الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مختصة بهم، وهم أحقاء بأن يقال في شأنهم طيبات الكلم. أُولئِكَ الطيبون مُبَرَّؤُنَ مما يقول الخبيثون في حقهم. فمآله تنزيه الصديقة أيضاً. وقيل: الخبيثات من القول لا تصدر إلا من الخبيثين، والطيبات من الكلمات لا تصدر إلا من الطيبين، وهم مبرؤون مما يقوله أهل الخبث، لا يقع ذلك منهم أَلْبَتَّةَ، لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لما لا يخلو عنه البشر من الذنب، وَرِزْقٌ كَرِيمٌ هو نعيم الجنان.
دخل ابن عباس رضي الله عنه على عائشة- رضى الله عنها- في مرضها، وهي خائفة من القدوم على الله عز وجل، فقال: لا تخافي، فإنك لا تقدمين إلا على مغفرة ورزق كريم، وتلى الآية، فغشي عليها: فرحاً بما تلا.
وقالت رضى الله عنها-: (قد أُعْطِيت تسعاً ما أُعْطِيَتْهُنَّ امرأة: نزل جبريل بصورتي في راحته، حين أمر- عليه الصلاة والسلام أن يتزوجني، وتزوجني بكراً، وما تزوج بكراً غيري، وتوفى- عليه الصلاة والسلام ورأسه في حِجْري، وقبره في بيتي، وينزل عليه الوحي وأنا في لحافه، وأنا ابنة خليفته وصديقه، ونزل عذري من السماء، وخُلقت طيبة عند طيب، ووُعدت مغفرةً ورزقاً كريماً)«1» .
الإشارة: الأخلاق الخبيثة مثل الكبر، والعجب، والرياء، والسمعة، والحقد، والحسد، وحب الجاه والمال، للخبيثين، والخبيثون للخبيثات، فهم متصفون بها، وهي لازمة لهم، إلا أن يَصْحُبوا أهل الصفاء والتطهير، فيتطهرون بإذن الله، والأخلاق الطيبات كالتواضع، والإخلاص، وسلامة الصدور، والزهد، والورع، والسخاء، والكرم، وغير ذلك من الأخلاق الطيبة، للطيبين، والرجال الطيبون للأخلاق الطيبات. أولئك مبرءون مما يقول أهل الإنكار فيهم، لهم مغفرة ستر لعيوبهم، ورزق كريم لأرواحهم من قوت اليقين، وشهود رب العالمين. وبالله التوفيق.
ولمَّا كان سبب الإفك هو تهمة الخلوة، أمر بالاستئذان، فقال:
[سورة النور (24) : الآيات 27 الى 29]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (29)
(1) هذه المناقب ثابتة بأحاديث صحيحة. انظرها فى جامع الأصول لابن الأثير (9/ 132- 143) والدر المنثور للسيوطى (5/ 58) .
يقول الحق جل جلاله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ أي: بيوتاً لستم تملكونها ولا تسكنونها، حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا تستأذنوا، وقرئ به، والاستئناس: الاستعلام والاستكشاف، استفعال، من أنَس الشيء: أبصره، فإن المستأذن مستعلم للحال، مستكشف له، هل يؤذن له أم لا، ويحصل بذكر الله جهراً، كتسبيحة أو تكبيرة. أو تَنَحْنُحٍ، وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها، بأن يقول: السلام عليكم، أأدخل؟ ثلاث مرات، فإذا أُذن له، وإلا رجع، فإن تلاقيا، قدّم التسليم، وإلا، فالاستئذان. ذلِكُمْ أي: التسليم خَيْرٌ لَكُمْ من أن تدخلوا بغتة، أو من تحية الجاهلية.
كان الرجل منهم إذا أراد أن يدخل بيتاً غير بيته يقول: حييتم صباحا، حييتم مساء، فربما أصاب الرجلَ مع امرأته في لحاف. رُوي أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أَأَسْتأذنُ على أمي؟ قال: نَعَم، قال: ليس لها خادم غيري، أأستأذن عليها كلما دخلت؟ قال صلى الله عليه وسلم:«أتحُبُّ أن تراها عريانة..؟» «1» . لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ أي: أمرتكم به، أو:
قيل لكم هذا لكي تتعظوا وتعملوا بموجبه.
فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها في البيوت أَحَداً ممن يستحق الإذن، من الرجال البالغين، وأما النساء والولدان فوجودهم وعدمهم سواء «2» ، فَلا تَدْخُلُوها، على أن مدلول الآية هو النهي عن دخول البيوت الخالية لما فيه من الاطلاع على ما يعتاد الناس إخفاءه، وأما حرمة دخول ما فيه النساء والولدان فمن باب الأولى لما فيه من الاطلاع على الحريم وعورات النساء. فإن لم يُؤذن لكم فلا تدخلوا، واصبروا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ من جهة من يملك الإذن، أو: فإن لم تجدوا فيها أحداً من أهلها، ولكم فيها حاجة فلا تدخلوها إلا بإذن أهلها لأن التصرف في ملك الغير لا بد أن يكون برضاه.
وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا أي: إذا كان فيها قوم، وقالوا: ارجعوا فَارْجِعُوا ولا تُلحُّوا في طلب الإذن، ولا تقِفُوا بالأبواب، ولا تخرقوا الحجاب لأن هذا مما يُوجب الكراهية والعداوة، وإذا نهى عن ذلك لأدائه إلى
(1) الحديث أخرجه مالك فى الموطأ (الاستئذان، باب الاستئذان) ، وأبو داود فى مراسيله (باب الاستئذان) وابن جرير فى التفسير (18/ 111) ، عن عطاء بن يسار، مرسلا وأخرجه ابن أبى شيبة فى المصنف (النكاح 4/ 398) ، عن زيد بن أسلم مرسلا، أيضا.
(2)
هذا الرأى، غير مسلم به، فالنساء، قطعا، يدخلن تحت مفهوم «أحد» ، وكذلك الولدان المميزون، فكيف نقول: وجودهم وعدمهم سواء؟ ثم إنه من الثابت فى السنة الصحيحة أنه يجوز الدخول على المغيبة [أي: التي زوجها غائب فى سفر أو غزو، أو نحو ذلك،] فيجوز الدخول عليها بشرط وجود رجلين أو ثلاثة فما أكثر، والدخول يحتاج إلى استئناس واستئذان.. إلخ. فدّل هذا على أن كلام المفسر، هو رأى خاص به، وليس حكما شرعيا. [.....]