الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ظلمانية شريرة، ليست مستعدة إلا لقبول ما لا خير فيه، من فنون الشرور، فمن أين لهم أن يحوموا حول القرآن الكريم، المنطوي على الحقائق الرائقة الغيبية، التي لا يمكن تلقيها إلا من الملائكة الكرام- عليهم السلام؟.
فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ كما هو شأن الأنفس الخبيثة الشيطانية، فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ، تهديد لغيره على سبيل التعريض، وتحريك له على زيادة الإخلاص، وتنبيه لسائر المكلفين على أن الإشراك بلغ من القبح والسوء، بحيث يُنهي عنه مَن لا يمكن صدوره منه، فكيف بمن عداه. والله تعالى أعلم.
الإشارة: وحي الإلهام الذي يتنزل على القلوب الصافية من الأغيار، كوحي الأحكام، ما تتنزل به الشياطين، وما ينبغي لهم وما يستطيعون لأنه ممنوعون من قلوب العارفين لِمَا احتفت به من الأنوار، وما صانها من الأسرار، أعني أنوار التوحيد وأسرار التفريد. وقال في لطائف المنن: إذا كان الحق تعالى حرس السماء من الشياطين بالشُهب، فقلوب أوليائه أولى بأن يحرسها من الأغيار. هـ. بالمعنى. فلا تدع مع الله إلها آخر، وهو ما سوى الله، فتكون من المعذبين بوساوس الشياطين والخواطر والشكوك لأن القلب إذا مال إلى غير الله سلط الله عليه الشيطان، فيكون ذلك القلب جراباً للشيطان، يحشو فيه ما يشاء. والعياذ بالله.
ثم أمر نبيه بالإنذار والتذكير، فقال:
[سورة الشعراء (26) : الآيات 214 الى 220]
وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ (218)
وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220)
يقول الحق جل جلاله: وَأَنْذِرْ يا محمد عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ، إنما خصهم بالذكر لئلا يتكلوا على النسب، فَيَدَعُوا ما يجب عليهم، لأن من الواجبات ما لا يشفع فيها، بقوله في تارك الزكاة وقد استغاث به:«لا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ الله شيئاً» ، وفي الغالِّ كذلك. وقيل: إنما خصهم لنفي التهمة إذ الإنسان يساهل قرابته، وليعلموا أنه لا يغني عنهم من الله شيئاً إذ النجاة في اتباعه، لا في قربه منهم.
ولما نزلت صعد النبي صلى الله عليه وسلم الصَّفا، ونادى الأقربَ فالأقرب، وقال:«يا بَني عبد المطلب، يا بني هاشم، يا بنى عبد مناف، يا عباسُ- عم النبي صلى الله عليه وسلم يا صفيَّةُ- عمَّة النبي صلى الله عليه وسلم لا أملك لكم من الله شيئاً» «1» . وقال ابن عباس
(1) أخرجه بنحوه البخاري (تفسير سورة الشعراء، باب: وأنذر عشريتك الأقربين ح 4771) ، ومسلم فى (الإيمان، باب قوله تعالى:
وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ، 1/ 192، ح 348) من حديث أبى هريرة رضي الله عنه.
رضي الله عنه: صعد النبي صلى الله عليه وسلم الصَّفا، ونادى:«يا صباحَاه» : فاجتمع الناس، فقال صلى الله عليه وسلم:«يا بني عبد المطلب، يا بني فهر، إنْ أخبرتُكم أن خَيْلاً بسَفْح هذا الجَبَل، تريد أن تُغير عليكم، صدقتُموني؟ قالوا: نَعَمْ. قال: فإني نذير لكم بين يَدَيْ عَذَاب شديدٍ. فقال أبو لهب: تبًّا لك سائر اليوم، ما جمعتنا إلا لهذا» ؟ فنزلت: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ «1» .
ثم قال: وَاخْفِضْ جَناحَكَ أي: وألن جانبك وتواضعْ، وأصله: أن الطائر إذا أراد أن ينحط للوقوع كسر جناحه وخفضه، وإذا أراد أن ينهض للطيران رفع جناحه، فجعل خفض الجناح مثلاً في التواضع ولين الجانب.
ويكون ذلك التواضع لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ من قرابتك وغيرهم. فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ أي: أنذر قومك فإن اتبعوك وأطاعوك فاخفض لهم جناحك، وإن عصوك ولم يتبعوك فتبرأ منهم، ومن أعمالهم من الشرك وغيره.
وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ أي: على الذي يقهر أعداءك بعزته، وينصرك عليهم برحمته، فإنه يكفيك شر من يعاديك. الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ
للتهجد، وَيرى تَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ في المصلين.
أتبع كونه رحيماً برسوله ما هو من أسباب الرحمة، وهو ذكر ما كان يفعله في جوف الليل، من قيامه للتهجد، وتقلبه في تصفح أحوال المُتَهَجِّدِينَ، ليطلع عليهم من حيث لا يشعرون. وقيل: معناه: ويراك حين تقوم للصلاة بالناس جماعة، وتقلبك في الساجدين: تصرفه فيما بينهم، بقيامه وركوعه وسجوده وقعوده إذا أمهم. وعن مقاتل:
أنه سأل أبا حنيفة: هل تجد الصلاة بالجماعة في القرآن؟ فقال: لا يحضرني، فتلا له هذه الآية. وقيل: تقلبه في أصلاب الرجال. وروى عنه صلى الله عليه وسلم في الآية أنه قال: «من نبي إلى نبي حتى أخرجتك نبياً» «2» .
إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لِمَا تقول، الْعَلِيمُ بما تنويه وتعمله. هَوَّنَ عليه مشاقّ العبادة، حيث أخبره برؤيته له، إذ لا مشقّة على من يعْلَم أنه يعمل بمرأى من مولاه، وهو كقوله في الحديث القدسي:«بعيني ما يتحمل المتحملون من أجلي» . والله تعالى أعلم.
الإشارة: ينبغي لمن أُهِّلَ للوعظ والتذكير أن يبدأ بالأقرب فالأقرب، ولو علم أنه لا ينتفع به إلا النزر القليل.
فمن تبعه على مذهبه فَلْيُلِنْ له جانبه وليتواضع له، ومن أعرض عنه واشتغل بهواه فليتبرأ من فعله، ولا ينساه من نصحه، ولذلك قال تعالى: فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ، ولم يقل:«منكم» ، وهذا مذهب الجمهور،
(1) أخرجه البخاري فى الموضع السابق ذكره (ح 4770) و (تفسير سورة «تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وتب» ) ، ومسلم فى الموضع السابق ذكره (1/ 193- 194 ح 355) .
(2)
انظر تفسير الطبري (190/ 123- 124) وتفسير البغوي (6/ 134) .