الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الربوبية، من طريق البرهان، وعلمها من طريق العيان، وعلم المعاملة الموصلة إلى الرضا والرضوان، ومعرفة نبوته صلى الله عليه وسلم ضرورية لا تحتاج إلى برهان، ويرحم الله القائل:
لَوْ لَمْ تَكُنْ فيه آيات مُبيِّنَة «1»
…
لَكَانَ مَنْظَرُهُ يُنْبِيكَ بِالْخَبَرِ.
وقد تقدم في الأعراف «2» التنويه به، وذكر شرفه، وشرف أمته، قبل ظهوره، وإليه الإشارة هنا بقوله:
وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا، أي: إذ نادينا بأمرك، وأخبرنا بنبوتك، رُوي عن أبي هريرة أنه نُودي يومئذٍ من السماء: يَا أُمَةُ مُحَمّدٍ، استجبتُ لَكُم قَبْلَ أَنْ تَدْعُوني، وَغَفَرْتُ لَكُمْ قَبْلَ أنْ تَسألونِي، فحينئذٍ قال موسى- عليه السلام: اللهم اجعلني من أمة محمد. هـ «3» .
وقال القشيري: أي: لم تكن حاضراً تتعلم ذلك مشاهدةً، فليس إلا تعريفنا إياك، وإطلاعنا لَكَ على ذلك.
ويقال: إذ نادينا موسى، وخاطبناه، وكلمناه في بابك وباب أُمَّتِكَ، وما طلب موسى لأمته جعلناه لأمتك، فكوْني لكم: خيرٌ لكم من كونِكم لكم، فلم تقدح فيكم غَيْبَتَكُمْ في الحال، كما أنشدوا:
كُنْ لِي كَمَا كُنْتَ
…
لي في حين لمْ أَكُنِ. هـ.
ويقال: لما خاطب موسى وكلمه، سأله موسى، إنه رأى في التوراة أمة صفتهم كذا وكذا، من هم؟ فقال: هم أمة محمد. وذكر لموسى أوصافاً كثيرة، فاشتاق إلى لقائهم، فقال له: ليس اليوم وقت حضورهم، فإن شئت أسمعناك كلامهم، فأراد ذلك، فنادى: يا أُمة محمد فأجاب الكل من أصلاب آبائهم، فسمع موسى كلامهم، ثم لم يتركهم كذلك، بل زادهم من الفضائل لأن الغني إذا دعا فقيراً فأجابه لم يرض أن يذكره من غير إحسانه. هـ.
وقال الطبري: معنى قوله: إِذْ نادَيْنا أي: بقوله: فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ
…
الآية. هـ. والله تعالى أعلم.
ثم ذكر حكمة إرساله. فقال:
[سورة القصص (28) : الآيات 47 الى 50]
وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47) فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ (48) قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (49) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)
(1) فى الأصول [لو لم تكن له آية مبينة] .
(2)
عند تفسير الآيتين: 156- 157.
(3)
أخرجه ابن جرير فى التفسير (20/ 81) .
قلت: (لولا) الأولى: امتناعية، وجوابها محذوف، اي: ولولا أنهم قائلون إذا عوقبوا على ما قدّموا من الشرك، محتجين علينا:(هلا أرسلت إلينا رسولاً..) إلخ لَمَا أرسلناك.
يقول الحق جل جلاله: وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ، أي: عقوبة في الدنيا والآخرة، بِما بسبب ما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ من الكفر والظلم، ولمّا كانت أكثر الأعمال إنما تناول بالأيدي، نسب الأعمال إلى الأيدي، وإن كانت من أعمال القلوب تغليباً للأكثر على الأقل، فَيَقُولُوا عند نزول العذاب: رَبَّنا لَوْلا هلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا يُنذرنا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فلولا احتجاجهم بذلك علينا لَمَا أرسلناك، فسبب الإرسال هو قولهم: هلا أرسلت.. إلخ.
ولما كانت العقوبة سبباً للقول جعلت العقوبة كأنها سبب الإرسال، فدخلت «لولا» الامتناعية عليها، فرجع المعنى إلى قولك: ولولا قولهم هذا، إذا أصابتهم مصيبة، لما أرسلناك.
فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا القرآن المعجز، أو الرسول صلى الله عليه وسلم، قالُوا أي: كفار مكة اقتراحاً وتعنتاً: لَوْلا: هلا أُوتِيَ من المعجزات مِثْلَ ما أُوتِيَ أُعطي مُوسى من اليد والعصا، ومن الكتاب المنزل جملة. قال تعالى: أَوَلَمْ يَكْفُرُوا أي: أبناء جنسهم، ومَنْ مَذهبهم على مذهبهم، وعنادهم مثل عنادهم، وهم الكفرة في زمن موسى عليه السلام، قد كفروا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ من قبل القرآن، قالُوا في موسى وهارون: سِحْرانِ «1» تَظاهَرا: تعاونا، أو: في موسى ومحمد- عليهما السلام بإظهار تلك الخوارق، أو بتوافق الكتابين. وقرأ الكوفيون:«سِحْران» بتقدير مضاف، أي: ذوَا سحر، أو: جعلوهما سحريْن مبالغة في وصفهما بالسحر. وَقالُوا أي: كفرة موسى وكفرة محمد صلى الله عليه وسلم: إِنَّا بِكُلٍّ بكل واحد منهما كافِرُونَ.
وقيل: أن أهل مكة، لمّا كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن فقد كفروا بموسى وبالتوراة، وقالوا في محمد صلى الله عليه وسلم وموسى: ساحران تظاهرا، أو في التوراة والقرآن: سحران تظاهرا، أو: ذلك حين بَعَثُوا الرهط إلى رؤساء اليهود
(1) قرأ عاصم وحمزة والكسائي: «سحران» بكسر السين وسكون الحاء، بلا ألف، وقرأ الباقون:«ساحران» بفتح السين وألف بعدها وكسر الحاء
…
انظر: الإتحاف (2/ 344) .