الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في القِدْرِ إذا غلت. وخصّت الوجوه لأنها أكرم موضع على الإنسان من جسده. أو: يكون الوجه كناية عن الجملة.
حال كونهم يَقُولُونَ يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا في الدنيا، فنتخلص من هذا العذاب، فندّموا حيث لم ينفع الندم.
وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا، والمراد: رؤساء الكُفر، الذين لقنوهم الكفر، وزيّنوه لهم. وقرأ ابن عامر ويعقوب «ساداتنا» بالجمع، جمع: سادة، وسادة: جمع سيد، فهو جمع الجمع، فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا أي:
أتلفونا عن طريق الرشد. يقال: ضلّ السبيلَ وأضلّه إياه، وزيادة الألف للإطلاق. رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ أي: مثلي ما آتيتنا منه للضلال والإضلال، وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً «1» كثير العدد، تكثيراً لأعداد اللاعنين، أو: العنهم المرة بعد المرة. وقرأ عاصم بالباء، أي: لعناً هو أشد اللعن وأعظمه. وهو يدلّ على تعدُّد الأجزاء والأفراد.
الإشارة: مذهب العباد والزهّاد والصالحين: جعل الساعة نُصب أعينهم، لا يغيبون عنها، فهم يجتهدون في التأهُّب لها ليلاً ونهاراً. ومذهب العارفين الموحّدين: الغيبة عنها، بالاستغراق في شهود الحق، فلا يشغلهم الحق، دنيا ولا آخرة، ولا جنة ولا نار لما دخلوا جنة المعارف، غابوا عن كل شيء، فانخلعوا عن الكونين بشهود المكوِّن، وجعلوا الوجود وجوداً واحداً إذ المتجلي هنا وثَم واحد. وإذا كان كُبراء الضلال يُضاعَف عذابهم، وكان كبراء الهداية يُضاعف ثوابهم، يأخذون ثواب الاهتداء والإرشاد، فمَن دلّ على هُدىً كان له أجره وأجر مَن اتبعه إلى يَومِ القيامَةِ، ومَن اهتدى على يديه أحد جرى عليه أجره، وكان في ميزانه كل مَن تبعه كذلك، وفي ذلك يقول القائل:
وَالمَرْءُ في مِيزانِه أتْباعُهُ
…
فاقْدرْ إِذَنُ قَدْرَ النبي محمد «2»
ثم رجع إلى النهى عن إذاية الرسول، فقال:
[سورة الأحزاب (33) : الآيات 69 الى 71]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً (69) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً (71)
(1) قرأ عاصم «كبيرا» بالباء، وقرأ الباقون «كثيرا» بالتاء، من الكثرة. انظر الإتحاف (2/ 378) .
(2)
انظر ديوان البوصيرى (ص 122)، وفيه:
والمرء فى ميراثه أتباعه
…
فاقدر إذن فضل النبي مُحَمد
يقول الحق جل جلاله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى من بني إسرائيل فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا. وذلك أن بني إسرائيل كانوا يغتسلون عرايا، ينظر بعضهم إلى بعض، وكان موسى عليه السلام يستتر لشدة حيائه، فقالوا: ما يمنع موسى من الاغتسال معنا إلا أنه آدر- والأدْرَة: انتفاخ الأنثيين- أو: به عيب من برص أو غيره، فذهب يغتسل وحده، فوضع ثوبه على حجر، ففرّ الحجر بثوبه، فلجّ في أثره يقول: ثَوْبي حَجَر، ثوبي حجر! حتى نظروا إلى سوأته، فقالوا: والله ما بموسى من بأس، فقام الحجر من بعد ما نظروا إليه، وأخذ ثوبه، فطفق بالحجر ضرباً، ثلاثاً أو أربعاً «1» .
وقيل: كان أذاهم: ادعاءهم عليه قتل أخيه. قال علىّ رضي الله عنه: صعد موسى وهارون الجبل، فمات هارون، فقالت بنو إسرائيل: أنت قتلته. وكان أشدَّ لنا حبًّا، وألين منك، فآذوه بذلك، فأمر تعالى الملائكة فحملته، حتى مرت به على بني إسرائيل، وتكلمت الملائكة بمماته، حتى تحققت بنو إسرائيل أنه قد مات، فبرّأ الله موسى من ذلك، ثم دفنوه. فلم يطلع على قبره إلا الرَّخَم «2» من الطير، وإن الله جعله أصم أبكم «3» ، وقيل: إنه على سرير في كهف الجبل. وقيل: إن قارون استأجر امرأة مومسة، لتقذف موسى بنفسها على رأس الملأ، فعصمها الله، وبرأ موسى، وأهلك قارون «4» . وقد تقدّم.
وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً ذا جاه ومنزلة رفيعة، مستجاب الدعوة. وقرأ ابن مسعود والأعمش «وكان عبداً لله وجيهاً» .
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ في ارتكاب ما يكرهه، فضلاً عما يؤذي رسوله، وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً صدقاً وصواباً، أو: قاصداً إلى الحق. والسدادُ: القصدُ إلى الحق والقول بالعدل. والمراد: نهيهم عما خاضوا فيه من حديث زينب من غير قصد وعدل في القول. والحثُّ على أن يُسددوا قولهم في كل باب لأن حفظ اللسان، وسداد القول رأس كل خير، ولذلك قال: يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ أي: يوفقكم لصالح الأعمال، أو: يقبل طاعتكم، ويثيبكم عليها، وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ أي: يمحها.
(1) أخرجه البخاري فى (الأنبياء- باب 28 ح 3404) من حديث أبى هريرة رضي الله عنه.
(2)
الرّخم: نوع من الطير معروف، واحدته:«رخمة» ، وهو موصوف بالغدر، وقيل بالقذر. انظر النهاية (2/ 212) .
(3)
أخرجه ابن جرير (22/ 52) والحاكم وصححه () ، وانظر الدر المنثور (5/ 419) .
(4)
ذكره البغوي فى التفسير (6/ 379) عن أبى العالية.