الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا لغيره لأنه الخالق لهما، ولما فيهما من الذوات، وهو المتصرف فيهما إيجاداً وَإعْداماً، (وإلى الله المصير) أي: إليه، خَاصَّةً، رجوع الكل بالفناء والبعث لا إلى غيره، وإظهار اسم الجلالة في وضع الإضمار، لتربية المهابة، والإشعار بِعِلِّيّةِ الحُكم. والله تعالى أعلم.
الإشارة: ما استقر في السموات السبع والأرضين السبع كله من قَبْضَةِ النُّور الأوَّلِيَّةِ، بين حس ومعنى، حسه خاضع لأحكام الربوبية، ومعناه قاهر بسطوات الألوهية، حسه حِكْمةٌ، ومعناه قدرة، حسه مُلْكٌ، ومعناه ملكوت، وهذا معنى قوله: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، فافهم.
ثم ذكر جزئيات من تلك النور، فقال:
[سورة النور (24) : الآيات 43 الى 44]
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ (43) يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (44)
يقول الحق جل جلاله: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي أي: يسوق، برفق وسهولة، سَحاباً: جمع سحابة، ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ أي: يضم بعضه إلى بعض، ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً متراكماً بعضه فوق بعض، فَتَرَى الْوَدْقَ: المطر، يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ من فُتُوقِهِ ووسطه، جمع خَلل، كجبال وجبل، وقيل: مفرد، كحجاب وحجاز.
قال القشيري: ترتفع بقدرته بُخَارَاتُ البحر، فيتصعد، بتسييره وتقديره، إلى الهواء، وهو السحاب، ثم يديره إلى سَمْتِ يريد أن ينزل به المطر، ثم ينزل ما في السحاب من ماء البحر، قطرة قطرة، ويكون الماء، حين حصوله في بخارات البحر، غير عذب، فيقلبه عذباً، ويَسُحُّهُ السحابُ سَكْباً، فيوصل إلى كلِّ موضع قَدْراً يكون له مُراداً معلوماً، لا بالجهدِ مِنَ المخلوقين يُمْسَكُ عن المواضع الذي عليه ينزله، ولا بالحيلة يُسْتَنْزلُ على المكانِ الذي لا يُمْطِره. هـ. قلت: وهذا أحد الأقوال فى حقيقة المطر، والمشهور عند أهل السنة: أن الله تعالى يُنْشِىءُ السحاب بقدرته، ويخلق فيه الماء بحكمته، وينزله حيث شاء.
ثم قال تعالى: وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ، «مِنْ» الأولى: لابتداء الغاية، والثانية: بدل من الأولى، والثالثة: لبيان الجنس، أي: يُنَزِّل البَرَد، وهو الثلج المكور، من السماء، أي: الغمام العلوي، فكل ما علاك سماء، من جبال فيها كائنة من البَرَد، ولا غرابة في إن الله يخلق في السماء جِبَالَ بَرَدٍ كما خلق في الأرض جبال حجر.
قال ابن جزي: قيل: إن الجبال هنا حقيقة، وإن الله جعل في السماء جبالاً من بَرَد، وقيل: إنه مجاز، كقولك:
عند فلان جبال من مال أو عِلم، أي: هن في الكثرة مثل الجبال. هـ. وأصله لابن عطيه. وقال الشيخ أبو زيد الثعالبي: حَمْلُ اللفظ على حقيقته أولى، إن لم يمنع من ذلك مانع. هـ. يعني: ولا مانع هنا، فيحمل على ظاهره، وإن الله خلق جبال بَرد في السماء. وقال الهروي عن ابن عرفة- يعنى اللغوي-: سمعت أحمد بن يحيى يقول: فيه قولان: أحدهما: وينزل من السماء بردا من جبال فى السماء من برد، والآخر: وينزل من السماء أمثال الجبال من البَرَد. ويقال: إنما سمي برَدَاً لأنه يَبْرُدُ وجه الأرض أي: يُقشره. هـ.
قال البيضاوي: إن الأبخرة إذا تصاعدت ولم يتخللها حرارة، فبلغت الطبقة الباردة من الهواء، وقوي البرد هناك، اجتمع وصار سحاباً، فإن لم يشتد البرد تقاطر مطراً، وإن اشتد، فإن وصل إلى الأجزاء البخارية قبل اجتماعها، نزل ثلجاً، وإلاّ نزل بَرَداً، وقد يبرد الهواء برداً مفرطاً فينقبض، وينعقد سحاباً، وينزل منه المطر أو الثلج. وكل ذلك لا بد وأن يُسْنَدَ إلى إرادة الواجب الحكيم لقيام الدليل على أنها الموجبة لاختصاص الحوادث بمحالِّها وأوقاتها، وإليه أشار بقوله: فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ والضمير للبرَد. هـ. أي:
فيصيب بذلك البَرَد من يشاء أن يصيبه به، فيناله ما ناله من ضرره في بدنه وماله من زرع أو غيره. وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ أن يصرفه عنه، فينجو من غائلته.
يَكادُ سَنا بَرْقِهِ أي: ضوء برق السحاب، الموصوف بما مر من الإزجاء والتآلف. وإضافة البرق إليه، قبل الإخبار بوجوده، فيه إيذان بظهور أمره واستغنائه عن التصريح به. وقيل: الضمير للسماء، وهو أقرب، أي: يكاد ضوء برق السماء، ويحتمل أن يعود على «الله» تعالى لتقدم ذكره، أي: يكاد ضوء برقه تعالى يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ، أي: يخطفها من فرط الإضاءة، وسرعة ورودها، ولو عند إغماضها. يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ أي: يصرفهما بالتعاقب، فيأتي هذا بعد هذا، أو ينقص أحدهما وزيادة الآخر، أو بتغيير أحوالهما بالحر والبرد وغيرهما.
إِنَّ فِي ذلِكَ، الإشارة إلى ما فصل آنفاً، أي: إن في إزجاء السحاب، وإنزال الودق، وتقليب الليل والنهار،