيق، وما يَعدُون من أنفسهم فصريحُ زورٍ، وما يُوهمُون من وِفاقهم فصِرْفُ غرور. وكذلك المريد في أول نشاطه، تُمَنِّيه نَفْسُه ما لا يقدر عليه، فربما يعاهد الله، ويؤكد فيه عقداً مع الله، فإذا عَضّتْهُ شهوتُه، وأراد الشيطانُ أن يكذبه، صَرَعه بكيده، وأركسه في كُوةِ غيِّه، وفتنةِ نَفْسه فيسودُّ وجْهُه، ويذهب ماء وجهه.
ثم قال في قوله: أَوَلَمْ يَسِيرُوا.. الخ: ما خاب له وليٌّ، وما ربح له عدو، ولا تنال الحقيقةُ بمَن انعكس قَصْدُه، وارتدَ عليه كيدُه، دَمّر على أعدائه تدميراً، وأوسع لأوليائه فضلاً كبيراً. هـ.
ثم تمّم قوله: إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً بقوله:
[سورة فاطر (35) : آية 45]
وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً (45)
يقول الحق جل جلاله: وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا بما اقترفوا من المعاصي مَا تَرَكَ عَلى ظَهْرِها على ظهر الأرض لأنه جرى ذكرها في قوله: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ «1» ، مِنْ دَابَّةٍ من نسمة تدبُّ عليها. قيل: أهل المعاصي فقط من الناس، وقيل: من الجن والإنس.
والمشهور: أنه عام في كل ما يدب لأن الكل خُلق للآدمي. وعن ابن مسعود: (إِن الجُعل «2» ليُعذب في جُحره بذنب ابن آدم)«3» ، يعني ما يصيبه من القحط، بشؤم معاصيه. وقال أبو هريرة: إن الحبارى «4» لتموت هزالاً في وكرها بظلم الظالم. هـ.
(1) الآية 44 من السورة.
(2)
الجعل: حيوان معروف كالخنفساء. انظر النهاية فى غريب الحديث (جعل 1/ 277) .
(3)
عزاه السيوطي فى الدر (5/ 480) للفريابى، وابن المنذر، والطبراني، والحاكم، وصححه.
(4)
الحبارى: طائر معروف، وهو على شكل الإوزة، برأسه وبطنه غبرة، ولون ظهره وجناحيه كلون السمانى غالبا. والجمع حبابير، وحباريات. انظر اللسان (حبر) مع تعليق محققه.
وقال: ابن الأثير فى النهاية (1/ 328) :
وإنما خصها بالذكر لأنها أبعد الطير نجعة، فربما تذيح بالبصرة، ويوجد فى حوصلتها الحبة الخضراء، وبين البصرة وبين منابتها مسيرة أيام.
قال القشيري: لو عَجَّل لهم ما يستوحبونه من الثواب والعقاب، لم تَفِ أعمارُهم القليلةُ، وما اتسعت أفهامُهم القصيرة له، فأخَّرَ ذلك ليوم الحَشْرِ، فإِنَّه طويل، واللهُ على كل شيءٍ قدير، بأمور عباده بصير، وإليه المصير هـ وهذا معنى قوله: وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى هو يوم القيامة، فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ أجل جمعهم، فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً أي: لن يخفى عليه حقيقة أمرهم، وحكمة حكمهم، فيجازيهم على قدر أعمالهم.
الإشارة: تعجيل العقوبة في دار الدنيا للمؤمن إحسان، وتأخيرها لدار الدوام استدراج وخذلان. فكل مَن له عناية سابقة عاتبه الله في الدنيا، بمصيبة في بدنه، أو ماله، أو في أهله، ومَن لا عناية له أُخرت عقوباته كلها لدار الجزاء. نسأل الله العصمة بمنِّه وكرمه، وبسيدنا محمد نبيه- صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه.