الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقول الحق جل جلاله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ أي: يُرخين على وجوههنّ من جلابيبهن فيغطين بها وجوهَهن. والجلباب: كل ما يستر الكل، مثل الملحفة، والمعنى: قل للحرائر يُرخين أرديتهن وملاحفَهن ويغَطين بها وجوههن ورؤوسهن، ليعلم أنهن حرائر فلا يؤذين. وذلِكَ أَدْنى أي: أقرب وأجدر، أَنْ يُعْرَفْنَ من الإماء فَلا يُؤْذَيْنَ، وذلك أن النساء في أول الإسلام كن على زيهنَّ في الجاهلية متبدّلات، تبرز المرأةُ في درج وخمار، لا فَصْل بين الحُرّة والأَمَة. وكان الفتيان يتعرّضون للإماء، إذا خرجن بالليل لقضاء حاجتهنّ في النخيل والغَيْضات «1» ، وكن يخرجن مختلطات مع الحرائر، فربما تعرّضوا للحُرّة، يحسبونها أَمَة، فأُمِرن أن يخالفن بزيهنّ عن زي الإماء بلباس الجلابيب، وستر الرؤوس والوجوه، فلا يطمع فيهنّ طامع.
قال ابن عباس رضي الله عنه: أمر الله تعالى نساء المؤمنين أن يغطين رؤوسهن ووجوههن بالجلابيب، ويُبدين عيناً واحدة. قلت: وقد مرَّ في سورة النور «2» أن الوجه والكفين ليس بعورة، إلا لخوف الفتنة، وأما الإماء فلا تسترن شيئاً إلا ما بين السرة والركبة، كالرجل. قال أنس: مرتْ جارية متقنعة بعمر بن الخطاب فعلاها بالدرة، وقال:
يا لكاع أنت تشبهين بالحرائر، فألقِ القناع. وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً لِما سلف منهن من التفريط، رَحِيماً بتعليمهن آداب المكارم.
الإشارة: ينبغي لنساء الخواص أن يتميزن من نساء العامة بزيادة الصَوْن والتحفُّظ، وقلة الخروج، فإذا لزمهنَّ الخروج، فليخرجن في لباس خشين، بحيث لا يُعرفن، أو يخرجن ليلاً. وثبت أن زوجة الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه لم تخرج من دارها إلا خرجتن خرْجة حين زُفت إلى زوجها، وخرجة إلى المقابر. نفعنا الله ببركاتهم. آمين.
ثم هدد المنافقين، حيث كانوا [يؤذوان]«3» رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، فقال:
[سورة الأحزاب (33) : الآيات 60 الى 62]
لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَاّ قَلِيلاً (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً (62)
(1) الغيضة: هى الشجر الملتف، وجمعه: غياض وغيضات. انظر اللسان (غيض 5/ 3327) . [.....]
(2)
راجع تفسير الآية 31 من سورة النور.
(3)
فى الأصول الخطية [يؤذوا] ..
قلت: (لنُغرينك) : جواب القسم المغني عن جواب الشرط. و (ثم لا يُجاورنك) : عطف عليه لأنه يصح أن يُجاب به القسم لصحة قولك: لئن لم ينتهوا لا يُجاورنك، ولَمَّا كان الجلاء عن الوطن أعظم من جميع ما أُصيبوا به عطف بثم، لبُعد حاله عن حال المعطوف عليه. و (ملعونين) : نصب على الشتم أو الحال، والاستثناء دخل على الظرف والحال معاً، أي: لا يُجاورنك إلا قليلاً في اللعنة والبُعد، ولا يصح نصبه بأُخذوا لأن ما بعد حرف الشرط لا يعمل فيما قبله.
يقول الحق جل جلاله: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ عن نفاقهم وإيذائهم، وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فجور، وهم الزناة من قوله:«فيطمع الذي في قلبه مرض» . وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ، وهم أُناس كانوا يُرجفون بأخبار السوء في المدينة، من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولون: هُزموا وقُتلوا، وجرى عليهم كيت وكيت، فيكسرون بذلك قلوبَ المؤمنين. يقال: رجف بكذا: إذا أخبر به على غير حقيقته لكونه خبراً مزلزلاً غير ثابت، من:
الرجفة، وهي الزلزلة، لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ: لنأمرنك بقتالهم وإجلائهم، أو ما يضطرهم إلى طلب الجلاء، أو:
لنُسلطنك عليهم، ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها في المدينة إِلَّا زمناً قَلِيلًا.
والمعنى: لئن لم ينته المنافقون عن عداوتهم وكيدهم، والفسقة عن فجورهم، والمرجفون عما يُلقون من أخبار السوء، لنأمرنك بأن تفعل بهم الأفاعيل التي تسوءهم، بأن تضطرهم إلى طلب الجلاء من المدينة، وألاّ يُساكنوك فيها إلاّ زمناً قليلاً، ريثما يرتحلون. فسمّي ذلك إغراء، وهو التحريشُ، على سبيل المجاز. حال كونهم مَلْعُونِينَ أي: لا يجاورونك إلا ملعونين، مُبعدين عن الرحمة أَيْنَما ثُقِفُوا وُجدوا، أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا، والتشديد للتكثير.
سُنَّةَ اللَّهِ أي: سنَّ اللهُ ذلك سُنَّة فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ في المنافقين الذين كانوا يُنافقون الأنبياء من قبل، ويسعون في وهنهم بالإرجاف ونحوه أن يقتّلوا أينما وُجدوا، وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا أي: لا يُبدل الله سُنَّته ولا يقدر أحد أن يبدلها، بل يُجريها مجرىً واحداً في الأمم كلهم.
قال ابن جزي: تضمنت الآية وعيد هؤلاء الأصناف إن لم ينتهوا، ولم ينفُذ الوعيد فيهم. ففي ذلك دليل على بطلان القول بوجوب إنفاذ الوعيد في الآخرة. وقيل: إنهم انتهوا وستروا أمرهم فكف عنهم إنفاء الوعيد. هـ.
الإشارة: منافقو الصوفية هم الذين ينتسبون إلى الصوفية، ويدّعون محبة القوم، وهم يعترضون على الفقراء، ويرفعون الميزان عليهم، وهم الذين في قلوبهم مرض، أي: حيرة وضيق من غم الحجاب إذ لو ارتفع عنهم