الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أُكرم ما أَكرم الله، وأُهين ما أهان الله. ويحتمل أن يكون قولهم ذلك استهزاءً، فكأنهم قالوا: لِمَ لا يرزقهم إلهك الذي تزعم.
قال الكواشي: قد يتمسّك بهذه الآية بعضُ البخلاء، فيقول: لا أُعطي مَن حرمه الله. وليس هذا بصحيح لأن الله تعالى أغنى وأفقر، وجعل للفقير جزءاً من مال الغني كما يشاء. وفي الإحياء: أن المراد بالصدقة وشرعها:
التخلُّص من رذيلة البخل، وذلك نفع يعود على المتصدق، بإخراجه عن حب الدنيا، وتعلُّق قلبه بها، الصادّ عن الله، وهؤلاء لم يفهموا حكمة الله، فقالوا ما قالوا. هـ. ثم قال: إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ في أمركم لنا بالنفقة، أو في غير ذلك من دينكم، أو: يكون من قول الله تعالى للكفرة.
الإشارة: وإذا قيل للعامة: اتقوا ما بين أيديكم، من شدائد الدنيا، وما خلفكم، من أهوال الآخرة، لعلكم تُرحمون فيهما فإن التقوى الكاملة تحفظ الرجل في حياته وبعد مماته، وربما يسري الحفظ إلى عقبه، كما هو مشاهد في عقب أولياء الله. أو: إذا قيل لهم: اتقوا خواطر التدبير فيما بين أيديكم إذ ليس أمره بيدكم، فجُل ما تبنيه من التدبير تهدمه رياح التقدير، وخواطر التدبير، فيما سلف قبلكم، إذ فيه تحصيل الحاصل، وتعطيل الوقت بلا فائدة. لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ بمقام الرضا، وسكون القلب وراحته تحت مجاري القضاء، أعرضوا وانهمكوا في أودية الغفلة والخواطر. وما تأتيهم من آية دالة على وحدانيته تعالى، وانفراده بالخلق والتدبير، إلا كانوا عنها مُعرِضين.
قال القشيري: هذه صفة مَن سَيَّبَهم في أودية الخذلان، ووَسَمَهم بسِمَة الحرمان، وأصَمَّهم عن سماع الرُّشْد، وصَدَّهم بالخذلان عن سلوك القصد، فلا تأتيهم آيةٌ في الزَّجْرِ إلا قابلوها بإعراضهم، وتجافوا عن الاعتبار بها، على دوام انقباضهم، وإذا أُمِرُوا بالإنفاق والإطعام عارضوا بأنَّ الله رازقُ الأنام، وإذا شاءَ نَظَرَ إليهم بالإِنعام. هـ.
ثم ذكر استعجالهم البعث، فقال:
[سورة يس (36) : الآيات 48 الى 54]
وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (48) ما يَنْظُرُونَ إِلَاّ صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49) فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52)
إِنْ كانَتْ إِلَاّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (53) فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلَاّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (54)
يقول الحق جل جلاله: وَيَقُولُونَ- استهزاء-: مَتى هذَا الْوَعْدُ أي: وعد البعث والقيامة إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فيما تقولون. خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه. قال تعالى: ما يَنْظُرُونَ ينتظرون إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً هي: النفخة الأولى، تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ يختصمون، يخصم بعضهم بعضاً في المعاملات، لا يخطر ببالهم أمرها، فتأتيهم بغتة. وقرأ حمزة- بسكون الخاء- من: خصمه: إذا غلبه في الخصومة. وفتح الباقون، مع الاختلاس والنقل وعدمهما. فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً فلا يستطيعون أن يوصوا في أمورهم بشيء، وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ ولا يقدرون على الرجوع إلى منازلهم، بل يموتون حيث يسمعون الصيحة.
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ النفخة الثانية، بعد خُلو الأرض أربعين سنة. والصور: القرن، أو: جمع صورة. فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ القبور إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ يُسرعون في المشي إلى المحشر.
قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مَن أنشرنا مِنْ مَرْقَدِنا مضجعنا؟. قال مجاهد وأُبيّ بن كعب: للكفار هجعة يجدون فيها طعم النوم، فإذا صيح بأهل القبور، قالوا يا ويلنا مَن بعثنا؟ وأنكره ابن عطية، وقال: إنما هو استعارة، كما تقول في قتيل: هذا مرقده إلى يوم القيامة. فتقول الملائكة في جوابهم: هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ، أو يقوله المؤمنون، أو: الكفار، يتذكرون ما سمعوه من الرسل، فيُجيبون به أنفسهم، أو بعضهم بعضاً. و «ما» : مصدرية، أي: هذا وَعْدُ الرحمن وصِدق المرسلين، على تسمية الموعود والمصدوق فيه بالوعد والصدْق. أو: موصولة، أي: هذا الذي وعده الرحمن والذي صَدَقه المرسلون، أي: والذي صدق فيه المرسلون.
إِنْ كانَتْ النفخة الأخيرة إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ للحساب، ثم يقال لهم في ذلك اليوم: فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ من خير أو شر.
الإشارة: إذا كبر يقين العبد صارت عنده الأمور المستقبلة واقعة، والآجلة عاجلة، فيستعد لها قبل هجومها، ويتأهّب للقائها قبل وقوعها، أولئك الأكياس، الذينَ نَظَرُوا إلى بَاطِنِ الدنْيَا، حينَ نَظََرَ النَّاسُ إلى ظاهرها، واهتمُّوا بآجالها، حين اغترّ الناس بعاجلها، كما في الحديث في صفة أولياء الله.